خبر السيناريو الواقعي وازدحام المبادرات .. عريب الرنتاوي

الساعة 02:39 م|13 سبتمبر 2009

بقلم: عريب الرنتاوي

في الطريق إلى "مبادرة اوباما" وعلى قارعتها ، أطلقت مبادرتان لم تحظيا بالاهتمام الكافي على أهميتهما: الأولى حملت توقيع رئيس الدولة الإسرائيلية شمعون بيريز ، والثانية مهرها رئيس حكومة تصريف الأعمال الفلسطينية سلام فيّاض بخاتمه... الأولى تتحدث عن دولة بحدود مؤقتة وتأجيل التفاوض حول القضايا الأكثر تعقيدا وهي: القدس واللاجئون والحدود النهائية لتدار لاحقا بين ممثلين عن دولتين "مستقلتين" ، فيما المبادرة الثانية تحدث عن صاحبها عن "بناء المؤسسات كطريق لإقامة الدولة ، وعن إقامة الدولة كطريق لإنهاء الاحتلال" ، متعهدا بان يعلن عن قيام الدولة من جانب واحد "لا أدري من فوّضه بذلك" ، وفي غضون عامين اثنين لا أكثر ، وقد أصدر دليلا لهذه الغاية.

كلتا المبادرتين تتقاطعان بهذا القدر أو ذلك ، وبرغم خلافهما الظاهر ، مع "نظرية السلام الاقتصادي" التي جاء بها بينيامين نتنياهو من جهة ، ومع "فلسفة" موفد الرباعية الدولية طوني بلير وتفويضه الاقتصادي من جهة ثانية ، بل ويمكن القول أن كلتا المبادرتين قد تمت بالتنسيق مع الرجلين ، أحدهما أو كلاهما.

مبادرتا بيريس وفيّاض ، تتناقضان جوهريا مع "مبادرة أوباما العتيدة" ، أقله في الشكل والمنهجية ، فالرئيس الأمريكي وفقا لما تسرب من مبادرته ، يريد أن يذهب إلى حل نهائي خلال عامين ، حل يحسم كافة القضايا بما فيها تلك التي تقترح مبادرة بيريس إرجاءها بالتوافق ، أو التي ستعلقها مبادرة فياض واقعيا ومن جانب واحد.

وسط هذا الازدحام الظاهر للمبادرات الكاملة والناقصة ، يبدو السيناريو الأكثر واقعية هو مزيج من مبادرتي بيريس وفيّاض ، فإذا كان التوصل لاتفاق - لم يتحقق حتى الآن - حول تجميد ناقص ومؤقت ومحدود ، قد استنزف 15 بالمائة من عمر الإدارة الأمريكية الحالية ، فأي وقت يتعين استنزافه ، وأية مفاوضات يتوجب إجراؤها ، من أجل حل الخلاف حول الحدود والسيادة والمياه واللاجئين والقدس والمقدسات إلى غير ما هنالك من عناوين شائكة ومعقدة ، وكم إدارة أمريكية سنستهلك ، وكم حكومة إسرائيلي ستتشكل قبل أن يصبح الوصول إلى مثل هذا الحل ، أمرا ممكنا. بالمناسبة لا خوف على حكومة تصريف الأعمال ورئاسة السلطة وقيادة المنظمة ، فهم ملتزمون بالتقليد العربي: إلى الأبد.

السيناريو الواقعي الذي سيفرض نفسه على الجميع من دون استئذان ، هو ما يجري الآن بالضبط في الضفة الغربية ، حيث تقيم السلطة "دولتها" و"مؤسساتها" على ما تيسر من أراض محتلة ، وتكتفي ببيانات الشجب والاستنكار الخجولة - حتى لا تتهم بممارسة التحريض - عندما يمنع الاحتلال قادتها من تناول طعام الإفطار على أطراف القدس ، وسنأتي بعد عام أو عامين ، للحظة الحقيقة والاستحقاق: إعلان الدولة من جانب واحد (رغم أنف إسرائيل) إسرائيل (ليبرمان وربما نتنياهو) ستتظاهر بالغضب الشديد ، وستتخذ خطوات استثنائية للرد على "الأحادية" الفلسطينية ، وسيصار إلى تسريع الاستيطان والبناء في القدس وجوارها والأغوار وغرب الجدار ، وسيتنفس العالم الصعداء ، فالدولة الفلسطينية قامت ، وستنهال الاعترافات بها ، والشعب الفلسطيني مارس حقه المنتظر منذ عشرات السنين في تقرير مصيره ، وتبقى بعض التفاصيل الخاصة بالممرات والاقتصاد والترتيبات الأمنية ، على أن يصار إلى إرجاء ملفات اللاجئين والقدس والحدود النهائية لمفاوضات شبيهة بمئات الملفات المفتوحة لنزاعات حدودية حول العالم بقاراته الخمس.

لن يكون مطلوبا من السلطة والمنظمة وحماس وفتح أو أي فلسطيني على وجه البسيطة ، الاعتراف بيهودية الدولة أو التخلي عن حق العودة أو إسقاط مبدأ السيادة على القدس ، فهذه المسائل مرجأة أصلا ، ولن يكون مطلوبا من إسرائيل في المقابل أن تقول كلمتها النهائية في هذه الملفات جميعها ، قبل أن تتم هضم ما تريد هضمه من احتلال 67 ، ولن يتهم أحد بالتفريط والخيانة والتخلي والبيع والشراء ، فثمة جملة من المهمات المدرجة على جدول أعمال "الامبراطورية الفلسطينية الناشئة" التي ستلهيها عن مقاومة الاحتلال واستكمال مسيرة تحرير الأرض المحتلة ، مشكلات تبدأ بتأمين رواتب جيوش الموظفين والمتقاعدين ، ولا تنتهي بحل مشكلة غزة والحسم مع أصولية حماس والجهاد وربما القاعدة في وقت لاحق.

أغلب الظن ، أن "مسار أوباما" لن يكون أفضل حالا ومصيرا من "مسار أنابوليس" ، الأخير انتهى بزيادة عدد المستوطنين بمقدار 50 ألف مستوطن ، والأول سينتهي بأرقام مماثلة وربما بأرقام قياسية ، وسيظل الحال على حاله ، إلى أن "تنشأ دولة رغم أنف إسرائيل" ، وعندها ستدخل القضية الفلسطينية برمتها في مسار آخر ، أشد صعوبة وتعقيدا ، وسيندمج كفاح الشعب الفلسطيني في سبيل الحرية والاستقلال ، بالنضال للإطاحة بمن أطاحوا بأحلامه الوطنية والقومية ، وبددوها بأبخس الأثمان ، ودائما تحت شعار "رغم أنف الاحتلال".