خبر (السلطة والاحتلال) وجهان لعملة واحدة.. الموت البطيء يجتاح جسدي القياديين علاء أبو الرب والحاج علي الصفوري

الساعة 07:57 ص|22 أغسطس 2009

(السلطة والاحتلال) وجهان لعملة واحدة.. الموت البطيء يجتاح جسدي القياديين علاء أبو الرب والحاج علي الصفوري

فلسطين اليوم- محمود أبو عواد

من سنن الكون المُشرعة بالأرض أن ينهش المرض جسد مُصابٌ ما حتى يطأ الموت موضعه ويُنهي معاناة صاحب ذاك الجسد.

 

تلك إحدى سنن حياة البشر الطبيعية، ولتلك الأمراض التي تنهش أجسادنا رويداً – رويداً أسباب متعددة، ولا تُصيب الإنسان إلا بمُسببٌ يختلف من جسدٍ لآخر. لكن عندما تنهش تلك الأمراض جسدين لم يجدا الرعاية الصحية والاهتمام فتلك مُصيبة لا تغتفر.

 

(علاء الدين أبو الرب – الحاج علي الصفوري) أسماء مُدونة بسجلات معتقلات تفصلها مئات بل الآلاف من الكيلو مترات، فالأول يقبع بسجون السلطة متنقلاً من سجن الاستخبارات العسكرية بجنين وانتهاءً بوجوده بسجن أريحا المركزي، والآخر يقبع بسجون العدو الصهيوني متنقلاً ما بين سجون الاحتلال، والتهمة التي تربط هؤلاء الفلسطينيين من سكان جنين هي مقاومة الاحتلال.

 

ومما يربط هذين المجاهدين تلك المعاناة الطويلة التي يعانيها أحد عشر ألف أسيرٍ في سجون الاحتلال، وألف آخرين بسجون السلطة الفلسطينية وتحت تهمٍ متماثلة ومعاناة صحية ونفسية وعمليات تعذيب مماثلة.

 

فعلاء الدين أبو الرب من مواليد وسكان قباطيا غربي جنين، والذي تعتقله أجهزة أمن السلطة بعد ملاحقة طويلة كاد أن يفقد خلالها أجزاء من أطرافه، يدخل عامه الثاني متنقلاً بين سجون السلطة إلى أن وصل المطاف به إلى سجن أريحا المركزي، ويعاني علاء من تدهور صحي بشكل متلاحق بسبب الإهمال الطبي من قبل إدارة السجون.

 

أما الحاج علي الصفوري من مواليد وسكان مخيم جنين، والذي اعتقل في نهاية معركة جنين الشهيرة عام 2002، والتي كان أحد قادتها البارزين، ويقضي حكماً مؤبداً بمئات السنين فيدخل عامه السابع على التوالي وقد نهش المرض جسده وأصابه مؤخراً مرض خطير غيّر من معالم وجهه دون اكتراث من قبل إدارة السجون بعلاجه.

 

معاناة مريرة

ولا تختلف معاناة علاء بسجون السلطة عن معاناة الحاج علي بسجون الاحتلال، فها هو علاء يقضي للمرة الثانية على التوالي أيام شهر رمضان المبارك متنقلاً بين سجون السلطة في جنين وأريحا.

 

ويقول شقيقه عن معاناته في حديث خاص "يعاني علاء من معاناة مريرة، فهو يعاني من عدة أمراض بسبب الإصابات التي تعرض لها أثناء عمليات ملاحقاته قبيل اعتقاله من أجهزة أمن السلطة، ولم يجد الرعاية الصحية لتحسين حالته التي تأخذ بالتدهور الشديد نتيجة الإهمال الطبي".

 

ويتابع "يعاني علاء من ورم بيده اليسرى ولا يمكنه أن يحرك أصابع يده كاملة نتيجة إصابته برصاص وحدات صهيونية خاصة خلال محاولة لاغتياله في جنين، كما أنه يعاني من صعوبة في الوقوف أو المشي فترة طويلة على قدميه أيضاً بسبب إصابة أخرى تعرض لها في إحدى محاولات استهدافه، بالإضافة لمعاناته الطويلة بسبب مرض ألم به في عينيه وبدأت تتفاقم تلك المعاناة بعد أن أجرى عملية جراحية ولم يتمكن من متابعة الطبيب الخاص للحد من أي مضاعفات بعد أن اعتقل لفترة بسيطة".

 

ويشير شقيق "أبو الحسن" إلى أنه يعاني من التهابات في البطن أصابته حين كان معتقلاً بسجن الاستخبارات العسكرية بجنين ورافقته فترة طويلة حتى هذه الأيام بسجن أريحا، وقد أثرت عليه لتزيد من صعوبة وضعه الصحي".

 

منع إدخال الطعام والدواء

وقد كشفت والدة المعتقل السياسي "علاء أبو الرب" عن منع أجهزة أمن السلطة في سجن أريحا المركزي من إدخال الطعام أو الدواء له خلال زيارتهم المحدودة له.

 

وتقول "أم فادي" وهي أم لأحد عشر فرداً، أكبرهم أسير محرر تم الإفراج عنه مؤخراً بعد قضاء حكم صهيوني بالسجن ثلاثة أعوام؛ "كنا نستشير عدد من الأطباء حول حالة فادي الصحية وإرشادنا لدواء خاص لحالته وخلال زياراتنا له يمنعنا الضباط من إدخال الدواء وكذلك أي طعام، ويتم مصادرتهم".

 

وتضيف "إن علاء بحاجة للأدوية التي وصفها الأطباء له في ظل عدم وجود رعاية صحية ومتابعة دائمة يتلقاها بالسجون وأنه بحاجة لتلك المتابعة والرعاية من قبل أطباء ذو تخصص وكفاءة حتى يقوى على الشفاء السريع ووقف أي مضاعفات نتيجة الإهمال الطبي".

 

وتشير والدته أن المضاعفات التي حصلت مع ابنها نتيجة للإهمال الطبي وعدم تقديم غذاء صحي ووجود مكان يناسب حالته الصحية أدى لتدهور سريع بحالته الصحية وأنه بحاجة لرعاية تحت إشراف طاقم من الأطباء في أي من المستشفيات بالضفة".

 

زيارات محدودة تقابلها رحلة طويلة

وعن زيارة ابنها في سجن أريحا المركزي، تقول "أم فادي": "أن الزيارات تكون عادةً مرة كل أسبوعين، وتكون محدودة الوقت بالرغم من صعوبة الرحلة والتنقل بين الحواجز الإسرائيلية والانتظار أيضاً بالسجن حتى موعد الزيارة".

 

وتضيف " نهم بالخروج من جنين الساعة السادسة صباحاً بسيارة أجرة خاصة نُوفرها قبل موعد الزيارة بيوم، ونتوجه بها إلي أريحا ونمر عبر عدد من الحواجز الإسرائيلية ويتم تفتيشنا واحتجازنا في بعض الأحيان لوقت قصير، ونواصل مسيرتنا لأريحا ويتم منعنا من الدخول مباشرة، حيث نُجبر على الانتظار بالشارع قبالة السجن ويتم استخدام نظام خاص بإدخال عائلة واحدة كل ساعتين من العائلات المحدد لها الزيارة ويصل عددها من خمس إلي سبع عائلات كل زيارة محددة، وتكون الساعتان عبارة عن لقاء العائلة بابنها المعتقل، ويتم تفتيشها بشكل كامل ويُمنع إدخال أي طعام أو مستلزمات سوى الملابس".

 

وتتابع "وأثناء دخولنا وتفتيش ما نحمله، تأتي عناصر من الشرطة النسائية لتفتيشنا، ومن ثم يدخلوننا لمكان يوجد به علاء، وفي المكان ذاته عدد من عناصر الشرطة يترجلون حولنا ولا يبعدون عنا سوى ثلاثة أمتار ويتم سماع أي حديث يتم تداوله، وبعد انتهاء المقابلة نعود أدراجنا إلي جنين ونصل المنزل الساعة السادسة مساءً ولا يمكننا زيارته مرة أخري إلا بعد تحديد يوم ما من قبل إدارة السجن، كما أنه يتم السماح له بالاتصال علينا كل فترة وأخرى من خلال كبينة اتصال موجودة بالسجن وذلك باستخدام بطاقة معينة يقوم بشرائها من ماله عبر إدارة السجن"

 

مضايقات متواصلة ومناشدة بالإفراج

وتواصل "أم فادي": "خلال زياراتنا لعلاء يشتكي كثيراً من الأوضاع التي يعيشها هو وإخوانه بالسجون، ونلاحظ عليه التأثير النفسي الواضح على نفسيته إثر تعرضه للمضايقات من قبل بعض الضباط بالسجن وكذلك تدهور حالته الصحية التي لها الأثر البالغ على نفسيته".

 

وتتابع "أنه يعيش بغرفة كبيرة تضم عشرة من المعتقلين، ويتعرض لمضايقات كثيرة ويتم اتهامه من ضباط محددين بأنه يحرض المعتقلين ضد السلطة، حتى وصل الحال بأحد الضباط أن قام بتمزيق دفاتر وتكسير أقلام جلبناها له وأخرى كانت لديه منذ أن كان بسجن جنين، وقام الضابط بتفحص كل ورقة بداخل تلك الدفاتر قبيل تمزيقها".

 

وناشدت "أم فادي الفصائل الفلسطينية والجهات الحقوقية وأصحاب الضمائر الحية بالتحرك العاجل للإفراج عن ابنها "علاء"؛ فقالت "أناشد كل إنسان عنده ذرة من ضمير وكل الفصائل ومراكز حقوق الإنسان بالإطلاع على مأساة ابني والإفراج عنه أو مساعدته طبياً بالضغط على السلطة لتقديم العلاج والرعاية الطبية اللازمة له".

 

وختمت حديثها "هل جزاء علاء الذي أصابته تسع رصاصات في قدميه وعدد من الإصابات الأخرى في يديه وغيرها، أن يُعامل بمثل هذه المعاملة وأن تقوم السلطة في آخر إصابة له قبيل اعتقاله بمنع الصيدليات والعيادات الطبية بتقديم أي علاج له، هل جزاء من قاوم الاحتلال أن يدفع ضريبة حمله السلاح أن ينال هذا الجزاء من الإهمال والقتل البطيء له".

 

معاناة مماثلة بسجون الاحتلال

حكاية "علاء الدين أبو الرب" في العقد الثاني من العمر، لم تكن أقل تأثيراً من حكاية رجل في العقد الخامس من عمره وأثقل الشيب رأسه ولحيته.

 

الحاج "علي الصفوري"، الذي لا زال يقبع في سجون الاحتلال متنقلاً بين أسمائها المختلفة، يعاني ظروفاً صحية صعبة أثقلت من كاهل ذلك الرجل الذي كان يملك من الصحة والعطاء ما لا يملكه الشبان في العشرينات من عمرهم.

 

ويقول "محمد" الابن الأكبر للحاج علي الصفوري" في حديث صحفي له مؤخراً أن ملامح وجه والده قد تغيرت بشكل كبير جراء مرض مجهول أصابه دون أي اهتمام من قبل إدارة السجون ورفضها المتواصل لعلاجه.

 

ويضيف "تغيرت ملامح وجه والدي إثر مرض مجهول لم يُعرف بعد، وعند زيارتي له أصبت بصدمة كبيرة وشعرت بحزن لا مثيل له بعد أن رأيت وجهه قد تغير تماماً وأصابه ورم بشكل كبير، حيث انتشرت بقع كبيرة في أنحاء مختلفة من وجهه وبدأ يتساقط شعر لحيته ورأسه".

 

وعن بداية المرض يقول "محمد": ""قبل 7 شهور بدأت معاناة والدي عندما ظهر في جسده بقع ودمامل صغيرة وورم فتوجه للإدارة مطالبا بعرضه على طبيب مختص وعلاجه ولكنها بحسب ما ابلغني والدي أهملت شكاواه ورفضت علاجه واكتفت بعرضه على طبيب السجن الذي لم يقدم له سوى حبوب الاكامول التي لم تساعده"؛ متسائلاً "وكيف لتلك الحبوب أن تساعد والدي والمرض قد انتشر في باقي أنحاء جسده وشاهدت ذلك الورم قد أصاب صدره ويديه وقدميه".

 

إهمال طبـي

وذكر "محمد" على لسان والده أنه تقدم طوال الأشهر الماضية لإدارة السجن بإدخال طبيب متخصص له، لكنها رفضت واكتفت بتقرير طبيب السجن الذي شخص الحالة بأنها طبيعية وأن علاجها الأدوية المختلفة من المسكنات والأكامول".

 

وكشف "محمد" عن رفض إدارة السجن إدخال لجان طبية من مؤسسات حقوقية مختلفة وصلت للسجن لزيارة والده وفحصه مما أدى لتدهور حالته الصحية حتى أصبح غير قادر على النوم أو الجلوس أو الاستقرار كباقي الأسرى"

 

وأشار محمد إلى أنه وبعد جهود مضنية واحتجاجات أقدم عليها الأسرى بالسجن، قامت إدارة السجن بنقله لمستشفي سوروكا وهناك أجريت له الفحوصات الطبية وأخذ عينات من جلده ودمه، ولم يتم إبلاغه بنتيجة الفحوصات، في حين رفضت إدارة السجن السماح للصليب الأحمر أو ذويه بإدخال علاج وصفه له الطبيب الذي أشرف على علاجه في سوروكا.

 

مناشدة الضمائر الحية

وبكلمات حزينة رافقها بُكاء "محمد" ووالدته، ناشد "محمد" المؤسسات الحقوقية لتبني قضية والده، قائلاً "كانت لحظات الزيارة أشد قساوة وعذاب من مأساة اعتقال أبي، الذين نقف عاجزين عن القيام بأي خطوة لمساعدته وإنقاذه وعلاجه لذا أناشد كافة المؤسسات والهيئات تبني قضيته والضغط على سلطات الاحتلال لعلاجه فورا ولدينا كامل الجاهزية لتحمل جميع مصاريف ونفقات العلاج لوضع حد لمعاناة أبي الذي فقد القدرة على النوم والمرض يفتك به".

 

وذكر أن إدارة السجن تمنع والده من التقاط الصور كباقي الأسرى منذ تفاقم حالته الصحية حتى لا تنشر تلك الصور في وسائل الإعلام وتفضح الصورة الخطيرة التي يعيشها في سجنه.

 

فيما تقول زوجة الحاج "علي الصفوري" أن عملية إهمال علاج زوجها هي استمراراً لسياسة العقاب التي تمارسها إدارة السجون بتوصية من المخابرات الإسرائيلية التي توعدته بعقوبات لا تنتهي منذ اعتقاله.

 

وعبرت الحاجة "أم محمد" عن قلقها الشديد على حياة زوجها في ظل تدهور حالته الصحبة ورفض إدارة السجون علاجه.

 

ونقلت "أم محمد" رسالة لزوجها تم تسريبها من سجن ريمون، قال فيها أنه يعيش ظروفاً اعتقالية صعبة جراء إصابته بمرض جلدي منذ أكثر من عام، وهو مرض غير معدٍ ولكنه انتشر في شكل كبير في أوساط الأسرى بسبب عدم اهتمام الإدارة التي تنتهج سياسة الإهمال الطبي بشكل متواصل.

 

وأضاف برسالته "إنهم يريدون الموت البطيء لنا، فرغم أن أعراض المرض ظاهرة عليَّ تحديداً وتسبب لي معاناة بالغة فإنهم لا يريدون علاجنا، الأمر الذي يشكل تهديداً مباشراً لحياتنا لأن ظروف السجن العامة تزيد من آلامنا دون أن تحرك إدارة السجون ساكنا".

 

وكانت قوات الاحتلال اعتقلت الحاج علي الصفوري أحد قادة سرايا القدس في معركة مخيم جنين في نيسان 2002 وحوكم بالسجن المؤبد 5 مرات إضافة لـ50 عاماً وقد هدمت منزله ومنزل عائلته بعد اعتقاله، والأسير متزوج ولديه 5 أبناء وجميعهم محرومون من زيارته، فيما يسمح لزوجته وابنه الأكبر محمد بزيارته مرة واحدة كل 6 شهور.