خبر مشروع نيتانياهو للفصل بين الملفات ..د‏.‏ محمد السعيد إدريس

الساعة 11:54 ص|15 سبتمبر 2009

مشروع نيتانياهو للفصل بين الملفات

 

د‏.‏ محمد السعيد إدريس ـ الأهرام المصرية 15/9/2009

الأسئلة الكثيرة التي فرضها الاختفاء الغامض لرئيس الحكومة الاسرائيلية يوم الاثنين‏(‏ السابع من سبتمبر الجاري‏)‏ علي نحو ما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت تكشف عن مدي التحفز والتوتر الداخلي في إسرائيل وعن مدي الارتباك الحاصل في إدارة السياسة العليا في ظل تدافع التطورات الخاصة بالملفين الساخنين مثار الأولوية القصوي للحكومة الإسرائيلية وهما‏:‏ الملف النووي الايراني والملف الفلسطيني‏.‏

اللافت للانتباه هنا أن المعلومات التي جري تسريبها حول أسباب وخلفيات اختفاء نيتانياهو تتركز معظمها حول أمور لها علاقة مباشرة بهذين الملفين وبالعلاقة بينهما‏.‏ بعض هذه المعلومات رجح أن يكون نيتانياهو قد ذهب في زيارة سرية سريعة لموسكو لإقناع القيادة الروسية بعدم بين طائرات متقدمة أو صواريخ متطورة مضادة للطائرات من طراز اس‏300‏ لإيران‏,‏ وللضغط علي لروسيا للقبول بالعقوبات التي يجري إعدادها من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا للرد علي أي تلكؤ إيراني للقبول بمطالب مجموعة دول‏5+1(‏ الدول الخمس الكبري دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا‏).‏ وقد جري تفسير ذلك بأن إسرائيل تتحسب جيدا لتطورات المفاوضات المقبلة بين إيران ومجموعة دول‏5+1‏ من ناحية تصعيد العقوبات علي نحو ما تخطط الولايات المتحدة بالتوافق معها ومن ناحية الاستعداد الاسرائيلي لخيار الحرب ضد إيران حتي ولو بدون مساعدة أمريكية إذا فشلت العقوبات الاقتصادية في أن تفرض علي ايران التوقف عن تطوير برنامجها النووي عند الحد الذي لا يسمح بإنتاج أسلحة نووية‏.‏

معلومات أخري رجحت أن يكون نيتانياهو قد ذهب في زيارة سرية لإحدي الدول العربية التي ليست لها علاقة بإسرائيل‏,‏ أو أنه التقي سرا في إحدي منشآت المخابرات الإسرائيلية‏(‏ الموساد‏)‏ مع شخصية سياسية عربية لا تقيم بلادها علاقات رسمية مع اسرائيل‏,‏ وفي الحالتين فإن الأمر يتعلق بتطورات القضية الفلسطينية وجهود الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإقناع إسرائيل بالتوقف عن الاستمرار في سياسة التوسع الاستيطاني وبناء المستوطنات في القدس الشرقية المحتلة والضفة الغربية مقابل سلام إقليمي واسع يرتكز علي تطبيع للعلاقات بين الدول العربية وإسرائيل ضمن صفقة أو مقايضة تربط بين القضية الفلسطينية والبرنامج النووي الايراني‏.‏

هذه الصفقة أو المقايضة هي ما يشغل إسرائيل الآن في ظل ما يطرح إعلاميا داخل إسرائيل من مطالب للرئيس الأمريكي تتعلق بما يسمونه تنازلات إسرائيلية في ملف الاستيطان مقابل الحصول علي الدعم العربي المطلوب للعمل ضد إيران ضمن ما هو متوافق عليه أمريكيا وإسرائيليا من إصرار علي منع إيران من امتلاك أسلحة نووية‏.‏

موشيه أريتز‏,‏ وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق‏,‏ يفند هذه المقايضة ويشكك في جدية ما يطرح من معلومات بخصوصها ويصفها بأنها سخيفة لأسباب كثيرة أبرزها أن تخيير إسرائيل بين الاستمرار في بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس وبين التهديد النووي الإيراني لم يطرح علي هذا النحو‏,‏ وأنه لو طرح هكذا فلا مجال للتردد الإسرائيلي بأي حال من الأحوال لأنه لا قيمة لوجود مثل هذه المستوطنات في ظل تهديد الوجود الإسرائيلي كله بالخطر النووي الإيراني‏,‏ لكن الأمر‏,‏ كما يري موشيه أريتز‏,‏ ليس هكذا‏,‏ فواشنطن لا تطرح مقايضة بين إنهاء الخطر النووي الإيراني وبين المستوطنات لأن إنهاء الخطر النووي الايراني هدف أمريكي إلي جانب كونه هدفا إسرائيليا‏.‏ أما بخصوص حاجة الرئيس الأمريكي إلي الحصول علي تنازلات إسرائيلية لتقديمها كإغراء للدول العربية كي تقبل بالانخراط في أي خطة ضد إيران فهذا أيضا غير حقيقي‏,‏ كما يري أريتز‏,‏ لأن هذه الدول لا تربط بين فرض عقوبات مشددة ضد إيران أو حتي شن حرب ضدها وبين تقديم تنازلات إسرائيلية‏,‏ فهذه الدول مع كل الضغوط علي إيران بغض النظر عن مسألة التنازلات الإسرائيلية‏,‏ علاوة علي أن هذه الدول لا تملك قدرة الضغط لي واشنطن‏.‏

ما يريد أن يصل إليه موشيه أريتز هو ما يخطط له بنيامين نتنياهو وحكومته وهو فك أي ارتباط بين الملف النووي الإيراني والملف الفلسطيني‏,‏ وبدلا من إجبار إسرائيل علي تقديم تنازلات للعرب في الملف الفلسطيني مقابل موافقتهم علي الخطط والمشاريع الأمريكية ــ الإسرائيلية التي تستهدف البرنامج النووي الإيراني‏,‏ يجب توظيف هذه الخطط كأوراق مساومة مع الدول العربية من أجل إقناعها بالانخراط ليس في مجرد علاقات سلام تقليدية مع إسرائيل بل في علاقة شراكة باتت ضرورية لتشكيل جبهة إقليمية ضد إيران‏,‏ والترويج لفكرة أن المواجهة مع إيران تفرض ترتيبات إقليمية موسعة سواء أخذت هذه المواجهة شكل الحرب المباشرة أو أخذت شكل العقوبات الاقتصادية المشددة‏.‏ هذه الشراكة الإقليمية هي البديل الاسرائيلي لفكرة المقايضة بين الملفين الايراني والفلسطيني التي يرفضها الإسرائيليون والتي يشنون بسببها هجوما ضاريا علي إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما‏,‏ وبدلا من الربط بين الملف الإيراني والملف الفلسطيني يروجون للربط بين احتواء إيران والشراكة العربية ــ الاسرائيلية وبالذات مع الدول العربية المعتدلة التي اتجه بعضها للتعامل مع إيران كعدو بديل لإسرائيل‏.

‏ وهم هنا يروجون للخطر النووي الإيراني كما يروجون لمخاطر تمدد النفوذ الإيراني في الإقليم باعتباره تهديدا للمصالح العربية كما هو تهديد للمصالح الإسرائيلية لإغراء العرب بالقبول بهذه الشراكة دون مطالبة إسرائيل بتقديم تنازلات في الملف الفلسطيني‏.‏

هذا التفكير الإسرائيلي الجديد يركز علي استخدام إيران كـ فزاعة للعرب من أجل فرض ما هو أكثر من التطبيع دون تقديم أي مقابل ودون دفع أي ثمن في الملف الفلسطيني‏,‏ فالرفض الإسرائيلي المطلق لوقف سياسة الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية ليس له غير معني واحد هو أن الاسرائيليين لا يفكرون في أي نوع من الانسحاب من الضفة الغربية علي نحو ما سبق أن أكد بنيامين نيتانياهو عندما وصف قرار الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بأنه كان من أسوأ القرارات وأن حكومته ليس في نيتها تكرار هذا الخطأ الفادح‏.‏ هدف هذا التفكير هو الفصل بين الملفات علي عكس ما تريد الإدارة الأمريكية‏,‏ كضرورة لتركيز الاهتمام علي المواجهة مع إيران‏,‏ ومن أجل ذلك سوف تحرص الحكومة الإسرائيلية علي أن تبدو ملتزمة بما اتفق عليه مع إدارة الرئيس أوباما من تشكيل لجنة رفيعة المستوي مهمتها تقويم التطور الحاصل في إدارة واشنطن لأزمة الملف النووي الإيراني‏,‏ وهي اللجنة التي تعتبر من ثمار الزيارة الناجحة التي قام بها الجنرال جيمس جونز مستشار الأمن القومي الأمريكي لإسرائيل في الأسبوع الأخير من أغسطس الماضي‏.‏

في هذه الزيارة‏,‏ وحسب ما كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تجاوزت واشنطن إطار التنسيق مع إسرائيل إلي إطار الشراكة في مواجهة الملف النووي‏,‏ حيث جري إطلاعها علي حزمة عقوبات مشددة سيجري فرضها علي إيران بشكل متدرج لإجبارها علي التخلي عن برنامجها النووي‏,‏ لكن يبقي الخيار النهائي إسرائيليا‏,‏ فإذا فشلت سياسة العقوبات هذه ستكون إسرائيل مضطرة للجوء إلي الخيار العسكري إن لم يكن بدعم إمريكي وغربي فبدون أعتراض نظرا لامتلاكها في هذا الوقت كل المبررات التي تراها كافية للقيام بهذا العمل‏,‏ ولعل في الزيارة الغامضة التي يقال إن نتنياهو قام بها سرا إلي موسكو ما يكشف بعض خفايا المخططات الإسرائيلية تحسبا للإقدام علي هذا الخيار‏.‏