خبر جرائم ومخالفات خفيفة.. معاريف

الساعة 11:32 ص|03 سبتمبر 2009

بقلم: هدار حورش

كان هناك شيء مخيب للامال بعض الشيء في رفع لائحة الاتهام الدراماتيكية ضد ايهود اولمرت في بداية الاسبوع. اين كل قصص الرعب عن علاقات المال بالسلطة؟ أين الجبار المالي الذي يلتقي الوزير في ظلمة الليل، يحلي حياته بالطيبات والوعود ويحصل بالمقابل على عقد سمين مع وزارة الدفاع او تشريع يحسن لاعماله التجارية التي تعانق العالم؟

بدلا من قصة جذابة عن المال والسلطة تلقينا لائحة اتهام تدحرج قصة محتال صغير، يخدع منظمات اغاثة صغيرة لم تتصور ان يكون المتبرع السخي لهم سراقا. ومقابل الدعم وتجنيد التبرعات يحاول اولمرت ان يرتب لـ "الجبار المالي" تلنسكي عقدا صغيرا لبيع ثلاجات صغيرة الى الفنادق التي يبنيها صديقه اسحق تشوفا.

كما أن لائحة الاتهام في قضية مركز الاستثمارات والتي تقول ان اولمرت ساعد في حث البحث في المصادقة على مصنع في الجنوب، ليست قصة عن علاقات المال بالسلطة، بل قصة اسرائيلية بشعة نموذجية: المستثمر الضال في المتاهة البيروقراطية بحث عن شخص ما يمكنه أن يهز الشجرة من قمته، جاء الى المحامي اوري ميسر، الشريك السابق لاولمرت في مكتب المحامين، والذي حسب لائحة الاتهام طلب من المسؤولين تسريع معالجة القضية. ليس تماما نظيفا بل وربما غير قانوني ولكنه بعيد عن ان يكون قصة فساد من النوع الذي يسقط حكاما عن كراسيهم.

وكذا قصص الفساد الاخرى التي وصلت في السنوات الاخيرة الى المحاكم، تدل سوابق جنائية شخصية ودنيئة للمتبوئين المناصب العليا: وزير المالية الاسبق ابراهام هيرشيزون لم يرغب في أن يدع من يده منصبه كرئيس هستدروت العمال الوطنية بأجره العالي منه، وبعد أن حظر عليه تلقي الاجر وجد السبيل لان ينتزع في الخفاء من الصندوق ملايين الشواكل التي اعتقد بانها "من حقه". وكذا شلومو بنزري يدخل السجن لفترة حبس طويلة بسبب رأفة صغيرة دفعته لان يأخذ مالا وخدمات من مقاول صغير طلب بان يرتب بنزري له تسهيلات في استيراد العمال الاجانب.

لا حاجة للاستخفاف بهذه الجرائم. بنزري وهيرشيزون ادينا وحكما بعقوبات طويلة في السجن. ورجال القانون يقدرون بان اولمرت هو الاخر كفيل بان يرسل لسنوات طويلة الى السجن اذا ما ادين على الاقل بقسم من الافعال الدنيئة التي يتهم بها. ولكن ليس بهذه الافعال اشتبه من رفعوا اصواتهم ضد علاقات اصحاب المال مع السلطة في اسرائيل. جبابرة المال العظام، التي نرى نحن صورهم كل يوم في الملاحق الاقتصادية غير مشاركين في أي واحدة من هذه القضايا.

فهل جبابرة المال العظام اكثر نزاهة؟ ليس بالضرورة. الشركات الكبرى في اسرائيل تستثمر مالا كثيرا كي تؤثر على اصحاب القرارات وتقنعها بصحة مواقفها. وهي تستأجر كبار المحامين والمستشارين الذين يأتون ويذهبون في أروقة الكنيست والوزارات الحكومية. مدراء الشركات وأصحاب السيطرة فيها يدعون الموظفين الكبار، النواب والوزراء الى الافراح في منازلهم والى مناسبات رفع النخب لاغلاق عمل تجاري او مجرد اعياد اسرائيل وأعياد الاغيار.

ولكن رغم المظهر الخارجي، رغم الاشتباه المستمر الذي يحوم فوق اللقاءات بين رجال الاعمال وبين رجال السلطة في دولة اسرائيل، يبدو أن مستوى الفساد في السلطة الاسرائيلية لا يقترب من مستوى قضايا الفساد التي ظهرت في دول تعتبر غير مرة اكثر تنورا، مثل الولايات المتحدة او بريطانيا ولم تصبح تهديدا استراتيجيا على السلطة.

ولعل السبب في ذلك يرتبط بحقيقة أن تعلق جبابرة المال بالحكومة اقل اليوم منه في الماضي، وربما بسبب حماسة وسائل الاعلام، التي ترى احيانا ظل الجبال كجبال، تحذر بالذات السياسيين ورجال الاعمال الكبار حقا من الارتباطات التي من شأنها أن تنكشف وتؤدي الى سقوطهم التجاري والسياسي.