خبر المصالحة الفلسطينية: وفرة الوساطات وندرة الفرص .. عريب الرنتاوي

الساعة 05:59 م|21 أغسطس 2009

بقلم: عريب الرنتاوي

دخلت تركيا والسودان على خط الوساطات بين الفلسطينيين المنقسمين على أنفسهم، وكانت الدوحة كشفت عن "تعطيل مصري" لمحاولات سابقة بذلتها قطر والسعودية للتوسط بين "الاخوة الأعداء"، وليس مستبعدا أن تبدي أطراف أخرى، حكومية وغير حكومية، فلسطينية وعربية وإقليمية، استعدادا مماثلا لبذل مساع حميدة أو التوسط بين الأفرقاء المصطرعين.

إذن، نحن أمام عودة الروح للوسطاء والوساطات، وثمة ما يشبه الازدحام على هذا الطريق، وهو ازدحام وإن كان يحمل الكثير من النوايا الطبية، ويخفي الكثير من الرغبات الدفينة الرامية تارة لتعظيم أدوار إقليمية لهذا الجهة أو تلك، وأخرى لـ"تسوية حساب" بين الفرقاء المعنيين، إلا أنه مع ذلك يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، بأن الوساطة المصرية بلغت طريقا غير نافذ، وأنها تصطدم بجدار مسدود.

ولكي نتوخى الإنصاف والموضوعية، فإن أي من الأطراف التي تعرض وساطتها ومساعيها الحميدة على الفلسطينيين، لا يمتلك منفردا حظوظا أفضل من حظوظ الوساطة المصرية، بل ويمكن القول، ان أياً من هذه الأطراف لوحده، لا يملك من الأوراق ما امتلكته القاهرة في علاقاتها مع فريقي الأزمة الفلسطينية الداخلية، بمن في ذلك حماس التي تقيم وزنا لـ"الجغرافيا" في علاقاتها مصر، يفوق أوزان حساباتها السياسية والعقائدية وحساسيات علاقاتها مع النظام المصري، التي لم تصل يوما إلى مستوى "قصة حب".

لذلك دعَوْنا منذ البدء إلى "تعريب الوساطة" بين فتح وحماس، واقترحنا أن تشكل "ترويكا" عربية، فمثل هذه الخطوة، وحدها قادرة على "جلب" الأطراف المتصارعة إلى مائدة الحوار وشاطئ المصالحة، مثل هذا الخطوة كفيلة بتوفير "وسيط متوازن وموضوعي وموثوق" يطمئن له المتحاورون، مثل هذا "الإطار القومي" للوساطة، كفيل بتوفير "شبكة أمان" للمتحاورين، لا للوصول إلى التوافق والاتفاق فحسب، بل ولضمان ترجمته وتنفيذه على الأرض أيضا، وهذا هو الأهم، خصوصا حين يتصل الأمر بالملفات الشائكة والمعقدة كملف الإصلاح الأمني وإعادة هيكلة منظمة التحرير وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، إلى غير ما هنالك.

لا ينبغي بأي حال من الأحوال، تحويل قضية "التوسط والوساطة" بين الفلسطينيين إلى مادة للتجاذب بين المحاور والمعسكرات العربية، فاستعادة الفلسطينيين لوحدتهم الوطنية، متطلب يرقى فوق حسابات "صراع الأدوار" والتنافس على "القيادة والريادة" بين العواصم العربية، وإنجاز هذه المهمة بأسرع وقت وأقل ضرر أمر يكتسب أولوية قصوى في مطلق الأحوال، ويجب التصرف مع هذا الملف من هذا المنطق وتلك العقلية.

وأخطر ما يمكن أن يواجهه الشعب الفلسطيني، هو أن تتحول خلافاته إلى مادة للتجاذبات وأن تتحول قضيته الوطنية إلى ساحة لتسوية الحسابات.. أخطر ما يمكن أن تواجهه محاولات استعادة وحدة الشعب والأرض الفلسطينيين، هو أن تصبح هذه المسألة جزءا من حسابات "الداخل العربي"، فينحاز لفتح والسلطة، كل من له مشكلة مع الحركة الإسلامية في بلده، ويعرقل جهود رفع الحصار القطاع الجائع، كل من يريد البرهنة على "بؤس الخيار الإسلامي".

يقظة الوساطات والوسطاء أمر إيجابي في مختلف الأحوال، بيد أنه لا يعني أن الفلسطينيين باتوا أقرب إلى المصالحة والتوافق، فإن لم تتوافق العواصم العربية فيما بينها، وبالتحديد دمشق والقاهرة، فإن احتمالات التوافق بين غزة ورام الله ستظل ضئيلة للغاية.. فهل يفعلها "العرب" هذه المرة؟.