خبر مشروع أوباما للتسوية إلى أين؟ ..منير شفيق

الساعة 11:54 ص|27 أغسطس 2009

 

ـ الجزيرة نت 27/8/2009

منذ أن انتخب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة أثار مجموعة من الأسئلة حول سياساته عموماً وسياساته الخاصة في القضية الفلسطينية خصوصا.

وقد تأكد بأنه جعل من إيجاد حل لما يسميه بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي على رأس أولوياته علماً أن الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش فعل الشيء نفسه في السنتين الأخيرتين من ولايته وحقق خطوات ملموسة في هذا الطريق لم يعلن عنها.

ستحاول هذه المقالة الإجابة عن عدد من الأسئلة المتعلقة بمشروع أوباما للتسوية، أما منهجها فيعتمد على الاستنتاج من الوقائع والحراك السياسي في عهده طوال الأشهر الثمانية الماضية بعيداًَ عن أية معلومات أو تقارير سرية.

- ثمة قرار أميركي على أعلى مستوى يعبّر عنه أوباما وفريقه وإدارته يقضي بضرورة إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولو بإطلاقه بداية، بصورة جادّة، مع تنازلات أوليّة إسرائيلية (وقف الاستيطان لمدّة محدودة) وفلسطينية (أمنية بالدرجة الأولى وترتيبات داخلية لضمان أي اتفاق قادم) وعربية (تطبيعية).

- يقف الجيش الأميركي كما يبدو وراء أوباما ومشروعه إن لم يكن هو صاحب المشروع وأوباما ينفذه، وذلك بهدف نزع الورقة الفلسطينية من يد أعداء أميركا لأجل إنجاح الجيش في العراق وأفغانستان وباكستان ولاحقاً مع إيران، أو في الأقل تجنيبه الفشل الذي يلوح في الأفق.

فالجيش الأميركي، كما صرّح بتراوس قائد المنطقة الوسطى، وكذلك مايك مولن رئيس هيئة الأركان، يرى في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حاجةً ماسّة للجيش وبصورة أساسية نزع الورقة الفلسطينية السياسية من أيدي خصوم أميركا وأعدائها وفي المقدّمة إيران وحزب الله وحماس والجهاد وصولاً إلى القاعدة.

- فقضية التسوية هذه المرّة رُبطت بالمصلحة العسكرية الإستراتيجية للجيش وراح جنرالات الجيش يتدخلون مباشرة لدعم أوباما وحتى القيام بمهمات دبلوماسية: (زيارة بتراوس للبنان والسعودية، ولقاء مولن ومحمود عباس في واشنطن وزيارة وفد عسكري إلى سوريا وحالات أخرى).

- لهذا يجب أن تُعامَل التسوية في هذه المرحلة بأعلى درجات الجدّية والخطورة، ولا يُركن إلى ما جرى في السابق من تعثرات أو فشل المحاولات السابقة. علماً أن العراقيل أمامها ما زالت قويّة جداً سواء كانت من جانب نتنياهو وقوى صهيونية نافذة أم كانت من جانب الفواتير المطلوب دفعها سلفاً فلسطينياً وعربياً، ومنذ البداية لمجرّد إطلاق المفاوضات.

يمكن القطع بأن محتويات الحل أشدّ سوءاً مما كان مطروحاً على الفلسطينيين والعرب في التسويات السابقة. فأوباما سيعطي للإسرائيليين من أجل إنجاز التسوية الكثير، مستغلاً شعبيته لدى المسؤولين الفلسطينيين والعرب إلى جانب ضعفهم في مواجهته.

ولكن مع ذلك حتى إذا غلّبنا احتمال تعثر التسوية، من خلال المعنيين بها، فإن على القوى المتمسكة بقضية فلسطين والحقوق العربية والفلسطينية والإسلامية فيها العمل على مشروع أوباما للتسوية وعدم السماح له بقطع أي شوط بما في ذلك شوطه الأول. فالمسألة لا تمسّ الحقوق والثوابت فحسب وإنما أيضاً لها أبعاد سياسية آنية على موازين القوى والصراعات الدائرة الآن من باكستان حتى الصومال.

- ثمة قناعة لدى كاتب هذه السطور أن الجيش الأميركي، على ضوء ما ظهر بعد انتخاب أوباما (بالتعاون مع المخابرات) كان وراء دفع أو تشجيع عدد من مراكز القوى السياسية لاختياره وترشيحه. أما بعد نجاحه فالجيش يمثل الآن القوّة الحاسمة التي يمكنها أن تقف بوجه اللوبي الصهيوني الأميركي وتؤثر في الكونغرس وتشق صف يهود أميركا أنفسهم وصولاً إلى الكيان الصهيوني نفسه. وذلك بعد أن تعلق الأمر بالمصير العسكري للجيش في جبهات رئيسة تفوق أهميتها في هذه المرحلة عشرات المرّات الحالة الفيتنامية في الحرب الباردة التي كان ميزان القوى فيها مستقراً أو شبه مستقر. ومن ثم يستطيع أن يتحمل تلك الهزيمة ولكن في هذه المرحلة فهزائم الجيش الأميركي تعني الانتقال إلى حالة من فوضى عالمية ربما تصبح عصية على السيطرة.

وفي هذا الصدد يجب أن يلاحظ ما يلي:

1- الجيش هو المؤسّسة الوحيدة المتجاوزة للعنصرية والعرقية والدين، والجيش الأميركي وحده البعيد عن النفوذ اليهودي الصهيوني.

2- يكون للجيش الأميركي والمؤسسات الاستخباراتية في العادة نفوذ من وراء ستار في رسم الإستراتيجية ولكن عندما يتورّط في الحرب ويُفشل في السياسة وينهار الاقتصاد ولا سيما إذا بدأ يواجه خطر الهزائم أو الاضطرابات الداخلية فلا بدّ من أن تصبح له الكلمة الأولى، وهو ما ينطبق وهذه الحالة على الدول الغربية الديمقراطية ناهيك عن دول العالم الأخرى.

- ولهذا لا يجب أن يُعامَل أوباما باعتباره مجرّد رئيس له سياسات أو إستراتيجية أو عنده نيَّة تغييرية ومختلفة، وإنما يجب أن يُنظر إليه باعتباره صدى للجيش وعاملاً بقوّة معه. فالجنرالات الحاليين والمتقاعدين لهم دور هام في دبلوماسية أوباما أكثر من أي رئاسة سابقة. فالمعادلة التي كانت قائمة تقليدياً بين الجيش ورأس السياسة في أميركا تواجه الآن مرحلة خاصة مختلفة عن كل المراحل السابقة.

- ومن هنا فأوباما قويّ لا ببلاغته أو شعبيته وأدائه، وإنما بدعم الجيش والسي آي أي، وكل من لهما عليه تأثير من السياسيين والمشاركين في صنع السياسة الأميركية. فالصراع الآن محتدم داخل اللوبي اليهودي والصهيوني، وقد أشار إلى ذلك توماس فريدمان في الهيرالد تريبيون بتاريخ 3/8/2009 محذراً نتنياهو من أن "الكونغرس والبنتاغون والسي آي أي وعدد كبير من يهود أميركا يؤيدون أوباما".

والسؤال الآن ما هو مستقبل مشروع أوباما للتسوية؟

أ – الكيان الصهيوني

- وضع الحكومة الصهيونية من حيث مستوى تطرفها معروف، ولكنه قابِل للانحناء والكسر بسبب ما يواجِه من ضغوط عالية من أميركا وأوروبا واللوبيات اليهودية ليصبح أكثر مرونة. وذلك بالرغم من أن هنالك تياراً صهيونياً أميركياً أخذ يتنامى للحدّ من هذه الضغوط.

- تسلُّم إيهود باراك لملف الدبلوماسية في موضوع التسوية بدلاً من ليبرمان له دلالة.

- نتنياهو عملياً سيقبل بحل الدولتين وبوقف الاستيطان لمدّة محدودة ولكنه يضغط ليحصل على مكاسب فلسطينية وعربية وتعهدات أميركية قبل أن يسلّم ورقة وقف الاستيطان. وبالمناسبة دلت التجربة أن الليكود أقرب إلى عقد صفقات التسوية من حزب العمل.

- تحويل الصراع ضد إيران إلى أولوية لدى نتنياهو والإجماع الإسرائيلي. وهو ورقة بيد ميتشل في ضغطه من أجل التسوية فلسطينياً.

- الجيش الصهيوني بالرغم من العربدة يعلم أنه خسر حربَيْه في لبنان وقطاع غزة، وهو ما يجب أن يتذكره نتنياهو وهو يفاوض الأميركيين.

هذا يعني أن القرار الإسرائيلي قابل للكسر أو للتطويع ولا يجب أن يُركن بأنه متعنّت أو أغلق كل الأبواب.

ب – الموقف الفلسطيني

- ثمة سيطرة أمنية غير مسبوقة على الضفة الغربية من قِبَل الأميركيين والإسرائيليين من خلال حكومة سلام فياض والجنرال كيث دايتون.

- محمود عباس يغطي حكومة سلام فياض وكيث دايتون من خلال الدعم العربي والخارجي له مثل استيلائه على قرار فتح و(م ت ف) والتحكم في نتائج الانتخابات القادمة إذا حدثت. طبعاً المعارضة له داخل فتح وفصائل م ت ف واسعة ولكنها تعاني من عجز وذلك لأنها لا ترى حتى الآن بأن الظروف العربية مناسبة لاتخاذ خطوات مضادة.

- المؤتمر السادس بالرغم من أنه أعطى محمود عباس رئاسة فتح وأوصل لجنة مركزية فيها عناصر مؤيدّة له. وقد تكون أكثر تفاهماً مع الأميركيين والإسرائيليين منه. ولكنه خرج من المؤتمر ظاهرياً أقوى ولكن عملياً كان المؤتمر فضيحة تسمح بالتشكيك في شرعية نتائجه. ويمكن القول إن تغلب تيار محمود عباس أحدث ما يشبه الانشقاق في فتح التي هي في حالة انشقاقات عملياً، ولكن من دون قدرة على التعبير التقليدي عن نفسها بالخروج على "الوحدة" حتى الآن.

- محمود عباس يسعى لعقد ما يُسمى بمجلس وطني طارئ بمن حضر لعدم توفر النصاب ولمخالفته لكل أنظمة م ت ف، من أجل استكمال أعضاء اللجنة التنفيذية المنتهية الصلاحية والفاقدة النصاب. وبهذا يكون قد سطا على قرار م ت ف كما فعل بقرار فتح. ويبدو أنه سيكمل المشوار من خلال إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لن تكون نزيهة أو حرة بالتأكيد.

- القرار الفلسطيني مرهون بالقرار المصري  السعودي في موضوع التسوية، إذا كان سيقبل بالمطروح في الاتفاق القادم.

- الوضع العربي الراهن بملامحه الحاليّة، بالرغم من أنه معرّض للتغيير بين ليلة وضحاها، غير موات لانشقاق فتحاوي وغير موات لتحدٍ حاسم وفعّال ضد التسوية من خلال فصائل م ت ف إلاّ إذا اندلعت حركة جماهيرية ضدّها أو حدثت تطورات عسكرية في قطاع غزة.

- أما على مستوى حماس والجهاد والقوى الفلسطينية المعارضة من فصائل وشخصيات، فسوف يصار إلى معارضة مشروع التسوية المطروح، ولكن كيف وإلى أي مستوى، لم تظهر بوادرهما بعد.

ج – الموقف العربي

- دخل الآن في مرحلة تهدئة داخلية لا سيما في ما بين سوريا وكل من مصر والسعودية والسلطة الفلسطينية: وعلامته الأساسيّة أنه ينتظر مشروع أوباما وكيف سيحّل مشكلته مع وقف الاستيطان والأهم بالنسبة إلى موضوع الجولان. أما لبنان فسيظل حاضراً.

ولكن لا تبدو التهدئة ثابتة، ولا سيما إذا بدأت تقدّم التنازلات التطبيعية وتعاظمت الضغوط على سوريا، خصوصاً في موضوع الجولان كما يشترط نتنياهو. لأن سوريا عندئذ قد تبدأ بالرد، ومن ثم سيدخل الوضع العربي مرحلة جديدة.

- المطلوب تقديمه من سوريا حتى الآن غير مقبول من جانبها ولو على مستوى بدء المفاوضات. وذلك بالرغم من الانفتاح عليها عربياً ودولياً.

- المطلوب من السعودية وعدد من الدول العربية الدخول في خطوات تطبيعية مقابل وقف الاستيطان، وهو ما كان مرفوضاً في البداية ثم أخذت تظهر إشارات إلى أن التطبيع قد يبدأ مع الدخول في مفاوضات الوضع النهائي، كما عبر عن ذلك من خلال زيارة الرئيس المصري حسني مبارك لواشنطن، الأمر الذي سيدخل السعودية ومصر في حرج شديد جدا، ولا سيما إذا ما تأكد أن لا سيطرة على اتجاهات مقاومة هذا التطبيع وممانعته، وهذه الصفقة المذلّة بين التطبيع ووقف الاستيطان المؤقت والبدء بالمفاوضات قبل الوصول إلى نتيجة. ولهذا من الآن يجب أن يحذر من أي تطبيع مقابل وقف الاستيطان والمفاوضات حول الوضع النهائي.

باختصار: الوضع العربي في جملته سلبي وضعيف وعاجز أمام ضغوط أوباما تحت حجّة "الفرصة الأخيرة" ولكن ضعفه يجعله غير قادر على فرض نفسه. وقد يكون ذلك سببا في مزيد من التدهور والانحلال الداخلي أو تفجر بعض الأوضاع.

- الوضع الشعبي على المستويين الفلسطيني والعربي كما الرأي العام العالمي سيكون رافضا لمشروع تسوية أوباما.

د – الموقف الأوروبي والدولي

- أميركا وأوروبا في حالة تناقض في معالجة الأزمة الاقتصادية بالرغم من تعاونهما بسبب ورطتهما المشتركة في الأزمة. فهما في الحفرة في أية حال. وإن كانت هناك بوادر بدأت تظهر للخروج من الأزمة، ولكن آثارها ستظل عميقة ومدمرة إلى أمد بعيد مثل من يخرج من العناية الفائقة أو المشفى بينما صحته أعطبت والعطب شديد ومزمن.

- السياسة الأوروبية متوافقة مع سياسة أوباما إيرانياً وفلسطينياً وعربياً.

- إن كلا من روسيا والصين بالرغم من تناقضاتهما مع إدارة أوباما لا سيما في جورجيا وأوكرانيا بالنسبة إلى روسيا. وفي الاقتصاد وكوريا الشمالية وتايوان بالنسبة إلى الصين، ستدخلان في مساومات وصفقات مع إدارة أوباما لتغطية التسوية التي يقودها جورج ميتشل، كما أن موقفهما عند انتقال الصراع إلى إيران سيبقى مزدوجاً وخطراً.

وهنا يجب أن يصار إلى توقع تطورات حادة في الوضع على ضوء ما سينشب من صراع مع إيران كما على ضوء تطورات الحرب في أفغانستان والمتجهة إلى خسارتها أميركيا.

خلاصة:

إن موازنة كل هذه العناصر المتضادّة والمتداخلة بالنسبة إلى مدى إمكانية نجاح التسوية أو فشلها يمكن اعتبارها في حالة شبه توازن. ولكنها قابلة للاختراق بهذا الاتجاه أو ذاك. ولهذا على الذين يرجحون فشل مشروع أوباما للتسوية أن يبذلوا الجهود القصوى لإفشاله ولديهم فرصة كبيرة لتحقيق ذلك ولكن حذار من النوم والركون إلى أن التسوية فاشلة في كل الأحوال. فالتسوية في هذه المرّة أكثر جدّية وخطورة من سابقاتها.