خبر نتنياهو يهزم أوباما متسلحاً بالحنان الفلسطيني .. بلال الحسن

الساعة 02:41 م|13 سبتمبر 2009

بقلم: بلال الحسن

الجميع في البلاد العربية ينتظرون أن يعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، خطته لتسوية القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. والقاعدة في حالات الانتظار أن لا يبادر أحد لإصدار أحكام مسبقة. هنا يفضل الكل تأجيل إصدار الأحكام حرصا على الموضوعية. وثمة نقطة أخرى في هذه المسألة، وهي أن الجميع في البلاد العربية والإسلامية، ينتظرون من خطة أوباما حين يعلنها، أن تكون منسجمة مع روح الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة ودشن به سياسته تجاه العالم العربي والإسلامي.

السؤال هنا: هل نحن بحاجة للانتظار حتى نحافظ على الموضوعية في التعاطي مع أوباما وخطته المنتظرة؟ أخشى أن يكون الجواب سلبيا، وذلك لأن إدارة أوباما أبلغتنا سلفا، وبوسائل عدة، الشيء الكثير عن طبيعة الخطة التي ستعلنها، حتى أصبح من الممكن أن نصوغ نحن بنود تلك الخطة حتى بتفاصيلها. وقد تم الإبلاغ عن الخطة الأميركية المنتظرة، أحيانا بالمواقف المعلنة، وأحيانا أخرى بالمواقف الصامتة إزاء إجراءات مضادة لتلك الخطة، وبخاصة تلك المواقف التي بادرت إليها الحكومة الإسرائيلية وطرحت فيها قفاز التحدي أمام الرئيس الأميركي منذ اليوم الأول، معلنة رفضها لطلبه بوقف الاستيطان، بل ومتحدية رغبته من خلال الإعلان عن استيطان جديد وكثيف. وما نستطيع أن نقوله في ضوء ذلك هو أن الرئيس أوباما، وبعد أن بشرنا بسياسة أميركية جديدة، لم يلتزم بوعوده، بل وواصل في ما يخص القضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي، وحروب العالم الإسلامي، تطبيق سياسة أسلافه المحافظين الجدد، ومن دون تغيير يذكر، سوى الإكثار من الكلام الطيب الذي لا يجد طريقه للتطبيق. ولنستذكر هنا عناوين سياسة السلف والخلف:

أولا: الحرب في أفغانستان مستمرة، وهي تزداد عنفا وشراسة، وهي تطال المدنيين دائما بحجة محاربة طالبان. وحتى كبار المتعاونين مع الاحتلال الأميركي لأفغانستان، وفي مقدمتهم الرئيس كارزاي، أعلنوا رفضهم وغضبهم على تلك الغارات.

ثانيا: الحرب في باكستان مستمرة، وقصف المدنيين فيها أصبح هو القاعدة، وتمارس الحرب هناك من خلال تحد للحكومة الباكستانية يضعف وضعها الداخلي، ويجعلها عاجزة عن الوقوف بفعالية أمام أعمال العنف، بسبب السياسة الأميركية الحمقاء ضد المدنيين.

ثالثا: الاحتلال في العراق مستمر، والحاكمون في العراق هم أصدقاء الاحتلال الأميركي. وقد انقسم هؤلاء الأصدقاء الآن إلى فريقين متنازعين يتهم كل فريق منهما الآخر بتهم كبيرة. ويتحول جزء من هذه الاتهامات ضد سورية، وبما يشبه الرغبة في شن حملة سياسية ضدها، تكرر الحملة التي تم شنها من لبنان بعد اغتيال الحريري عام 2005. وإذا كانت حملة لبنان قد تلاشت، فها هي تظهر ثانية من بغداد، حاملة الحجج نفسها، ومعلنة الأهداف نفسها، أي التهديد بالمحكمة الدولية. ولا يمكن لعاقل أن يقتنع بأن هذا الذي يجري بين حلفاء الاحتلال الأميركي من جهة، وضد سورية من جهة أخرى، أمر بعيد عن سلطة الاحتلال الأميركي ونواياه، ويعبر عن نفسه رغم خطاب أوباما الإسلامي في القاهرة.

رابعا: القضية الفلسطينية. وهنا عنوان أساسي بشرنا أوباما أنه سيتعامل معه بجدية ومن أجل إنجاز تسوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، عجز أسلافه المحافظون الجدد عن إنجازها. وقد حظي هذا البند في سياسة أوباما المبشر بها، بالاهتمام الأوسع لدى الفلسطينيين والعرب، وبخاصة بعد ما رفع الرئيس الأميركي مطلبه بضرورة وقف الاستيطان الإسرائيلي. وقف الاستيطان وليس إلغاء الاستيطان. ولكن ما هي إلا أسابيع قليلة حتى تحول التفاؤل الفلسطيني والعربي إلى حذر، وبدأ الحذر يزداد يوما بعد يوم حتى تحول إلى نوع من التشاؤم.

كان المطلب الأميركي الأول موجها إلى إسرائيل، بأن تبادر إلى وقف الاستيطان. وقف الاستيطان وليس إلغاء الاستيطان. وهو أمر رفضته حكومة نتنياهو، فماذا كان رد الفعل الأميركي؟ تحول الطلب الأميركي ببساطة من الإسرائيليين إلى العرب، وأصبح مطلوبا من العرب أن يقدموا مبادرات تطبيعية لتشجيع إسرائيل وإقناعها بالقدوم إلى طاولة المفاوضات. وتوقع الفلسطينيون والعرب، في مواجهة هذا التحدي المباشر للرئيس أوباما، أن تلوح أميركا بإمكان الضغط على إسرائيل. وأميركا هي، كما يعرف الجميع، الجهة الوحيدة القادرة على الضغط على إسرائيل، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ليس بالإجراءات العملية، إنما بالتلويح فقط. فإسرائيل تعتمد على أميركا بحيث إن التلويح بالضغط فقط يكفي لإحداث الأثر المطلوب. ولكن شيئا من هذا لم يحدث. وهنا أدرك الفلسطينيون والعرب، أن الرئيس أوباما لا يملك مبادرة جديدة، وأنه لا يرغب بتغيير أسس الاقتراب الأميركي من القضية الفلسطينية. أي لا يرغب باعتماد قاعدة القانون الدولي في التعامل مع إسرائيل، ولا يرغب بالابتعاد عن قاعدة توازن القوى التي اتبعت دائما لأنها تضمن التفوق لإسرائيل. وبهذا تبقى السياسة الأميركية تجاه إسرائيل قائمة كما هي دون تغيير.

ثم ازداد الموقف الأميركي سوءا حين أقدمت إسرائيل على تحدي أوباما دون أن يصدر عن الإدارة الأميركية أي رد فعل سوى التصريحات المخففة اللهجة. فقد أعلنت حكومة نتنياهو بدء عملية مكثفة للاستيطان، لا تتوقف إلا حين تبدأ الإجراءات العملية للمفاوضات. ولا يصدق أحد طبعا أن إسرائيل تستطيع تحدي الإدارة الأميركية دون خوف أو وجل، وهي التي تستطيع أن توقف التحدي الإسرائيلي بإشارة واحدة من يد الرئيس، إلا حين يكون الرئيس الأميركي راغبا بهذا التحدي الإسرائيلي، لتبرير مواقفه أمام الأطراف الأخرى، وهي هنا الطرف العربي بالأساس. في سياق هذا المشهد، نرى مواصلة أميركية للسياسة القديمة نفسها. ونرى مواصلة إسرائيلية للسياسة القديمة نفسها. ولا نرى أي تغير في المشهد إلا في السياسة الفلسطينية فقط، كما تعبر عنها سلطة الضفة الغربية، وحكومة الضفة الغربية، ومؤسسات الضفة الغربية. إنها كلها لا تريد أن ترى الموقف الأميركي، ولا تريد أن ترى الموقف الإسرائيلي. وهي لا ترغب حتى بأن ترى. وفي دبلوماسية العيون المقفلة هذه، تواصل سلطة الضفة الغربية تنفيذ التعاون الأمني مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتواصل تطبيق نظرية السلام الاقتصادي (حسب خطة سلام فياض المعلنة)، وتواصل خطة حصار غزة ومحاولة وضعها خارج المشهد السياسي كله، والنتيجة تمكين فلسطيني لإسرائيل في الضفة الغربية، يضاف إلى التمكين الاستيطاني الذي تمارسه بنفسها. ولدينا في هذا الصدد شهادة شديدة القسوة، كتبها وشرحها عاموس هارئيل في صحيفة "هآرتس" تحت عنوان "الثورة الهادئة في الضفة الغربية: تنسيق أكثر مع السلطة الفلسطينية وقتلى أقل". وجميل أن يكون هناك دائما قتلى أقل، ولكن العنوان الذي يمكن كتابته لهذا المقال هو: قتلى أقل من الإسرائيليين، وقتلى أكثر من الفلسطينيين. إذ يقول الكاتب في مقاله: في امتحان الدم منذ مطلع العام 2009، قتل 13 فلسطينيا في الضفة الغربية مقابل 4 إسرائيليين. وفي العام الماضي 2008 قتل 51 فلسطينيا ولم يقتل أي إسرائيلي.

هذا القتل الأقل والأكثر يسميه الكاتب الإسرائيلي "الثورة الهادئة".

وهناك جانب آخر لهذه الثورة الهادئة، يفصله الكاتب الإسرائيلي ويقول: إن التغير البارز في أداء السلطة يتصل بالصراع مع حركة حماس.. لقد أخذت السلطة على عاتقها الحرب على المنظمات الخيرية التابعة لحركة حماس. ثم صعدت السلطة من صراعها العسكري مع حماس، حيث تم اعتقال ما يقارب 2000 ناشط لا يزال 800 منهم في سجون السلطة. وكان سبق ذلك، حسب قول الكاتب، إخراج الذراع العسكرية لحركة فتح من "ساحة الإرهاب"، وحصل مئات المطلوبين على "العفو التدريجي" من إسرائيل. وأخيرا.. إذا كانت إسرائيل تلقى كل هذا التناغم، وكل هذا التعاون الأمني من سلطة رام الله. ثم تلقى في الوقت نفسه كل هذه الرعاية الحنون من السياسة الأميركية التي تقول ولا تفعل. فلماذا تتراجع إسرائيل إذا عن موضوع الاستيطان؟ إن كل الظروف مهيأة أمامها لكي تواصل التحدي والضغط، ولكي يقول وزير خارجيتها: يجب شطب القضية الفلسطينية من ملفات وزارة الخارجية الإسرائيلية.