خبر ست ملاحظات حول مؤتمر فتح ... زهير أندراوس

الساعة 07:59 ص|14 أغسطس 2009

ست ملاحظات حول مؤتمر فتح 

 زهير أندراوس 

أولاً: في مدينة بيت لحم ولد السيد المسيح عليه السلام، وبعد مرور أكثر من ألفي عام على هذا الحدث التاريخي تتم في مدينة المهد عملية قيصرية لتوليد حركة فتح الجديدة، وتحويل فتح، حركة تحرير فلسطين، إلى حركة تصفية فلسطين.

 

ولكن يجب التأكيد على أنّ العملية الجراحية المعقدة تحاول أن تُخرج إلى حيّز التنفيذ بقرار فلسطيني، مسقطةً كل خيارات التآمر واتهام الآخرين بالمسؤولية عن هذه العملية, علاوة على ذلك، فباعتقادنا فإنّ هذه العملية تعمل على إنتاج جسم مشوه، وللتدليل على ذلك، يكفينا الإشارة في هذا السياق إلى ما فعله رئيس السلطة، محمود عبّاس، عندما أقدم في خطابه الافتتاحي على استبدال الكفاح المسلح بالمقاومة الشعبية التي تنص عليها الشرعية الدولية، على حد تعبيره.

 

وبالتالي نسأل السؤال المنطقي: كيف يمكن تسمية حركة فتح بحركة تحرير فلسطين، ومتى سمعنا عن حركة تحرر وطني تُسقط الكفاح المسلح لطرد الاحتلال؟ الشرعية الدولية، هذا إذا ما زالت شرعية في عالم الغاب، تقول بالحرف الواحد إنّه من حق الشعوب التي تئن تحت نير الاحتلال الغاشم وغير الشرعي أن تقاومه حتى طرده، والمأساة تكمن في أنّه بعد مرور 54 عاماًُ على إطلاق الرصاصة الأولى للثورة الفلسطينية، من قبل هذه الحركة الأصيلة والأصلية، لم نحقق شيئاً.

 

فبدل أن نطرد الاحتلال، بتنا أصدقاء معه، وكلما مرّت الأيام والأسابيع والسنوات والعقود، يزيد هذا الاحتلال من جرائمه، ويُعزز وجوده على الأرض الفلسطينية بشتى الطرق والوسائل، ويكفي في هذه العجّالة التذكير بلصوص الأرض، أي المستوطنين، الذين ما زالوا ينهبون الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وفي القدس العربية المحتلة، بدعم وبتشجيع من حكومات إسرائيل المتعاقبة، وبالتالي يُمكن الجزم أنّ هذه أوّل ثورة في العالم تبدأ بالكفاح المسلح وتنتهي بالمقاومة الشعبية، دون تحقيق أي شيء ملموس أو غير ملموس على أرض الواقع.

 

ثانياً: بعد أن سجّل الشعب العربي الفلسطيني سابقة عالمية، بقيادته "العقلانية والحكيمة والبراغماتية" بأنّه الشعب الأوّل وربما الأخير، الذي لا يملك دولة، ولكنه يتمتع بحكومتين، واحدة في غزة والثانية في رام الله، جاء مؤتمر فتح السادس، الذي انعقد بعد مرور عشرين عاماً "فقط"!على المؤتمر الخامس بهدف تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ وتكريس المكرس, ولا نبالغ البتة في القول إنّ المؤتمر على كل سلبياته قسّم الشعب الفلسطيني إلى غزة والضفة والمخيمات والأسرى والشهداء والجرحى، واختزل بشكلٍ فظٍ وصلفٍ الفلسطينيين المرابطين على أرضهم، أو من يسمون بعرب الداخل أو بفلسطينيي الـ48.

 

مضافاً إلى ذلك، وجّه المؤتمر رسالة إلى العالم بأنّ حركة فتح، هي حزب سلطة لا أكثر ولا أقّل، تسير وفق أجندة مرسومة مسبقاً بالتنسيق مع الإسرائيليين والأميركيين، أما بالنسبة للديمقراطية التي تفاخر وتباهى بها السيد عبّاس في خطابه، الذي احتوى على 6290 كلمة، واستمر زهاء الساعتين ونصف الساعة، فحدّث ولا حرج: تميّزت جلسات المؤتمر بتلاسنات حادة بين الأعضاء حول المشاكل التي تراكمت على مدار عقدين من الزمن والتي لم تخل من الشخصنة والعمل على عقد الصفقات لانتخاب فلان في المجلس الثوري، وعلان في اللجنة المركزية، ووصل الأمر بالحرس الرئاسي، بأوامر من الرئيس المنتهية صلاحياته عبّاس، منذ التاسع من شهر يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، إلى الاعتداء بالضرب المُبّرح على عدد من الأعضاء الذين تجرؤوا على طرح رأيهم، ونذكر منهم توفيق الطيراوي، مدير الاستخبارات العسكرية السابق في السلطة العبّاسية (المصدر "حصاد اليوم" فضائية الجزيرة 5/8/2009).

 

ثالثاً: لا نريد أن نتجنى على أحد من كوادر فتح، الذين دخلوا إلى مناطق سلطة رام الله المنقوصة بتصاريح إسرائيلية، بعد فحص مدقق من قبل جهاز الأمن العام (الشاباك) ولا نزايد عليهم، فالعديدون منهم قدّموا للثورة الفلسطينية، عندما كانت ثورة، الغالي والنفيس، وهذه الحركة تضم الآلاف من الشرفاء والوطنيين الذين ضحوا وما زالوا من أجل تحقيق المطالب الوطنية العادلة للشعب الفلسطيني، ولكن بالمقابل لا يمكننا التغاضي عن التصريحات الصادرة من أقطاب الدولة العبرية بأنّ سلطات الاحتلال، من المستويين الأمني والسياسي، عملت كل ما في وسعها من أجل إنجاح مؤتمر فتح السادس في بيت لحم المحتلة.

 

وبالمقابل نُذّكر ونستذكر باستقامة فكرية وشفافية وموضوعية بأنّ الشهيد أبو علي مصطفى، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عاد إلى بلاده وأرضه ووطنه أيضاً بتصريح من الإسرائيليين، ولكنّ الاحتلال سمح له بالعودة إلى الوطن ونصب له كميناً مبيتاً، فقد أمر وزير الحرب آنذاك (أغسطس/ آب 2002) بنيامين بن إليعازر، جيش الاحتلال باغتياله بصورة بشعة، حيث قامت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي بقصف مكتبه في رام الله بثلاثة صواريخ، الأمر الذي أدى إلى استشهاده على الفور، وهذا هو الفرق البسيط بين من يمكن تسميتهم بالمرضي عنهم من قبل الدولة العبرية وزبانيتها من "الفلسطينيين الجدد" وبين المقاومين الحقيقيين، الذين آمنوا حتى أخر يوم من حياتهم بأنّ الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير الأرض والإنسان وإقامة الدولة الفلسطينية العلمانية والديمقراطية.

 

رابعاً: خلال خطابه قال السيّد عبّاس:"من المحطات الهامة أيضا الحقبة التونسية، التي كان من ثمارها الاستفادة من تجربة الأشقاء في هذا البلد العزيز، حيث المدرسة الواقعية، مدرسة الحبيب بورقيبة وخلفه زين العابدين بن علي". نعم، تعلّمنا من الزعيمين التونسيين الكثير، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، تعّلمنا مثلاً من الرئيس بن علي كيفية وآلية تحويل الدولة إلى ما يشبه عزبة خاصة به، فقد قام فخامته بتغيير الدستور لكي يسمح لنفسه بأن يفوز مرّة أخرى بالرئاسة، لأنّ الانتخابات في العالم العربي هي لعبة تزييف مكشوفة، وهناك بعض الشعوب العربية التي ما زالت لا تعرف صناديق الاقتراع، بسبب وباء الدكتاتورية الذي "يقتل" عشرات الملايين من أبناء الأمّة العربية باسم "الديموكتاتورية" المستوردة من الغرب.

 

أما عن واقعية بورقيبة، فلا نعرف ماذا أضفت على الشعب الفلسطيني؟ هل الواقعية السياسية هي أجراء المفاوضات مع الاحتلال للحصول على دولة وتحقيق حلم الشعب الفلسطيني بحقه في تقرير مصيره؟ أم أنّ مدرسة الواقعية السياسية تعني القضاء على كل أشكال المقاومة المسلحة ونعت صواريخ المقاومة بالعبثية؟ أم أنّ الواقعية السياسية هي التعويل على رأس الإمبريالية، الولايات المتحدة الأميركية وسياساتها، فأوباما، وفق عبّاس، أكّد على أنّ الحل سيكون مبنياً على إقامة دولتين، واحدة للإسرائيليين والأخرى للفلسطينيين، ولكنّ عباس الذي يعتقد بأنّه محنك تناسى عمداً تذكير الشعب الفلسطيني بأنّ الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، كان قد طرح هذه المعادلة، إذن ما الجديد في سياسة الإدارة الحالية؟ هذه الإدارة التي اكتفت بالإعراب عن أسفها بعد قيام الاحتلال بطرد عائلتين مقدسيتين هذا الأسبوع من حي الشيخ جراح في القدس المحتلة وتوطين غلاة المستوطنين مكانهما، في إطار سياسة التطهير العرقي الذي تنتهجه إسرائيل في القدس العربية.

 

خامساً: السيّد عباس ذكر النكبة واستذكر النكسة، ولكنّه نسي عن سبق الإصرار والترصد الاعتراف بأنّ اتفاق أوسلو الذي أشرف، هو وعدد من المحيطين به، على هندسته جلب الويلات للشعب الفلسطيني، ونسي أن يقول إنّ هذا الاتفاق يجمع في طياته النكبة والنكسة سويةً، كما أغفل عن القول إنّ المفاوضات السرية التي جرت مع الإسرائيليين للتوصل إلى ذلك الاتفاق تمّت من وراء ظهر الزعماء العرب، الذين أغدق عليهم المديح في خطابه "التاريخي".

 

كان حرياً به أن يُعلن رسمياً عن انتقال اتفاق أوسلو إلى جوار ربه وهو في الـ16 ربيعاً، ولكنّه أثر ذكر خطة السلام الأميركية المسماة بخريطة الطريق، متفاخراً ومتباهياً بأنّ الطرف الفلسطيني قطع شوطاً طويلاًُ في تنفيذ بنود الخطة، وللاستفادة فقط نورد هنا أنّ البند الأوّل من هذه الخريطة يقول بالحرف الواحد إنّ سلطة أوسلو مُلزمة بالقضاء على "الإرهاب الفلسطيني"، ربما هذا يُفسّر سر اعتقال المقاومين والمجاهدين في سجون السلطة وتعذيبهم بطرق المخابرات الإسرائيلية حتى الموت، وربما الالتزام ببنود الخريطة دفعت عبّاس إلى رفض إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين من حركة حماس من سجون السلطة لتمكين كوادر فتح من غزة من الوصول إلى المؤتمر.

 

سادساً: في خطابه تعمد رئيس السلطة عدم ذكر الفلسطينيين في مناطق الـ48 كجزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني، وهذا الموقف الخطير يؤكد ما كنّا قد قلناه بأنّ عبّاس يعتبرنا هنا في مناطق الـ48 (عرب إسرائيل)، وبرأيه فإنّ مواقفنا المتشجنة تعود سلباً على حل القضية الفلسطينية، هذا الموقف الخطير يتماشى باعتقادنا المتواضع جداً مع الموقف الإسرائيلي الرسمي الذي يرى بنا مجموعة من القبائل والحمائل والطوائف والمذاهب.

 

عملياً، أعلن عبّاس على مرأى ومسمع الجميع، بما في ذلك النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي، الذين شاركوا في الاجتماع الافتتاحي (محمد بركة، طلب الصانع وأحمد الطيبي)، الطلاق الرسمي من الفلسطينيين في الداخل، وهذا هو المكان وهذا هو الزمان للقول الفصل: يجب تذكير من نسي أو تناسى أنّ الحركة الوطنية الفلسطينية، وتحديداً منظمة التحرير الفلسطينية، منذ اتفاق أوسلو المنقوص وغير القابل للحياة، تبنت إستراتيجية خاطئة مفادها أنّه يتحتم على الفلسطينيين في إسرائيل أن يوافقوا على كل اتفاق تتوصل إليه مع الدولة العبرية.

 

وهكذا كان اتفاق أوسلو، حيث تمّ استثناؤهم واستثناء اللاجئين من المعادلة الفلسطينية، وأكبر مثال على تهميش فلسطيني الداخل من الحل، هو موافقة مهندسي أوسلو على الشرط الإسرائيلي القاضي بعدم إطلاق سراح الأسرى السياسيين من عرب الداخل باعتبارهم، وفق مفهوم أقطاب الدولة العبرية، من المواطنين الذين خانوا دولتهم وقدّموا المساعدة للعدو، الذي تحّول إلى صديق، في أثناء الحرب.

مضافاً إلى ذلك: حتى هذه اللحظة ما زال الفلسطينيون في مناطق الـ48 في حالة تهميش كاملة بالنسبة للحل الأمثل للقضية الفلسطينية، وذلك نابع فيما نابع، من تقصير مؤسف لبعض القيادات العربية في الداخل، التي نأت بنفسها، لأسباب موضوعية أو ذاتية، عن المشاركة في صنع القرار الفلسطيني، على الرغم من أنّ فلسطينيي الداخل هم أيضاً ضحايا النكبة، وبالتالي على الأحزاب والفعاليات السياسية في الداخل أن تطور مفهوم المشاركة في تصور حل القضية الفلسطينية.

 

ونحن نرد على اختزالنا من المعادلة ونؤكد للسيد عبّاس ولحركة فتح وللعرب والعجم، أننّا لسنا بحاجة إلى شهادات انتماء ولسنا بحاجة إلى صكوك غفران من كائن من كان لنواصل الانتماء إلى الأمّة العربية وإلى الشعب الفلسطيني، ونؤكد لكل من يريد أن يسمع على أننّا ولدنا في فلسطين وسنبقى متشبثين بالانتماء إلى شعبنا ولن نتحوّل إلى عرب إسرائيل، ولن نوافق ضمناً على أيّة اتفاقية تُوّقعها فتح، أو السلطة المنقوصة أو منظمة التحرير، ولسنا الرقم المضمون في المعادلة، كما جرت العادة، لأننّا من رحم هذا الشعب خرجنا إلى النور.

 

الخاتمة: وبما أنّ السيد عبّاس ذكر الرئيس الخالد، طيّب الذكر، جمال عبد الناصر في خطابه، لا ضير في أن نلفت انتباهه إلى مقولة عبد الناصر المأثورة "إنّ الشعوب التي تساوم المستعمر على حريتها، تُوقّع في نفس الوقت على وثيقة عبوديتها".