خبر طرائف وحَكايا وقَصص.. كيف قضى عناصر الإعلام المقاوم ليالي الحرب العصيبة على غزة!!

الساعة 08:53 ص|11 أغسطس 2009

طرائف وحَكايا وقَصص.. كيف قضى عناصر الإعلام المقاوم ليالي الحرب العصيبة على غزة!!

فلسطين اليوم - محمود أبو عواد

عاشت غزة منذ نحو ثمانية شهور حرباً صهيونية همجية طالت كافة مرافق الحياة بالقطاع، وكان لليالي الحرب تلك قَصصٌ وحَكايا كثيرة انتشرت بين الناس هنا وهناك.فلم تكد تضع الحرب أوزارها حتى أثيرت تلك القَصص وانتشرت حَكايا وخفايا الحرب بين المواطنين، فهذا يسرد قصة حزينة حصلت معه، وآخر يسرد حكاية ملؤها مغامرات انتهت إما بفقدان عزيزٍ أو صديق، وإما بطرائف مختلفة رغُماً عن الظروف المحيطة بحالة الحرب.

 

وبالرغم من مرور تلك الفترة الطويلة لا زالت خبايا الحرب تتكشف ممن كانوا على واجهة الحرب من السياسيين والمقاتلين وعناصر الإعلام المقاوم الذين كانت لهم تجربة خاصة للتعامل مع أحداث الحرب وكانوا مُعرضين خلال فترة الحرب للاستهداف كغيرهم من أبناء القطاع.

 

فلم تخلُ أيام وليالي الحرب الطويلة على غزة رغم قسوة همجيتها باستهداف المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن، من أن تسجل القصص الحزينة والحكايا الكثيرة والطرائف العابرة حضورها بين جنبات حياة من هم كانوا معرضين للقصف والاستهداف في أي وقت.

 

عناصر الإعلام المقاوم التابع لمختلف الأجنحة العسكرية كان لهم دورهم الخاص في مجابهة ومقاومة العدوان، فكانت تحدث خلال مزاولة مهامهم عشرات القصص والحكايا والطرائف التي حصدتها حياة الحرب بين من يقاومون الاحتلال على طريقتهم الخاصة، فكان لنا لقاء شيق مع من عاش منهم لحظات الحرب لحظة بلحظة بين سنديان الهمجية الصهيونية بقسوة العدوان ومطرقة الحرب بمواقف الحياة المختلفة بطرائفها وصعوبتها.

 

عملية القصف الجوى

في أولى ساعات صباح السابع والعشرين من ديسمبر 2008، كان مرابطو الأجنحة العسكرية يغادرون ساحات الرباط ليتركوا المهام لوحدات الرصد الخاصة، وفي وقت آخر من صباح ذات اليوم كان قيادات العمل السياسي يخرجون لمزاولة مهامهم في مكاتبهم، وفيما كان المواطنون منشغلين بأعمالهم وأشغالهم وهموم الحياة، كان عناصر الإعلام المقاوم يتابعون عن كثب الأخبار والتصريحات المختلفة ما بين السياسة وبين الميدان، وفي غمرة تلك الساعات شنت الطائرات الحربية الصهيونية هجوماً عنيفاً على مواقع مختلفة تابعة للحكومة بغزة ومقرات لوزارات مدنية ومبانٍ لمكاتب الفصائل المختلفة؛ فدخلت غزة بحالة الهلع والخوف والرهبة في بداية الدقائق الأولى دون أن يعرف أياً كان ما كان يدور.

 

وبعد وقت قصير تكشفت الأمور رويداً – رويداً، وأصدرت الفصائل الفلسطينية لعناصرها أوامراً بإخلاء مقرات مؤسساتها المختلفة ومواقعها العسكرية البسيطة في المحررات وغيرها، وبعد ساعات من امتصاص الضربة الأولى من عملية القصف الجوي التي أودت بحياة عشرات الشهداء والجرحى في لحظات بسيطة، بدأت المؤسسات المختلفة للفصائل تزاول عملها مباشرة بطرق مختلفة.

 

فالقادة السياسيون للفصائل اخذوا كل الاحتياطات الأمنية، وخلال ساعتين لم يتمكن أي إعلامي بالتواصل مع أيٍّ منهم، فيما أخذ القيادات العسكرية مواقعهم المناسبة لدراسة الوضع وسبل الرد على العدوان الصهيوني الذي تصاعد بوتيرة غير مسبوقة؛ وفي زحمة تلك الأحداث المتتابعة بدأت أولي خطوات صعوبة العمل الإعلامي المقاوم في ظل انقطاع تام لعمليات الاتصال التي تضررت شبكاتها سريعاً في خضم سرعة الضربات التي كانت تهز غزة وانقطاع التيار الكهربائي من جهة أخرى.

يقول "أبو محمد" أحد عناصر المكتب الإعلامي العام لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي "أثناء مزاولتنا للعمل بشكل اعتيادي سمعنا دوي انفجارات ضخمة جداً هزت المباني والمنازل بشكل غير اعتيادي، وبدأنا عبر النوافذ نحاول معرفة ما يدور ونتابع عبر الأجهزة اللاسلكية مع الإخوة المتخصصين في الميدان إلا أن الجميع لم يكن يعرف ما يدور ولم تمر سوى خمس دقائق حتى بدأنا نعرف أن ما حصل إنما هو قصف لمواقع عسكرية تابعة للحكومة بغزة في مختلف مناطق القطاع، فغادر جميع الإخوة العاملين بالمكتب فوراً بسبب تواصل التحليق المكثف للطيران الحربي خوفاً من استهدافه، وبدأنا نسير في الشوارع ونحاول اختصار الطرق باستخدام شوارع فرعية لتجنب أي عيون تلاحقنا، حيث أن الشوارع كانت مليئة بالناس التي تحاول العودة لمنازلها وآخرون يحاولون الوصول لأبنائهم في أعمالهم وأطفالهم في المدارس، فكنا نتخوف أيضاً من عيون العملاء".

 

ويتابع "وأثناء سيرنا المتواصل بالشوارع، كنا نتابع الأخبار عبر اللاسلكي، وفي ذات الوقت حاول كلٌ منا الاتصال بذويه ليطمئن عليهم من جهة ويُطمئنهم على نفسه من جهة أخرى، فلم نجد أي جهة اتصال تعمل وتفاجئنا تماماً أن شبكة الاتصالات توقفت بشكل تام، وأثناء مواصلتنا السير تم رفع آذان صلاة الظهر، وأدينا الصلاة في أحد المساجد، وخرجنا من الصلاة وعدنا إلي المكتب وبدأنا نستأنف عملنا بشكل حذر بالمكان".

 

ويواصل "ومع مرور الساعات الطويلة وتصاعد وتيرة الهجوم على المواقع المختلفة ورغم صعوبة ظروف تواجدنا بالمكان، وحالة القلق التي كنا نعيشها على ذوينا، إلا أننا تمكنا من إيجاد وسائل بديلة لعملية انقطاع التيار الكهربائي وشبكة الاتصال الخليوية وبدأنا في مزاولة مهامنا وتمكنا بحمد الله من تشكيل غرفة طوارئ داخل المكتب وكنا نعمل بشكل خلية نحل مقسمة المهام بين العناصر المختلفة"

 

ويضيف هنا "أبو مالك" "قسمنا المهام بين عناصر المكتب، هذا يسجل المواد التي تبثها الفضائيات، وذاك يكتب البيانات ويرسلها آخر, فيما كانت تصاغ التصريحات من قبل الأخ "أبو أحمد" الناطق باسم السرايا ويتم توزيعها مباشرة، فيستلم مهام التوزيع عنصرين إحداهما يرسله عبر الفاكس وآخر عبر الإيميلات".

 

ويتابع "كما تم تخصيص هاتف أرضي للتواصل مع الصحفيين، وتخصيص آلية أخرى للتواصل مع القيادات الميدانية التي كانت تشرف مباشرة على العمل العسكري في أرض الميدان وكان يقتصر في بداياته على قصف المواقع العسكرية والمغتصبات والمدن المحيطة بالقطاع".

 

ليالي عصيبة

عملية القصف الجوي التي لم تتوقف ليل- نهار، كانت تمر عصيبة على عناصر المكاتب الإعلامية لفصائل المقاومة، فكانوا بالنهار يمارسون أعمالهم بشكل اعتيادي، ويسهرون الليالي على أصوات القصف وأزيز الطائرات، فيفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء ليناموا من ساعتين إلي ثلاث يومياً.

 

يقول "أبو حفص": "تكون ساعات النهار أفضل من الليل، فالنهار بالنسبة لنا وللمواطنين كان آمن أكثر من الليل لسهولة التحرك وانشغالنا بالعمل الذي كان مقسماً بيننا، بينما في الليل كانت تمر الساعات طويلة وعصيبة، ونسهر ساعات طويلة تصل لساعات الفجر ولا نستطيع أن ننام إلا بعد ساعات طويلة نحاول خلالها الاتصال بالأهل والاطمئنان عليهم ومتابعة الأخبار عبر التلفاز وغيره، ونتحدث ونتسامر.. وتقع بيننا قصصٌ طريفة".

ويضيف "في إحدى الليالي وبعد أن صلينا العشاء وسهرنا قليلاً وتناولنا طعام العشاء قرر اثنان من إخواننا النوم وذهبا لغرفة الصلاة للنوم هناك، وناما على السجادة "الحصيرة"، ولم يقتصر نومهما على أكثر من عشرة دقائق حتى اهتزت المنطقة بأكملها نتيجة قصف أحد المقرات الأمنية القريبة من المكان ومع شدة القصف وهوله وقوة اهتزاز المبني الذي كنا به مع شدة الضربة فزعا من نومهما وخرجا من الغرفة حتى كانا يتوقعان أن القصف طال المبني الذي كنا به متواجدين، ومع هول المنظر ومشهد خروجهم من الغرفة أخذنا بالضحك قليلاً ورفضا النوم وسهرنا ليلة طويلة بين تخيل المنظر ذاته وحالة الرعب التي سادت المنطقة مع استمرار عمليات القصف".

 

التوغل البري

الحياة بين عدد من الشباب في مكان واحد لا يمكن التحرك خارجه بسهولة أو حتى أن تقف على نوافذه لمشاهدة ما يدور بالخارج في ظل ظروف صعبة كالحرب على غزة، لا بد وأن تخلو الأوقات الطويلة التي تمر وكأنك تعيش بزنزانة من المواقف الكثيرة، والتي كانت تزداد مع بدء عملية التوغل البري ضد غزة.

 

يقول "أبو عبد الله" من المكتب الإعلامي العام للسرايا "كانت للحرب البرية جواً خاصاً من المواقف التي حصلت بين الإخوة في المكتب، فمع بدء العمليات البرية كانت المقاومة تزداد شراسة، وانتقلت مرحلة العمل في الميدان من إطلاق الصواريخ والإعلان عن تبنيها من قبلنا إلي العمل الميداني من تفجير العبوات وإطلاق القذائف المضادة للدروع بمختلف أنواعها وغيرها، فأصبح العمل أكثر قوة وأصعب من ذي قبل من حيث وجود العمليات البرية في أكثر من منطقة فاشتدت العمليات في الميدان وترافق معه تصاعد وتيرة إصدار البيانات المختلفة عن تبني العمليات فأصبح هناك ضغطاً مأهولاً على الإخوة وبات العمل منقسم بحيث يقوم اثنان من الإخوة  بطباعة البيانات على جهازي كمبيوتر وكان آخرون للمتابعة والتسجيل ما تبثه الفضائيات وتوفير فاكس وهاتف أرضي للتواصل مع الصحفيين في أي جديد من مقابلات أو إصدار البيانات".

 

ويضيف "منذ الوهلة الأولى لبداية الحرب وفي ظل انقطاع تام للكهرباء تمكنا من توفير مستلزماتنا من مشغل الكهرباء "ماتور" وتوفير كميات ضخمة من السولار تكفينا لفترة طويلة، حيث كنا نتوقع أن تطول الحرب وبحمد الله لم نتوقف لحظة عن العمل بالرغم من صعوبة ظروف الحرب والمكان الذي كنا نتواجد به وكانت تطال مناطق مجاورة للمبني عمليات قصف مستمرة، فكنا خلية نحل بكل ما تعني الكلمة من معني وتمكنا من أن نحقق توازن إعلامي أمام روايات العدو الصهيوني برغم الإمكانيات المتوفرة إعلامياً لنا كفلسطينيين إلا أن الإعلام المقاوم بشكل عام حقق إنجازات على الأرض كشف خلالها زيف الجريمة الصهيونية بحق أبناء شعبنا وقوة المقاومة في التصدي للهجمة العسكرية".

 

مقابلة تلفزيونية مصورة أولى

ويتابع "أبو عبد الله": "في إحدى الليالي طلب مراسل قناة روسيا اليوم في غزة إجراء مقابلة مع الناطق باسم سرايا القدس، وتصوير لقاء مع المقاتلين في الميدان، وبالفعل بالرغم من الاستهدافات والقصف والوضع الذي كان صعباً في أرض غزة تمكنا من تأمين سيارة خاصة للمراسل والمصور فقط وقد قام اثنان من الإخوة بأخذهم إلي أماكن المرابطين بعد التنسيق مع أحد القيادات الميدانية وتم إجراء مقابلات مع مقاتلين كانوا مرابطين قرب إحدى النقاط القريبة جداً من العمليات العسكرية شرق غزة، وقد نزل المراسل إلي مقاتلين آخرين كانوا يرابطون داخل أحد الخنادق في أحد الأماكن القريبة، ومن ثم تم نقل المراسل والمصور لأحد الأماكن المجهولة لمقابلة الأخ "أبو أحمد" الناطق باسم سرايا القدس وتم إجراء اللقاء في ظروف صعبة للغاية لا يمكن التحدث عنها بسهولة لحظة بلحظة وتم إخراج التقرير خلال عملية الحرب في ما يزيد عن 7  دقائق".

 

ويواصل "كما كانت الفضائيات تعتمد كثيراً على معلومات الناطقين باسم الأجنحة العسكرية حول تمركز قوات الاحتلال وتواجدها، وكثيراً ما كنا نتلقى في المكتب الإعلامي اتصالات متتالية من الفضائيات، ويخرج الأخ "أبو أحمد" بشكل مستمر متنقلاً بين الفضائيات المختلفة، وكان أحد الإخوة متواصلاً بشكل مكوكي مع الفضائيات سواء في الداخل أو الخارج لإبراز أخبار عمليات التصدي التي كانت تقوم بها سرايا القدس في المناطق المختلفة وتمكن بمساعدة الإخوة إلي جانبه من إبراز اسم وقوة المقاومة مقابل همجية العدوان والمجازر التي كان يرتكبها".

 

مواقف سريعة

وعن أبرز المواقف التي حصلت بين عناصر المكتب يقول "أبو عبد الله": "في ذات المرات انتقلنا من مبني لآخر قريب منه في ساعات الليل، ولم يكن في الشوارع أيٌّ من المواطنين، وأثناء تنقلنا أوقفنا عناصر من الأمن الداخلي فأبرز أحدنا بطاقة خاصة، ومضينا بطريقنا، وأوقفنا أكثر من شخص وكان أخونا يبرز في كل مرة البطاقة، فاقترح أحد الإخوة مازحاً أن يأتي بلافتة طويلة ويكتب عليها بخط عريض (خلص بكفي احنا سرايا) فأخذ الجميع بالضحك بشكل مسموع جداً فعدد من المواطنين فتحوا نوافذ منازلهم ليروا ما يحصل تحت فأخذنا بالركض قليلاً إلى جانب الطريق حتى وصلنا المكان".

 

وعند حديث "أبو عبد الله"، تدخل "أبو مالك" وذكر موقفاً آخر "ففي نهاية أيام عمليات التوغل البري، هممنا بالنوم في تمام الساعة 3 فجراً، فأيقظنا أحد الإخوة لأداء صلاة الفجر، وبعد أن أدينا فريضة الصلاة، ولدى عودتنا لمحاولة النوم قليلاً سمعنا دوي انفجارات ضخمة وقريبة من المكان الذي كنا نتواجد به، فإذا بالأخ ذاته يقول (اقفوا انروح هيهم بدوا ينسحبوا) فصدقنا ذلك وإذا بنا نجري اتصالات مع إخوة في الميدان فإذا بهم يقولون أنهم اقتربوا أكثر في المناطق الغربية لغزة، فقام أحد الإخوة بتشغيل التلفاز، فإذ بنا نسمع أحد المحللين العسكريين على إحدى القنوات الفضائية الهامة عندما قال بصراحة أن إسرائيل تحاول الوصول لمقر السرايا وسط غزة في محاولة لإثبات أنها تمكنت من الوصول لعمق غزة، فأحد الإخوة قام مسرعاً وقال مازحاً (يلا نطلع من هان بلاش ياخذونا على سجن مجدو)؛ وفعلاً خرجنا لمكان آمن آخر وفي ساعات نهار ذات اليوم تم قصف إحدى الشقق في المبني الذي كان فيه وقت عملية القصف الناطق باسم السرايا ولم يمسسه سوء، ولم نعد أبداً للمكان".

 

وفي موقف آخر يقول "أبو محمد": "في أحد الأيام وبعد أدائنا لصلاة الفجر نزلت أنا وأخ آخر وتوجهنا باتجاه أحد المخابز القريبة لشراء ما يكفينا من الخبز، فعندما وصلنا بعد سير مسافة طويلة إذ بنا نجده مغلق ويضع لافتة بعدم وجود الطحين لديه، فتوجهنا إلي مخبز آخر قريب، فإذا بنا نجد طابور طويل من الناس ينتظرون الدور لشراء ما يكفي من الخبز، وعندما شاهدنا هذا المنظر عدنا في ذات الطريق لنجد أن المخبز الذي كان مغلقاً قد فتح أبوابه وكان طابور آخر من الناس، فإذا بالأخ الذي كان يرافقني يقول لي (اللي ما إله نصيب لا يتعب ولا يشقي، خلص ما بدنا نأكل حاجة اليوم بدنا نصوم لما ربنا يبعتلنا واحد يحن علينا باكم رغيف خبز) فأخذت بالضحك بشكل غير اعتيادي وانتبه لضحكتي اثنان من المواطنين الذين كانوا متوجهين للمخبز، فنصحهم صديقي بعدم الذهاب لأنهم لن يحصلوا على الطعام قبيل ساعات الظهر، فأخذوا بالضحك وعند عودتنا للمكتب وبعد وقت طويل قضيناه في السير ذهاباً وإياباً ودخولنا بدون أي شئ في أيدينا فإذا بأحد الإخوة يقول لنا ما بكم، فرد عليه صديقي (اليوم صيام لحد ما ربنا يفرجها وواحد يتصدق علينا بخبز) فاضطررنا لأكل خبز كان موجوداً في المطبخ منذ مدة، واضطررنا لتسخينه حتى تمكنا من أكله رغم قسوته".

 

مواقف أكثر طرافة

وفي لقاء طويل رصدناه نهاية التقرير مع الأخ "أبو أحمد" الناطق باسم سرايا القدس حول مواقف أخرى حصلت معهم خلال الحرب، تحدث لنا حول عدد من المواقف كانت أكثر طرافة في مجمل ما دار من أحاديث سابقة، فيقول "كنت أنام برفقة إخواني المجاهدين في نفس مكان العمل رغم أن القصف كان يستهدف أماكن لا تبعد 50 متراً عن هذا المكان لكن الحرص على أداء واجبنا الجهادي كان أهم من حياتنا".

 

ويضيف "إن الأيام الأخيرة للحرب كانت صعبة أكثر من غيرها بالنسبة لنا ولإخواننا حيث تم استهداف بناية كنا نتواجد فيها فاضطررنا لمغادرتها لمكان آخر وما لبثنا وأن غادرناه بعد أن تقدمت قوات الاحتلال لمسافة قريبة منه نسبيا وأمنا موقعا جديدا للعمل من داخله إلا أن تهديد العدو لبناية مجاورة وقصف أخرى جعلنا نتوجه لمكان عام ونعمل من خلاله لبعض الوقت قبل أن نعود لمكاننا الأول بعد تراجع العدو من المنطقة التي كان تقدم فيها".

 

مجريات العمل

وعن مجريات العمل بالرغم من قسوة ظروف الحرب يقول "أبو أحمد ": "بالنسبة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وهي أحد أهم الأجنحة العسكرية التي قادت معركة التصدي للعدوان على غزة قد تميزت خلال فترة الحرب بعمل إعلامي كبير استطاعت من خلاله أن تكون رافداً أساسياً للمجاهدين في الميدان وذلك رغم قلة الإمكانيات والاستهداف المباشر الذي تعرض له أكثر من مكتب من مكاتبها الإعلامية".

ويضيف "إن فترة الحرب كانت صعبة جدا علينا كمجاهدين وخاصة في المكتب الإعلامي خصوصا أن عملنا كان يفرض علينا العمل من مكاتب بها اتصالات تليفونية وكهرباء وباقي مستلزمات العمل وهذا شكل مغامرة كبيرة بالنسبة لنا وما يمكن أن يتعرض له المكتب المذكور من استهداف خصوصا عندما يتم تصدير البيانات والتصريحات من خلال الفاكسات والايميلات لوسائل الإعلام المختلفة وما يمكن أن يشكله ذلك من تسهيل مهمة العدو في رصد مكان المكتب وإمكانية قصفة بطائراته التي لم تفارق سماء غزة طيلة فترة العدوان".

 

وتابع "أبو أحمد" الذي اضطر لمغادرة بيته في الأيام الأولى للحرب بعد تلقيه مكالمة من المخابرات الصهيونية بضرورة إخلائه تمهيدا لقصفه بأنه كان وباقي طاقم المكتب على اتصال دائم بالقادة الميدانيين لسرايا القدس في مناطق المواجهة للحصول على الإخبار أولا بأول وأماكن تقدم العدو وكيفية سير المعركة والخسائر التي تقع في صفوف الأعداء وأسماء شهداء المقاومة وأعدادهم ومشاهدات المجاهدين على الأرض ونقل كل ذلك من خلال بيانات ولقاءات صحفية لجميع وسائل الأعلام المحلية والعالمية وهو ما كان له أثر كبير في رفع معنويات المجاهدين وفضح أكاذيب العدو الذي كان يدعي تقدمه في أكثر من محور في محاولة لكسر عزيمة المجاهدين والضغط على نفسيتهم للاستسلام ورفع الراية البيضاء.

وأضاف "لقد أجريت خلال الحرب أكثر من 100 مقابلة تلفزيونية عبر الهاتف مع القنوات الفضائية المختلفة رغم ما يشكله استخدام الهاتف الجوال من خطر شديد على صاحبة وإمكانية رصده بسهولة إلا أن عناية الله ولطفه والتغيير المستمر لأماكن التواجد أثناء إجراء المقابلات حالا دون ذلك، وقد تركزت معظم المقابلات مع قنوات ( الجزيرة – المنار – العالم – الساعة – البي بي سي – فضائية القدس – القنوات اللبنانية المختلفة – والعشرات من اللقاءات مع الإذاعات المحلية ومواقع الانترنت والصحف ) وقد اعتمدت قنوات الجزيرة والعالم و المنار والساعة بالتحديد يوميا على رسالتين أو ثلاثة مني لتقييم الوضع ومعرفة آخر مجريات المعركة وفضح أكاذيب العدو وتوضيح الصورة الحقيقية لمجريات الأمور على الأرض".

 

مواقف أخرى

وعن أبرز المواقف التي حصلت معه شخصياً يقول "أبو أحمد":"إن الحرب شهدت الكثير من المواقف بالنسبة لي ولإخواني في العمل كان أكثرها صعوبةً فيما كانت بعضها طريفة رغم قسوة الواقع وصعوبته، حيث أننا تعرضنا لنقص شديد في الطعام لا سيما في ظل نقص الخبز من الأسواق والازدحام الشديد على المخابز بسبب انقطاع التيار الكهربائي وعدم السماح بإدخال الطحين إلى غزة وبقينا بدون خبز أو طعام لمدة ثلاثة أيام اعتمدنا خلالها على بعض الحلويات والأطعمة الجاهزة بدون خبز إلى أن أمدنا أحد المواطنين ببضعة أرغفة من الخبز وبعض الخضروات بعدما علم بحالهم وماهية عملهم".

ويضيف "كذلك من المواقف العصيبة التي تعرضنا لها أن أحد الصواريخ استهدفت محلا للصرافة وسط مدينة غزة والذي يقع في خط متوازي مع المكتب الذي كنا نجلس به في الطابق العلوي للمبني وقد مر الصاروخ بجوار الغرفة التي نجلس فيها بأقل من متر واحد حيث سمعنا صوته وظننا جميعاً انه متوجه نحونا فأخذ الجميع ينطق بالشهادتين في انتظار انفجار الصاروخ في الغرفة إلا انه بحمد الله تجاوزنا وسمعنا دوي انفجار هائل له وتبين بعد دقائق انه استهدف محل للصرافة يقع خلف المبنى الذي نتواجد به.

 

أخطر المواقف

وكشف "أبو أحمد" عن أخطر المواقف التي تعرض لها وعدد من إخوانه فيقول "أخطر المواقف التي تعرضنا لها كانت تلك التي شهدتها غزة عندما قصف العدو الصهيوني مركزاً أمنياً كبيراً ومهما بأكثر من عشرين صاروخاً من العيار الثقيل وهذا الموقع الأمني لا يبعد سوي 100 متر عن المبنى الذي يتواجد فيه المكتب الإعلامي لسرايا القدس حيث أخذ المبنى في الترنح والتمايل بشكل مخيف من شدة الانفجارات وكأنه قطعة قماش في وجه العاصفة وأخذت المكاتب وأجهزة الكمبيوتر وكل ما يوجد في المكتب بالاهتزاز بقوة مما جعلنا نتوقع أن المبنى آخذ في الانهيار فخرجنا مسرعين نزولاً عبر الدرج بسبب خطورة المصعد والمبنى ما زال يهتز بشدة من جراء القصف المتتالي الذي استمر أكثر من 20 دقيقة متواصلة وبقينا واقفين في الشارع والبرد الشديد يلفح وجوهنا حتى انتهى القصف".

 

ويقول الناطق باسم السرايا "أنه بالرغم من قسوة تلك المرحلة وخطورتها إلا أنها لم تخلُ من مواقف طريفة تذكرها بعد الحرب وأحس بطرافتها لأنه إبان فترة الحرب لم يكن يعتبرها طريفة لعدم سماح الظروف النفسية والتوتر الشديد الذي كان يحيط به بذلك، ومن هذه المواقف يقول "أبو أحمد": "غادرت مكتبي في أحد الأيام لتفقد المجاهدين في الميدان لا سيما في منطقة الزيتون جنوب مدينة غزة التي كانت تشهد أشد وأعنف المعارك مع قوات العدو الصهيوني برفقة أحد الإخوة وقد وضعت وشاحا على رأسي حتى أخفي قدر الإمكان شخصيتي وفي طريق عودتي سيراً على الأقدام دخلت أحد محلات السوبرماركت لشراء شيئا لي ولإخواني المتواجدين في المكتب فلاحظت أن صاحب المحل يستعجل وضع الأشياء التي يختارها داخل أكياس البلاستيك ويقوم بجمع سعرها أولا بأول مع أن الوضع الطبيعي يكون عادة بأن ينتظر البائع استكمال الزبون لكافة أغراضه ومن ثم يقوم بتعبئتها وأخذ ثمنها وتبين بعد ذلك لي أن البائع تعرف على شخصيتي وكان متخوفا من استهدافه داخل دكانه وقال لأحد أصدقائه بعد انتهاء الحرب انه كان يتمنى لو أن أبو أحمد أخذ كل ما يريد وخرج من دون أن يدفع ثمنها".

يذكر أن الحرب على قطاع غزة أدت لاستشهاد وإصابة ما يزيد عن ألف وخمسمائة فلسطيني من كافة الأجيال، كما أحدثت خسائراً مادية فادحة بالمؤسسات الخاصة والعامة وكانت عمليات استهداف متعمد للمساجد ومنازل المدنيين فارتُكبت جرائم حرب أودت بحياة مئات الأطفال والنساء وكبار السن وإحداث إعاقات مختلفة إثر استخدام الاحتلال صواريخاً محرمةً دولياً.