خبر عباس يرث عرفات في انتظار مبادرة أوباما ..بقلم سليم نصار

الساعة 09:12 ص|15 أغسطس 2009

عباس يرث عرفات في انتظار مبادرة أوباما

 

بقلم سليم نصار ـ النهار اللبنانية 15/8/2009

لم يتغير المشهد السياسي الفلسطيني منذ عشرين سنة، سواء في ذلك عهد الزعيم ياسر عرفات وعهد الرئيس محمود عباس.

ففي آخر اجتماع عقده أبو عمار في رام الله (تموز 2004) قام مدير الاستخبارات المصرية اللواء عمر سليمان بجولات مكوكية بين الضفة الغربية وتل أبيب من أجل ملء الفراغ الأمني قبل الانسحاب الاسرائيلي من غزة.

وكانت مصر في حينه قد عرضت على عرفات تدريب قوة من الشرطة بهدف ملء الفراغ الأمني، ولكنها اشترطت قبل ذلك الحصول على وثيقة خطية تفيد بأن الفصائل الفلسطينية توافق على دورها قبل وضع مبادرتها موضع التنفيذ. وفي الوقت ذاته رفضت القاهرة قبول أي دور آخر على أرض غزة.

عقب صدور هذا الموقف عن الحكومة المصرية، اجتمعت في دمشق عشرة فصائل فلسطينية وأصدرت بياناً مشتركاً أعربت فيه عن استهجانها لأي دور أمني يقوم به طرف عربي في غزة. وجاء في البيان: "ان الشعب المجاهد الصابر يتوقع من أمته منطق الدعم والإسناد لا منطق الأمن الذي لا يشكل في نظرنا، مدخلاً مقبولاً للتعامل مع شعب يقاتل دفاعاً عن أرضه".

هذا المشهد السياسي تكرر يوم السبت الماضي في بيت لحم أثناء انعقاد المؤتمر العام السادس لحركة "فتح". فقد انتقده بشدة القيادي البارز في "حماس" الدكتور محمود الزهار، متهماً السلطة الفلسطينية في الضفة باعتقال ألف سجين. وصودف أثناء انعقاد مؤتمر بيت لحم أن أقدم سجين في معتقل جنيد التابع للسلطة الفلسطينية، على الانتحار. واستغلت "حماس" هذا الحادث لتعلن ان الوفاة أتت نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرض له على أيدي أجهزة أمن السلطة.

ومن دمشق أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية خالد مشعل، ان المعادلة السياسية الفلسطينية لا يمكن لها أن تنجح اذا ما استٌبعدت "حماس". وتوقع من الرئيس الاميركي باراك أوباما ممارسة ضغوط مؤثرة على الطرف الاسرائيلي لمنعه من مواصلة تهويد القدس وبناء المستوطنات.

جاء هذا الكلام عقب نشر الرسالة التي وجهها الى البيت الابيض زعيم حركة "شاس"، نائب رئيس الحكومة ايلي يشاي، وفيها يقول "إن مواصلة البناء في القدس والضفة الغربية لا تحتاج الى ضوء أحضر من أميركا". وقد تزامن صدور هذا التصريح مع مشاركة الوزير ايهود باراك في تدشين كنيس داخل الحي الاسلامي الواقع في قلب القدس الشرقية.

وكما يستنجدون في لبنان بالاموات لدعم مواقف الاحياء، هكذا استنجد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالزعيم ياسر عرفات لافتتاح مؤتمر "فتح" السادس. وقد اعتمرت غالبية النواب (أكثر من 2200 نائب) الكوفية التي طبعت على طرف منها صورة المسجد الاقصى، بينما طبعت على الطرف الآخر صورة أبو عمار. وكان لافتاً الحضور المكثف للشتات الفلسطيني الذي تمثل بأعداد ضخمة، وظهر وفد لبنان كواحد من أكبر الوفود المشاركة (150 عضواً)، يليه وفد الاردن ثم مصر وسوريا. كما وصل آخرون من العراق وليبيا واليمن واندونيسيا وكازاخستان والولايات المتحدة وأوروبا. ومن المؤكد ان أكثر من نصف الحاضرين لم يسبق لهم ان زاروا فلسطين. لذلك كانت مفاجآتهم مزدوجة: الوصول الى وطن الحنين، والمشاركة في مؤتمر وصفه محمود عباس بـ"المعجزة". والسبب ان الإعداد له استغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً من أجل الاتصال بالاعضاء واقناعهم بالحضور واستيعابهم في بيت لحم البلدة التي يرئس بلديتها عضو في الجبهة الشعبية المتعاونة مع "حماس"، علماً بأن قدورة فارس (من جماعة مروان البرغوثي) اعترض على مشاركة 500 نائب، إدعى ان "فتح" اختارتهم من أجهزة الأمن من دون انتخاب.

في مطلق الاحوال، يبقى ان أبو مازن نجح في تخطي الصعاب من طريق التساهل مع خصومه. وقد حرص على تجنب الجدل حول الازمة التي أثارها فاروق القدومي الذي اتهم عباس ودحلان بالتآمر مع شارون لتسميم عرفات. ومن المظاهر اللافتة قبل انعقاد المؤتمر  ان "حماس" في قطاع غزة منعت سفر 300 نائب من "فتح"، بينما سمحت اسرائيل لكل أصدقاء "فتح" بتخطي الحواجز. ويذكر ان عباس أرسل قبل شهر الى نتنياهو قائمة كاملة بأسماء المشاركين. وكما اعترض رئيس الحكومة الاسرائيلي على بعض الاسماء مثل محمد غنيم (أبو ماهر) الذي عارض اتفاقات أوسلو ورفض العودة الى الضفة، أصر ابو مازن على دخوله لأنه اختاره نائباً له. كما أصر ايضاً على السماح بدخول زكريا زبيدي المطلوب سابقاً من مخيم جنين للاجئين.

المهم ان نتنياهو ساهم بطريقة غير مباشرة، في وصول هذه الاعداد الضخمة التي قال المراقبون، انها شكلت نواة أكبر مؤتمر في تاريخ "فتح". وكان ابو عمار قد ترأس المؤتمر السابق عام 1989 في تونس بمشاركة 1300 عضو فقط.

التسهيلات اللوجستية والسياسية التي قدمتها الحكومة الاسرائيلية، لم تمنع الرئيس محمود عباس من اعلان خياره الاستراتيجي المتمثل بحل الدولتين لشعبين. ومع ان المؤتمر عقد في ظل الاحتلال، الا ان الخطاب المركزي شدد على المبادىء التالية:

اولاً - تعهدت الحركة بالتمسك بالخيار السياسي وبالمبادرة العربية للسلام التي قدمتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت.

ثانياً - اقامة دولة فلسطينية متواصلة على اساس الرابع من حزيران 1967 عاصمتها القدس الشرقية.

ثالثا – حل عادل ومتفق عليه مع اسرائيل لمشكلة اللاجئين عملاً بقرار الجمعية العمومية رقم 194. بيد ان هذه المبادىء السلمية لم تلغ البدائل الاخرى في حال تعثرت المفاوضات، او رفضت اسرائيل تنفيذها. لذلك، وضع المؤتمر برنامجاً آخر يقول بتجديد الانتفاضة واعلان دولة مستقلة في حدود 1967 من جانب واحد. كما اعلنت "فتح" ايضاً احتفاظها لنفسها بحق القتال بوسائل مشروعة ضد المستوطنين والقوات التي تحميها.

لما سئل محمود عباس عن كيفية الانتقال من اعلان المبادىء الى مرحلة التنفيذ، اعترف بأنه اتفق مع ايهود اولمرت على انشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة يصل بينهما ممر مستقل. وقال ايضا ان اتفاقهما كان يشمل القدس الشرقية والمناطق المنزوعة السلاح التي كانت على الحدود قبل 1967 والبحر الميت ونهر الاردن. ومع ان نتنياهو لا يعترف بالتنازلات التي قدمها سلفه اولمرت، الا انه وعد الرئيس المصري حسني مبارك باحياء الزخم الذي شهدته عملية السلام.

كيف... ومتى؟

يعترف المسؤولون في الادارة الاميركية بأن الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس هو "العراب" الحقيقي لاتفاق سلام يعمل حاليا على بلورته. وقد اقنع نتنياهو بأنه قادر على تحقيقه مثلما فعل مناحيم بيغن في "كمب ديفيد" والرئيس الفرنسي منديس فرانس الذي اخرج بلاده من مستنقع فيتنام وعقد اتفاقا مع الحبيب بورقيبة على استقلال تونس.

وتأكيدا لموافقته على دور بيريس يقول نتنياهو ان الذي يقود عملية السلام هذه المرة، ليس الذي يجلس وراء مقود السيارة (اي هو) بل الذي يجلس وراء مقود القارب (اي شمعون بيريس). والفرق بينهما ان سائق السيارة يجلس في المقعد الامامي، بينما سائق القارب يجلس في الخلف قرب المحرك.وتقضي خطة بيريس بالتوجه نحو اتفاق انتقالي مع الفلسطينيين، لأنهم يفتقرون الى قيادة موحدة قادرة على فرض الحلول الصعبة. واقترح على الرئيس مبارك ان تبادر الجامعة العربية الى طرح مبادرة الحل لأن حكومة نتنياهو لا تتمتع بالصدقية المطلوبة. وعرض في هذا السياق، ان تقوم مصر بمصالحة "حماس" مع "فتح" بدعم من دول عربية اخرى مثل السعودية والاردن والمغرب وتونس والجزائر. ولكن شاؤول موفاز (كاديما) اقترح الاسبوع الماضي خطة لقيام دولة فلسطينية بحدود موقتة، على ان تبقى الكتل الاستيطانية الكبرى تحت سيادة اسرائيل. اما القضايا المعقدة مثل مستقبل القدس ووضع اللاجئين، فقد ارجأ عملية البت بها الى آخر المفاوضات، اي مثلما قضت اتفاقات اوسلو. التعديل النهائي الذي قدمه بيريس للادارة الاميركية اخذ في الاعتبار خلاف "حماس" مع "فتح" حول التسوية النهائية. لذلك ارتأى ان تبدأ المفاوضات تحت شعار اتفاق انتقالي يضم الارقام التالية (80 – 20 – 10)، ومعنى هذا بشروط الحل: اقامة دولة فلسطينية على 80 في المئة من ارض الضفة الغربية، على ان يتم استئجار "الغور" لمدة 20 سنة، شرط الا تزيد مساحة الكتل الاستطانية على 10 في المئة. المعارض الوحيد لهذه التسوية داخل الحكومة الاسرائيلية هو وزير الخارجية ليبرمان، الذي يطالب بحل الدولتين على الطريقة القبرصية، اي بانفصال تام بين الشعبين، مع وضع خطة لتبادل الاراضي. ومن هنا يبدأ السؤال الاهم عن الغاية من عقد مؤتمر "بيت لحم" وثثبيت محمود عباس زعيما شرعيا لقيادة "فتح" في المرحلة المقبلة؟ الغاية كما توخاها عباس تتمحور حول الشريك الفلسطيني الذي ادعى نتنياهو انه غير موجود في ظل الانفصال القائم بين "فتح" و"حماس". ويبدو ان مصر قررت وصل هذا الانفصال في اجتماع الحركتين يوم 25 الجاري، وذلك قبل ان يطرح الرئيس اوباما مبادرته في الخريف المقبل!