خبر أفكـار «دايتـون»: السـلام مـن خـلال الأمـن ..راكان المجالي

الساعة 12:53 م|12 سبتمبر 2009

أفكـار «دايتـون»: السـلام مـن خـلال الأمـن

راكان المجالي

 

ـ السفير 12/9/2009

كثيرة هي «الأفكار» و«الحقائق» التي يتم احترافها، في بلادنا، فقط من خلال السباق الذي يتم إيرادها فيه. فلا تحظى بفرصة دراستها كما يجب، وبالتالي لا يتم إنتاج معرفة بها أو عنها، وما ترتبه تلك المعرفة من سياقات استراتيجية لحركة الأمور، لا سيما اذا كانت تلك السياقات تجري وفق برمجة محسوبة ومدروسة، على مديات قريبة أو متوسطة أو بعيدة. وبالتأكيد، ليس هناك في المنطقة ما هو أهم من جوهر الصراع العربي الإسرائيلي وتسويته، بمستوياته المتعددة، وبالأخص مستواه المتمثل في تسوية الأمور، على الأرض، فيما تبقى من فلسطين التاريخية، في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبصرف النظر عن التسوية السياسية وشكلها أو أشكالها المتوقعة، فإن التسوية الفعلية للجانب الفلسطيني من الصراع تجري على قدم وساق، في الضفة الغربية وغزة (قبل الانقسام الفلسطيني فيها، الذي حسم لمصلحة حركة حماس)، منذ مطلع العام 2005، أي بعد أربعة أشهر على رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. تلك التسوية التي يمثلها مشروع الجنرال الأميركي «كيث دايتون»، وهو ما تم احترافه، فلم تنتج معرفة به، في سياق حمى الصراع الدامي، الذي دار قبل سنوات، بين حركة حماس وقوات عقيد فتح في غزة محمد دحلان.

في مطلع شهر أيار/ مايو الماضي، قدم الجنرال «دايتون» عرضا منقطع النظير لبرنامجه ومشروعه في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وذلك في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط»، عبر برنامج ندوة «سوريف Soref» فمن هو دايتون؟ وما هي أفكاره؟ وما هو جوهر التسوية التي يقوم على رعايتها وتنفيذها على الأرض؟ وهل حقق نجاحات، وما هي آفاقها.. الخ؟

الجنرال «كيث دايتون» جاء المنطقة في الشهر الأخير من العام 2005، قادما من «البنتاغون» في واشنطن، وخلفا للجنرال «كيب وارد»، حيث كان نائبا لمدير قسم السياسة والتخطيط الاستراتيجي في هيئة الأركان الأميركية. وقبل ذلك كان في العراق، مكلفا بمهمة البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية(!). وهنا يترك «دايتون» أمر تقدير طبيعة مهمته في العراق الى «الوزير وولفويتز» فيما اذا كانت «مكافأة» أم «عقوبة». كما أن الرجل عمل سابقا ملحقا عسكريا في السفارة الأميركية في روسيا. أما جوهر عمله، في كل المهمات التي تولاها، فيحددها بأنه كان «جندي مدفعية» تعلّم كيفية ضبط النيران. فضابط المدفعية يطلق الطلقة الأولى، لكي يكون أكثر قربا من الهدف، مستخدما كل المعلومات المتوافرة، ثم يستفيد من تلك المعلومات ليضبط الطلقات التالية، ويضبط الإحداثيات حتى يصيب الهدف. وهو بالضبط ما فعله «دايتون» وفريقه في الشرق الأوسط، بحسب ما قال في ندوة معهد واشنطن.

ووفق «دايتون» ايضا، فإن المجموعة التي يقودها تسمى «فريق التنسيق الأمني الاميركي»، وتختصر بـ «USSC» أما في الواقع، فالفريق يشكل «جهدا دوليا مشتركا»، يقوم على تنفيذ برنامج «السلام من خلال الأمن»، وفي مقدمة مراحله «دور أميركا في بناء قوات أمن السلطة الفلسطينية»، بالتشارك مع كل من: كندا، المملكة المتحدة، وتركيا، وذلك كمهمة أولى في الوقت الراهن. وكان هذا البرنامج هو «نتاج جهد ثمين قام به الباحثون في هذا المعهد»، أي معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، حيث ان العقيد احتياط في الجيش الأميركي «مايك ايزنشتات» وهو مسؤول كبير في المعهد، أنجز مع «دايتون» في القدس، مهمة عملية، كضابط تخطيط، هي رسم «الخطة الاستراتيجية المستقبلية» للفريق الأمني الأميركي.

وفي مطلع آذار/مارس من العام 2005، ظهر الى الوجود مكتب التنسيق الأمني الأميركي. وكانت الفكرة، من تشكيل المكتب والفريق، هي تشكيل «كيان أو جهاز» ينسق بين مختلف «المانحين الدوليين»، في إطار خطة عمل واحدة، تنهي حالة تضارب الجهود، وتعبئ المزيد من الموارد وتهدئ من «مخاوف الاسرائيليين حول طبيعة قدرات قوات الأمن الفلسطينية».

ويبرر الجنرال «دايتون» مغزى اختيار ضابط أميركي برتبة جنرال، لقيادة هذا العمل، بثلاثة أسباب هي: ان رتبة جنرال ستحظى بثقة واحترام الاسرائيليين، إضافة إلى أن هيبة ومقام «الجنرال» سيشكل رافعة للتعاون الفلسطيني مع دول عربية أخرى، ووجود نفوذ أكبر لـ«الجنرال» على عملية التداخل بين مختلف الوكالات في الحكومة الأميركية. ولكن، من هم أعضاء الفريق، وكيف يتلاءمون في السياق الاقليمي؟ يقول «دايتون»: إنهم «فريق متعدد الجنسيات»، فالمجموعة الانكليزية تتكون من ثمانية أفراد، وتسكن في رام الله، أما الكنديون، فيتجاوز عددهم ثمانية عشر فردا، وهم منظمون في فريق يدعى «محاربو الطريق»، ويتنقلون يوميا في كل أنحاء الضفة الغربية، ويزورون قادة أمنيين فلسطينيين، ويطلعون على الأوضاع المحلية، ويتحققون من أمزجة الناس على أرض الواقع، ومعظم هؤلاء الكنديين من أصول عربية وعلى صلة مباشرة مع السكان.

إن هذا الفريق الأمني يزور «الأردن ومصر»، باستمرار، وسمح له «بالتنسيق مع دول الخليج»، كما انه يرتبط «بشبكة مع كل المبعوثين في المنطقة، العاملين في مجال الصراع العربي الإسرائيلي». ويتصل «دايتون» وفريقه مع مجموعة تدعى «يوربول كوبس Eurpol Coops، وهو فريق من رجال الشرطة الأوروبيين، الذين يعيشون على الأراضي الفلسطينية، ومسؤولين عن إصلاح الشرطة المدنية الفلسطينية، كما ان فريق التنسيق الأميركي وقائده «دايتون» يرتبطون بصلات اتصال وتنسيق وثيق مع كل من: توني بلير، ممثل اللجنة الرباعية الخاص. والعميد «بول سيلفا» من هيئة الأركان الاميركية المشتركة، في القوى الجوية، الذي يتابع ويراقب خطة «خريطة الطريق»، ويرسل تقاريره مباشرة إلى وزيرة الخارجية «هيلاري كلينتون». ومع لاعبين دوليين في المنطقة، سواء عبر الدول مباشرة أو المنظمات غير الحكومية، وكذلك موظفي الأمم المتحدة.

وقد كانت باكورة أعمال فريق التنسيق الأمني، كما يقول «دايتون» في العام 2005، هي: التنسيق الدولي «على المساعدة بالنهوض باقتصاد غزة»، وذلك من خلال التنسيق مع إسرائيل ومصر والفلسطينيين على المعابر الرئيسية، وتنسيق «المساعدة التدريبية، التي قدمها الكنديون والبريطانيون للحرس الرئاسي الفلسطيني، الذي كان يدير تلك المعابر الحدودية». وفي حزيران/يونيو 2007، انتقلت جهود التنسيق الأمني للفريق من غزة إلى الضفة الغربية.

ويكثف «دايتون» جهود التدريب والتجهيز، الذي يقوم به فريقه لقوات الأمن الفلسطينية، بأنها تقوم على «تحويل قوات الأمن الوطني الفلسطينية الى «جندرمة» فلسطينية، أي قوة شرطة منظمة أو وحدات شرطة». حيث يتم ذلك في «مركز تدريب الشرطة الدولي في الأردن Jiptc»، الذي يقع في منطقة «ياجوز» خارج مدينة عمان. ويمتاز ذلك المركز بوجود «كادر تدريبي أميركي ـ أردني»، ويتبع منهاج تدريب أميركياً مطوراً، يركز على «حقوق الإنسان، والاستخدام الخاص للقوة، والسيطرة على تظاهرات الشغب، وكيفية التعامل مع الاضطرابات والقلاقل المدنية».

وللدلالة على نجاح البرنامج، يستعير «دايتون» بعضا من خطاب ضابط فلسطيني كبير، ألقاه في متخرجين من ذلك المركز قائلا: «أنتم يا رجال فلسطين.. لم تأتوا الى هنا لتتعلموا كيف تقاتلون اسرائيل، بل جئتم الى هنا لتتعلموا كيف تحفظون النظام وتصونون القانون.. من أجل أن نتمكن من العيش بأمن وسلام مع اسرائيل». بحماسة شديدة، يؤكد «دايتون» ان «فريق الأمن الأميركي بالشراكة مع الفلسطينيين والأردنيين والإسرائيليين» قد حققوا على الأرض «نتائج تفوق أكثر توقعاتنا تفاؤلا»، وأن «الحقائق على الأرض تغيرت، وسوف تستمر بالتغير». كما أن ما قام به الفلسطينيون، في ما يدعونه «الهجوم الأمني عبر الضفة الغربية، بمنتهى الدهشة بالتنسيق مع الجيش الاسرائيلي»، قد أثار اهتمام «المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية».

أما اللافت في حديث «دايتون»، فهو قوله: «ان الشباب الذين تدربوا في الأردن هم المفتاح»..؟!