خبر استراتيجية جديدة تجاه إيران ..روبن رايت

الساعة 11:56 ص|15 سبتمبر 2009

استراتيجية جديدة تجاه إيران

روبن رايت

ـ الاتحاد الإماراتية 15/9/2009

الافتراضات السابقة حول إيران والتي استمرت عقودا ثلاثة - بما فيها الأطروحات المتعلقة بالانفتاح الأخير عليها - تغيرت تغيراً تاماً بسبب التطورات السريعة في هذه الدولة، بما يجعلنا نرى أن الوقت قد حان لإعادة النظر في سياستنا معها.

وقرار إدارة أوباما الخاص بالانفتاح على إيران كان قرارا صائبا، بيد أن الحملة الوحشية التي يشنها النظام الديني في إيران على المعارضة منذ انتخابات الثاني عشر من يونيو الرئاسية، والتي رافقتها حملة تطهير لكبار السياسيين من خلال محاكمات صورية، تمثل نقطة تحول في مسار الثورة الإيرانية. وتدفع الولايات المتحدة إلى مقاربة أعمق للموضوع.

يقدم لنا التاريخ الحديث خطوطاً إرشادية ذات صلة، يمكن أن تفيد في هذا السياق: فأهم ثلاث ثورات في القرن العشرين من حيث التأثير والإبداع السياسي هي تلك التي وقعت في الاتحاد السوفييتي والصين وإيران. وفي ذروة فترة البارانويا الثورية، شهد الاتحاد السوفييتي والصين اضطرابات مماثلة لتلك التي تجري في إيران في الوقت الراهن. ولكن عقب تلك الفترة بوقت قصير، عملت موسكو وبكين على تغيير مسارهما، والتحول من نظام ثوري متحدٍ ، إلى نظام يقود دولة عادية لديها الرغبة في العمل ضمن النظام الدولي، وترميم علاقتها مع الولايات المتحدة.

إدارة أوباما ستكون على صواب، إذا حاولت معرفة الأسباب التي تجعل إيران تشعر بأن فوائد الانتقال إلى الحالة العادية، تفوق بكثير أكلاف التمسك بالتطرف الثوري.

والتحول في موقف البلدين ارتبط - جزئياً - بنضجهما الثوري حسب "كرين برينتون" في كتابه المعنون "تشريح الثورة"، وهو النضج الذي يقود في رأيه للمرحلة الأخيرة من " النقاهة الثورية" التي تستمر لسنوات بل لعقود. والثورة الإسلامية، تسير على نفس المسار، حيث تضع انتفاضتها الحالية هؤلاء الذين يرغبون في تحويل إيران إلى دولة عادية وجها لوجه أمام الثوريين المتعصبين.

فمن خلال عصيانهم المدني منذ يونيو، أظهر ملايين الإيرانيين أنهم على استعداد للعودة إلى الحالة العادية (غير الثورية) وهو ما يجب أن يدفع الولايات المتحدة للنظر إليهم كعنصر يجب أخذه في الاعتبار عند صياغة سياستها.

غير أن استقراء تاريخ الثورات يبين أن هناك دوما حاجة لعنصر مساعد من أجل إطلاق التحول الحيوي. وكان هذا العنصر المساعد يتمثل تقليدياً في واحد من العوامل الثلاثة التالية: تحدي جيو -استراتيجي، حاجة اقتصادية، أو ضرورة سياسية. بمعنى آخر أن الثورة تحتاج إلى تحويل العدو إلى حليف حتى تتمكن من البقاء والاستمرار.

وأهم ثلاث مبادرات قامت بها إيران تجاه الولايات المتحدة تندرج في هذا المفهوم. ففي عام 1986 الذي مثل مفترقا حاسما في الحرب التي كانت تخوضها ضد العراق، كانت طهران على استعداد للتعامل سرا مع الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل الحصول على الأسلحة وعلى وجه الخصوص صاروخ (تاو) الموجه ضد الدبابات. وحتى بعد كشف النقاب عن الصفقة التي أبرمتها مع الولايات المتحدة، والتي تمت على أساس الأسلحة مقابل الأسرى الأميركيين في طهران، فإن النظام الإيراني لم يجد غضاضة مع ذلك في إرسال مبعوث سري إلى البيت الأبيض لاستكشاف إمكانيات عقد صفقات مماثلة. وفي بواكير التسعينيات، قدمت إيران أكثر الصفقات البترولية إغراءً في التاريخ لشركةConoco الأميركية البترولية، لتطوير حقولها البترولية والغازية البحرية، من أجل توفير الأموال اللازمة لمواجهة نفقات عملية إعادة التعمير والتحديث في فترة ما بعد الحرب. وفي عام 2001، وبعد أن أطاحت الولايات المتحدة بـ "طالبان" أفغانستان، تعاونت طهران مع واشنطن في تشكيل حكومة جديدة. وفي عام 2003، وبعد أن أطاح الغزو الأميركي للعراق بصدام حسين، مدت إيران قرون استشعارها ـ مدفوعة بذلك جزئيا من قبل السويسريين ـ لتلمس إمكانية حل خلافاتها مع واشنطن خصوصا بعد أن وجدت نفسها محاصرة بقوات أميركية على جبهتين. لكن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تستغل تلك الفرص التي مدت فيها إيران يدها للتعاون معها. والتحدي المطروح أمام أميركا الآن، هو خلق مجموعة من الفرص التي يمكن أن تجعل طهران تشعر أن توقيع صفقة حقيقية معها هو أمر يصب في مصلحتها. ففي مثل هذه الحالة، سوف يكون للاشتباك السلمي الذي يسعى إليه أوباما مع إيران فرصة حقيقية للنجاح. أما الدبلوماسية التي تركز بشكل أساسي على البرنامج النووي الإيراني فلا يتوقع لها النجاح، وهو ما يرجع لأن إيران تنظر إلى الضغط الذي يمارس عليها لإجبارها على إنهاء برنامجها الخاص بتخصيب اليورانيوم، على أنه يمثل تحدياً من ناحية، وعرقلة لتقدمها الاقتصادي من ناحية أخرى. علاوة على ذلك فإن فرض المزيد من العقوبات - خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار الموقف الروسي والصيني منها - لايتوقع له أيضاً أن يشكل بمفرده وسيلة للضغط على إيران ودفعها للتعاون.

كما أن الضربة الجوية أيضا ليس متوقعا لها النجاح، بل وقد تؤدي في حال حدوثها إلى حشد مشاعر الوطنية الفارسية حول النظام . في تقديرنا أن إدارة أوباما سوف تكون على صواب، إذا ما تراجعت للوراء قليلا، وراجعت حساباتها، وحاولت معرفة الأسباب التي يمكن أن تجعل إيران تشعر أن الفوائد التي ستعود عليها من الانتقال إلى الحالة العادية، تفوق بكثير أكلاف التمسك بالتطرف الثوري الذي يلقى في الوقت الراهن رفضا متزايدا من قبل شعبها.

ـــــــــــــــــــ

روبن رايت: عضو مركز وودرو ويلسون الدولي للعلماء

روبرت ليتواك: المدير السابق لحظر الانتشار النووي بمجلس الأمن القومي الأميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"