خبر عباس يقترب من المفترق الحرج .. عريب الرنتاوي

الساعة 09:09 ص|09 سبتمبر 2009

بقلم: عريب الرنتاوي

لا يكاد يمضي يوم واحد دون أن تصدر عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تصريحات مؤكدة على رفضه الجلوس مع نتنياهو على مائدة واحدة ، قبل أن يعلق الأخير النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين ، وهذا موقف محمود ومقدر ، شريطة أن يجري الاستمساك به حتى نهاية المطاف ، وأن لا نفاجأ بعد أيام أو أسابيع باستدارة كاملة أو تغير مفاجئ بحجج وذرائع شتى.

نقول ذلك ، ونحن ندرك حجم الضغوط التي تتعرض لها القيادة الفلسطينية من بعض العرب وكل الغرب وإسرائيل لاستئناف المفاوضات ، وتدشينها بقمة ثلاثية في نيويورك تجمع عباس ونتنياهو إلى مائدة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، وهي ضغوط تكاد تقترب في شكلها ومضمونها من "مذكرات الجلب" ، التي سبق وأن نجح مصدروها قبل تسع سنوات في إرغام الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على الذهاب إلى كامب ديفيد ، ويسعون اليوم ، وبالوسائل ذاتها ، لـ"جلب" عباس إلى قمة نيويورك الثلاثية.

المعركة حول تجميد الاستيطان تكاد تضع أوزارها ، وغبار التصريحات متعددة الجنسيات التي أثيرت حولها ، يكاد ينجلي لتتضح صورة "النصر الإسرائيلي" في هذه المعركة ، فالاستيطان لن يتوقف ، قبل صدور قرار التعليق وبعده ، وقد تسارعت وتيرته قبل أن يصدر قرار التعليق المؤقت زمنيا والمحدود جغرافيا ، وثمة أحياء سكنية ستبنى امتدادا لمستوطنة "معاليه إدوميم" في غور الأردن ، وقد صدرت الأوامر تباعا ببناء مئات الوحدة السكنية في مستوطنات الضفة ، فيما القدس ستظل خارج نطاق التجميد والتعليق فهي "العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل" ، وثمة 2500 وحدة سكنية قيد الإنشاء لن تكون مشمولة بالتجميد ، أي باختصار لقد ضمن نتنياهو فرص عمل على مدار الساعة والأيام طيلة الأشهر التسعة القادمة التي سيلزم حكومته خلالها - رسميا ولفظيا - بتعليق أعمال الاستيطان.

في هذا المجال ، ومن باب الحقيقة المجردة والمعلومة الموثوقة ، لا يختلف بينيامين نتنياهو عن أسلافه ومن سبقوه في رئاسة حكومات إسرائيل ، بمن في ذلك ، بل بالأخص إيهود اولمرت ، الذي بنى تحت جنح قممه المتعاقبة مع الرئيس عباس ألوف الوحدات السكنية ، وزرع ما يزيد عن 50 ألف مستوطن في الضفة الغربية خلال فترة ولايته التي يتغنى بها بعض أركان السلطة الفلسطينية ، بوصفها المرحلة الذهبية في مفاوضات الحل النهائي ، والولاية التي شهدت أكبر عدد من القمم الفلسطينية الإسرائيلية ضمن ما عرف بسياق أنابوليس.

أيام قليلة ويكون الرئيس عباس أمام مفترق حرج: فهو إما أن يذهب إلى قمة نيويورك الثلاثية ويوافق على استئناف المفاوضات ضاربا عرض الحائط بشرط التجميد الكامل للأنشطة الاستيطانية ، وعندها سيكون قامر بماء الوجه والصدقية ، وبدد بعضا من "إنجازاته الشخصية" المتحققة في مؤتمر فتح السادس والاجتماع الطارئ للمجلس الوطني ، وإما أن يمتنع عن المشاركة في القمة الثلاثية ويظل على موقفه من استئناف المفاوضات ، وعندها يقامر بسلة "المفاوضات" التي ألقى بكل بيضه وأوراقه فيها.

ولأن "المفاوضات حياة" ، ولأن أحدا لا يتخلى راغبا وطائعا عن حياته ، فأننا على الأرجح ، سنشهد قريبا تحوّلا في الخطاب السياسي الفلسطيني ، يبدأ بالإشادة بمنجز "التجميد المؤقت والمحدد" والذي هو بكل المعايير "أفضل" من لا شيء من وجهة نظر بعض أركان السلطة ، ومن على قاعدة "ليس في الإمكان أبدع مما كان" ، وسيذكرنا هؤلاء بأننا المفاوضات هذه المرة مختلفة عن سابقاتها ، وأنها "ذات مغزى" و"تطال الملفات النهائية" ، وربما تستحضر بعض الصفحات من دليل فيّاض لبناء الدولة الفلسطينية ، خصوصا تلك التي تتحدث عن بناء المؤسسات ودولة الأمر الواقع و"رغم أنف الاحتلال" إلى غير ما هنالك من حجج ومبررات وذرائع جاهزة دائما وبذات القوة والجرأة.

على الأرض ، لن يتغير شيء ، فالمقاولون الإسرائيليون لديهم ما يكفي من مشاريع لملء أجندة الأشهر التسعة أو حتى السنة المقبلة على امتدادها ، والجرافات بأنيابها الحادة لن تهدأ وستواصل تقطيع أوصال الأرض والحقوق الفلسطينية ، فيما المفاوضات العبثية ستتواصل ، وبذات "الكثافة" و"الكفاءة" التي أديرت بها المفاوضات المباشرة وغير المباشرة لـ"تجميد الاستيطان" ، وقد تستغرق 16 سنة إضافية كما وعد أفيغدور ليبرلمان ، سيرا على خطى إسحق شامير الذي وعد وهو في طريقه إلى مديد ، بمارثون تفاوضي يمتد لعشر سنوات ، فإذا به يمتد لستة عشر عاما.

في حالة عرفات وكامب ديفيد قبل عقد من الزمان ، نجحت الضغوط الأمريكية - الإسرائيلية - العربية ، في جر الحصان إلى بئر الماء ولكنها اخفقت في إرغامه على شرب الماء الملوث والمسموم ، فهل ستنجح ضغوط الأطراف ذاتها هذه المرة ، هل سيرشف الرئيس عباس من الكأس المرة ذاتها ، أم أنه سيعيد إنتاج سيرة سلفه؟. سؤال برسم الأيام القادمة على أية حال.