خبر عريب الرنتاوي يكتب : ما بعد المؤتمر السادس.. مصير حكومة رام الله

الساعة 08:31 ص|11 أغسطس 2009

ما بعد المؤتمر السادس.. مصير حكومة رام الله

كتب:عريب الرنتاوي

سنفترض  أن مؤتمر فتح السادس ، أضاف زخما وأعطى قوة دفع إضافية لحركة فتح ، وبصورة لم يعد ممكنا معها ، الاستمرار في تجاهل دورها داخل السلطة والمنظمة ، من قبل "مستقلين" من رجال المال والمصارف أو يساريين سابقين ، الأمر الذي يحدونا للاعتقاد (وربما للأمل) بأن سيناريو ما بعد المؤتمر ، لن يحمل أنباء سارة لحكومة تصريف الأعمال ولا لأمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

 

لقد تولد عن غياب فتح وضعفها وتفككها واصطراعها ، نشوء "فراغ قاتل" في مؤسسات السلطة والمنظمة ، ما أعطى أشخاصا لا وزن شعبيا أو إرث تاريخيا لهم ، للاضطلاع بأدوار لم تراودهم يوما حتى في أجمل مناماتهم ، وأفضى الالتباس وانعدام الثقة اللذان ميزا العلاقة بين عباس وفتح ، وأديا إلى ضيق الرئيس بالحركة وحذر الأخيرة من الأول ، إلى تعظيم أدوار هؤلاء وتوسيعها إلى الحد الذي تهدد دور فتح بالتلاشي والاضمحلال ، وأشاع مناخات تسمع بالاعتقاد بأن حركة فتح باتت جسما بلا رأس ، وأن ثمة "مؤامرة" تستهدف تركيب عدد من الرؤوس على هذا الجسم العريض ، من خارجه وبالضد من إرادته ، وهو ما لم يحصل للطف الله ورعايته.

 

اليوم بعد مؤتمر بيت لحم ، تبدو الصورة مختلفة بعض الشيء ، الرئيس عباس خرج كمنتصر أكبر حتى لا نقول منتصر وحيد من المؤتمر ، وحركة فتح أعيد توحيد معظم أجنحتها تحت لواء "تيار السلطة" فيها ، والدماء الجديدة التي ستجري في عروقها ، يريد أصحابها البحث لأنفسهم عن موطئ قدم في السلطة والمنظمة ومؤسسات صنع القرار والقيادة ، وثمة من المعلومات ما يفيد بأن القناعة بدأت تتولد لدى أطراف واسعة ، بأن استمرار تجاهل فتح وتهميشها وشراء كوادرها ومناضليها قد لا يستمر طويلا ، وهذا أمر جيد على أية حال.

 

على أن الأهم من مستقبل حكومة تصريف الأعمال ، هو مستقبل منظمة التحرير الفلسطينية ، فالتحدي الذي تواجهه فتح بعد مؤتمرها السادس ، هو "تحرير" المنظمة من قبضة خاطفيها ، وإعادة الاعتبار لهياكلها السياسية والتنظيمية ، وفتح أبوابها من جديد لرياح المشاركة على اتساعها وتنوعها ، فمعيار جدية البرنامج السياسي لفتح ولكل ما تضمنه من بنود حول وحدة الشعب الفلسطيني والمشروع الوطني الفلسطيني ومستقبل اللاجئين وحقوقهم ، متوقف على الكيفية التي ستدير بها فتح ملف إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية.

 

ولأن هذا الملف ، مرتبط ومتلازم مع ملف الحوار والمصالحة وإعادة توحيد شطري الوطن الفلسطيني المحتل (الضفة) والمحاصر (غزة) ، فإن حركة فتح مطالبة بعد المؤتمر ، أكثر مما كانت عليه قبله ، بإيلاء مسألة الحوار والوحدة الوطنية الأهمية التي تستحق ، وعدم ترك هذا الملف في يد "تيار التفتيت والانقسام" النافذ في صفوفها وصفوف السلطة والمنظمة ، وفي ظني أن هذا واحد من أبرز التحديات التي تواجه فتح ما بعد المؤتمر السادس ، وأحد معايير الحكم على جدية برنامجها السياسي الذي استعاد تحت ضغط "شبحي حماس وأبو اللطف" وتحت إكراه "التيار المناضل" داخل الحركة ، بعض بريقه المسفوح على مذبح "المفاوضات حياة" و"لا بديل عن المفاوضات سوى المزيد منها".

 

قلنا أثناء انعقاد مؤتمر فتح ، ونقول بعده أو بالأحرى في خواتيمه ، أن العبرة ليست في الكلمات التي سيصاغ بها البيان الختامي أو البرنامج السياسي للحركة ، فهذا يمكن أن يكون متسقا مع الحد الأدنى من تطلعات شعب فلسطيني وطموحاته وهذا ما حصل بالفعل ، العبرة في قدرة فتح على ترجمة هذا الأقوال والكلمات إلى برامج وخطط عمل ، إلى سياسات وممارسات ، العبرة في قدرة فتح على تخليق الديناميكيات التي تجعلها حاضرة كحركة في مؤسسات صنع القرار ، لا أن يظل قرار هذه المؤسسات حكرا على حفنة من الوجوه المستهلكة ، وغالبيتها من خارج فتح.

 

والحقيقة أن تصريحات الناطق باسم مؤتمر فتح نبيل عمرو التي طمأن فيها الإسرائيليين إلى "سلامة" الخط السياسي لفتح ، ودعاهم لعدم الالتفات إلى عبارات المقاومة والكفاح المسلح في كلمات المؤتمر ووثائقه ، تدعونا للقلق وتسيء لفتح والمؤتمر والمؤتمرين على حد سواء ، لكأن الناطق باسم المؤتمر يبشرنا بأنه كلام ليل سيمحوه النهار ، وأن حال فتح والسلطة والمنظمة سيظل على حاله بعد المؤتمر وقبله ، لكأن هناك من يريد إعادتنا دائما إلى المربع الأول.