خبر أي مجلس وطني نريد؟ .. عبد الله الحوراني

الساعة 03:06 م|25 أغسطس 2009

بقلم: عبد الله الحوراني

سنوات عديدة مرت جرت خلالها محاولات كثيرة وجادة من قبل شخصيات وطنية صادقة، مستقلة وفصائلية ، لإصلاح منظمة التحرير، وإعادة بنائها، وتفعيلها، لتستعيد مكانتها كحركة تحرر وطني ، وكإطار للوحدة الوطنية، وكنت من بين أكثر المهتمين بهذا الموضوع من حيث إعداد دراسات واقتراحات عملية، ومتابعته على مدى سنوات مع رئاسة اللجنة التنفيذية وأعضائها، ورئاسة المجلس الوطني ، ولكن ، وللأسف الشديد، فشلت جميع هذه المحاولات، ولم ننجح في التقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام. وحتى عندما اضطر المجلس المركزي ، أمام الإلحاح على ضرورة إعادة الاعتبار للمنظمة، لاتخاذ قرار بتشكيل لجنة تحضيرية للإعداد لدورة جديدة للمجلس الوطني، وتشكلت اللجنة ، وعقدت أول اجتماع لها، وكان ذلك قبل أكثر من سنة، ولكنه كان الاجتماع الأخير ، وغابت هذه اللجنة، وغاب معها الاهتمام بموضوع المنظمة ودوائرها ومؤسساتها ومنظماتها الشعبية.

وهنا يتجدد التساؤل لماذا يستمر تغييب المنظمة، وتعطيل كل محاولات إصلاحها وتطويرها؟ واضح أن هناك أطرافا عديدة فلسطينية داخلية ذات تأثير، وعربية ودولية، بالإضافة لإسرائيل، ترى أن استعادة المنظمة لدورها كحركة تحرر وطني موحدة للشعب الفلسطيني وكل قواه الوطنية ، ومتمسكة بالحقوق والثوابت الوطنية ، ورافضة لأي تنازل عن أي من هذه الحقوق، أو المساومة عليها ، وخاصة حق العودة ، سيشكل عقبة كأداء في وجه المخططات الأمريكية والإسرائيلية التي تستهدف ضرب الثوابت الوطنية الفلسطينية . وسيخرج المنظمة من دائرة الانخراط في سياسات معظم أطراف النظام الرسمي العربي المرتبطة بالسياسة الأمريكية والخاضعة لهيمنتها، وسيفشل النجاحات التي حققتها هذه القوى الدولية والإقليمية والداخلية حين تمكنت منذ اتفاقية أوسلو حتى اليوم من إضعاف المنظمة وتغييبها عبر إذابتها في إطار السلطة الفلسطينية ، لينحصر دور المنظمة الضعيفة في الخضوع لهذه المخططات، والاستفادة فقط من شرعيتها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني .

ويتذرع معرقلو إعادة بناء المنظمة ، وتفعيلها ، بالإدعاء بأن سيطرة حركة حماس على السلطة في قطاع غزة، وحدوث الانقسام الفلسطيني ، وعدم التوصل إلى اتفاق مصالحة وطنية حتى الآن ... هو الذي أدى إلى تعطيل إعادة بناء المنظمة .

لا أحد ينكر أن هذا الانقسام الذي حدث وجه ضربة قاصمة للوحدة الوطنية الفلسطينية، ولوحدة الشعب الفلسطيني نفسه، وأضر بمصالحه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقوّى موقف الاحتلال الاسرائيلي وزاد من تشنجه ضد شعبنا وحقوقنا الوطنية.

ولكن هل سمح معرقلو إصلاح المنظمة بإعادة بنائها قبل حدوث الانقسام ؟ مع أن واقع المنظمة الضعيف، ودورها المغيب كان موجوداً قبل سيطرة حماس على السلطة في القطاع، وحدوث الانقسام. ومن المؤكد أنه لو جرى إصلاح المنظمة وتفعيلها واستعادتها لمكانتها التوحيدية، ودورها في تلك الفترة لما حدث الانقسام ، ولمنعناه، ولقطعنا الطريق على أية محاولات داخلية، أو تدخلات خارجية لإحداث هذا الانقسام.

وبعد أن وقع الانقسام، زادت أهمية المنظمة ، وأصبحت إعادة بنائها ، وتقويتها ، وتفعيل مؤسساتها ، وعودتها كإطار وحدوي، وكحركة تحرر وطني ، ....أكثر ضرورة وإلحاحاً للضغط على أي طرف متشبث بالانقسام ، وإنهاء الانشقاق الذي بات مسيطرا على الساحة الفلسطينية .

ولكن لم يفكر معطلو حال المنظمة ، والحريصون على بقاء واقعها الهزيل، بهذا المفهوم الوطني الصادق لقيمة المنظمة، ودورها  حين تستعيد بنيتها  في استعادة الوحدة الوطنية ، وفي تعزيز مكانة القضية الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي ، وفي مواجهة إسرائيل. بل إن تفكيرهم منصب باتجاه واحد هو ترويض المنظمة ومؤسساتها القيادية، للاستجابة للمطالب والمخططات التي يجري التحضير لها لعملية السلام، والمتوقع طرحها خلال الأشهر القليلة القادمة، وهي مخططات تمس بكل الثوابت الفلسطينية كما تشير المعلومات المتسربة عنها، إذ أنها تطال استبعاد حق العودة، وتوطين اللاجئين في مناطق السلطة، وحدود الدولة الفلسطينية ، ومقومات استقلالها، وتبادل الأراضي مع الدولة الإسرائيلية على حساب تجمعات سكنية كبيرة من الفلسطينيين العرب داخل الخط الأخضر (عرب ال48) . وبقاء الثقل الاستيطاني الإسرائيلي داخل أراضي الضفة الغربية. كما تطال حقوقنا في القدس العربية، واستعجال موضوع التطبيع العربي مع الدولة الإسرائيلية، وقضايا أخرى كثيرة.

وبدلا من أن يجري العمل للاستعداد لمواجهة هذه المخططات، والتصدي لها، عبر تقوية منظمة التحرير من خلال إعادة بناء مؤسساتها ، وتفعيل حركتها الشعبية، والتحضير لمجلس وطني جديد فاعل ومؤثر وموحِّد، بعد أن غُيِّبَ منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وانتخاب قيادة جديدة قوية وقادرة على مواجهة التحديات والمخاطر التي تتعرض لها قضيتنا وشعبنا، بناء على ما كانت تجري المطالبة به ، والإلحاح عليه منذ سنوات....إلا أن تَذكرَهم للمجلس الوطني، والانتباه له، لم يأت إلا عندما فقدت اللجنة التنفيذية العضو السادس من أعضائها المناضل المرحوم الدكتور سمير غوشة، فاكتمل بذلك فقدان اللجنة التنفيذية لثلث أعضائها، وهو ما يفقدها شرعيتها القانونية وفق النظام الأساسي للمنظمة، إذا لم تستكمل عدد أعضائها الثمانية عشر بانتخاب أو اختيار ستة أعضاء، بدل الذين غيبهم القدر، من خلال عقد دورة طارئة للمجلس الوطني في ظرف شهر من تاريخ فقدان آخر الأعضاء الستة، سواءٌ كانت هذه الدورة بحضور كامل أعضاء المجلس، أو بمن يتمكن من الحضور إذا تعذر حضور الجميع. وهذا ما دعا رئاسة المجلس الوطني إلى الدعوة لعقد هذه الدورة في اليوم السادس والعشرين من شهر (آب) الجاري، حتى لا تفقد اللجنة التنفيذية قانونيتها . وربما كان هذا هو الدافع الوحيد الذي أجبر القيادة الفلسطينية ، ورئاسة المجلس إلى العودة للمجلس الوطني .

تطبيقاً للنظام الأساسي للمنظمة، وحفاظاً على شرعية اللجنة التنفيذية، فإن عقد هذه الدورة الطارئة للمجلس الوطني لاستكمال أعضاء اللجنة التنفيذية، أمر واجب وضروري . ولكن هل هذا هو المجلس الوطني الذي يريده شعبنا؟ ومن أجل هذا الهدف المحدد فقط؟ وهل تنهي هذه الدورة الطارئة ذات البند الواحد من جدول الأعمال الخاص باختيار بدلاء للقادة الراحلين، تفكير شعبنا ومطالبه بعقد دورة جديدة لمجلس وطني جديد منتخب أو متفق على أعضائه يضم أطياف الحركة السياسية الفلسطينية كافة، بتياراتها الوطنية والقومية والإسلامية، والمنظمات الشعبية، وهيئات المجتمع المدني، بحيث يعيد هذا المجلس بناء منظمة التحرير، وتفعيل مؤسساتها ، ووضع برنامج نضالي ملتزم بالثوابت الوطنية لمواجهة كل التحديات والمؤامرات التي يتعرض لها شعبنا وحقوقه الوطنية، وإنقاذ المنظمة من براثن السلطة الوطنية، وجعلها هي المرجعية الفعلية المشرفة على السلطة، وليس التابعة لها، وانتخاب قيادة وطنية ملتزمة بهذا البرنامج وبنوده ، وبعيدة عن الخضوع للسياسات الخارجية التي تسعى للتحكم بمصير شعبنا.....؟؟؟

إن عقد دورة طارئة للمجلس الوطني لاستكمال أعضاء اللجنة التنفيذية ، لا اعتراض عليه، من أجل الحفاظ على شرعية اللجنة وقانونيتها، ولكن ذلك لا يغني ، ولا ينوب عن عقد الدورة الجديدة التي يريدها شعبنا، ذات المواصفات والالتزامات والأهداف التي ذكرناها. وعلى هذا الأساس، ولاختيار مدى صدقية القيادة الفلسطينية، ورئاسة المجلس الوطني، بأنهم معنيون ، بالفعل، ليس فقط بمجلس وطني يستكمل لهم أعضاء لجنتهم التنفيذية، وإنما بإصلاح منظمة التحرير وإحيائها ، واستعادة دورها النضالي كحركة تحرر وطني، وكإطار للوحدة الوطنية، من خلال عقد دورة أخرى ، وبأسرع وقت ممكن، لمجلس وطني جديد......فإن مطالب شعبنا من هذه القيادة تقوم على أمرين :

أولاً: أن يرتبط عقد دورة المجلس الطارئة بالإعلان فوراً عن البدء منذ الآن ، بالتحضير لعقد الدورة الجديدة للمجلس الوطني ، وتحديد مدة معينة، وسريعة لعقد هذه الدورة، وتشكيل لجنة تحضيرية من شخصيات صادقة ومخلصة وحريصة فعلاً على إعادة بناء المنظمة وتقويتها ، بحيث تتولى هذه اللجنة التواصل مع كل القوى السياسية والفصائل والأحزاب وهيئات المجتمع المدني، للإعداد لعقد دورة المجلس الوطني الجديدة وفق وثيقة الوفاق الوطني لعام 2006 واتفاقية القاهرة التي أقرت في شهر آذار عام 2005، أو وفق ما يتم الاتفاق عليه في الحوار الوطني فيما يخص إعادة بناء منظمة التحرير .

ثانيا: إن استكمال أعضاء اللجنة التنفيذية الحالية بستة أعضاء جدد من خلال دورة المجلس الوطني الطارئة، قد يكون فرصة أولية للبدء بتفعيل اللجنة التنفيذية للمنظمة، وتقويتها، كمؤسسة رئيسية تقود منظمة التحرير، وتقرر باسمها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. ولهذا يجب التدقيق في اختيار هؤلاء الأعضاء الستة، سواء كانوا من ممثلي الفصائل، أو من شخصيات مستقلة. بحيث يتم اختيارهم أو انتخابهم على أساس الكفاءَة، والوطنية والمصداقية، والالتزام بالثوابت الوطنية ، ورفض أي تنازل أو مساومة على أي من حقوقنا الوطنية، أو التناغم مع القوى الخارجية التي تراهن على ضعف منظمة التحرير وإخضاعها للشروط المجحفة بحقوق شعبنا.

ومما يزيد من أهمية التدقيق في اختيار هؤلاء الأعضاء وفق الشروط المشار إليها أعلاه، لتقوية اللجنة التنفيذية وتصليب موقفها الوطني، هو أن مدة هذه اللجنة بعد استكمال أعضائها قد تطول لفترة ربما تصل لسنة، حتى يتم الإعداد لدورة المجلس الوطني الجديد، وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة، وهذا ما يستوجب العمل على تقوية اللجنة التنفيذية من خلال هذه الإضافات ، حتى تصبح أكثر قدرة على الدفاع عن حقوق شعبنا والعمل على استعادة الوحدة الوطنية، وإصلاح واقعنا الفلسطيني وتقويته .

إن التزام القيادة الفلسطينية بهذه الرؤى والتوجهات ، هو المقياس الحقيقي لمصداقيتها، ومدى حرصها على حقوق شعبنا ، وجديتها في العمل على تحقيقها.