خبر دلالات سقوط « العبرية » في إسرائيل ..صالح النعامي

الساعة 04:40 م|13 أغسطس 2009

دلالات سقوط "العبرية" في إسرائيل ..صالح النعامي

تُعدُّ اللغة إحدى أهم الحاضنين لمركبات الهُوية الثقافية لأي أمةٍ أو شعب، وعندما تفشل اللغة في القيام بهذه المهمة، فإنها تفقد أهم مسوغات وُجودها.

 

وَهُنَاك الكثير من المؤشرات على أن اللغة العبرية التي تم إحياؤها أواخر القرن التاسع عشر لتكون إحدى أدوات البعث اليهودي في العصر الحديث قد فشلت في احتضان المركبات الثقافية للقطاعات العرقية التي يتشكل منها المجتمع الصهيوني في إسرائيل.

 

فاليهود الروس على سبيل المثال يشكلون أكبر قطاع إثني في الدولة العبرية، وهم يمثلون 20% من مجموع المستوطنين اليهود، ومع أنهم يمثلون كل هذا الثقل الديموغرافي.

 

وعلى الرغم من أنه قد مضى وقت طويل على وجودهم في إسرائيل، إلا أن أغلبيتهم الساحقة لا تزال تتداول اللغة الروسية، ومعظم هؤلاء لا يجيدون اللغة العبرية، ولا يبذلون جهدًا يُذْكَر لإتقانها.

 

ليس هذا فحسب، بل إن مظاهر التنافر بين هؤلاء، وبين "الثقافة الإسرائيلية"، حادًا وقاطعًا.

 

وعلى مدى العقود الثلاث الماضية أقام المهاجرون الروس الكثير من الإذاعات وقنوات الكوابل التلفزيونية الناطقة باللغة الروسية فقط، إلى جانب حرص ممثلي الروس في الحكومة والبرلمان على إرغام وزارة الداخلية على السماح لمطربين روس على القدوم لإسرائيل من أجل إحياء حفلات غناء في مسارح ونواد ليلية روادها من الروس فقط.

 

في نفس الوقت حرص ممثلو اليهود الروس على تشجيع ظهور مطربين ومطربات من أوساط اليهود الروس يغنون باللغة الروسية، أو باللغات التي يتحدث المهاجرين من الجمهوريات الأخرى التي كانت تشكل الإتحاد السوفيتي.

 

وقد وصل الأمر إلى حد تنازل الدولة عن دمج الروس في الثقافة الإسرائيلية، حيث استطاعت القيادات السياسية لليهود الروس إقناع الدولة تخصيص ميزانيات كبيرة نسبيًّا لدعم المؤسسات التي تُعنى بالغناء الروسي.

 

على الرغم من أن ذلك يمثل ضربة لقادة الحركة الصهيونية الذين حلموا أن تكون اللغة العبرية فقط هي حاضنة مركبات الثقافة في الدولة.

 

ووجد كبار قادة الدولة والسياسيون أنفسهم مرغمين على تملق المنتمين للتجمعات الإثنية المختلفة من أجل كسب تأييدهم السياسي عبر تشجيع الغناء بلغات البلدان التي هاجر منها هؤلاء.

 

ولازال الكثيرون يذكرون حرص رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون في إحدى الحملات الانتخابية على مشاركة أطفال روس أداء أغنية باللغة الروسية، مع العلم أن ما يقوم به الساسة تجاه الروس، يقومون به تجاه المنتمين للأقليات الإثنية الأخرى.

 

ويجمع الخبراء في مجال الثقافة على أن إسرائيل لا تملك سياسة ثقافية، منوهين إلى هناك ثلاث ثقافات تنشط في الكيان الصهيوني، ما يفرقها أكثر بكثير مما يوحدها.

 

فهناك الثقافة العبرية الغربية بشقيها: العلماني، المتأثر بالثقافة الأوربية والأمريكية، والديني الأشكنازي.

 

وهناك الثقافة الشرقية العبرية العربية، وهي ثقافة اليهود الذين هاجروا من الدول العربية والإسلامية، وهي أيضًا منقسمة إلى دينية وعلمانية.

 

والثقافة الروسية، وهي ليست عبرية ولا يهودية، بل ثقافة روسية صرفة.

 

وفي استطلاع نشر في إسرائيل حول أكثر الكتاب قراءة لدى اليهود الروس، تبين أن دستويفسكي، وتولوتسي، وبوشكين، هم أكثر الكتاب جذبًا لهؤلاء اليهود رغم أنهم ليسوا يهودًا، ولا يقيمون في إسرائيل.

 

وتجدر الإشارة إلى أن مؤسسي الكيان الصهيوني كانوا يحرصون على الطابع الغربي للثقافة الإسرائيلية، فقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول دفيد بن غوريون يفاخر قائلا: "إن إسرائيل هي امتداد الحضارة العلمانية الغربية وسط الشرق المتخلف".

 

وحرص صناع القرار في إسرائيل على تسخير الطاقات من أجل تغليب الطابع الغربي للثقافة الإسرائيلية، لكن هذا الطابع من الثقافة ظل نخبويًّا إلى حد كبير.

 

وعلى مدى أكثر من ستة عقود عمل قادة الحركة الصهيونية، وزعماء إسرائيل دوما وبكل ما أوتوا من قوة على جعل الدولة العبرية بمثابة "البوتقة"، التي تنصهر فيها الثقافات المختلفة التي انتمى إليها اليهود قبل هجرتهم لإسرائيل .

 

ليكون نتاج عملية الانصهار هذه "الثقافة الإسرائيلية"، التي طمحوا أن تساهم في بلورة شخصية اليهودي "الإسرائيلي".

 

لكن الواقع يؤكد أن الكيان الصهيوني لم يفشل فقط في "صهر" الثقافات المتباينة للمهاجرين"، ودمجها لإنتاج "الثقافة الإسرائيلية"، بل إن القائمين على الشأن الثقافي في الدولة العبرية باتوا  يدركون أن توحيد الهُوية الثقافية بين اليهود كان أمرًا مستحيلاً بسبب التباين الكبير بين القطاعات الإثنية التي تشكل المجتمع الإسرائيلي.

 

اللافت للنظر أن الفئات التي تنأى عن الثقافة العبرية الإسرائيلية، هي في الغالب ذات توجهات يمينية ونزعة شوفينية، خصوصًا الروس والشرقيين، وبالتالي لا يمكن اتهام هذه الفئات بالتقصير في تحقيق أهداف الحركة الصهيونية .

 

فعلى سبيل المثال يتزعم وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أحد أكثر الأحزاب الإسرائيلية تطرفًا، ومع ذلك فإن ليبرمان لا يجيد اللغة العبرية بشكل تام.

 

فعلى الرغم من أنه قد مضى على وجوده في إسرائيل أكثر من ثلاثة عقود إلا أن ليبرمان لا يتمكن من إضافة "أل" التعريف باللغة على العبرية على أي كلمة يقولها.

 

من هنا فإن عجز اللغة العبرية على استيعاب ثقافات معظم اليهود الذين هاجروا للكيان الصهيوني، إنما يدحض مزاعم الصهاينة بأن هناك "قومية يهودية"، وهي المزاعم التي على أساسها تدعي الحركة الصهيونية أن لها الحق في إقامة "وطن قومي لليهود".

 

ولقد استوعب هذه الحقيقة العديد من كبار الباحثين في الدولة العبرية، فأستاذ علم الاجتماع الإسرائيلي باروخ كيلمبرغ يعتبر أن تعدد الثقافات الإثنية – كما يعكس ذلك واقع الغناء في الدولة- لا يمثل تعددية ثقافية، بقدر ما يعني زيف ادعاء الحركة الصهيونية بوجود شيء اسمه "قومية يهودية".