خبر مصير الحوار../ هاني المصري

الساعة 12:12 م|22 أغسطس 2009

مصير الحوار..

 هاني المصري

ما هو مصير الحوار ؟؟

هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه عشية الموعد لإجراء جلسة الحوار السابعة.

هل سيعقد في موعده في الخامس والعشرين من هذا الشهر؟

كيف يمكن ذلك وهناك دعوة لعقد جلسة طارئة للمجلس الوطني الفلسطيني في السادس والسابع والعشرين منه؟

اذا لم تعقد جلسة الحوار، الى متى ستؤجل، عدة ايام او لما بعد عيد الفطر؟

 

واذا اجلت جلسة الحوار اكثر من شهر يضيق الوقت المتبقي لانجاز الاتفاق الوطني قبل حلول الموعد الدستوري لاجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية. فمن المفترض ان يصدر الرئيس مرسوما بإجراء الانتخابات في موعد اقصاه 24 تشرين الاول القادم، اي قبل ثلاثة اشهر من موعد اجراء الانتخابات، وفقا للقانون الاساسي.

 

ان الوفد المصري الذي قام بجولة خلال الاسبوع الماضي شملت عمان ورام الله ودمشق، ابلغ كل الوفود التي التقاها ان مصير موعد جلسة الحوار، يتوقف على نتيجة الجولة. فاذا لمس بوادر توفر الارادة اللازمة لاصدار القرار المناسب الكفيل بحل الخلافات المتبقية، ستعقد الجلسة في موعدها حتى لو اقتضى الامر تأجيل جلسة المجلس الوطني. لأن توقيع الاتفاق او حدوث اختراق باتجاه توقيعه اهم من اي شيء اخر، وسيرحب الجميع بهذا الانجاز.

 

والوفد المصري يعمل مثل "النملة" التي تحاول وتحاول وتحاول حتى تحقق ما تريد، فمن لا يريد الحوار يعادي مصر فمصر مصممة على استمرار الحوار حتى يتحقق الاتفاق لأن البديل عن الاتفاق كارثي، ولا يظن احد انه يملك بديلا، او يعتقد احد ان استمرار الانقسام امر يمكن التعايش معه.

 

فلا بديل عن الاتفاق. لا بديل عن الوحدة.

هناك ثلاثة او اربعة تطورات تتفاوت من حيث الاهمية تجعل جلسة الحوار القادمة مرشحة للتأجيل.

 

* اول سبب لتأجيل الحوار ان قرار "حماس" بمنع اعضاء مؤتمر "فتح" من قطاع غزة من المشاركة جعل "فتح" غير متحمسة الآن، لإجراء جلسة الحوار بموعدها كنوع من العقاب لها، ولكن هذا لا يعني ان قيادة "فتح" الجديدة مثلما جاء في بعض التعليقات الصحافية والسياسية، غير متحمسة للحوار، وانها يحكمها "الصقور" الذين لا يريدون الحوار بل يريدون كيل الصاع صاعين لحماس. ان اللجنة المركزية الجديدة لفتح اعربت بشكل واضح عن مد يدها للحوار، واكد هذا الموقف الرئيس ابو مازن.

 

ازعم ان "فتح" الآن بعد المؤتمر اقوى مما كانت عليه قبله، وتستطيع الذهاب للحوار من موقع اقوى، وستكون اكثر قدرة على ابداء المرونة عما كانت عليه سابقا. ففتح الآن لا تخشى من الاتفاق وانه يمكن ان يؤدي الى ان تأكلها "حماس" ولكن "فتح" الآن سترد بشكل اقوى على اي اجراء تقوم به "حماس" ضد قيادتها وكوادرها خصوصا ان هناك قرارا بأن يذهب عدد من اعضاء القيادة الجديدة لزيارة القطاع، وربما للإقامة هناك.

 

* السبب الثاني ان "حماس" بحاجة الى مراجعة حساباتها التي بنيت سابقا على ان منافستها "فتح" في وضع سيئ للغاية ومرشح للتدهور اكثر .انما الآن ففتح في وضع افضل او اقل سواء ومرشح للتحسن، لذا لا بد من وضع سياسة جديدة من قبل "حماس" للتعامل مع هذا التطور الجديد.

 

* والسبب الثالث ان "حماس" في وضع صعب ويزداد صعوبة لأنها علقت المقاومة وابدت مرونة سياسية عالية ولم تحصل على شيء في المقابل من الولايات المتحدة الاميركية واوروبا والعالم، ولا من الدول العربية، في ظل استمرار الحصار الخانق على القطاع، وعدم فتح معبر رفح بشكل دائم، وعدم الشروع باعادة الاعمار، وعدم الاتفاق على التهدئة فقد قامت "حماس" بهذه الخطوات من جانب واحد وبدون اتفاق وبلا مقابل، ومع عدم اتضاح متى يمكن ان تعقد صفقة تبادل الاسرى، وعدم استثمار الرصيد السياسي والشعبي الذي حققته "حماس" بعد الحرب العدوانية الاسرائيلية الاخيرة على غزة، بل بدا ان هذا الرصيد ينفذ في ظل عدم حصول اعتراف عربي او دولي بحركة حماس او حكومتها. فإدارة اوباما لم تغير جوهر الموقف الاميركي من القضية الفلسطينية ومن حركة حماس، في نفس الوقت الذي اشاعت اجواء ايجابية خاصة بعد خطاب اوباما بالقاهرة، ساعدت الرئيس ابو مازن و"فتح" والسلطة، واوروبا في المجمل تسير وراء الموقف الاميركي بخطوات. كما ان تحسن العلاقات السورية ـ الاميركية والاضطرابات الايرانية ونتائج الانتخابات اللبنانية، ليست تطورات ايجابية لحماس بل تشعل امامها الاضواء الحمراء.

 

* ورابع سبب وراء تأجيل الحوار ان جميع الاطراف الفلسطينية والعربية والاقليمية والدولية بانتظار المبادرة الاميركية، وهل ستكون مجرد خطوط عامة فضفاضة أم خطة تفصيلية تتضمن جداول زمنية وآلية تطبيق وضمانات، وهل ستكون عادلة او متوازنة او مختلة لصالح اسرائيل.

 

ان مرور اشهر كثيرة على المفاوضات الاميركية ـ الاسرائيلية حول تجميد الاستيطان، ودخول هذه المفاوضات الى دوامة التفاصيل، كما ارادت اسرائيل، والاشادة الاميركية المتكررة، وعلى لسان اوباما وميتشل وكلنتون بما قامت وبما لم تقم به اسرائيل حول تجميد الاستيطان وتركيز الادارة الاميركية على ما يجب ان يفعله العرب من خطوات تطبيعية (اسميت خطوات بناء الثقة) مقابل تجميد الاستيطان، كلها اشارات لا تطمئن وتثير المخاوف الفلسطينية والعربية.

 

ان الفلسطينيين والعرب يجب ألا يقفوا مكتوفي اليدين بانتظار نتيجة المفاوضات الاميركية ـ الاسرائيلية، لأنها اذا كانت سيئة كما هو متوقع، ستفرض نفسها على العرب. من المفترض عدم ترك الادارة الاميركية فريسة الضغوط الاسرائيلية، والتي يمارسها اللوبي المؤيد لاسرائيل في الولايات المتحدة الاميركية، بل لا بد من ممارسة ضغوط فلسطينية وعربية ودولية مضادة على ادارة اوباما حتى تحدث توازنا يكفل موقفا اميركيا معقولا.

 

ان طرح او عدم طرح المبادرة الاميركية، وما هو مضمونها يتوقف على الموقف الاسرائيلي النهائي من تجميد الاستيطان، المفترض ان يبلغه نتنياهو الى ميتشل في لقائهما بلندن في السادس والعشرين من هذا الشهر.

والموقف الاسرائيلي، في ظل الحكومة الاسرائيلية المتطرفة الحالية، لن يقبل بتجميد تام للاستيطان، ولا بمتطلبات اطلاق عملية مفاوضات ناجحة. والسؤال هو هل تبلع الادارة الاميركية هذا الموقف الاسرائيلي وتسوقه على الفلسطينيين والعرب والعالم كله.

 

بدون ضغط عربي ستبلع الادارة الاميركية الموقف الاسرائيلي بعد تعديله بصورة شكلية. واذا بلعته، واخذت تضغط على الفلسطينيين والعرب، فإن الشعور بالانجاز والقوة الذي عاشه الرئيس ابو مازن والسلطة مؤخرا معرض للانتكاس. فإذا لم يحقق انجازات جديدة، سواء على الصعيد الداخلي او فيما يتعلق بالحوار او على مسار المفاوضات، وهذا هو الاهم، فكل شيء تم تحقيقه سيكون معرضا للتدهور من جديد.

 

لا يمكن المراهنة على ان "حماس" مأزومة حاليا. فحماس المأزومة قد تتجه نحو المرونة وقبول ما رفضته سابقا او نحو التطرف والعودة الى المقاومة المسلحة ... في هذا السياق على السلطة ورئيسها تحمل مسؤوليته وادراك ان موقفه سلبا او ايجابا سيؤثر على الاتجاه الذي تسلكه "حماس". فحماس ان لم تشارك تستطيع ان تخرب.

 

Yن كل طرف فلسطيني، كل لحساباته الخاصة، بانتظار المبادرة الاميركية، ليرى هل ستحسن موقفه ام لا. وكل طرف فلسطيني في المحصلة يريد الحوار والمصالحة، ولكن يحاول ان يجعلها تحقق اهدافه ومصالحه وشروطه. ان تمسك كل الاطراف بشروطها لن يحقق المصالحة، وانما في احسن الاحوال سيصل الى محاصصة او الى التعايش مع الانقسام.

 

ان المصالحة الحقيقية بحاجة الى تنازل من كل الاطراف لصالح المصلحة الوطنية حتى تربح القضية وينتصر الشعب، وتخرج كل الاطراف رابحة، وهذا يكون من خلال:

 

اولا: اقتناع "حماس" بأن النظام السياسي الفلسطيني بصورة عامة والحكومة بصورة خاصة يجب ان تكون منسجمة مع الشرعية الدولية. ان الشرعية الدولية يجب الا تخيف "حماس" لأنها بالمحصلة تجسد الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية والعربية، لذلك اسرائيل هي من يخشى الشرعية الدولية وترفضها.

 

ثانيا: اقتناع "فتح" بأن "زمن اول حول"، وان "فتح" لوحدها لا تستطيع ان تواصل انفرادها بقيادة الشعب الفلسطيني، بل لا بد من قيام شراكة وطنية في السلطة والمنظمة، يأخذ كل طرف فيها ما يستحقه، على اسس وطنية وديمقراطية تكفل توحيد الفلسطينيين وصب كل طاقاتهم وكفاءاتهم وابداعاتهم في مجرى دحر الاحتلال وتحقيق الحرية والعودة والاستقلال.

 

ان الوحدة الوطنية بعد جولات الحوار العديدة اصبحت بحاجة الى ارادة، الى قرار. وحتى تتحقق الوحدة يجب استمرار الحوار حتى يولد قوة دفع دائمة ومتعاظمة تكفل التوصل الى اتفاق وطني شامل.

 

ان توقف الحوار او تأجيله لفترات طويلة، من شأنه احداث فراغ يستفيد منه الاحتلال اولا ودعاة وجماعات الانقسام ثانيا، بينما الاغلبية الساحقة من الفلسطينيين تريد انهاء الانقسام باسرع وقت ممكن، لأنه مدمر للقضية وللمشروع الوطني ويسبب معاناة مضاعفة للانسان الفلسطيني !!