خبر عار لاهاي.. هآرتس

الساعة 12:21 م|17 سبتمبر 2009

بقلم: جدعون ليفي

لكل كرة عنوان ولكل عمل اجرامي شخصا مسؤولا عنه. الغطاء الرقيق الذي نجحت اسرائيل بتغليف نفسها به اثر عملية الرصاص المصهور تمزق نهائيا، وتعالت معه الاسئلة الصعبة. عندما اصبح التساؤل حول تنفيذ جرائم حرب في غزة غير ذي صلة، بعد ان حصل على اكثر من جواب موثوق وحازم، يجب ان يطرح السؤال المترتب على ذلك الان: من المذنب؟ ان كانت هناك جرائم حرب في غزة فهذا يعني ان مجرمي الحرب يتجولون بيننا. عليهم ان يتحملوا المسؤولية وتلقي العقاب بناء على ذلك. هذا هو الاستنتاج الخطير الذي يتمخض عنه تقرير الامم المتحدة المفصل.

طوال عام تقريبا ونحن نحاول الادعاء بأن الدم الذي أرقناه في غزة سدى هو ماء. تقرير بعد تقرير والاستنتاجات تتلاحق متشابهة بصورة تثير الجزع. حصار وفسفور ابيض وتعرض للابرياء وتدمير للبنى التحتية، جرائم حرب – هذا ورد في كل التقارير بلا استثناء. ولكن بعد نشر التقرير الهام والاكثر اهمية وخطورة منها جميعا، تقرير القاضي ريتشارد غولدستون تتحول محاولات اسرائيل للتملص الى مشهد ساخر ويصبح تهجم الناطقين باسمها غير سليم بالمرة.

الدعاية الاسرائيلية ركزت على المبعوثين حتى الان وليس على الرسالة التي يحملونها – محقق هيومان رايتس ووتش يجمع الرموز النازية، منظمة "يكسرون الصمت" هي شركة محدودة الضمان، ومنظمة العفو الدولية لاسامية – كل هذه هي افتراءات دعاية رخيصة. في هذه المرة كان المبعوث ايضا يتمتع بالحصانة: لا يمكن لاحد ان يدعي بجدية ان غولدستون صهيوني نشط ومتحمس وان له يدا وقدما في اسرائيل. هو لاسامي. هذا امر سخيف.

صحيح ان بعض المختصين بالدعاية ظهروا بالامس محاولين اشهار السلاح اللاسامي في وجه غولدستون، ولكنهم هم ايضا يعرفون ان هذا كلام فارغ لا اساس له. كانت هناك حاجة للاصغاء بالامس للمقابلة المثيرة للانفعال التي اجراها رازي باركائي مع نيكول ابنة غولدستون – حيث تحدثت بالعبرية عن الصراع النفسي الذي مر به والدها المقتنع انه لولا وجوده لكان التقرير اشد جسامة باضعاف المرات – من اجل الادراك ان غولدستون محب لاسرائيل وصديق حقيقي لها. هو يريد فقط اسرائيل اكثر عدالة.

كما ان احدا لا يستطيع التشكيك بمكانته كقاض دولي رفيع المستوى ذو سمعة وصيت. من لم يكذب بصدد رواندا ولم يخطىء في يوغسلافيا لن يفعل ذلك بصدد غزة. المدعي العام الرئيس السابق لمحكمة لاهاي الدولية ليس مرجعية قانونية فقط وانما مرجعية اخلاقية رفيعة المقام وبصفته هذه لم يعد بامكاننا ان نشتكي ضده. آن الاوان لتقديم الشكاوي ضد المتهم. المسؤولون عما حدث هم اولا ايهود اولمرت وايهود باراك وغابي اشكنازي الذين لم يدفعوا حتى الان - ومن الصعب  تصديق ذلك - اي ثمن جماهيري عما ارتكبوه.

"الرصاص المصهور"، تلك الهجمة المنفلتة على السكان المدنيين المحاصرين المفتقدين لكل وسائل الحماية والدفاع عن النفس والذين لم يظهروا مظاهر مقاومة تقريبا في حرب لم تكن حربا، يفترض ان تثير في اسرائيل عاصفة كبيرة فورا. هذه كانت صبرا وشاتيلا خاصة التي ارتكبناها بأيدينا. ولكن بعد صبرا وشاتيلا اهتاجت الخواطر عندنا هنا، اما بعد "الرصاص المصهور" فقد وزعوا الاوسمة والميداليات.

التناسب المخيف بين عدد القتلى – مائة فلسطيني مقابل كل اسرائيلي – كان كافيا لهز المجتمع كله. لم تكن هناك حاجة لانتظار غولدستون من اجل الادراك، بأن شيئا فظيعا قد حدث بين داود الفلسطيني وجوليات الاسرائيلي. ولكن الاسرائيليين فضلوا حرف انظارهم او الوقوف مع ابنائهم فوق الجبال قبالة غزة والتصفيق لعمليات القصف القاتلة.

برعاية وسائل الاعلام المتجندة والمحللين والخبراء في شؤون المخالفات الذين أسكتوا اية معلومات، والرأي العام اللامبالي المغسول الدماغ، تصرفت اسرائيل وكأن شيئا لم يحدث. غولدستون وضع حدا لذلك يجب ان نعبر له عن امتناننا. في اثره ستأتي الخطوات والاعمال المطلوبة ايضا.

كان من الافضل لو ان اسرائيل استجمعت قواها وصحت في موعد مبكر وتمعنت في افعالها، ليس من خلال التحقيقات الملفقة التي يجريها الجيش الاسرائيلي وليس بانتظار غولدستون. يجب محاسبة اولمرت وتسيبي لفني ايضا عن قراريهما الفاضح بعدم التعاون مع غولدستون ولكن هذا حليبا قد انسكب على الارض. الان حيث يشق التقرير طريقه الى محكمة لاهاي الدولية وقد يتم التوقيع على اوامر الاعتقال، لم يتبق الا تشكيل لجنة تحقيق رسمية فورا من اجل تجنب عار لاهاي.

وربما عندما سنخرج مرة اخرى في حرب عدمية بائسة سنأخذ بالحسبان ليس فقط عدد قتلانا المتوقع وانما ايضا الثمن السياسي الفادح الذي سيترتب على هذه الحرب. عشية رأس السنة العبرية تصبح اسرائيل دولة منبوذة ومشجوبة في العالم وعن حق. من المحظور ان ننسى لحظة واحدة.