خبر دور المرأة في الحدث والتحدي ..علي عقلة عرسان

الساعة 12:27 م|11 سبتمبر 2009

 

 

 

دور المرأة في الحدث والتحدي ..علي عقلة عرسان         

ألقى أحد الظرفاء على شخص سؤالاً وكان يشك في قدرته على الإجابة عليه، قال: أيهما أكثر عدداً الأحياء أم الأموات؟ سكت الرجل قليلاً وجال بفكره في محيط معرفته وكاد يقارن بين عدد الأحياء وفق معرفته وعدد الأموات في محيط ما رأى من مقابر وما عرف من معارف يموتون، وما سمع عن أموات.. ثم كف عن ذلك فجأة وقال للسائل: الأموات أكثر عدداً؟ فسأله برهاناً على ما قال، فأجاب: لأن الميت ميت والنائم ميت و.. لم يتركه السائل يكمل الإجابة لأنه أدرك أن عقله يعمل؟

وفي مجال مقاربة أمر المرأة والرجل يتداول بعض الناس سؤالاً مقارباً لذاك الذي عرض له الشخص الذي أشرنا إليه، ويطرحونه بشيء من التخابث، أيهما أكثر عدداً الرجال أم النساء؟ ويكون الجواب: النساء طبعاً.؟!

أنا لا أدخل موضوعي من هذين المدخلين، بل ألج باباً آخر بسؤال أحاول الإجابة عليه، يؤدي إلى مدخل لدور المرأة في صنع المستقبل والتأثير في الحدث والتحدي، وسؤالي هو:

هل المرأة نصف المجتمع؟! أنا أشك تماماً بهذا العدد رقمياً، وأشك به من حيث مدى الفاعلية والتأثير اللذين للمرأة في مباشرة مهام مؤثرة في الحياة تجعل منها آمراً وناهياً في أمور ومواقع كثيرة، قد تفوق المجالات والحالات التي يأمر فيها الرجل وينهي ويتخذ القرارات ويتحمل التبعات.

فالمرأة: أم وللأم تأثير على أبنائها يصل في عرفنا وعقيدتنا نحن العرب والمسلمين إلى حدود الطاعة التي بها نكسب احترام الخلق ورضا الخالق وندخل الجنة: فـ"الجنة تحت أقدام الأمهات".

والمرأة: زوجة، ومن الذي يتفلّت من طلب زوجة تسعى بوفائها وحنانها ودماثتها وأنوثتها إلى تحقيق ما تريد، وتقيم الدنيا ولا تقعدها إن لم يكن ما تريد؟! وهي تدفع الزوج في هذه الطريق أو تلك، وعندما تستثير حماسته وتستدعي نخوته قد يبذل الدم ويرى ما بذله من أجلها وبتأثير منها رخيصاً.

والمرأة: أخت.. ولها على الأخ الاحترام وصلة الرحم والمساندة والمودة والحماية حين تطلبها، وهو يتحمل المسؤولية عنها فيما يتصل بشؤونها عند الضرورة.. وكل هذا لا يخلو من تأثير لها عليه.

والمرأة ابنة، ومن الذي لا تهمه فلذة كبده في كل أمر.. فيرعاها ويستجيب لكل ما تريد مما يستطيع تنفيذه.. حتى وإن كانت زوجة وصاحبة بيت يتحمل المسؤولية عنها زوج لها.

والمرأة: سيدة البيت الذي لا راحة إلا فيه، ولا إنتاج ولا إنجاز إلا في ظلاله وبحر سكينته. والمرأة معلِّمة ومدرسة، بعد تأنيث التعليم الذي قد يكون له وعليه، وبيدها المستقبل من هذه الزاوية على نحو ما، فهي تغرس في الأطفال والتلاميذ والطلاب غرساً لا يلبث أن يؤتي أكله، وهو غرس يصعب اقتلاعه.

 والمرأة هي، من قبل ومن بعد مواطنة، إن حَكَمَها حب الوطن أداء وفداء وأخلصت لتربة الأرض والحضارة في الموقف والانتماء، حكمت كل من لها تأثير فيهم أو سيطرة عليهم في الوطن بما يحكمها به حب الوطن، وساهمت في توجيه إراداتهم وقراراتهم.

فهي كما قال أناتول فرانس: " مكوِّنة المجتمع، لها عليه تمام السلطة، لا يعمل فيه شيء إلا بها ولأجلها".

والمرأة هي ربة البيت، والموجه الفعلي للاستهلاك، وهي قادرة على الصمود في وجه الإغراء، وعلى نبذ السلع التي لا تريدها وترويج ما تريد من سلع، ومن ثم يمكن أن تكون عاملاً فعالاً في الاقتصاد المنزلي إنتاجاً وتوفيراً وتدبيرا.. والاقتصاد المنزلي مما يمكن التنبه إلى أهميته وقيمته في الأزمات الأسرية والاجتماعية والوطنية، وحتى العالمية التي تخنق كثيرين، كما هو حال الأزمة الاقتصادية اليوم.. وهي أيضاً صديق البيئة وعدوها وفق التصرف والوعي والمستوى المعرفي والحضاري.

وعندما تكون المرأة صاحبة موقف ورأي، ينبعان من وعي سياسي والتزام مبدئي وانتماء وطني وقومي.. وتكون ملتزمة بقضية، فإن قرارها المنزلي قد ينقلب إلى قرار أسري جماعي اجتماعي ذي طبيعة اقتصادية وسياسية ونضالية في الوقت ذاته. ففي مثل هذه الحالة من القدرة على الاختيار تدخل طرفاً في معادلة الصمود والتحدي، وتساهم في المقاومة والدفع باتجاهها.. نعم إنها تدفع الثمن وتتحمل العبء الأكبر ولكنها تشكل العمود الفقري لمطلبي الأمن ولكرامة. وفي مواجهة الاحتلال الصهيوني في أثناء العدوان على غزة مثلاً، كما رأينا وسمعنا وقرأنا، كانت للمرأة مواقف إيجابية أثمرت بطولات، وتجلت في التحمل والمواجهة والتضحية والدعوة إلى الدفاع عن النفس والأرض والعرض.

المرأة تدفع الثمن، ولكنها تشد غيرها إلى رفض الاستكانة والجبن، حين تكون على درجة من الوعي والمعرفة والإيمان والخلق الرفيع، إنها تفعل فعل النار في الهشيم. وهي مشارك فعال في رفض التطبيع الذي ندعو إلى رفضه، فحين تنبذ السلعة التي ينتجها العدو أو حليفه، حتى لو كانت تلك السلعة جيدة ورخيصة، تساهم عملياً في تحقيق الأهداف من رفض الاعتراف بالعدو وتطبيع العلاقات معه.. إنها بذلك تضعف العدو وتجعل حلفاءه يفكرون بالنتائج، وتختار الوطن وتعمل على تقويته بشرائها سلعاً ينتجها أبناء الوطن، وتحض على التنمية والتطوير وتحسين الإنتاج الوطني وتكثيره، وصولاً إلى الاكتفاء الذاتي وما هو أبعد منه.. ومن حقها أن تكون السلعة الوطنية جيدة وقليلة التكاليف، ومن واجبها أن تعمل من أجل ذلك بوصفها منتجة و مؤثرة على المنتج من جهة، ومستهلكاً، وشريكاً كامل الشراكة في المواطنة ومسؤولياتها من جهة أخرى.

المرأة والدة شهيد أو أخت له أو ابنة أو زوجة، وقد قضى الشهداء دفاعاً عن الوطن ومن أجل تحقيق أهداف قومية على رأسها تحرير الأرض واستعادة الحق ودفع العدوان، ومن حقها- إذا ما فرَّط أحد بشيء من هذه الأهداف، أو إذا لم تنجَز وطنياً وقومياً على النحو السليم - من حقها أن ترفع صوتها قائلة: لماذا لا تتحقق الأهداف التي استشهد من أجلها (زوجي- ابني- أخي- والدي)، لماذا لا يستمر النضال حتى تتحقق تلك الأهداف.؟! إن من حق وواجبها أن ترفض بدائل مشوهة لأهداف قومية ووطنية نهائية وسامية. فعلى الذين عاشوا في ظل ما حققه الشهداء وما تحققه الشهادة من أمن وكرامة وأمل، أن يتابعوا السير في تلك الطريق حتى يتحقق النصر ويكتمل العمل.. وإلا فإن الشهداء يغدون ورقة لعب بيد المقامر أو المتآمر أو المغامر، وبضاعة تتم المقايضة عليها لمصلحة هذا التاجر أو ذاك.. إن لم يحقق الشعب إنجاز الأهداف الاستراتيجية التي دفعهم للسير في طريق تحقيقها واستشهدوا في تلك الطريق.. ومن تراه مهيئاً لاستشعار عِظَم الفجيعة في مثل هذه الحالة مثل المرأة " الأم، والزوجة، والأخت.."؟

والمرأة تقع عليها أكثر من سواها أعباء المعاناة والتضحيات والضائقات والخسائر، وتعاني من ذلك بأشكال مختلفة.. ومنها تنبثق إرادة الصمود وثورة التحدي التي تنساب قولاً وسلوكاً وعملاً في مقومات الحياة من حولها، وهي التي تبعث شجاعة وصموداً وإرادة مقاومة في الرجال حيث ينثال العزم منها في الزوج والأخ والولد، وبإيحاء منها- وما أقدرها على الإيحاء- يتكون موقف يقود إلى فعل منقذ أو مهلك، ابتداء بالتربية وانتهاء بأشكال المواجهة جميعاً.

إن مقاومة العدو ورفضه في رفض الاعتراف به وتطبيع العلاقات معه واستمرار النضال ضده، الذي يتمحور حول رفض التطبيع ، تنبع من ثقافة ووعي وانتماء والتزام، وتؤدي إلى موقف يعبَّر عنه بقوة وتضحية، وخلاصة ذلك تكمن في تبيّن الحق والمبدأ والتمسك بهما، ومعرفة مالنا وما علينا، والعمل من أجل ذلك حسب معيار قيمي ـ قومي خلقي سليم، وامتلاك القوة التي لن تكون إلا بامتلاك العلم والإيمان والعمل بهما وصولاً إلى امتلاك التقانة وتحويلها إلى منجزات وتجهيزات مدنية وعسكرية، توفر القوة ومقومات تطويرها واستخدامها بما يحمي وينقذ ويحرر.

المرأة مسؤولة عن تربية وعن قيم وتاريخ وعن وعي معرفي وسلوك اجتماعي، فإذا أظهرت استهانة في أي من ذلك تجسدت استهانتها فيمن حولها قولاً وعملاً وسلوكاً، وأدت إلى تدهور في الوضع النفسي للأشخاص، يقود إلى تدهور أكبر وأشمل في العلاقات ومناحي الحياة.. إن كلماتها وسلوكها وغاياتها وشواغلها.. كل ذلك ينتقل إلى من هم حولها بإيحاء ذي تأثير بالغ الشدة، فهم يتأثرون بها أو يسعون لتحقيق أمنها وراحتها ورغباتها وأحلامها.

المرأة: غيابها رسالة، وغضبها رسالة، ونظرتها رسالة، وابتسامتها رسالة، ودموعها موقف وحالة.. أغرودتها في موكب شهيد يبعث الإرادة المقاوِمة وأنواعاً من البطولة والتضحية، واستنجادها يعيد تشكيل قوام الرجولة والبطولة، وعدم نجدتها يزري بالرجال ويجعلهم لا يتحلون بأخلاق الرجال وصفاتهم.. فضلاً عما تحققه بحد ذاتها من فعل، وما تبعثه في الآخرين من أمل وعزم وإحساس بالتواصل والتكامل والتضامن.

إن الانتصار في أية مواجهة، ولى أي مستوى وصعيد، هو نتيجة من نتائج التضحية، ومقاومة الاحتلال ورفض الاعتراف بالعدو مقدمة للتحرير الذي يفتح أبواب حرية الوطن، وحرية المواطن من حرية الوطن.. ولا يكون ذلك إلا على أرضية الوعي التاريخي، والتمسك بالثوابت الوطنية والقومية، وإعداد النفس والاستعداد بامتلاك القوة.. وكل ذلك يرتب مسؤولية ويستدعي عملاً.. حتى لا يبقى الرفض مجرد كلمة ليس لها مدلول، ولا تملك ما يحولها إلى أداء يتجسد في أرض الواقع. والمرأة ذات تأثير في صنع الموقف وفي المحاسبة التي تؤدي إلى حماية الموقف وتحقيق ما يرمي إلى تحقيقه من غايات.

المرأة نصف الوطن وأكثر، نصف المجتمع وأكثر، وذلك يرتب أن تشملها شروط المواطنة التامة ومفاهيمها ومواصفاتها بفاعلية كبيرة لتكون بأهلية تامة، وأن تتعامل مع حقوق المواطنة وواجباتها بوعي معرفي والتزام قومي ووطني أعلى يتسامى باستمرار .. ومعناه أيضاً تحميلها واجباً ومسؤولية عن إخراج شرائح نسائية من دوائر الجهل وأدوار الدمى، ودِمَن السوء، وأسواق السلع.. والتخلص من كل ما يرافق ذلك وينتج عنه، وما يلحقه بالمجتمع نسائه ورجاله من أمراض.

                                       والله ولي التوفيق

دمشق في 11/9/2009