خبر نتيجة الفعل معروفة مسبقا..هآرتس

الساعة 12:03 م|28 أغسطس 2009

بقلم: الوف بن

تجميد المستوطنات مقابل عقوبات حادة على ايران"، افادت أول امس "الغارديان" قبيل لقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمبعوث الامريكي جورج ميتشيل في لندن. نتنياهو وميتشيل بحثا في الاعلان المرتقب للرئيس الامريكي براك اوباما عن بدء المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية في الشهر القادم في البناء المستقبلي في المستوطنات وفي بادرات التطبيع من الدول العربية. ولكن في خلفية حديثهما قبع التصدي لايران، ومحاولة وقفها قبل أن تحقق قنبلة ذرية. تحدثوا عن يتسهر وفكروا في بوشهر.

اذا ما نزعنا عن الخطوة السياسية التي يعدها اوباما الرتوش الخطابية، احاديث السلام والاقتباسات من القرآن، فيظهر جوهرها الاستراتيجي: بلورة ائتلاف اقليمي ضد ايران، بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة اسرائيل، السلطة الفلسطينية، مصر، الاردن، المغرب، السعودية ودول الخليج الصغيرة. كل شريك ينبغي أن يساهم بشيء ما: أوباما بالغطاء السياسي والمظلة العسكرية، نتنياهو برفع الحواجز وتجميد المستوطنات في الضفة الغربية، ابو مازن باستئناف المفاوضات، مبارك والملك السعودي بالشرعية العربية وزعماء الخليج بالممثليات الاسرائيلية وبخطوط الطيران الجديدة لشركة "العال". ويجري البحث في التفاصيل، مثل التجميد مقابل كم من التطبيع، وليس في الجوهر.

الصلة بين المستوطنات والنووي الايراني ليست أمرا مسلما به. اذا لم يبنوا شقة واحدة اخرى في ارئيل، بسغوت او معاليه لبونا، وحتى لو فككت كل المستوطنات، فان هذا لن يوقف أجهزة الطرد المركزي في المصنع لتخصيب اليورانيوم في نتناز. العكس صحيح هو الاخر: تصفية البرنامج النووي الايراني، وحتى انهيار النظام الاسلامي واستبداله بحكومة مؤيدة للغرب وموالية للصهيونية، لن تحل النزاع على ارض اسرائيل.

ولكن انعدام العلاقة السببية المباشرة والواضحة، ليس بالضرورة انعداما للصلة. فهي موجودة بل وموجودة جدا، بسبب المصالح الاستراتيجية للمشاركين في الامر. ايران تستغل النزاع الاسرائيلي – العربي لتعزيز مطالبتها بالهيمنة الاقليمية. امريكا ينبغي أن تظهر بانها تحصل على شيء ما من اسرائيل من أجل الفلسطينيين كي تتمتع بموافقة عربية على خطواتها ضد الايرانيين. وسيكون اسهل على زعيم اسرائيلي التنازل في الضفة اذا ما كان بوسعه ان يقنع الجمهور، بان هذا التنازل سيبعد الخطر الوجودي الكامن في القنبلة النووية.

أحلام متحطمة

في رأس اهتمام نتنياهو يوجد التهديد النووي لاسرائيل من جانب ايران، وفي السياق ربما ايضا من دول اخرى في المنطقة تحاول الاحتذاء بها. وقد اوضح ذلك في حديثه مع اوباما في ايار الماضي، والذي كرس في معظمه للتهديد الايراني. نتنياهو يفضل أن تعالج امريكا التهديد على عملية عسكرية اسرائيلية. وسمعه اوباما وسارع الى جباية الثمن، بطلبه تجميد المستوطنات. على نتنياهو أن يقيد "حق اليهود في السكن في كل مكان في ارض اسرائيل"، كي يحبط اوباما "حق ايران ببرنامج نووي". كلاهما سيكبحان معا احلام اليمين الاسرائيلي وكهنة الدين الايرانيين.

ادارة اوباما ترى في تلطيف حدة النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني مصلحة استراتيجية امريكية، تسعى الى ترميم مكانتها ونفوذها في الشرق الاوسط بعد سنوات من الازمات والمشاكل. التعلق الاسرائيلي ملزم، فحين توضح واشنطن ما هي مصالحها، فان القدس تطيع. هكذا كان الامر دوما، منذ استجاب بن غوريون لطلب ترومان واوقف اجتياح الجيش الاسرائيلي الى سيناء في نهاية حرب الاستقلال. اسرائيل نجحت في تحدي امريكا والخروج بسلام، فقط حين كان الامريكيون اقل تصميما حيال العناد الاسرائيلي – مثلا في اقامة المفاعل في ديمونا وفي 42 سنة استيطان في المناطق.

في التصدي لايران، تحتاج اسرائيل الى اسناد امريكي بسبب علاقات القوى: ايران أكبر من اسرائيل 80 ضعفا من حيث المساحة و 9 اضعاف من حيث عدد السكان. اذا قرر نتنياهو مهاجمة ايران، فان القوى الامريكية ستكون حيوية لعقد التوازن في الفارق بالمقدرات. البحث الاسرائيلي في مسألة الحرب مع ايران يتركز في المسألة التكتيكية، هل يمكن لسلاح الجو ان يضرب المنشآت الايرانية ويلحق بها ضررا يوقف البرنامج النووي ام سيعرقله لعدة سنوات. يفترضون بان ايران سترد بصواريخ شهاب على تل أبيب وديمونا وبتفعيل صواريخ حزب الله من لبنان، ويسألون اذا كان تلقي هذه الضربات هو ثمن مناسب لازالة الخطر النووي.

هذه نظرة جزئية وقصيرة المدى للمشكلة. الخطط العسكرية تركز على المهمة الفورية وتميل الى طمس آثارها البعيدة. المؤرخة بربارة توخمان كتبت في "آب 1914" بان المخططين العسكريين في اوروبا قبل الحرب العالمية الاولى، في كل الاطراف المقاتلة افترضوا أنها ستنتهي في غضون 3 او 4 اشهر في اقصى الاحوال. وتجاهلت خططهم امكانية حرب استنزاف دامية تستمر لسنوات في ظل غياب حسم سريع. وبالتأكيد لم يتصوروا حربا عالمية مع عشرات ملايين القتلى وخريطة جديدة لاوروبا. شيء مشابه حصل، بحجوم اكثر تواضعا بكثير، للجيش الاسرائيلي في 2006، الذي استعد لعملية رد في لبنان وليس لحرب لخمسة اسابيع مع حزب الله.

مثل هذا الخطر يكمن لاسرائيل اذا ما خرجت في حرب ضد ايران. من السهل أن يغرى المرء بنصر لامع لحملة تظاهرية جوية؛ المشاكل تبدأ بعد أن "تعود الطائرات الى قواعدها بسلام". اليابان ضربت امريكا في برل هاربر، ولكن موازين القوى كانت في غير صالحها. امريكا صحت، تسلحت ودمرت الامبراطورية اليابانية. ومثلما كتب ادوارد لوتفك، من الخبراء الرائدين في عالم الاستراتيجية، كان من المفضل لليابانيين لو أن طياريهم ضلوا الطريق الى هاواي او اخطأوا في اصابة اهدافهم. "القيمة الاستراتيجية الحقيقية للنجاح التكتيكي والعملياتي الكبير الذي سجل في التاريخ باسم الهجوم على برل هاربر كانت خسارة صرفة"، كتب لوتفك في كتابه "استراتيجية الحرب والسلام".

لقد دمرت اسرائيل سلاح الجو المصري في "ثلاث ساعات في حزيران" في 1967، والقصف الناجح سمح باحتلال سيناء في غضون أربعة ايام. ولكن مصر اكبر بكثير من اسرائيل، وقد نجحت في اعادة احتلال اراضيها في حملة عسكرية محدودة الى جانب خطوة سياسية واسعة. ودفعت اسرائيل الثمن بالاف القتلى والضرر الاقتصادي الهائل على محاولتها الفاشلة الاحتفاظ بالصحراء ذات المشاهد الرائعة واسكانها بالاسرائيليين.

ايران تضع امام اسرائيل معضلة عصيبة: اذا لم تفعل شيئا، ستضطر الى أن تعيش في ظل القنبلة النووية لاحمدي نجاد وربما لحكام آخرين في المحيط. ولكن اذا ما شنت الحرب ضد ايران، فان اسرائيل ستعرض نفسها لخطر المواجهة لسنوات، حتى لو انتصرت فيها بالنقاط فان ثمنها سيكون اثقل من أن يحتمل. الجيش الايراني متخلف اليوم عن الجيش الاسرائيلي من حيث قوة النار ومدى العمل، ولكن دولة كبيرة يمكنها أن تصحو، ان تنظيم نفسها وان تجد نقطة الضعف عند العدو – بالضبط مثلما فعل السادات في حرب يوم الغفران.

لتعويض تخلفها في موازين القوى الشاملة حيال ايران، تحتاج اسرائيل الى اسناد امريكي. وكذا الى دعم عسكري في توريد السلاح، المعلومات الاستخبارية ومظلة الردع، وكذا للدعم السياسي في مجلس الامن وحيال العرب والاوروبيين – وكذا للدعم الاقتصادي. العقوبات الاقتصادية التي تخطط لها ادارة اوباما ضد الاقتصاد الايراني قد لا توقف اجهزة الطرد المركزي فورا. ايران يمكنها أن تبذل جهدا صغيرا آخر فتبني قنبلة اخرى او اثنتين حتى لو فرضوا عليها مصاعب استيراد البنزين والسولار وجمدوا الائتمان لبنوكها. ولكن اذا ما فرضوا العقوبات بجدية فانها ستثقل على قدرة ايران ادارة حرب طويلة ضد اسرائيل (او الولايات المتحدة، او كلتيهما). وربما حتى تردع الايرانيين من التفكير بحرب استنزاف رغم أنه دوما سيوجد من يزودهم بالسلاح والبضائع بالسر (مثلما فعلت اسرائيل في الحرب الايرانية – العراقية).

وماذا ستعطي اسرائيل بالمقابل؟ حتى اليوم، ثمن الدعم الامريكي لاسرائيلي كان ثابتا: تنازلات للعرب في المسيرة السياسية. انسحاب من سيناء ومن القنيطرة في الجولان، مقابل القطار الجوي الامريكي في حرب يوم الغفران. الذهاب الى مؤتمر مدريد خلافا لمبادىء رئيس الوزراء اسحق شمير، مقابل صواريخ الباتريوت التي نصبت في اسرائيل في حرب الخليج. موافقة على خريطة الطريق ودولة فلسطينية، مقابل تصفية صدام حسين وازالة خطر "الجبهة الشرقية" في 2003.

القرائن الظرفية تلمح ايضا بصلة بين قصف المفاعل السوري في 2007 واستئناف المسيرة السلمية مع الفلسطينيين. فقد بلغت ادارة بوش الكونغرس بان اسرائيل تشاورت معها قبل الهجوم واوضحت بان المنشأة السرية التي بنتها سوريا قرب نهر الفرات هي "تهديد وجودي" وعليه فينبغي تدميرها. الامريكيون وافقوا صمتا، حسب شهادتهم. وحسب مجلة مهنية في الولايات المتحدة، ساعدوا الحملة ايضا بالحرب الالكترونية. بعد سبعة اسابيع من هدف المفاعل عقد الرئيس جورج بوش مؤتمر انابوليس. رئيس الوزراء في حينه ايهود اولمرت سحب معارضته السابقة للمفاوضات على "اتفاق رف" وجاء الى المؤتمر. هل الموقف الامريكي في الموضوع السوري دفع اولمرت الى تغيير موقفه في الشأن الفلسطيني؟

الان يقف نتنياهو امام ذات الاقتراح الذي لا يمكنه أن يرفضه: فهو يريد اسنادا امريكيا حيال ايران، ويفهم بان عليه ان يدفع الثمن بالمستوطنات. السؤال هو فقط كم سيدفع، وأي قسم من الدفعة سيكون نقدا – بتجميد البناء الان، واي سيكون بالتقسيط، بتنازلات مستقبلية كجزء من التسوية. والسؤال الذي ينبع من ذلك كيف سيساعد اوباما نتنياهو في أن يشرح المعادلة الاستراتيجية ليتسهر وبوشهر للجمهور الاسرائيلي ولرجال اليمين في الائتلاف.