خبر هل تحقق الورقة المصرية المعجزة؟ ..هاني المصري

الساعة 01:00 م|12 سبتمبر 2009

ـ الأيام الفلسطينية 12/9/2009

حسناً فعلت مصر عندما قدمت رؤيتها لإنهاء الانقسام، قبل فوات الأوان وانتهاء المدة المفترض أن يتم فيها التوصل إلى اتفاق وطني.

ليس صحيحاً أن الورقة المصرية "مغلقة" وأنها "الفرصة الأخيرة"، وأن "المطلوب من الفصائل أن توقع عليها بلا نقاش" أي "تقبلها أو ترفضها كما هي" وأن مصر، "إذا لم تقبل ورقتها ستسحب يدها من الحوار وتلقيه على الجامعة العربية".

لقد أوضحت الورقة أنه لم يتبق سوى ثلاث نقاط خلافية جوهرية هي: الجملة السياسية في برنامج حكومة الوفاق الوطني، وكيفية التعامل مع الأمن خلال الفترة الانتقالية، وقانون الانتخابات التشريعية.

لقد حاولت الورقة المصرية أن تتعاطى مع الأمر الواقع، وأن تدير الخلافات القائمة أكثر من تقديم حلول لها، وذلك يظهر من خلال تقديم حل وسط.

فهي أعطت "حماس" اللجنة المشتركة، بما يحافظ على سيطرتها على القطاع، بحيث تكون بديلاً عن حكومة الوفاق الوطني، وفتحت مسألة تأجيل الانتخابات واعتماد قانون مختلط للانتخابات، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع.

وأعطت "فتح" تشكيل لجنة أمنية عليا يصدر الرئيس مرسوماً بها يتم اختيار أعضائها بالتوافق، وتشكيل قوة أمنية مشتركة في قطاع غزة تبدأ بثلاثة آلاف عنصر، وعدم تحديد مهمات اللجنة المشتركة بصورة تكرس مباشرة الانقسام ولا تساعد على إنهاء الحصار، وتقديم صيغة للتعامل مع المعتقلين منسجمة مع ما وافقت "فتح" عليه، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات في النصف الأول من العام القادم.

إن ما جاء في الورقة المصرية حول تأجيل الانتخابات هو ما يستحق التوقف عنده، فهو يكسر الموعد الدستوري لإجرائها بدون وقبل التوصل الى اتفاق، ومع عدم النص بوضوح على اصدار مرسوم رئاسي يحدد موعداً لإجرائها.

إن تأجيل الانتخابات يعكس الخوف المصري من عدم التوصل الى اتفاق خلال الفترة المتبقية، ويؤكد الحاجة إلى المزيد من الوقت، وهذا سيفتح الطريق إلى تأجيل آخر، ثم تأجيل ثالث وهكذا دواليك، ما يعني عمليا التعايش مع الانقسام وتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى.

كما أن تأجيل الانتخابات أمر يناسب حركة حماس، لأنه يحررها من ضغط الوقت إلى إجرائها، ويمكنها من الحصول على فرصة أخرى قد تتمكن من خلالها من تمرير فكرة التمديد للرئاسة والمجلس التشريعي لمدة عامين، تلك الفكرة التي طرحتها بعض أوساط "حماس" على هامش إحدى جلسات الحوار.

إن الحجة التي تستخدمها "حماس" للتمديد صحيحة هي أن المجلس التشريعي لم يتمكن من ممارسة دوره، ولكنها حجة ينطبق عليها القول "حق يراد به باطل" . فالحق الذي تنطوي عليه لا يسوغ لها مخالفة القانون الأساسي الذي يفرض إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري.

فالحق يجب أن يولد حقاً آخر ولا يؤسس لمخالفة صارخة للقانون. فالقانون هو الأولى بالاتباع.

نقطة اخرى تستوجب التوقف عندها بالورقة المصرية هي القفز عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني واستبدالها بتشكيل لجنة مشتركة، بدون وضوح حول ما هي مرجعيتها ومهماتها ما يجعلها فرصة لإضاعة المزيد من الوقت أكثر ما يمكن أن تقدم حلاً . إن مثل هذه اللجنة المعلقة بالسماء ستكون لا حول و لاقوة لها، لأنها ستعمل في ظل وجود سلطتين لكل منهما حكومة وأجهزة أمنية وقضائية .......الخ.

إن تشكيل اللجنة المشتركة بدون حكومة وحدة يحكم عليها بأن تبدأ عملها أو تنتهي بسرعة إلى لجنة للتنسيق بين حكومتين، أي لجنة تتعايش مع الانقسام وتخفف من آثاره ولكنها تعطيه الشرعية.

فرغم الخلافات الجوهرية التي لا تزال باقية لا بديل عن تشكيل حكومة وفاق وطني انتقالية، فهذا هدف صعب ولكنه ليس مستحيلاً، فحكومة الوفاق وحدها يمكن أن توحد المؤسسات وتعيد بناء الأجهزة الأمنية وتشرف على المصالحة الوطنية وعلى متابعة إعادة إعمار قطاع غزة والإشراف على إجراء الانتخابات.

لا بديل عن حكومة وفاق وطني تشكل على أساس برنامج سياسي يستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة (بعيدا عن شروط اللجنة الرباعية)، وتكون مرجعيتها م.ت.ف التي اتفق بحوار القاهرة على إعادة تشكيلها، على قاعدة الالتزامات المتبادلة.

وإذا عارضت "حماس" هذه الصيغة المطورة عن الصيغ المطروحة سابقا، رغم أنها تستجيب لجزء مهم من مطالبها، عليها أن توافق على تشكيل حكومة من الشخصيات الوطنية المستقلة، تمثل فيها من خلال شخصيات قريبة منها.

وإذا عارضت "حماس" أو "فتح" أو كلتهما كلتي الصيغتين أو إحداهما يجب ممارسة الضغوط المتصاعدة عليهما أو على الجهة التي ترفض حتى تقبل وتحميلها المسؤولية عن استمرار الانقسام.

بدون أساس سياسي يستند أساساً إلى البرنامج الوطني القادر وحده على توحيد الفلسطينيين جميعاً، وليس في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط لا يمكن التوصل إلى اتفاق.

وإذا سلمنا جدلاً بإمكانية التوصل إلى اتفاق بعيداً عن البرنامج الوطني والسياسي المشترك سيكون قاصراً ومؤقتاً كونه لا يستند إلى أسس وطنية صلبة بما لا يضمن أن يقدم حلاً كونه سيكون معرضاً للانهيار عند أول اختبار.

إن الأساس السياسي للاتفاق ليس ضرورياً للفترة الانتقالية فقط، بل سيحكم المرحلة القادمة برمتها. فبدون اتفاق سياسي يستند إلى مرجعية واحدة تشمل القضايا الفوق سياسية والتي تجمع ما بين الفلسطينيين جميعاً، وتحدد الأهداف الأساسية وأشكال النضال وقواعد اللعبة السياسية والديمقراطية، سنجد أنفسنا أمام وضع: إما لا تجري فيه الانتخابات مع استمرار الانقسام، وهذا أمر سيئ جدا. أو ستجري فيه الانتخابات في الضفة وأخرى في القطاع ما يشكل تكريساً للانقسام وتحويلاً له إلى انقسام دائم، وهذا أسوأ.

أو ستجري الانتخابات بدون الاتفاق على مرجعية واحدة وبرنامج واحد ونجد أنفسنا بعدها أمام نفس الوضع الذي نقف فيه الآن. أو يتم التوصل إلى وفاق وطني على أساس إعادة الاعتبار إلى البرنامج الوطني بما يمكن الشعب الفلسطيني وقواه الحية أن يكونوا في مستوى التحديات سواء إذا جرت الانتخابات أو لم تجر. فانتخابات تقوي الفلسطينيين يمكن جدا أن تمنعها إسرائيل، ويجب أن نكون مستعدين لهذا الاحتمال.

مخطئ كل من يبني حساباته على أساس أن "حماس" ستخسر الانتخابات القادمة لا محالة. فهي يمكن أن تخسر أو تربح أو لا تربح و لا تخسر. فالانتخابات سيدة نفسها، ومن شروط إجرائها أن تكون حرة ونزيهة وأن يتعهد الجميع باحترام نتائجها مهما كانت وأن يتم الاتفاق على الاحتكام إلى الشعب بشكل دوري ومنتظم.

هل سيتم احترام النتائج إذا فازت "حماس" مرة أخرى ؟ أم سيقال لها: إذا أردت المشاركة بالحكومة عليك الالتزام بالاتفاقيات التي عقدتها المنظمة مع إسرائيل.

حتى لا نجد أنفسنا في نفس الدوامة التي ندور فيها الآن، وعلى ضوء نتائج الاستطلاعات منذ الانقسام وحتى الآن والتي تشير إلى أنها متحركة كثيراً. فالنتائج غداة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة مختلفة عن النتائج التي تحملها الاستطلاعات حاليا، لذلك فإن مفتاح حل لغز الانقسام الفلسطيني يكمن في الوفاق الوطني والتعامل معه كضرورة لا غنى عنها قبل الانتخابات وبعدها، وإذا جرت أو لم تجر.

وما يعطي للوفاق أهمية استثنائية أن فلسطين تحت الاحتلال، وأن الانتخابات، ما كانت ولن تكون وحدها هي الحل أو المدخل لإنهاء الانقسام، بل يمكن أن تكون لتعميقه، لذا، لا بد من إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني، برنامج العودة والحرية والاستقلال، برنامج الصمود في وجه الاحتلال ومقاومته مقاومة مثمرة قادرة على دحره، والاستعداد للمفاوضات شرط أن تكون مفاوضات مثمرة وليست عبثية.

فهل يكون الفلسطينيون في مستوى التحدي ويمكنون الورقة المصرية من تحقيق المعجزة أم يستمرون في عملية التدمير الذاتي؟