خبر ارتباك الرواية المنشئة لإسرائيل وتناقضاتها ..إبراهيم غرايبة

الساعة 04:56 م|10 أغسطس 2009

ـ العرب القطرية 10/8/2009

ما علاقة الإسرائيليين بالأرض التي يعتبرونها إسرائيل (فلسطين)، وكيف تتشكل على أساس هذه الأرض قومية ورواية منشئة للدولة؟

سنواصل مع زئيف ستيرنهيل في مناقشته لما يعتبره هو الأساطير المؤسسة لإسرائيل.

تبنى القومية على أساس العودة للطبيعة والبساطة ومقت المدينة، وقد غذت الحركة العمالية هذه الأسطورة، في حين كان المجتمع اليهودي يعيش أكثر من %80 من أعضائه في المدن، وكان المطلوب من اليهودي الجديد أن يكون مزارعا فاتحا للبرية.

وكان على القادة الصهاينة القوميين والاشتراكيين أن يبحثوا عن طرق لإنقاذ اليهود الذين تطردهم أوروبا، فكان رد الفعل الدفاعي تبني اشتراكية مؤثرة قبلية مشربة بعناصر دينية وتميل قليلا إلى الفردية والقيم الكونية. وفي مجتمع الييشوف استخدم القادة الصهاينة مثل آرلو سوروف وبن غوريون مفاهيم ثقافية للسيطرة على المجتمع اليهودي وليس معادلات اجتماعية.

لقد كانت ثورة المؤسسين اليهود ثورة قومية اعتمد نجاحها على ثورة ثقافية، ولكنها لم تكن ثورة اشتراكية تتطلب تغييرا جذريا في ملكية الثروة، وترأست الحركة العمالية عملية بناء الدولة، وكان ذلك يعني ثورة رئيسية لكل مهاجر، وهذه الثورة تطلبت تحولا: الهجرة إلى أرض بعيدة، وتغير في اللغة، وتغير في المهنة في أغلب الأحيان، وتغير درامي في أسلوب الحياة، وهكذا فإن بناء الأمة يعني تغيرا في اليهودي نفسه، وتطلب هذا تحولا ثقافيا عميقا، ولكنه لم يكن تغيرا في النظام الاقتصادي والاجتماعي العام.

لقد كانت الاشتراكية عاملا ثانويا يضحى به وبالمساواة إذا تناقض مع القومية، حتى في التطبيقات العمالية التي تبدو اشتراكية مثل الكيبوتسات والموشاف والتعاونيات فإنها عززت الاقتصاد الرأسمالي.

وكان الاستيطان الجماعي خيارا براغماتيا وليس إيديولوجياً، فالكيبوتس كان نتيجة عجز الرأسمالية القديمة وعدم رغبتها في إعطاء أولوية للاعتبارات القومية وتشغيل عمال يهود بدلا من العرب، ولم يكن الاستيطان الجماعي خيارا إيديولوجياً واعيا، بل حلا تم التوصل إليه بعد سنوات عدة من محاولات توظيف العمال المهاجرين، ولم يكن حلا أيديولوجياً هدفه المساواة والملكية الجماعية، وكانت الأرباح والأعمال يتم تقاسمها وفق نظام أوجده اقتصادي يهودي ألماني هو فرانز أوبنهايمر (1864-1943)، ولم يكن نظاما اشتراكيا.

وساد المجتمع في هذا الوضع تعاون بين اليسار الاشتراكي ومركز البرجوازية، وقدمت الحركة العمالية إثباتا على قدراتها العملية، فقد نظمت عمالا يحصلون على رواتب واهتمت برفاهيتهم النسبية، وكبحت التوجهات الراديكالية، ومنعت الإضرابات غير المشروعة أو المطالبة بزيادة الأجور.

وكان ثمة تعاون يتوارى خلف الصراع المعلن بين الطبقات المالكة في تل أبيب والقادة القوميين، وقد فهم زئيف جابوتنسكي المرشد الفكري لليكود (1880-1940) هذه الفكرة في بناء قاعدة نفوذ لحركته، فاتجه إلى يهود بولندا الذين كانوا يحتقرون ثقافة الييديش التقليدية ويختلفون مع طليعة الحركات الصهيونية.

كان الاستيطان اليهودي قائما على العمل الزراعي، وقد رأى غودون -أحد الرواد- مستقبل فلسطين اليهودية في الزراعة وليس في الصناعة، وكان هؤلاء الرواد في المستوطنات الجمعية لا يزيدون على %8 من اليهود في فلسطين، ومع موجات الهجرة الجديدة إلى فلسطين، فقد العمل الزراعي النظرة الجدية والمثالية بالنسبة للأغلبية العظمى، ولم تعد الكيبوتسات سوى أسطورة وبدا أن استمرارها تناقض لا يحتمل بين النظرية والتطبيق.

وفشلت الحركة العمالية في تطوير تعليم ثانوي لأبناء أعضائها؛ لأنه كان يراد لأبناء العمال أن يبقوا عمالا، وقد أسست المدارس في المدن، وكانت أقساطها أكبر من طاقة العمال وتحولت الهستدروت (المؤسسة العمالية النقابية) إلى مؤسسة ترعى العمال بخدمات اجتماعية واقتصادية وثقافية مقابل إخضاعهم للقيادة السياسية، وكانت تضم أعضاء غير اشتراكيين وغير صهاينة، فلم يكن مطلوبا سوى الانضباط والخضوع.

وفي نهاية عام 1947 كان عدد اليهود يزيد على 600 ألف من بينهم 175 ألفا أعضاء في الهستدروت، و30 ألفا يعيشون في الكيبوتسات والمستوطنات الزراعية، ولكن هذه السيطرة العالية لم تكن قائمة على إيديولوجيا اجتماعية أو أسلوب حياة مستمد من المساواة، وإنما من خلال قدرتها على حمل أبناء الأمة على أكتافها، ومنذ بداية الأربعينيات هبطت مكانة الزراعة والمزارعين إلى فئة ضحايا الهولوكوست والمهاجرين الجدد من البلدان العربية.

وكانت الحركة العمالية هي التي قدمت الطليعة السياسية والعسكرية والثقافية للييشوف ثم لدولة إسرائيل، وتكونت فجوة طبقية كبيرة داخل الحركة العمالية بين العمال والمزارعين والمديرين والموظفين الكبار الذين هم أيضا قيادة الحزب الحاكم.

كانت الاستراتيجية الصهيونية تتجاهل وجود العرب المواطنين في فلسطين قبل مجيء اليهود، رغم علم قادة الصهيونية بأن فلسطين مأهولة بسكانها وليست أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض، ولم تكن هذه الاستراتيجية بسبب نقص في فهم المشكلة، ولكن لإدراك واضح للتنافس الكبير بين الأهداف الأساسية للجانبين العرب واليهود.

وقد أمل بعض القادة والمفكرين الصهاينة في حل الورطة العربية بالحوار مع العرب وتقديم تطور اقتصادي سريع لهم يعوضهم فقدان سيطرتهم على وطنهم أو على جزء كبير منه، أو بالتعايش ضمن دولة ثنائية القومية أو بفيدرالية مع الدول العربية المجاورة، ولكن كلا الجانبين فهما بعضهما جيدا، وعرفا أن تطبيق الصهيونية سيكون فقط على حساب الفلسطينيين.