خبر غزة: استسهال الدم الفلسطيني ! ..مصطفى إبراهيم

الساعة 07:11 ص|20 أغسطس 2009

غزة: استسهال الدم الفلسطيني !

مصطفى إبراهيم

في فلسطين لا يعرف الإنسان من يقتل من، الكل أصبح يستسهل الدم الفلسطيني، وفي رفح أبناء العم قتلوا ودفنوا سويا بجانب بعضهما بعضاً، مصطفى و زكريا أبناء عم، الأول يعمل في الشرطة والثاني أحد أفراد "جماعة جند أنصار الله"، الاثنين قتلا في أحداث الجمعة الدامية 14/8/2009، الذي سقط قيها 27 قتيلاً، وجرح نحو 100، واعتقال 100 آخرين.

في مدينة رفح كانت وما تزال الصدمة شديدة، لم يتوقع مريدو الطبيب الشيخ السلفي عبد اللطيف موسى " المدير الطبي لمركز شهداء رفح الصحي الذي كان على رأس عمله حتى يوم الثلاثاء الموافق 11/8/2009" ، أن يعلن عن قيام إمارة بيت المقدس الإسلامية في فلسطين، وما زالوا غير مصدقين.

ويقول بعضهم أن هناك حلقة مفقودة فيما جرى، وإنهم طوال حضورهم حلقات الدرس كل يوم ثلاثاء أو في خطبة الجمعة لم يتحدث الشيخ في السياسة، وكل خطبه ودروسه كانت في العقيدة والفقه والعبادات وكان أخرها عن غزوات الرسول الكريم وفضائل بيت المقدس.

ولا يخفي بعضهم انه ربما اصدر فتاوى لبعض "الفتية والشباب" بالقيام ببعض التفجيرات الداخلية والعمليات الفدائية ضد قوات الجيش الإسرائيلي، ويؤكد البعض الآخر من أن الشيخ منذ أكثر من أسبوعين كان يميل إلى التطرف في الدروس الخاصة حيث حاول احد مريديه من كبار السن أن ينبهه عندما قال: "له أن خطابك يا شيخ خطاب حرب"، كما لا ينفي بعضهم علاقة الشيخ ببعض الضباط في جهاز الأمن الوقائي سابقا.

وان حركة فتح والأجهزة الأمنية في الضفة الغربية استغلت خطب الشيخ للانتقام من حماس، ومراقبة بعض السلفيين، وأنها ساهمت في التغرير به من خلال حضور عدد غير قليل من أعضاء حركة فتح وأنصارها لخطبة الجمعة هروباً من مشايخ حماس الذين يشنون خلال خطب الجمعة هجوما لاذعاً ضد السلطة وحركة فتح.

والتغرير بالشيخ كان أيضاً أنه توهم أن العدد الكبير الذي يصل إلى نحو 2000 مصلي في يوم الجمعة من أن هؤلاء هم من أنصاره، مع العلم أن عدد كبير منهم غادر المسجد عندما شاهدوا المسلحين يحيطون بالشيخ قبل البدء بالخطبة، وإعلانه عن الإمارة ولم يصلي خلفه إلا عدد قليل جداً.

كما لا يستبعد بعضهم من أن التحول السريع والمفاجأ للشيخ وتزعمه "جماعة جند أنصار الله" التي أعلنت عن "انطلاقتها في شهر 11/ 2008"، نبع من ممارسة ضغط خارجي عليه، ولا يعرف احد السر الحقيقي خلف ذلك التحول، إلا إذا كان يبطن ما لا يظهر، ويحاول مريدوه فك رموز السر في العلاقة الحميمة التي ربطته مع "أبو عبد الله السوري أو المهاجر" القائد العسكري لجماعة جند أنصار الله، بالإضافة إلى أن تهديد حركة حماس للسيطرة على المسجد المسؤول عنه، وانه سوف يفقد أخر مكان يستمد شرعيته ووجوده كداعية وخطيب منه.

كل هذه التساؤلات يتم تناولها في رفح والدهشة لا تزال ترتسم على وجوه مريدي الشيخ خاصة أولئك الذين كانوا يستمعون إلى خطبه ودروسه للتعلم منه العقيدة والفقه، ولأنه لا يتحدث في السياسة ولا يريدون الاستماع إلى خطباء يحرضون على الانقسام.

المصادر في رفح ما تزال تتحدث عن سر علاقة الشيخ عبد اللطيف مع "أبو عبد الله السوري أو المهاجر" وإن اختلفت الروايات حوله وفي أصله ومن انه يحمل الجنسية السعودية، إلا أن الواضح انه من "عائلة بنات" واسمه الحقيقي "خالد بنات" وأن عائلته من القطاع، وهي من قامت باستلام جثته ودفنه.

ومن المؤكد انه حضر إلى قطاع غزة قبل نحو ثلاث أعوام، وانه خبير عسكري وخبير متفجرات، ويمتلك من المهارات والخبرة العسكرية والتدريب بما فيه الكفاية، حيث عمل مع كتائب القسام ودرب عناصر منها، وكانت تربطه علاقات مميزة ونوعية مع قادة كتائب القسام.

وتؤكد المصادر أن كتائب القسام وفرت له موقع عسكري لتدريب عناصره معظمهم من الفتية والشبان من إنحاء مختلفة من قطاع غزة الذين طردوا جراء قيامهم بتفجيرات داخلية، أو غادروا كتائب القسام، نتيجة خلافات منها اتهامهم لحركة حماس عدم تطبيق "حدود الله" الشريعة الإسلامية أو احتجاجهم على التهدئة غير المعلنة بين حماس والدولة العبرية، وهم يريدون القتال ضد الأخيرة حيث نفذت جماعته بتاريخ 8/6/2009، عملية عسكرية " البلاغ" باتت تعرف لدى سكان القطاع بعملية "الخيول" شرق مدينة غزة، وقتل فيها نحو 10 من أفراد جند أنصار الله عدد منهم من دول عربية مختلفة.

حركة حماس كانت على علم بما يجري من نمو لجماعة جند أنصار الله وان الخلاف مع الجماعة انفجر على إثر عملية الخيول، وان حركة حماس كانت على علم بما تقوم به الجماعة إلا أن وقع الخلاف وقامت الأخيرة بعملية عسكرية اعتبرتها حماس تجاوزاً للخطوط الحمر، وأنها محاولة لكسر التهدئة غير المعلنة، وقامت حماس بمصادرة أجهزة تقنية متقدمة للجماعة وأصدرت بيانا اتهمت فيه حركة حماس بمنعهم من الجهاد وقتال اليهود.

الأحداث الدامية انطلقت شرارتها الثلاثاء 11/ 8/2009، وسارت متسارعة ولم تفلح الوساطات التي قام بها عدد من مشايخ السلفية ولجان المقاومة الشعبية، وكانت حجة الشيخ أن حركة حماس تريد السيطرة على مسجده حيث قال لن تسيطروا على المسجد إلا على جثثنا، إلا أنه من الواضح أن الشيخ عبد اللطيف تبنى موقف جماعة جند أنصار الله في مطالبتها حماس الأجهزة التي صادرتها حماس منها.

ثلاث أيام مرت قبل اشتعال الأحداث وإراقة واستسهال الدم الفلسطيني، من دون التوصل إلى حل، إلى أن تدهورت بسرعة، وقامت كتائب القسام والأجهزة الأمنية التابعة للحكومة المقالة بنشر الحواجز على مداخل مدينة رفح، وقامت باعتقال عدد من المسلحين مزنرين بالأحزمة الناسفة من جند أنصار الله حضروا من مناطق مختلفة من قطاع غزة عدد كبير من المسلحين في محيط المسجد، وكانت الفوضى السمة السائدة في المشهد الدامي، مسلحين انتشروا في كل مكان.

وبعد انتهاء الصلاة بدأت المناوشات وسقط قتيل وعدد من الجرحى، وفجأة قتل محمد الشمالي قائد الكتيبة الشرقية في كتائب القسام في مدينة رفح، والذي تحدثت عنه الإذاعة العبرية أن مقتل الشيخ عبد اللطيف موسى لا يهمهم بقدر ما يهمهم أنهم تخلصوا من الشمالي، وبدأ المشهد المأساوي والفوضوي، وحسب أعضاء من حماس لم تكن هناك خطة لدى كتائب القسام وكانت الفوضى سيدة الموقف.

وبدأ سقوط الضحايا وكان هناك استخدام مفرط للقوة من الجانبين خاصة من كتائب القسام، واستمرت الاشتباكات 12 ساعة إلى أن استطاعت كتائب القسام بالسيطرة على المكان، ومقتل الشيخ موسى وأبو عبد الله السوري، وابنه.

الناس في القطاع مازالوا يعيشون الصدمة ويتساءلون لماذا تحل هذه الخلافات بهذا الشكل؟ لماذا صمتت حماس كل هذه الفترة من الزمن، ولم تقوم بالحوار مع تلك الجماعة مع أنها كانت تدعي أن مثل هذه الجماعات تحت السيطرة وفي النهاية ثبت أنها لم تكن تحت السيطرة، وهي من يتحمل المسؤولية عندما اعتقلت عد منهم في السابق على خلفية تنفيذهم تفجيرات داخلية وأفرجت عنهم بعد فترة من دون توجيه لوائح اتهام وتقديمهم للمحاكمات.

حماس حتى الآن لم تستطيع تحديد موقفها هل هي حكومة إسلامية وتقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية؟ أم هي حكومة تطبق القوانين الذي يعتبرها العديد من أعضائها أنها وضعية، ولم تقوم بالحوار والمراجعات مع تلك الجماعات السلفية المتطرفة عن طريق مشايخهم، وتعتمد دائماً الحل الأمني والمعالجة والحسم العسكري، وعليها القيام بالمراجعات لعناصرها من الفتية والشبان الذين تربوا على العنف والتطرف، والعودة عن حال الانقسام الذي يعتبره الناس السبب الحقيقي فيما يجري