خبر « بائعة السمك »: مشروع « الشباك » خفف من فقرنا وزاد من أحلامنا

الساعة 06:35 م|01 سبتمبر 2009

"بائعة السمك": مشروع "الشباك" خفف من فقرنا وزاد من أحلامنا

فلسطين اليوم: رفح

لم يخطر في خُلد عزيزة صيام ذات يوم، أن تصبح بائعة اسماك في رفح جنوب قطاع غزة، وان تلم بأنواع الأسماك المختلفة، التي يجهلها الكثير من الغزيين رغم أنهم يعيشون على شريط ساحلي.

"صيام" التي تبيع الأسماك في السوق المخصص، تحرص على أن تكون منتقبة – تغطى وجهها – حتى لا يعرفها المارة، ولا اقرب المقربين إليها، لكي تتمكن من بيع الأسماك الموجودة بحوذتها التي اصطادها زوجها وأبناءها رغم خطورة الممارسات الإسرائيلية بحق الصيادين رغم التزامهم بمساحة الصيد المقررة لهم التي يتم تقليصها من قبل الاحتلال.

وتعيش في بيت لا تعرف الشمس طريقها إليه، وجدران عفا عليها الزمن لم يصل إليها يوم اختراع يدعى تبيض الجدران، وهو محل ترحيب دائم بمن يصل إليه لأنه يفتقر إلى الأبواب والشبابيك. 

وبحسب اتفاقية أوسلو تم تقسيم شاطئ قطاع غزة إلى مناطق عرفت بـمناطق "m ,l ,k " فالمنطقة k  تمتد إلى 20 ميل في شمال غزة إلى 1.5 ميل اتساعا للجنوب وm  تمتد من 20 ميل في جنوب بحر غزة إلى 1 ميل اتساعا من مياه مصر أما l  فيحدها من الجنوب m  ومن الشمال k  وتمتد إلى 20 ميل من الشاطئ .

و الشاطئ البالغ طوله الإجمالي 42 كم يعتبر منطقة مغلقة لا يستطيع الصياد بموجبها الوصول للأعماق بل أقصى ما يصله 3000 صياد هو 6 ميل فقط.

شباك الصيد

وتقول صيام "42" عام :" زوجي يعمل صياد حيث ورث هذه المهنة "أب عن جد" رغم خطورتها الشديدة سواء كان خطر البحر من ناحية وممارسات "الطرادات" الإسرائيلية من ناحية أخرى التي تعمل على مصادرة الزوارق البحر إضافة إلى قطع الشبك الذي يكلفنا الكثير من الأموال".

وتعيش صيام في مواصي رفح جنوب قطاع غزة أوضاع اقتصادية كارثية في بيت خلا من مستلزمات الحياة الضرورية ، برفقة زوجها الصياد زياد صيام"45" عام وجيش من الأبناء "12" ولد وبنت  يكابدون الفقر مع والديهم.

وتشير الى أن حياتها بالرغم من حالة الفقر المدقع التي تسببت في حدوث مشاكل أسرية مع زوجها الا انه قد تحسن عقب الحصول على مشروع "شبك صيد" بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتنفيذ جمعية التنمية الزراعية -الإغاثة الزراعية.

نزاع عائلي

وواجه المشروع في بدايته نزاع عائلي اشتد بين الزوجين فكلاهما يحلم بالخروج من حالة الفقر مما أدى الى تعثر عملية نسج الشبك الى ان تم تدخل المرشدة واللجنة المحلية مع الأسرة والتأكيد على أن هذا المشروع ليس ملك لفرد وإنما مشروع ملك للأسرة وعليه تم تحديد كل من دور الزوج والزوجة.

وصاحبة البشرة الحنطية وذات الرداء الأسود حاصلة على دبلوم من جامعة الأزهر بغزة وزوجها انهي المرحلة الإعدادية فقط، تحلم ذات يوم أن تحصل على وظيفة تمكنها من توفير جانب من مستلزمات الحياة الضرورية وتساهم في تدريس ابنتها في الجامعة.

وتوضح عزيزة أن المشروع انطلق عقب توفير ما نحتاجه  من "شبك الصيد" ملطش و زيدة مع جميع ملحقاتهم حيث تم تسليمنا نوعين من الشبك، وكل نوع مخصص لنوع معين من الأسماك فهناك الشباك ذات الفتحة الصغيرة وأخرى المتوسطة وثالثة كبيرة وهكذا .

وتمتلك الأسرة حسكة بسيطة تساعدهم على الوصول الى العمق المطلوب لرمي الشبك في البحر، وكذلك بعض الأدوات البسيطة من فرش وغيره لوضع السمك بعد الصيد، خاصة وان البحر هو الحياة لهم بالرغم من خطورته حيث تعرض الزوج الى الخطر مرات عديدة من قبل الزوارق الإسرائيلية وقد خسر شبكه كله وحرم من أن يعمل على تجميعه من البحر.

بداية صعبة

وتشير الى  أسرتها انطلقت في العمل في شهر ديسمبر/كانون أول من العام الفائت وتم استخدام احد أصناف الشبك وهو نوع زيدة ، زوجي واثنين من الأبناء كانوا خير معين لوالدهم في البحر وكنت أنا من يسوق السمك ومازلت.

وتضيف :" على قول المثل – جاءت الحزينة تفرح لم تجد لها مطرح- فالحرب الإسرائيلية انطلقت مع نهاية الشهر الأول لعملنا وتوقفت الحياة وبات الوصول الى البحر مستحيل فكيف إذا بعملية الصيد".

وشنت قوات الاحتلال الإسرائيلي حربا واسعة النطاق على قطاع غزة في السابع والعشرين من ديسمبر/ كانون أول من العام الماضي واستمر 22يوما قتل خلالها نحو 1540 مواطن وتدمير نحو 5000منزل وإحراق مراكب الصيد والشباك.

وتشير الى انه وبعد ان وضعت الحرب اوزارها عاودت الأسرة نشاطها في صيد الأسماك وان المشروع برغم صغره الا انه يسير بشكل جيد ، وانه ساهم في تحسين العلاقة بين افراد الأسرة .

مهارات ادارية

حقق المشروع  للأسرة فرصة كبيرة في اكتساب مهارات فنية وإدارية ومالية من خلال العمل في المشروع، حيث يتم العمل على تفريغ دفتر الحسابات على نماذج مالية خاصة بالمشروع.

وتبتسم عزيزة التي اكتسى وجهها بالألم قائلة :" احلم بان يكبر المشروع لا لشئ الا لكي أتمكن من بناء مطبخ صغير حيث يفتقد بيتي المهترئ الى مطبخ، وشراء غسالة تعينيي(...) تمكنا من ادخار مبلغ من المال وبالفعل اشترينا الغسالة التي كانت أمنية تلاحقني في النهار وحلم يصاحبني في منامي ليلا".

وبينت ان عملية الصيد ترتبط في مواسم محددة فهناك أشهر يكون فيها السمك كثير تتمكن خلاله الأسرة من بيع كيات كبيرة وادخار مبلغ من المال وأشهر تشح فيها عملية الصيد بصورة كبيرة ." الخطر الأكبر ليس في مواسم شح الأسماك أو ارتفاع الأمواج أحيانا ولكن في أن نفقد الشباك والحسكة التي نملكها بفعل "الطرادات الإسرائيلية" التي تلاحق الصيادين ليل نهار ومن شمال القطاع حتى جنوبه" وفق قولها.

وحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في تقرير له حمل عنوان "صيد السمك في غزة: صناعة في خطر" من أن "صناعة صيد السمك تواجه تقلصاً طويل المدى وإمكانية التلاشي والاضمحلال إذا استمرت القيود المفروضة حالياً".

واتهم التقرير الإسرائيليين بعدم توضيح المكان والزمان الذي يسمح بهما للصيادين الفلسطينيين بصيد السمك. ومنذ الصيف الماضي قتل أربعة صيادين وجرح العديد منهم وتضررت مراكبهم بعد أن أطلقت القوارب الحربية الإسرائيلية النار عليها.

أولى الثمار

وتشير عزيزة الى أنها تمكنت من تسجيل ابنتها في الجامعة " الشهادة الجامعية ستبعد ابنتي عن غول الفقر الذي يسيطر على عائلتي منذ زمن ، وهذا بفضل المشروع الذي يحاول القائمين عليه انتشالنا مما نحن فيه وتحقيق دخل ثابت للأسرة يعينها في هذه الحياة الصعبة والأوضاع الاقتصادية التي توشك ان تلفظ أنفاسها الأخيرة".

المهندسة عفاف أبو غالى منسقة البرنامج – من جمعية التنمية الزراعية – قالت :" لقد تم اختيار هذه العائلة لعده أسباب منها حالة الفقر الشديدة التي تحيط بها، وتوفر موارد للبدء الفعلي في المشروع سيما الإلمام بمهنة الصيد"، وتشير الى أن العمل بدأ خطوة خطوة من اجل تحقيق نوعا من توفير الدخل المستدام لهذه العائلة.

أبو غالى التي تعقد اجتماعات دورية مع المستفيدين من هذه المشاريع تسعى الى تزويد كافة الفئات المستهدفة بجمله من المهارات الإدارية وإجراء عملية الحسابات بدقة للتعرف على سير اتجاه المشروع والتوقف عند نقاط القوة وتدعيمها وإزالة كافة مناطق الخلل.

دخل دائم

وتشرح سير المشروع فتقول:" في بدايته كان المردود المادي قليل وهذا يرتبط بموسم الصيد بالدرجة الأولى ومن ثم بدا الدخل يسير في سلم تصاعدي مما ممكن العائلة من شراء بعض احتياجاتها الضرورية (...) بالتأكيد هي عائلة فقيرة والمشروع حقق لها نوعا من الدخل ورغم قلته فهو شبه دائم".

ويتوافر لدى الأسرة نوعين من الغزل (4 قطع غزل ملطش بدأ العمل بها خلال الفترة المقبلة حسب موسم الصيد ، + 2قطعة من شبك الزيدة حيث تم فقدان قطعتين في البحر نتيجة ارتفاع عمق البحر ، وتعمل الأسرة على صيانة  القطع القديمة لديها وتعمل بها، إضافة إلى شراء قطعة غزل لنوع سمك السرطعون بقيمة 300 شيكل ، وأخرى لسمك القريدس " الجمبري".

وتوضح أبو غالى أن دخل الأسرة في شهر مارس/ آذار من العام الجاري بلغ 1752 شيكل  ادخرت منه الأسرة 80 دينار لشراء الغسالة، وفي  ابريل / نيسان بلغ  570 شيكل، تم ادخار 20دينار، في أيار/ مايو بلغ 1730 شيكل وهذه المبالغ مرتبطة بموسم الصيد.

ومن ابرز المعوقات التي تعترض أسرة عزيزة التعرض لإطلاق نار من الطراد الإسرائيلي في الأماكن الجيدة للصيد (حصر مواقع الصيد) وانتقال الصيادين لموقع بين رفح وخان يونس للابتعاد عن إطلاق النار.

يشار إلى أن مواسم الصيد تختلف من شهر إلى آخر حيث يزداد السمك في الأشهر التي تحمل حرف الراء وهي يناير، فبراير، مارس ، ابريل، سبتمبر، أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر، فيما يندر في باقي الأشهر ولله في خلقه شؤون