خبر « جهاديو » غزة في انتظار « وكالة » القاعدة!..ياسر الزعاترة

الساعة 09:14 ص|15 أغسطس 2009

"جهاديو" غزة في انتظار "وكالة" القاعدة!  

 

ياسر الزعاترة ـ الجزيرة نت 15/8/2009

 لم يكن التفجير الذي استهدف حفل زفاف لعائلة دحلان مؤخرا في غزة (السلطة اتهمت حماس)، هو أول الأعمال التي تنفذها مجموعات تنتسب إلى فكر القاعدة، فقد سبق أن نفذت جملة من الاعتداءات ضد مقاهي إنترنت ومدارس أجنبية، فضلا عن اختطاف الصحفي البريطاني ألان جونسون، ومحاولة اغتيال جيمي كارتر أثناء زيارته لقطاع غزة، بينما ذكر أن إحدى المجموعات إياها قد نفذت عملية ضد هدف إسرائيلي على مشارف القطاع بخيول مفخخة، وإن لم تؤد إلى إصابات في صوف الجيش الإسرائيلي.

من جانب آخر، ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية (11/8) أن عشرات من عناصر القاعدة الذين كانوا في العراق قد دخلوا قطاع غزة، الأمر الذي نفته دوائر حماس، مؤكدة أن الأمر لا يتعدى حالات فردية لا ترقى إلى مستوى التنظيم.

منذ العام 2006، تحديدا بعد مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية، بدأت تظهر في قطاع غزة بعض تجليات السلفية الجهادية، مع أن ربطها بالكامل بالمشاركة إياها لا يبدو صائبا، والأدق هو القول إن خطها الفكري والسياسي بدا ملهما -قل ذلك- لبعض الشبان الأكثر تشددا في الدوائر المحيطة بحماس والجهاد، وربما عناصر أخرى ذات علاقة بفتح إلى جانب شبان عاديين ممن كانوا يتدفقون على المساجد ويعيشون الأجواء الجهادية السائدة في قطاع غزة وعموم فلسطين، وقد حدث ذلك في ضوء النشاط اللافت الذي سجلته القاعدة، بخاصة في العراق في السنوات التالية لاحتلاله من قبل الأميركيين.

في سياق الجدل بشأن مشاركة حماس في الانتخابات خلال عام 2005، أعني قبل تنظيم الانتخابات مطلع العام 2006، قلنا إن تحول حماس نحو خيار المشاركة، وما يفرضه من تراجع لخيار المقاومة سيدفع بعض الشبان الذين تمت تعبئتهم بروح الجهاد والاستشهاد إلى البحث عن نموذج آخر سيجدونه على الأرجح في السلفية الجهادية بطبعتها القاعدية، لكن تطورات الوضع في القطاع، من عملية الوهم المتبدد البطولية الشهيرة، إلى الاستهداف المبرمج لحماس من قبل السلطة، وصولا إلى الحسم العسكري منتصف 2007، وتاليا الحرب الإسرائيلية الأخيرة، كل ذلك أبقى حماس في دائرة المقاومة ولم يسمح لخطاب المزايدة عليها من الطرف المشار إليه بالتمدد بين الشبان في القطاع.

كل هذا التأكيد على خيار المقاومة في أوساط حماس رغم مشاركتها في الانتخابات وتاليا السلطة، لم يحل دون ظهور مجموعات عديدة (يصعب الجزم بتمويلها وارتباطاتها) تتبنى فكر القاعدة كما تفهمه، وتعلن عن نفسها في سياق من طلب "وكالة" التنظيم والحصول على تزكية "الشيوخ"، مستغلة بالطبع شوق قادة القاعدة إلى وجود فرع لهم في فلسطين، وهم الذين اتهموا دائما بالتقصير في قضيتها، الأمر الذي اعترف به مؤخرا الشيخ أبو محمد المقدسي في مقال نشره على موقعه منبر التوحيد والجهاد.

هؤلاء، وإن لم يحصلوا على "الوكالة" إلا أنهم يعتقدون بإمكانية ذلك في ضوء تجارب سابقة مثل تحوّل تنظيم التوحيد والجهاد في العراق إلى فرع القاعدة في بلاد الرافدين، وكذلك القاعدة في المغرب الإسلامي، فضلا عن عدد من الفروع الأخرى مثل حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وقبلها الجماعة المقاتلة في ليبيا.

خلال السنوات الأخيرة برزت عدة مجموعات تبحث عن "وكالة" القاعدة، من بينها جيش الإسلام، جيش الأمة، سيوف الحق، جند الله، وأخيرا المجموعة التي يطلق الناس في قطاع غزة عليها اسم "جلجلت" وذلك إثر بث المجموعة لشريط فيه أنشودة تبدأ بكلمة "جلجلت".

المجموعة المذكورة بدت أكثر وضوحا من خلال مقابلة مع أحد قادتها، وهو شاب عمره 23 عاما، واسمه محمود محمد طالب (أبو المعتصم) حيث قال إن "جلجلت" هو الاسم الشعبي الذي أطلقه الناس عليهم للاعتبار المشار إليه آنفا، لكن المجموعة لم تقرر بعد اسمها المعلن، وهي تنتظر تنفيذ عملية كبيرة تبايع من خلالها الشيخ أسامة بن لادن كمقدمة للإعلان، وإن كان لها اسم أولي سابق هو أنصار السنة.

في المقابلة المطولة مع الشاب المذكور، نعثر على ذات الفكر الذي تتبناه المجموعات التي تنسب نفسها إلى السلفية الجهادية في عدد من الأقطار، بل ربما كان هنا أكثر بساطة، إذ إن قلة من المجموعات التي انتسبت إلى القاعدة قد ذهبت في اتجاه تفجير مقاهي الإنترنت أو استهداف حفلات راقصة وما إلى ذلك، وحتى استهداف الفنادق في عمان لم يتمّ، بحسب تسجيل للزرقاوي على أساس استهداف رواد الفندق، بل لحسابات أخرى لم تثبت صحتها، فضلا عن أن مراجعات أبو محمد المقدسي الأخيرة قد ذهبت أبعد من ذلك في التحوط في مسألة سفك الدماء، مع التذكير بأن بن لادن نفسه كان قد دعا أنصاره إلى متابعة موقع الشيخ المقدسي على الإنترنت "منبر التوحيد والجهاد".

من أهم ما قاله المقدسي في حوار له مع صحيفة السبيل الأردنية نشر في شهر يونيو/حزيران 2009، هو تشديده على عصمة دماء المسلمين بقوله "وقد نصّ علماؤنا على أن استباحة دماء المسلمين خطر عظيم، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم" والمحجمة هي قدر ما يؤخذ من الدم في الحجامة. وهو ما يشمل برأيه دماء العصاة من المسلمين.

المقدسي رفض أيضا خطف مندوبي هيئات الإغاثة، بما في ذلك استهداف مقر الصليب الأحمر في بغداد، والذي لم تعلن أي جهة المسؤولية عنه، وإن نسبه البعض إلى القاعدة، كما رفض استهداف الكنائس وصالات السينما، معتبرا أن "قتل من يقترف مثل هذه المعاصي ظلم وتعدّ لحدود الله" في ذات الوقت الذي رفض فيه استحلال أموال الفساق والعصاة من المسلمين، وكذلك "غير المسلمين من المستأمنين في دار الإسلام مهما كانت جنسياتهم". طبعا كانت هناك وقفة مهمة في الحوار تتصل بالتعاطي مع الشيعة، لا سيما في العراق، ليس هنا مجال التوقف عندها، ويمكن الرجوع إليها في الحوار المذكور على موقع الصحيفة.

لا يعرف بالطبع ما إذا كانت المجموعات التي تحسب نفسها على الفكر السلفي الجهادي -بحسب التعبير الشعبي- قد سمعت بالكلام الجديد للشيخ المقدسي، أم أنها اكتفت بسماع الجزء المتعلق بتقصير السلفيين الجهاديين في العمل في فلسطين.

كان لافتا بالطبع ما قاله الشاب المشار إليه عن خروج عدد كبير من عناصر المجموعة من رحم كتائب القسام التابعة لحركة حماس، واستلهامهم لنموذجي الشهيدين إبراهيم المقادمة وصلاح شحادة اللذين اغتالتهما القوات الإسرائيلية نظرا لتشددهما في تبني برنامج المقاومة، ولما يتمتعا به من نفوذ داخل الحركة، إلى جانب تأثيرهما الكبير في عناصرها، ويذهب البعض لحد القول إنه لو بقي الرجلان على قيد الحياة، إلى جانب الشهيد الرنتيسي، لما شاركت حماس في انتخابات المجلس التشريعي، ولمالت نحو تكرار موقفها الذي تبنته حيال انتخابات 96.

وإذا كنا نجزم أن كلام الشاب المذكور (قيادي جلجلت) لا يمت إلى الحقيقة بصلة، أعني قوله إن عناصر المجموعة هم آلاف، وإن من بينهم قادة كبار من القسام، فإن انخراط بعض عناصر الكتائب في هكذا مجموعات ليس مستبعدا، لا سيما من يميلون منهم إلى التشدد، ويعود ذلك إلى الشعور بأن المشاركة في السلطة قد دفع الحركة إلى التخلي عن خيار المقاومة والجهاد، أو أنها لا تطبق الشريعة بحسب الفهم البسيط لدى عناصر شابة مدججة بالحماس الديني ولا تأخذ في الاعتبار الظروف الموضوعية المحيطة، وما هو ممكن وغير ممكن.

هي من دون شك مشكلة تواجهها حماس في قطاع غزة، لا سيما إذا واصلت تلك المجموعات تنفيذ أعمال تخلّ بالأمن، كما وقع في المرات السابقة، وبالطبع في ظل صعوبة الاشتباك مع جيش الاحتلال الذي خرج قبل سنوات من داخل القطاع، وفي ظل وجود السياج الأمني الذي يحول دون خروج المقاتلين إلى الأراضي المحتلة عام 48. وفي هذا السياق يفضل أن تجري حوارات من قبل بعض العلماء المقتدرين مع أولئك الشبان، وذلك لثنيهم عن طريق العنف الأعمى الذي يخدم المحتلين ولا يضرهم.

لن يضير حماس كثيرا قيام تلك المجموعة أو سواها بتنفيذ "عملية كبيرة" تمنحها "وكالة" القاعدة في فلسطين، بشرط أن تكون ضد المحتلين وليس ضد هدف داخلي، مع العلم أن نموذج القاعدة قد فقد الكثير من بريقه خلال العامين الماضيين بعدما جرى في العراق، وفي ظل غياب أي فعل مؤثر ضد الأميركيين مقابل أعمال إشكالية كثيرة في عدد من الدول العربية والغربية (النموذج الأفغاني يحسب في الوعي الشعبي لطالبان وليس للقاعدة).

من الضروري الإشارة هنا إلى الضفة الغربية التي عرفت نماذج مشابهة لا صلة لها بقطاع غزة، لكنها ما لبثت أن اعتقلت، وهي موجودة ولها صدىً داخل السجون، والنتيجة أن العمل هناك ممكن لكنه بالغ الصعوبة في ظل وجود الاحتلال بشكل مباشر، والاختراقات الواسعة في المجتمع الفلسطيني، وفي ظل حرص السلطة على "استتباب الأمن" فضلا عن أن حماس هناك لم تغادر مربع المقاومة، وإن بدا وضعها صعبا بسبب الضربات الرهيبة التي تعرضت لها خلال العامين الماضيين، تحديدا منذ الحسم العسكري في القطاع منتصف 2007.

ما يمكن قوله بناء على ما سبق هو أن تطور هذه الظاهرة سيعتمد على تطور الوضع الفلسطيني برمته، أكان في قطاع غزة، أم الضفة الغربية، مع العلم أن السلفية الجهادية في الساحة الفلسطينية، تقابلها أيضا السلفية التقليدية، لا سيما في الضفة الغربية، حيث تتمتع بتشجيع السلطة نظرا لمطالبتها الناس بطاعة ولي الأمر (محمود عباس) التزاما بعقيدة أهل السنة والجماعة كما يذهبون بقدر كبير من الخفة التي تتجاهل واقع السلطة وواقع الاحتلال في آن.

الأرجح أن الساحة الفلسطينية ستعود إلى نهج المقاومة من جديد، كما عادت من قبل بعد رحلة التيه الأوسلوية (من 93 وحتى 2000)، لكن الزمن الفاصل بين الوضع الحالي وتلك العودة سيسمح بتمدد الظواهر السلفية بطبعتيها الجهادية والتقليدية (الإرجائية بحسب الجهاديين). أما حماس التي قدمت نموذجا رائعا في المقاومة والتضحية والبطولة، وقدمت خيرة قياداتها نماذج للشهادة، فستبقى قادرة على استيعاب الوضع الجديد، لا سيما إذا أعادت تقييم حساباتها بطريقة ذكية وحكيمة، وذلك عبر التأكيد على خطابها الأصيل، وصولا إلى تهيئة الأجواء لموجة مقاومة جديدة في ظل هزيمة الأميركيين في العراق وأفغانستان، والتي ستساهم في حرمان الصهاينة من الفضاء الذي ساعدهم في هجمتهم الشرسة على الفلسطينيين، فضلا عن تطورات عربية وإقليمية ربما صبت في صالح تيار المقاومة والممانعة.