خبر تسريع الاستيطان لإجهاض المفاوضات .. د. عصام نعمان

الساعة 08:54 م|07 سبتمبر 2009

تسريع الاستيطان لإجهاض المفاوضات .. د. عصام نعمان

 

ـ الوطن القطرية 7/9/2009

ليس أدل على قلة حيلة باراك أوباما مع بنيامين نتانياهو من امتناع رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل ثلاثة أسابيع من الموعد المفترض لعقد قمة فلسطينية - إسرائيلية - أميركية في الأمم المتحدة عن اتخاذ قرار بتجميد الاستيطان. فالقرار المطلوب شرط فلسطيني، وإلى حد ما أميركي، لبدء المفاوضات. ومع ذلك فإن نتانياهو لا يكتفي بالامتناع عن اتخاذ القرار بل يوحي، مباشرةً أو مداورةً، بأنه ليس في صدد ذلك أو بأن التجميد لن يتمّ إلاّ في أضيق الحدود، بل هو يدعو إلى تسريع عمليات الاستيطان عشية اتخاذ القرار المطلوب.

هذا الموقف المدروس يكشف حقائق ثلاثاً.

الأولى، أن لا تأثير فاعلاً من أوباما على نتانياهو. الثانية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يناور على نحوٍ يضطر معه الرئيس الفلسطيني على رفض بدء المفاوضات وفق الصيغة الإسرائيلية لمسألة تجميد الاستيطان. الثالثة، أن المفهوم الإسرائيلي للاستيطان يجعل المفاوضات المرتقبة تمريناً دبلوماسياً بلا جدوى.

ويعي أوباما دونما شك حجم النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة، كما يعي تحوّل الجمهور الإسرائيلي نحو التطرف العنصري واليميني الحاد. فهل تراه أخطأ في تقدير مدى مقدرته الشخصية ونفوذه السياسي كرئيس لمواجهة هذين التحديين؟

يتفرع عن هذا السؤال سؤال آخر: هل استحصل محمود عباس على ضمانة من الرئيس الأميركي حول مفهوم تجميد الاستيطان بحده الأدنى على الأقل كي لا يلام أو يُحمّل مسؤولية إجهاض المفاوضات إذا ما اضطر إلى رفض المشاركة فيها بسبب الخلاف مع "إسرائيل" على مضمون تجميد الاستيطان؟

غير أن أهم القضايا التي يقتضي التوقف عندها هي الجدوى المتوخاة من المفاوضات بالنسبة إلى قضايا الوضع النهائي وأبرزها القدس، الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، الحدود، السيادة، عودة اللاجئين، المياه الجوفية إلخ... ذلك أن مصادر أميركية وأخرى إسرائيلية تؤكد، وفق ما جاء في صحيفة «هآرتس» المستقلة (3/9/2009)، أن أوباما لن يعلن خطة سلام شاملة في القمة المتوقع عقدها في نيويورك، وإنما سيعلن مبادئ عامة للتقدم في العملية السلمية بهدف إقامة دولة فلسطينية في إطار تسوية سلمية تلتزم جدولاً زمنياً محدداً وأن أوباما يتوقع قيام دولة فلسطينية خلال عامين.

هل المبادئ العامة التي يعتزم أوباما إعلانها في القمة الثلاثية أو أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة ستتضمن بوضوح المبادئ والبنود الواردة في «مبادرة السلام العربية» و«خريطة الطريق» وخصوصاً البند المتعلق بإقامة دولة فلسطينية سيدة مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة على أساس خطوط وقف إطلاق النار في 5/6/1967؟

هل ستشارك الولايات المتحدة في المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية أم ستبقى مواكبة لها من خارجها؟

هل تُحَدد للمفاوضات مدة معينة، وهل يمكن تمديدها إذا تعذّر الوصول إلى اتفاق في شأن جميع القضايا؟

إن تحديد مدة معينة للمفاوضات يتطلب، منطقياً، وجود اتفاقات مبدئية مسبقة وواضحة في شأن كلٍ من قضايا الوضع النهائي تفادياً للمماحكة والمماطلة واستهلاك الوقت على غير طائل، فهل تمّت اتفاقات مبدئية مسبقة بضمانة الولايات المتحدة أم أن المفاوضات ستبدأ من نقطة الصفر وستكون مفتوحة على شتى الاحتمالات؟

هل سيجري تقييد التسوية السلمية المرتقبة بجدول زمني لتنفيذ بنودها، وهل سيكرس هذا الجدول بقرار دقيق وملزم من مجلس الأمن الدولي بضمانة الدول الخمس الكبرى؟

إن الغاية المتوخاة من طرح هذه الأسئلة هي معرفة، بل امتحان، جدية المساعي الأميركية الناشطة، ظاهراً، من اجل تنظيم مفاوضات بين الفلسطينيين و"إسرائيل" تفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية الموعودة. فالولايات المتحدة كانت وما زالت راعية الكيان الصهيوني وحليفته الدائمة، ولطالما تظاهرت بتأييد قرارات دولية لتسوية النزاع بين الجانبين المتصارعين من دون أن تقترن مساعيها الخادعة بأي نتيجة إيجابية، بل على العكس أدت إلى تغطية اعتداءات "إسرائيل" ومشاريعها التوسعية وإلى مدها بأسباب القوة لتبقى أقوى من العرب مجتمعين، عسكرياً وتكنولوجياً.

إلى ذلك، فان وضع الرئيس أوباما، محلياً وإقليمياً ودولياً، لا يشير إلى أنه ممسك حقاً بزمام المبادرة وأنه قادر على الوفاء بمتطلبات مبادرته السلمية. فالأزمة المالية والاقتصادية التي تعصف باقتصاد بلاده من جهة والمعارضة القوية لمشروعه المتعلق بتوسيع الرعاية الصحية من جهة أخرى تضعفانه محلياً وتحدّ من قدرته على مواجهة معارضي مبادرته السلمية من الصهاينة وغيرهم في الإدارة والكونغرس.

ثم إن مبعوثه إلى المنطقة السناتور جورج ميتشل لا يبدو أنه أحرز تقدماً يذكر في تطويع الحكومة الإسرائيلية لدعم المبادرة السلمية. فنتانياهو لا يمتنع عن الموافقة على مطلب تجميد الاستيطان فحسب بل يعلن أيضاً ضرورة العمل لتسريعه قبل التفكير بوقفه. أما وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان فيعلن رفضه جهاراً نهاراً لحل الدولتين ويلتزم موقف «محو القضية الفلسطينية من قاموس وزارته»!

على صعيد الحرب في أفغانستان، يبدو تعثر إدارة أوباما واضحاً. قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستل دعا صراحةً إلى «مراجعة استراتيجية بلاده في أفغانستان» الأمر الذي أوحى بعدم قدرة قواته في وضعها الحالي على دحر «طالبان». رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميرال مايكل مولن اعترف بأن وضع القوات الأميركية في أفغانستان صعب وأن الأمر يتطلب زيادة عديدها قبل أي شيء آخر. وزير الدفاع روبرت غيتس أقرّ بأن إدارة أوباما تملك «وقتاً محدوداً لإثبات نجاح استراتيجيتها الجديدة في أفغانستان»، في وقت تفيد استطلاعات الرأي بأن نحو 60 في المائة من الأميركيين يرفضون الحرب في تلك البلاد.

كل هذه التطورات والتحديات تحدّ من هامش المناورة أمام الرئيس الأميركي وتربك مساعيه الهادفة إلى تفعيل مبادرته السلمية وتظهير الدولة الفلسطينية الموعودة، وقد ينتهي الأمر إلى فشل مدوٍّ. ألا يستوجب هذا الاحتمال أن يقوم الفلسطينيون والعرب، معتدلين ومقاومين، بوضع خطة أو أكثر لمواجهة التداعيات التي ستنجم عن فشل أو إفشال مبادرة أوباما؟

صحيح أنه من الصعوبة بمكان وضع الخطة المطلوبة بالنظر إلى وضع العرب المخزي في شتاتهم الراهن. ومع ذلك فإن القوى الحية في صفوف الجميع تبقى مطالبة ومدعوة إلى مواجهة التحدي بقدر ما تطيق وتستطيع. في هذا الإطار يمكن إطلاق خمس أفكار رئيسة:

الأولى، ضرورة الإقلاع نهائياً عن الاعتماد على الولايات المتحدة أو الرهان عليها في أي موقف أو مشروع أو تدبير يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي. فالكيان الصهيوني بات جزءاً عضوياً من ثقافة الغرب الأطلسي ومن منظومة القيم والمصالح الأميركية العليا الأمر الذي يحول دون اتخاذ الولايات المتحدة أي موقف سلبي من "إسرائيل".

الثانية، في ضوء الرفض الصهيوني العنيد لأي تسوية مع الفلسطينيين يتأتى عنها دولة سيدة مستقلة قابلة للحياة، فقد أصبحت المقاومة هي الخط الاستراتيجي الواجب اعتماده وممارسته وتفعيله وتوسيعه ليس لأنه السبيل العملي لاستعادة الحقوق القومية غير القابلة للتصرف فحسب بل لأنه السبيل الوحيد أيضاً لتعزيز المركز التفاوضي العربي، فلا يبقى أسير سياسة الولايات المتحدة الخادمة ل"إسرائيل".

الثالثة، حدثت متغيرات وازنة في المنطقة تبلور بنتيجتها وضع استراتيجي جديد يرتكز إلى ثلاث قوى مقتدرة: تركيا وإيران و"إسرائيل". من بين هذه القوى الثلاث، تتجه إيران إلى أن تصبح قوة إقليمية مركزية أولى الأمر الذي أخاف الولايات المتحدة (وإسرائيل) وحملها على شن حملة سياسية واسعة لإظهار إيران بأنها أصبحت خطراً على مصالحها كما على مصالح حلفائها، لاسيما الدول النفطية منها. كل ذلك من أجل حشد الدول العربية إلى جانبها وبالتالي مصالحتها مع "إسرائيل" لتشكيل جبهة متراصة ضد إيران بما هي «الخطر الأول» على مصالح الجميع. هذه السياسة الأميركية- الصهيونية مضرة بالعرب ومصالحهم ومعادية لطموحاتهم ومستقبلهم ولا يجوز تبنيها أو الانخراط فيها. بالعكس، يجب التفاهم والتنسيق مع إيران وتركيا في كل ما من شأنه خدمة المصالح والمشروعات المشتركة لأن ما يجمع العرب مع إيران وتركيا أكثر بكثير مما يجمعهم مع أميركا. ولا خوف من «خطر» تعاظم قدرات إيران على دول الخليج العربية ومصالحها لأنها محمية، في نهاية المطاف، بموازين القوى الدولية والإقليمية.

الرابعة، يقتضي المسارعة إلى إحياء التفكير العربي الاتحادي وتفعيله من أجل التوصل إلى صيغ اتحادية، اقتصادية وسياسية، فاعلة ومتطورة بين بلدان الخليج، وكيانات بلاد الشام وبلاد الرافدين، وبلاد وادي النيل، وبلاد المغرب العربي الكبير. ذلك أن بلدان المشرق العربي أضحت مجرد منطقة عازلة بين تركيا وإيران و"إسرائيل" وملعباً لسياسات أميركا وأوروبا ومصالحهما، في وقت أصبحت التكتلات القارية شرطاً لبناء اقتصادات كبرى منتجة ومتنامية ولقيام مشروعات تنموية عملاقة ولتبادلات واسعة ومربحة ولامتلاك قدرات استرايتجية وازنة.

الخامسة، أن تناقص مخزونات المياه عربياً وعالمياً حقيقة بازغة الأمر الذي سينعكس سلباً على متطلبات حاجات الشرب والري والزراعة وبالتالي على الأمن الغذائي العربي. ذلك يشكّل خطراً زاحفاً قد يحوّل حروب المستقبل حروباً على مصادر المياه بالدرجة الأولى. من هنا تنبع أهمية اتخاذ قرار عربي جماعي بالشروع في بناء قدرات نووية عربية في إطار مشروع أو مؤسسة اتحادية عربية لخدمة أهداف شتى أبرزها تحلية المياه والإنماء الزراعي والصناعي والبحث العلمي.

بذلك نصبح أمة تعيش في الحاضر بصيغة المستقبل.