خبر سفير إسرائيل بالقاهرة: لست معزولا.. وألاحظ تغييرا جديا في الشارع المصري

الساعة 06:06 ص|13 سبتمبر 2009

سفير إسرائيل بالقاهرة: لست معزولا.. وألاحظ تغييرا جديا في الشارع المصري

فلسطين اليوم – الشرق الأوسط - نظير مجلي :

السفير الإسرائيلي في القاهرة شالوم كوهين، تحدث فيها عن رؤيته للعلاقات المصرية ودور السفارة في تطوير هذه العلاقات على الصعد المختلفة. وينفي السفير المولود في تونس أن يكون هو وطاقم سفارته معزولين عن الشارع المصري. ضاربا مثلا بعدد الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، والعلاقات التي يقيمها هو شخصيا مع مثقفين وفنانين وصحافيين، والدعوات التي يتلقاها لحضور لقاءات ومعارض (لم يعط أي أسماء بعينها) وكذلك الرحلات الجوية التي تصل إلى أربع في الأسبوع بين القاهرة وتل أبيب.

ويعترف كوهين بأن إسرائيل لم تفعل بعد ما يمكن أن تفعله إزاء مبادرة السلام العربية، وأن الإسرائيليين لم يستوعبوا بعد التغيير الذي حصل في العالم العربي الذي قاد إلى هذه المبادرة. لكنه في الوقت نفسه يقول إن المصريين والعرب عموما لم يستوعبوا بعد التغيير الحاصل لدى رئيس حكومة اليمين في إسرائيل، بنيامين نتنياهو.

في ما يلي نص الحوار:

* أنت تعيش في القاهرة معزولا، لأنك سفير إسرائيل؟

ـ لا.. أبدا.. أنا لست معزولا.

* حتى الدخول إلى ناد رياضي في القاهرة حرمت منه لأن المصريين طالبوا بمنعك..

ـ لا، القصة ليست على هذا النحو.. كنت فعلا أمارس الرياضة في ناد، فانزعج المصريون من وجود رجال الأمن الذين يحرسونني والتفتيشات التي يجرونها. فاحتجوا وقالوا إن وجودي بات عبئا عليهم. وأنا قررت بنفسي أن أتوقف عن ممارسة الرياضة هناك حتى لا أزعج رواد النادي المصريين. فأنا هنا لأقيم علاقات حسنة وليس لكي أزعج.

* هل أنت راض عن خدمتك هنا؟

ـ أقول لك إنه من حسن حظي أنني عينت سفيرا هنا، خصوصا أن تعييني جاء في فترة بداية الانتعاش في العلاقات الإسرائيلية ـ المصرية قبيل قرار الحكومة الإسرائيلية الانسحاب من قطاع غزة. أنا أحب وجودي هنا جدا وسعيد به.

* رئيس الوزراء السابق آرييل شارون هو الذي عينك؟

ـ أجل.. الانسحاب من قطاع غزة، أدى إلى تغيير حقيقي في العلاقات المصرية الإسرائيلية. وبدأ تعاون عميق. ونشأت علاقة حميمة بين الرئيس حسني مبارك وشارون.

* وكان ذلك على الرغم من أن قرار الانسحاب كان أحادي الجانب، حيث إن إسرائيل لم تأخذ في الاعتبار الطرف الفلسطيني..

ـ العلاقات بين شارون ومبارك كانت قد بدأت قبل ذلك بكثير، في لقاء شرم الشيخ الذي على ما أذكر عقد سنة 2004، وهناك أذكر قول مبارك إنه يحترم شارون لأنه موثوق وكلمته كلمة. وأنا، قبل أن أصل إلى القاهرة، كنت مدير دائرة العالم العربي في وزارة الخارجية. ومن قرر تعييني سفيرا هو وزير الخارجية سلفان شالوم (من مواليد تونس). ولكنني طلبت مقابلة شارون، رئيس الحكومة.

* هل كنت مقربا سياسيا منه أو من الليكود؟

ـ لا. أنا دبلوماسي مهني، أعمل في السلك الدبلوماسي منذ 25 سنة. وأهتم بموضوع العالم العربي طوال الوقت. وقد زرت العالم العربي والتقيت شخصيات عدة فيه.

* من مثلا؟

ـ لا حاجة للتفاصيل. وكنت أول دبلوماسي إسرائيلي يعين في تونس سنة 1995 ـ 1996. أنا نفسي من مواليد تونس. تربطني وشائج حميمة مع الثقافة العربية. تربيت على الثقافة العربية. نحب اللغة والثقافة العربية والموسيقى العربية. ترعرعنا في تونس. وهكذا، فإن ارتباطي بقضية الحوار مع العالم العربي كان فوريا. وليس فقط فوريا، إنما بحثت عنه.

* كيف بحثت عنه؟

ـ عندما توجهت للدراسة الجامعية في باريس، كنت قد سجلت لكلية الطب ودرست فيها سنة كاملة. ولكن عندما زار السادات إسرائيل وأحدث ذلك الانعطاف التاريخي في المنطقة، قررت إحداث انعطاف في حياتي والتوجه إلى العمل الدبلوماسي، فدرست العلوم السياسية. وتمنيت أن أصبح سفيرا لإسرائيل في دولة عربية. وعندما عدت من تونس عينت رئيسا للدائرة العربية في الوزارة، وأصبحت المسؤول عن العلاقات مع كل العالم العربي. وبعد سنوات طلب مني القيام بمهمة السفير في مصر. وقد اعتبرت هذا التعيين تعبيرا عن التقدير لعملي. عندها طلبت لقاء شارون. وقد حدثني عن تقديره لمصر والاحترام الشديد الذي يكنه للرئيس حسني مبارك. وقال لي بشكل شخصي: اعمل كل ما تستطيع عمله من أجل تطوير العلاقات مع مصر وتحسين الحوار، وستجدني أقف من ورائك كرئيس حكومة، داعما بكل قوتي.

* هل لمست يومها أنه تغير عن ذي قبل. فالمعروف أن شارون حارب ضد مصر وتعرض للإصابة خلال الحرب وحاصر الجيش الثالث وهدده بالتصفية.

ـ من وجهة نظري، شارون كان يحب أن يتقن أي عمل يعطى له. أنا بالطبع لست في موقع الحكم عليه، فهو شخصية كبيرة. لكن، عندما كان جنرالا حاول أن يكون جنرالا ممتازا. وعندما كان رجل سلام كان رجل سلام ممتازا.

* كان رجل سلام؟

ـ لقد اتخذ قرارا واضحا بضرورة الانعطاف نحو السلام بالتأكيد. وأزال مستوطنات. لقد شهدنا مرحلة وسطية بين فترته العسكرية وفترته كرجل سلام، واتسمت هذه الفترة ببعض المشاكل، ولكن عندما أيقن أن الرئيس مبارك يكمل طريق السلام، حسم الأمر باتجاه هذا الطريق. هو الذي أخلى مستوطنة ياميت من سيناء، ثم أخلى قطاع غزة من المستوطنات وأيد تسخين العلاقات مع مصر. وأنا شخصيا شعرت بدعمه لجهود توطيد السلام.

* دعنا نتحدث عن حرارة السلام بين إسرائيل ومصر. فهو سلام بارد، بلا قاعدة جماهيرية.. أليس كذلك؟

ـ كما تذكر ولا بد، كانت العلاقات بين إسرائيل ومصر سيئة خلال فترة الانتفاضة الثانية. لم يكن هناك أي حوار. وقد احتجنا لوقت طويل حتى تتحسن، وبدأت بالتحسن عندما رأوا أن شارون ينسحب فعلا من قطاع غزة ويهدم مستوطنات. هنا بدأنا نلاحظ تغييرا أيضا في توجه المصريين. ومن حظي أنني دخلت السفارة في القاهرة في بداية 2005، أي في هذه الفترة. بدأنا حوارا مع وزارات مصرية كثيرة، الخارجية والتجارة والصناعة والزراعة والسياحة، واستأنفنا عمل اللجان العسكرية المشتركة. ووقعنا على عدة اتفاقيات، أهمها اتفاقية «الكويز» (التي تقضي بإقامة مصانع مصرية تعمل بشراكة إسرائيلية بنسبة 10.5% على الأقل، ويتم استقبال منتوجات المصنع في الولايات المتحدة كما لو أنها بضائع إسرائيلية معفية من الجمارك). وقعنا على اتفاقية الغاز في سنة 2006. وهكذا في الكثير من المجالات. وأقول لك، والحمد لله (قالها بالعربية)، العلاقات مستمرة وتتحسن بشكل مطرد حتى يومنا هذا.

* يقال إن السفارتين، في القاهرة وتل أبيب، تشكلان عنصرا ثانويا جدا في العلاقات بين الدولتين. وإن العلاقات الأساسية تسير عبر قنوات أخرى، مثل وزارة المخابرات بقيادة عمر سليمان؟

ـ لا. هذا ليس صحيحا. القضايا الأمنية واضح أنها بأيدي القيادات الأمنية في الطرفين. ولكن العلاقات الثنائية لا تقف وتنتهي هناك. العلاقات أوسع من ذلك بكثير. إنها تشمل الاقتصاد، والتجارة، والحوار السياسي الشفاف، والزراعة. وأعطيك أرقاما: إسرائيل استقبلت هذه السنة 200 طالب لدراسة فنون زراعية في إسرائيل.

* ماذا يدرسون بالضبط، دراسة جامعية؟

ـ لا. دورات إرشاد وتدريب تستغرق الواحدة منها ما بين 3 و6 أسابيع. وأقدم لك أمثلة أخرى: في حديقة بيتي هنا أقمت حفلا رمضانيا.

* تقصد إفطارا رمضانيا؟

ـ نعم نعم، إفطار. وقد دمجت هذا الإفطار مع توزيع الشهادات لهذه الدورات، وحضره ما لا يقل عن 160 شخصية. استمعنا معا إلى النشيدين القوميين الإسرائيلي والمصري وموسيقى.

* كل سنة تقيم حفلا كهذا؟

ـ نعم بالطبع.

* من يحضر هذا الإفطار في كل سنة؟

ـ أناس مصريون، مثل موظفي السفارة وأصدقاء ومعارف ونظراء.

* هل كانت هناك شخصيات رسمية، مثقفون مصريون مثلا.

ـ لا. أنا لا أدعو مسؤولين. ولا أدعو أناسا غير معنيين بعلاقات معنا.

* في كل سنة 160 شخصا؟

ـ بحدود المائة.

* كيف يتطور التطبيع الاقتصادي؟

ـ التجارة تضاعفت ثلاث مرات، وأصبح حجم التبادل التجاري نحو 400 مليون دولار.

* بفضل اتفاقية الكويز؟

ـ أحد الأسباب هو هذه الاتفاقية بالتأكيد. فقد بلغ حجم الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة بفضل هذه الاتفاقية مع إسرائيل أكثر من مليار دولار.

* والغاز؟

ـ بموجب اتفاقنا مع مصر التزمت إسرائيل بشراء غاز من مصر بقيمة 2.5 مليار دولار خلال 15 سنة. وهذا مبلغ هائل.

* بسعر مخفض جدا.

ـ دعني أخبرك ما هو المغزى من اتفاق الغاز بيننا. إنها ليست مجرد قضية تجارة. إسرائيل تعهدت كما قلت بشراء غاز بقيمة 2.5 مليار ولكن الحديث جار اليوم عن زيادة المبلغ إلى 4 مليارات دولار. هنا توجد مبالغ هائلة وتعاون استراتيجي بين الدولتين. فالغاز ليس أي بضاعة. والآن دعني أحدثك عن التعاون الأمني. في كل نصف سنة تجتمع اللجنة الأمنية المصرية الإسرائيلية المشتركة، مرة في مصر ومرة في إسرائيل.

* على أي مستوى؟

ـ ضباط برتبة لواء.

* يتحدثون عن التنسيق على الحدود، أم في قضايا استراتيجية؟

ـ لا، قضايا التنسيق على الحدود تتم ميدانيا باستمرار. لكن اللجنة المشتركة تبحث في القضايا الاستراتيجية. وهناك تعاون في إطار ما نسميه «mfo» أي قوات السلام الدولية في سيناء، حيث يلتقي في روما العسكريون الإسرائيليون والمصريون مع قيادة تلك القوات.

* كل هذه الاجتماعات، على حد علمنا، لم تحل مشكلة المطلب المصري بزيادة عدد رجال الشرطة المصرية على الحدود مع مصر عن العدد القائم حاليا 750 شرطيا.. أليس كذلك؟

ـ لا. هذه لم تعد قضية اليوم.

* ماذا تقصد؟

ـ أقصد أنها اليوم ليست مشكلة.

* يوجد اتفاق سري بزيادة عدد رجال الشرطة المصريين في سيناء؟

ـ توصل الطرفان إلى تفاهمات من أجل مجابهة المشاكل بالشكل المطلوب.

* هل صحيح أن الحل هو أن مصر تستطيع إدخال قوات إضافية وقت الحاجة، على أن تسحبها فيما بعد؟

ـ لا أستطيع قول شيء في الأمور الأمنية والعسكرية، اسأل غيري. ولكني كسفير أستطيع القول لك إن الموضوع لم يعد مشكلة. وافهم ما تشاء.

* هل هناك جوانب أخرى لتطبيع العلاقات؟

ـ في المجال السياسي، فقط قبل أيام زار مصر مدير عام وزارة الخارجية. وقبل شهرين قام حسام زكي (كبير مساعدي وزير الخارجية والناطق بلسان الوزارة) بزيارة إسرائيل من أجل تبادل الآراء. المدير العام السابق للوزارة أيضا زار القاهرة. فقط في السنة الأخيرة قام رئيس الدولة (شيمعون بيريس) بزيارة مصر مرتين، وكذلك فعل رئيس الحكومة (إيهود أولمرت مرة وبنيامين نتنياهو مرة). وزير الدفاع ثلاث مرات. وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني مرتين. وزير التجارة والصناعة إيلي يشاي. ووزير البنى التحتية بنيامين بن إليعيزر. الوزير عمر سليمان زار إسرائيل مرتين. لماذا أخبرك بهذه التفاصيل؟ لأن مثل هذه الكثافة في الزيارات غير موجودة في العلاقات الخارجية لإسرائيل حتى مع دولة مثل فرنسا أو هولندا أو بلجيكا.

* لكن رئيسك، وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، لم يأت لزيارة القاهرة وكما يبدو أنه لن يأتي..

ـ انظر، هذه قضية ينبغي علينا أن نحلها، وآمل أن نحلها.

* كيف؟ بإعلان ليبرمان الاعتذار لمصر على تصريحاته الاستفزازية ضد الرئيس مبارك وتهديداته بضرب أسوان؟

ـ إن علاقات إسرائيل ومصر، كما قال وزير الخارجية المصرية، لن تمس في أي مجال. وستسير كما لو أنه لا توجد مشكلة مع الوزير ليبرمان. وهذا هو الواقع.

* هل يصر المصريون على اعتذار ليبرمان؟

ـ الوزير أحمد أبو الغيط، قال أكثر من مرة إنه يتوقع أن يتم التعبير عن تراجع ليبرمان عن كلماته. أنا آمل أن تسوى الأمور. ولكنني أحب تذكيرك بأن الوزير ليبرمان قال قبل شهر أمام رفاق حزبه إن هناك أناسا يتفوهون في بعض الأحيان بأمور لا يقصدونها بالضبط. وقد أوضح أنه لا يقصد مثلا ما كان قد قاله عن الرئيس مبارك. اعتقد أن هذا كلام مهم في الطريق نفسه. واسمح لي أن أواصل الحديث عن العلاقات الثنائية، فهناك أربع رحلات جوية بين البلدين في كل أسبوع.

* هل هي رحلات ربحية أم أن الدولتين تمولانها لكي تبقيا على خيار التطبيع.. فأنا مثلا جئت إلى مصر بطائرة ثلث مقاعدها فقط مشغولة؟

ـ أنت جئت بطائرة «إل ـ عال».

* لا بطائرة «إير سيناي».

ـ هناك فترات تكون فيها الرحلات مكتظة. وفترات تكون قليلة. لكن وجود عدد كهذا من الرحلات يقول شيئا.

* من يأتي على متنها؟

ـ سياح، مواطنون عرب من إسرائيل، ورجال أعمال.

* في الاتجاهين؟

ـ بالتأكيد. وهناك الممرات البرية. فلا تنسى معبر طابا، الذي كان حتى ما قبل سنتين، يمر فيه نحو 400 ألف إسرائيلي. ولكن في السنتين الأخيرتين هبط الرقم إلى 50 ألفا في السنة، بسبب التحذيرات حول عمليات إرهاب. الشوارع بين الدولتين مفتوحة. أنت تستطيع أن تأتي من إسرائيل إلى مصر أو العكس بسيارتك الخاصة. خلال أربع ساعات تصل من طابا إلى القاهرة.

* مع ذلك في إسرائيل نفسها التي تمثلها أنت يقولون إن السلام بارد وإنه سلام بين القادة فقط..

ـ قل لي أنت بعد هذا العرض. هل هذا سلام بارد؟ هل وجود هذه الرحلات يدل على أنه سلام بين القادة؟

* إذن، لماذا يقول الإسرائيليون ذلك؟

ـ إنهم يسمعون عن محاربة التطبيع في مصر فيقولون ذلك. الإسرائيليون يبنون على ما يقوله المصريون. وهذا ليس صحيحا.

* ألا تتفهم المصريين الذين يرفضون التطبيع مع إسرائيل؟

ـ لا أنا لا أتفهم ولا يمكن أن أتفهم. وقسم كبير من عملي هنا يستهدف مكافحة هذا التوجه. وأعتقد أنهم مخطئون.

* لماذا؟ إنهم يرون أن المشكلة الأساسية بين مصر وإسرائيل هي المشكلة الفلسطينية، وإن الشعب الفلسطيني ما زال يعاني من الاحتلال والاستيطان والقمع. فكيف يطبعون؟

ـ أنا أسأل هؤلاء الذين يرفضون التطبيع مع إسرائيل بحجة الدفاع عن الفلسطينيين: هل تمكنوا برفض التطبيع أن يساعدوا الشعب الفلسطيني في شيء؟ ثلاثون سنة وهم يقاطعون، فهل دفعوا قضية السلام للشعب الفلسطيني مليمترا واحدا؟ هل أدى هذا إلى التأثير على إسرائيل كي تغير من سياستها؟ أعتقد أن الجواب هو العكس. لقد أدى موقفهم إلى مزيد من الاغتراب بين الطرفين ولمزيد من البعد. أدى إلى البعد عن المعرفة. فأنت لكي تؤثر عليك أن تعرف الطرف الآخر. ما يؤثر هو العكس، اللقاء وليس المقاطعة.

* هل حاولت الالتقاء مرة بأحد من رافضي التطبيع؟

ـ أجل، مع وزير الثقافة المصري (فاروق حسني).

* متى؟

ـ منذ زمن ليس طويلا جدا.

* قبل أن يرشح نفسه لرئاسة اليونسكو؟

ـ بكثير. توجهت إليه بناء على طلبي.

* وماذا حدث في اللقاء؟

ـ استقبلني بحرارة بالغة. وتحدثنا عن الكثير من الأمور. عن اليهودية وعن العالم العربي وغير ذلك كثير. وقلت له إنني جئت إليه لكي نفكر معا في كيفية تطوير الحوار الثقافي الاجتماعي بين البلدين. وعندئذ فاجأني بتكرار موقفه فقال: «سيدي السفير، أنا أحييك على مبادرتك لمقابلتي. وقد وافقت على لقائك لكي أقول لك إنه لن يكون هناك تطبيع في العلاقات، وأنا لن أقدم على أي خطوة في هذا الاتجاه طالما أن إسرائيل لا تحل القضية الفلسطينية». ودخلنا في نقاش حول الموضوع وقلت له إن تأثيره في هذا المجال لا يمكن أن يكون بالمقاطعة. ولكنه لم يقتنع.

* هل حاولت مرة أخرى، بعد أن رشح نفسه لرئاسة اليونسكو وأصبح بحاجة إلى موقف إيجابي من إسرائيل؟

ـ لا. مثل هذه المحاولة من طرفي تكون استغلالا غير نظيف. ولن أفعل.

* هل التقيت مثقفين آخرين؟

ـ نعم. يوجد لي أصدقاء من بين المثقفين. قلت لك إنني لست معزولا.

* قل لي كيف تعيش هنا في القاهرة. كيف يبدأ يومك؟ من هم الذين تلتقيهم وكيف واين؟ ومن هم هؤلاء الأصدقاء؟

ـ أنا لا أستطيع القول إنني محاط بالأصدقاء بكثافة. ولكن يوجد أناس كثيرون، مثقفون ومسؤولون حكوميون، وألتقي مع باحثين في مركز الدراسات في الأهرام، بقيادة الأستاذ عبد المنعم سعيد، ومع الدكتورة هالة مصطفى وقادة معهد الأبحاث السياسية ومع رجال أعمال وصحافيين وفنانين وتتم دعوتي إلى لقاءات ومعارض.

* أي لقاءات حضرت أخيرا في إطار التطبيع؟

ـ أنا لا أستطيع القول إن هناك تطبيعا. وأنا أشكو من أن العلاقات ليست طبيعية بما فيه الكفاية. وأريد أن تكون العلاقات أفضل وأكثر. ولكن إذا سألتني عما أفعله كسفير فقد استقبلت مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية فاشتغلت في التحضير ورافقته في لقاءاته المهمة هنا. ودعيت إلى حفل عرس لأحد الأصدقاء الذين لا أريد أن أذكر اسمه. التقيت مع مثقف مصري كبير أعفني من ذكر اسمه. وسافرت إلى البلاد في عطلة، شاركت خلالها في احتفال السفارة المصرية في تل أبيب، الاحتفال العملاق باليوم الوطني، مع رئيس الدولة بيريس، الذي قص الكعكة المرسوم عليها علم مصر، وحضر رئيس الحكومة وعشرات الوزراء ومئات الشخصيات الإسرائيلية من مختلف الاتجاهات.

* كيف كان رد الفعل على الاحتفال في مصر؟

ـ الوزير أحمد أبو الغيط، لدى استقباله لمدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، قال لنا إن مصر سجلت بتقدير كبير المشاركة الإسرائيلية الكبيرة في ذلك اليوم. أنا أشعر يوميا بتغيير تجاه إسرائيل في الشارع المصري. صحيح أن المعارضة تهاجمنا ومن خلالنا تحاول المساس بالحكومة، ولكن هناك أناسا آخرين غير المعارضة. قبل يومين شاركت في معرض رسوم لسفارة الإكوادور، والتقيت عددا من المثقفين المصريين. وأنا ألتقي السفراء الأجانب.

* هل تلتقي سفراء عربا في القاهرة؟

ـ نعم، ولكن في مناسبات مشتركة. لا أزورهم ولا يزورونني.

* حاولت؟

ـ بالتأكيد. أتكلم مع بعضهم، حديث مجاملة، وفي بعض الأحيان نمزح. لكن ليس لقاءات رسمية. أنا لا أفرض نفسي على أحد.

* ولا حتى على السفير الفلسطيني والأردني؟

ـ بلى. الأردني والفلسطيني لا توجد مشكلة. علاقات ودية ومفتوحة. من هنا فإنني لست معزولا.

* إذن، لا توجد عندك مشكلة..

ـ توجد. مشكلتي أنني لا أصل إلى الشعب المصري، ليس أنا شخصيا. ينقصني توفير لقاءات بين مثقفين إسرائيليين ومثقفين مصريين. أكاديميين وفنانين وموسيقيين. يضايقني أن أطباء مصر وإسرائيل لا يعرف بعضهم بعضا. نحن نقيم نشاطات في السنوات الأخيرة، عرضنا فيلما سينمائيا إسرائيليا عن فرقة موسيقية مصرية، وأقمنا حفلا للفنان يائير دلال، الذي يعزف الموسيقى العربية. وجلبنا الأديب إيلي عمير ثلاث مرات، حيث طبعنا ترجمة عربية لأحد كتبه، وقد التقى هو بمبادرته مع عدد من المثقفين المصريين وزار بعضهم في بيوتهم.

* من حضر هذه البرامج؟

ـ لن أذكر أسماء.

* هذه هي القضية. هل هو حضور سري؟

ـ لا. حضر مسؤولون وموظفون من عدة وزارات وأناس يقيمون علاقات معنا، ولكن حضر فنانون مصريون لا أعتقد أنهم يحبون أن أذكر أسماءهم.

* أين؟

ـ بعض الحفلات في فنادق وبعضها في بيتي. ليس ألوف الناس، بل مئات. نشاطات متواضعة ولكنها مهمة جدا. ومسؤوليتي كسفير هي أن أوسع هذه الحلقة.

* هناك من يقول إن الحكومة المصرية، من الناحية الفعلية، ليست معنية بالتطبيع ولا تعمل من أجله.. ماذا تقول أنت؟

ـ لا يوجد عندي شك في أن الحكومة المصرية تقول وتعمل من أجل تعميق السلام. لقد تجذرت عملية السلام في مصر وإسرائيل كهدف استراتيجي. أنا واثق من ذلك تماما. الرئيس مبارك يتحدث دائما عن السلام كخيار استراتيجي. لا تراجع عن ذلك. وهذه السنة يمكننا أن نلخص العلاقات الإسرائيلية المصرية، بأنه منذ إقامة إسرائيل وحتى اليوم بدأ يزيد عصر السلام عن عصر الحرب. فها نحن ندخل السنة الحادية والثلاثين لعهد السلام. أجيال نشأت في البلدين لم تعش فترات الحرب. كل من ولدوا خلال السنوات الثلاثين لم يعرفوا الحرب والعداء. المشكلة أنه في مصر لا يوجد تثقيف للسلام مع إسرائيل. الشعب المصري يحب السلام ويتربى على السلام، ولكن لا توجد تربية سلام مع إسرائيل. هناك شعبان ينشدان السلام في الطرفين، والعقبة هي أن في مصر من يفكر بأن التطبيع مع إسرائيل سيعرقل مسيرة السلام مع الفلسطينيين. وهذا خطأ والعكس هو الصحيح.

* ولكن مصر، كما تعرف أنت بالتأكيد، تسعى بكل قوتها للسلام الإسرائيلي الفلسطيني. تشعر بمسؤولية عن ذلك. وهي تتهم الحكومة الإسرائيلية بأنها الطرف الذي يعرقل السلام. هكذا قال الوزير أبو الغيط، الذي قمت أنت باقتباسه عدة مرات.

ـ أنظر. من الخطأ توجيه اتهام لطرف واحد. وأعتقد أن العرب لم ينتبهوا بالشكل اللازم إلى ما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. أعتقد أنه وجه رسالة سلام واضحة للعرب. وقال إنه مستعد للسلام على أساس دولتين. ولم يفرض شروطا على استئناف المفاوضات.

* لكن فرض شروطا على الدولة الفلسطينية، يعتبرها الفلسطينيون تعجيزية.

ـ المنطق الإسرائيلي يقول إنه من أجل التفاوض لا حاجة إلى شروط مسبقة. ولكن على طاولة المفاوضات يأتي كل طرف حاملا رأيه وأفكاره. يطرحها بحرية وصدق. ثم يتم التفاوض على أساسها. لكن، هنا الحديث عن رئيس حكومة من حزب الليكود من اليمين، يتجه نحو مركز الخريطة السياسية في إسرائيل. وكما تعلم، هذا الرأي (دولتان للشعبين) هو موقف كان مقصورا على اليسار الإسرائيلي إلى ما قبل بضع سنوات. لم يستوعبوا في العالم العربي أهمية هذا التغيير. ما زالوا ينظرون إلى نتنياهو من خلال النظرة القديمة السابقة.

* وفي إسرائيل، هل يستوعبون رسالة السلام العربية؟

ـ أقول لك بصدق وصراحة، إسرائيل لم تفعل بعد ما يمكن أن تفعله إزاء مبادرة السلام العربية. إن قيام الدول العربية بتبني مبادرة سلام شامل مع إسرائيل هو تغيير جذري وعميق. لا يمكن إنكار التغيير الذي حصل منذ سنوات الستين وحتى اليوم. ولكن، هنا أيضا، نتنياهو تحدث أخيرا أيضا عن هذه المبادرة.

* طلب إحداث تغييرات فيها..

ـ توجه إليها ولأول مرة بشكل إيجابي. وقد حاولت أن أشرح ذلك للمصريين. الأمر يحتاج إلى وقت، مثلما يحتاج الأمر وقتا في إسرائيل لاستيعاب المبادرة العربية.

* إذن، وطالما أنت بهذا النشاط والنجاح، لماذا تترك منصبك كسفير في مصر؟

ـ هذه قضية إجرائية. فالسفير في إسرائيل لا يخدم أكثر من ثلاث أو أربع سنوات.

* ولماذا لا يريد أي دبلوماسي أو سياسي أن يحل محلك في هذا المنصب. فهم يقولون إنه ليس مهما أو ليس جديا ، وإنهم لا يريدون العيش في عزلة؟

ـ أعتقد أن من يرفض هذا المنصب مخطئ جدا. مصر هي أكبر الدول العربية، والقاهرة هي واشنطن العالم العربي. ومن يتم اختياره سفيرا فيها يجب أن يغتبط. على الدبلوماسيين الإسرائيليين أن يتنافسوا، بل يتشاجروا، كي يحظى أحدهم بهذا المنصب، أن يخدم سفيرا في مصر. أنا شخصيا، عندما عرض علي هذا المنصب، لم أفكر ولم أتردد ولو لنصف ثانية. رأيت في العرض شرفا كبيرا لي. لأنه من هذا الموقع، أنت تخدم السلام.. تبني العلاقات الإنسانية بين الشعبين.