خبر متهكم أو جدي بيبي..هآرتس

الساعة 12:02 م|28 أغسطس 2009

بقلم: يوئيل ماركوس

ذات يوم في أعقاب خبير مصداق في الموضوع الفلسطيني عنونت مقالا في هذه الصحيفة بكلمتي "انسوا السلام". وفي الغداة حصل معي الامر الاكثر احراجا الذي يمكن له أن يحصل لصحافي: كل وسائل الاعلام نشرت في رأس تقاريرها النبأ الصاخب عن اتفاق اوسلو. في أعقابه اجريت احتفالات توقيع في ساحة البيت الابيض مع رابين وبيرس من جهة وعرفات من جهة اخرى والرئيس كلينتون في الوسط، يتصافحون. وفي اعقابها اجري احتفال اعادة الاقرار في القاهرة، وبالطبع – الدخول الدراماتيكي لعرفات الى غزة. لا أظن اني اذا ما عنونت مقالي هذا بانه "اذا تحققت تسوية مع اوباما والفلسطينيين فاني أكون مخطئا"، فسأفشل مثلما فشلت في حينه.

أفيغدور ليبرمان هو الذي يقول الان، انه حتى بعد 16 سنة (مثلما منذ اتفاق اوسلو) لن يتحقق اتفاق سلام مع الفلسطينيين فيغضب بذلك محبي السلام عندنا. غير أن المشكلة ليست ليبرمان بل بيبي. ليس ليبرمان هو الذي تربى في حضن عقيدة جابوتنسكي بل نتنياهو، الذي عين ليبرمان وزيرا للخارجية وضمه الى "السداسية" الامنية – السياسية لحكومته.

لو قصد بيبي جعل "عودته" في ولايته الثانية بطاقة زيارة لرئيس وزراء يحقق السلام، لكان بوسعه أن يقيم حكومة مع كديما. العمل في وضعه الحالي لا يمكنه أن يكون بديلا عن كديما. ايهود باراك، الذي كان منسقا بما فيه الكفاية مع بيبي في انعدام حماسته للوصول الى تسوية تنطوي على تنازلات مع الفلسطينيين، ما كان يمكنه أن يكون على مدى الزمن مستسلما حيال بيبي. وبالتأكيد ليس بعد أن رأى الاستطلاع الذي يقول انه لو جرت الانتخابات اليوم لحصل على ستة مقاعد هذا اذا ما بقي كأحد اطواق هذه الحكومة اليمينية.

بعد خطابي القاهرة وبار – ايلان والمطالب التي طرحت على الطاولة – تجميد البناء في المستوطنات من جهة والاعتراف باسرائيل كدولة يهودية من جنة اخرى فان شيئا لم يتقدم بعد. اذا كان بيبي هو الذي يضع المصاعب كي يكسب الوقت، فذات يوم سينتهي هذا، وهو سينتهي على نحو سيء إذ انه اذا ما وافق على مبدأ الدولتين للشعبين، مع كل التنازلات الاقليمية واخلاء المستوطنات – فلن تكون له حكومة. وكبديل، ستكون له حكومة يمينية صرفة وربما خطر التورط في حرب جديدة.

في اللحظة المعطاة التي ينتظر فيها العالم قرارات من يدري ماذا في مواضيع تجميد البناء في المناطق وازالة بؤر استيطانية غير قانونية، يجد نتنياهو نفسه في وضع صعب: إما أنه ينبغي أن يخدع اليهود أو ان يخدع الاغيار، وإما ان يتمكن من ان يعتلي موجة المصاعب الداخلية للرئيس اوباما. اذا ما فعل ذلك فانه سيأتي اليوم الذي يقال فيه عنا ما قاله ابا ايبان عن الفلسطينيين: لم يفوتوا أي فرصة لتفويت كل الفرص.

ليس لزيارات بيبي الاخيرة الى الخارج الهالة والتوقعات التي كانت في اثناء زيارات رابين. هو نفسه بث في لقاءاته في لندن شكوكا حول فرص النجاح في التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين على أساس صيغة اوباما. في اللقاء مع كاتبي أعمدة الرأي البريطانيين الكبار قال انه يجد صعوبة في التصديق بانه يمكن التوصل الى اتفاق حتى لو سحبت اسرائيل من المناطق حتى آخر ملم.

الانطباع من التشاؤم الذي بثه بيبي وجد تعبيره في مقال افتتاحي قاس ضدنا في "الفايننشال تايمز" وعنوانه "سلام نتنياهو هو تملص متهكم". عندما قال اوباما لبيبي ان قسما هاما من علاقات الصداقة الطيبة هو التصرف بنزاهة، النخبة السياسية في اسرائيل اعتقدت أن اللهجة المزدوجة في المواجهة مع الفلسطينيين بلغت منتهاها. ولكن حقيقة أن بيبي اشترط موافقته، لاول مرة، على حل الدولتين بالتحفظ بان يعترف باسرائيل كدولة يهودية وأن تكون الدولة الفلسطينية مجردة من السلاح أثارت على الفور الشبهات. الدولة لا ينبغي أن تحدد كيف ينبغي لدولة اخرى أن تكون. الرئيس بوش مثلا، الذي اراد ديمقراطية في غزة، اوقع على المنطقة حكم حماس.

نتنياهو سيكون سعيدا بان ينهي ولايته الثانية دون موجات، دون ازالة بؤر استيطانية، دون تجميد بناء في المستوطنات. ولكن اذا كان يخيل له أن اوباما منشغل اكثر مما ينبغي في العاب الغولف وانه يواجه انتقادا داخليا في موضوع الاصلاحات الصحية فلا ينبغي ان يستخلص الاستنتاج بان الرئيس الاسود الاول بات في هبوط. إذ أنه حسب نشاط جورج ميتشيل وحسب الرسائل التي تصل من وزارة الخارجية الامريكية، سيطرح في نهاية الشهر القادم اقتراح امريكي سيكون من الصعب رفضه. سواء أحببناه أم لم نحبه، بيبي وباراك لا ينسيان ان في رأس اهتمام اوباما تقف المصالحة مع العالم الاسلامي. ومحظور عليهما أن يصل الى النقطة التي لا تفاجىء فيها اسرائيل، دون حدود دائمة معترف بها ومع تهديد بان تصبح دولة لكل مواطنيها، على الاقل في ازالة بؤر استيطانية وترتيب لتجميد البناء في المناطق واستئناف المحادثات مع الفلسطينيين.  متهكم او جدي هو بيبي لعله سيفاجئنا.