خبر جلعاد الجميع.. هآرتس

الساعة 07:55 ص|06 سبتمبر 2009

بقلم: تسفي برئيل

مرت ثلاث سنوات، ولكن المذيعين في محطات التلفزيون والراديو العربية لا يزالون يترددون في كيفية تسميته: جيلعد شليت، جلعاد شليت، جالعاد شليت. وهل يصفونه كجندي بانه الجندي المخطوف، الجندي الأسير أم مجرد الجندي. ما هو واضح أن "شليت" اصبح مفهوما سائدا في كل بيت عربي تلتقط فيه المحطات الفضائية العربية. في السنوات الثلاث التي مرت منذ اختطف اصبح شليت أكثر من مجرد شخصية مأساوية أو بطل عملية لغرض المساومة. شليت هو اليوم ذخر نزاع بين اقطاب مختلفة في الشرق الاوسط.

مصر ترى في صفقة شليت جزءا لا يتجزأ من المفاوضات الشاملة التي تديرها حيال حماس، وهي تتطلع الى ادراجها في اتفاق يحل ايضا مسألة الحصار المفروض على غزة  والمصالحة الفلسطينية الداخلية بين حماس وفتح. كان يكفي الاستماع بعناية الى أقوال الرئيس حسني مبارك في واشنطن كي نفهم المكان الذي احتله شليت في الساحة العربية. مبارك، خلافا للاتفاقات التي كانت بين كل الاطراف، قررت الكشف عن الدور الالماني في المفاوضات بل واثنى على التعاون مع المانيا. ولكن يبدو انه خلف الكواليس كانت تجرب دراما كبرى. موقع الانترنت المصري "المصريون" المقرب من الاخوان المسلمين، أفاد قبل بضعة ايام بأن حماس هي التي طلبت ضم الوسطاء الالمان وان مبارك رفض هذا الطلب رفضا باتا بل وهدد بالانسحاب من المفاوضات اذا ما ضم محفل خارجي. مسؤول حماس، خالد مشعل، حسب ذات التقرير، اتصل بمبارك وتعهد بان شيئا لن يؤثر على مكانة مصر كوسيط اذا ما ضم وسيط ألماني.

حسب تقرير في الموقع الفلسطيني "فلسطين اليوم" تشاور قادة حماس مع قيادة حزب الله في مسألة الوساطة الالمانية على خلفية تجربة حزب الله في صفقات تبادل الاسرى مع اسرائيل، وسعت الى استخلاص الدروس من الشكل الذي ادار فيه حزب الله في الماضي المفاوضات مع اسرائيل. وهذا ايضا سبب لغضب مصر التي تسعى الى الاحتفاظ لنفسها بالاحتكار على الوساطة في صفقة شليت ليس فقط لاعتبار المكانة، بل وايضا لصد قدر الامكان نفوذ سوريا وايران في الساحة الفلسطينية.

مبارك الذي لا يتبادل أي كلمة مع بشار الاسد بل ورفض المبادرة السعودية للمصالحة معه، وان كان كلف نفسه عناء ازالة الاشتباه علنا عن سوريا قائلا في المقابلة ان "سوريا لم تعرقل صفقة شليت"، الا انه على الفور اضاف بان "علاقات حماس مع ايران معروفة ومتواصلة". بمعنى ان الرابطة قائمة ومن له رابطة مع ايران له رابطة مع سوريا ايضا. ويطل مبارك باشتباه وتخوف علنيين على سياسة الانفتاح الجديدة لواشنطن تجاه سوريا وبالاساس على الحوار المتوقع بين الولايات المتحدة وايران. ولا سيما حين تكون قدرته على احداث حلول سياسية في الشرق الاوسط قد حطمت عدة مرات على صفقة المعارضة السورية – الايرانية. هكذا كان عندما سعت مصر الى التدخل في حل الازمة في لبنان في السنة الماضية وهكذا ايضا في المفاوضات بين فتح وحماس والتي تلعب فيها سوريا دورا اساسيا.

وعليه، في كل مرة تطلب فيه اسرائيل من زعماء او مبعوثين من اوروبا الولايات المتحدة أو روسيا الحديث الى قلب سوريا في موضوع شليت، يرى مبارك في ذلك "تهديدا لكسر الاحتكار المصري ونقل مركز الثقل السياسي الى سوريا وايران.

عن "تهديد" مشابه، هذه المرة من جهة قطر، أفادت صحيفة "الشروق الجديد"، والتي أفادت على لسان خالد البطش، رجل الجهاد الاسلامي بان قطر اقترحت شراء شليت مقابل المال. وبقرار مبدئي أعلنت حماس ومنظمات اخرى عن أن شليت ليس للبيع وانه لن يحرر الا مقابل سجناء الفلسطينيين. وبالمناسبة، من صيغة حديث البطش يفهم أن القرار في قضية صفقة شليت ليس قرار حماس فقط وان باقي المنظمات الفلسطينية تساهم في رأيها وموقفها ومن هنا الصعوبة الاضافية في تنفيذ الصفقة.

من يقض مضاجع مبارك؟

مصر لم تكن مطالبة إذن بوقف الاقتراح القطري – فقد فعلت حماس ذلك بدلا عنها ولكن مجرد امكانية أن تكون قطر كفيلة بان تحظى بهذا الشرف يقض مضاجع مصر. بين مصر وقطر يدور صراع مرير على نحو خاص بعد أن نجحت قطر في المكان الذي فشلت فيه مصر. فقد أحدثت اتفاق الدوحة الذي حل قبل سنة الازمة في لبنان، وهي تتدخل الان في النزاع العنيف في اليمين، وهي مقربة جدا من ايران وسوريا وفي نفس الوقت مرشحة لان تكون "الهدية" التي تحصل عليها اسرائيل اذا ما قررت تجميد المستوطنات. واذا ما نجحت قطر ايضا في تحرير شليت فانها كانت ستزيح مصر عن صدارتها كوسيط في الموضوع الفلسطيني. وهكذا ايضا رفضت مصر، بالكياسة المناسبة، اقتراح تركيا في ان تكون وسيطا في الصفقة.

السياسة العربية في صفقة شليت لا تتميز فقط بالعلاقات بين مصر وسوريا، ايران وقطر. فبعد عودة مبارك من واشنطن قال مشير المصري، عضو البرلمان الفلسطيني عن حماس لوكالة الانباء الفلسطينية "قدس برس" أنه "بالفعل كان دور لمحافل من الخارج عملت على افشال صفقة شليت مثلما قال الرئيس مبارك". هذه محافل، على حد قول المصري، هي السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس والادارة الامريكية اللتين تخشيان ان يعتبر تحرير شليت انجازا سياسيا لحماس. وقدر المصري أيضا بان معارضة عباس للصفقة تنبع من التخوف من أن تحرير اعضاء البرلمان عن حماس من السجن سيؤدي الى اعادة تفعيل البرلمان، الامر الذي من شأنه اين يهدد شرعية حكم عباس.

وهكذا أصبح جلعاد شليت جزءا لا يتجزأ من الساحة السياسية في الشرق الاوسط والمشجب الذي يمكن لاطراف عديدة ان تعلق عليه مكانتها السياسية. من ورقة مساومة بين اسرائيل وحماس أصبح بؤرة حولها تدور صراعات قوى بين أقطاب اقليمية. وهكذا، كلما طالت مصيرة المساومة، فان المزيد فالمزيد من المحافل ترى في صفقة شليت مصدرا للسيطرة والكبرياء لدرجة أنه لم يعد يدور الحديث فقط عن مسألة من يربح ومن يخسر في الصفقة نفسها، بل كيف يمكن للصفقة ان تكون رافعة لسياقات اضافية ما كانت لها منذ البداية أن تكون مرتبطة بها.