خبر غسان شربل يكتب :حماس والإمارة والانتظار

الساعة 05:02 ص|17 أغسطس 2009

حماس والإمارة والانتظار

غسان شربل  

الحياة اللندنية

شطبت «حماس» الإمارة الإسلامية التي أعلنها عبداللطيف موسى (أبو النور المقدسي) في مدينة رفح. شطبت الإمارة وأميرها. لا تستطيع «حماس» احتمال اتهامات موسى. قال إن حكومة «حماس» إن بقيت على ما هي عليه فهي بمثابة حزب علماني «ينتسب الى الإسلام زوراً مثل (رئيس الوزراء التركي) رجب طيب أردوغان». ليس سهلاً على «حماس» أن يقف «أمير السلفية الجهادية» في مسجد ويتحدى نهجها وصورتها وأن يُخرج مسلحيه الى الشارع متحدياً سلطتها وهيبتها. المسجد والشارع هما العمود الفقري لقوة «حماس» والحكم الذي أقامته في القطاع.

 

استخدام اسم أردوغان لمهاجمة «حماس» ذكّرني بما يسمعه زائر أنقرة عن ضرورة إشراك «القوى الحية» أو «القوى الجديدة» في البحث عن السلام والاستقرار في المنطقة. والمقصود فتح باب الحوار مع هذه القوى والاستماع إليها وإنضاجها عبر الحوار، أي تشجيعها على انتهاج سياسات واقعية تجعلها مقبولة إقليمياً ودولياً. ويرى أصحاب هذا الرأي أن عزل هذه القوى الإسلامية التي تتمتع في مجتمعاتها بصفة تمثيلية سيدفعها الى مزيد من التشدد، ويجعل جزءاً من جمهورها مستعداً لتمثيل طروحات متطرفة ومدمرة وقريبة من نهج «القاعدة». وواضح أن «حماس» هي بين القوى المطلوب إشراكها وإنضاجها.

 

رفضت «حماس» بعد سيطرتها على قطاع غزة أي كلام على وجود مجموعات تابعة لـ «القاعدة» هناك أو قريبة منها. ويرى قادة في «حماس» أن وجود الحركة هو الضمانة لعدم تسلل «القاعدة» الى الصفوف الفلسطينية، معتبرين أن «حماس» المقاومة تشكل سداً في وجه الطموحات الفلسطينية لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري.

 

سحقت شرطة «حماس» مجموعة «جند أنصار الله» في عملية أسفرت عن سقوط عشرات القتلى وأكثر من مئة جريح. واتهمت المجموعة بأنها «تكفيرية» تسعى الى إضعاف «حماس» والشعب الفلسطيني، وأنها لم تقاوم الاحتلال ورفضت المشاركة في الدفاع عن غزة.

 

كان من الصعب على «حماس» أن تتساهل مع ظاهرة يمكن أن تؤدي الى تآكل سلطتها في القطاع، وتحولها متهمة من على منابر بعض المساجد. زاد في دقة الموقف أن الأحداث جاءت في وقت نجح فيه مؤتمر «فتح» في الانعقاد وترميم العلاقات بين الجزر الفتحاوية وتجديد شرعية محمود عباس في وراثة ياسر عرفات.

 

تسلط الأحداث الأخيرة الضوء على الصعوبات التي تعيشها «حماس» على رغم حضورها الجماهيري الواسع وفوزها السابق في الانتخابات التشريعية، وما قدمته إبان الحرب الإسرائيلية البربرية على غزة. فالقرار 1860 لمجلس الأمن والذي أوقف العدوان الإسرائيلي يشكل قيداً ثقيلاً على «حماس» يشبه القيد الذي يشكله القرار 1701 على «حزب الله» على رغم الفروقات بين حرب غزة وحرب تموز (يوليو) واختلاف المسرح والظروف. صمدت «حماس» في غزة لكنها خسرت في النهاية القدرة على تحريك الجبهة مع العدو، لأن التحريك يعني المجازفة بحرب جديدة. «حزب الله» حقق إنجازاً عسكرياً لكنه خسر القدرة على تحريك الجبهة من دون المجازفة بحرب واسعة.

 

اكتشفت «حماس» أن عدد حلفائها يقل عن أصابع اليد الواحدة. واكتشفت أن ثمن كسر العزلة مرتفع وأن ثمن إعادة الإعمار مرتفع وثمن إنجاح الحوار الفلسطيني مرتفع، وأن ثمن استئناف الاشتباك مع العدو باهظ. اكتشفت أن عليها أن تتغير لتصبح مقبولة، وأن علاقاتها في العالم العربي والإسلامي أقل عمقاً مما اعتقدت.

 

لا تكفي ورقة الجندي الإسرائيلي الأسير غلعاد شاليت لمساعدة حكومة إسماعيل هنية المقالة على احتمال أثقال الانتظار. السؤال الكبير المطروح هو ماذا تفعل «حماس» بغزة التي تسيطر عليها، وهل تريد أن تقاوم أم تفاوض، وما هو مدى استعدادها لتحمل أثمان كل من الخيارين. أما خيار الانتظار المفتوح فينذر بأحداث من قماشة قمع الإمارة، علماً أن تكاليف العودة الى عباءة عباس تبدو أقل من تكاليف الخيارات الأخرى.