خبر مسرح الدمى..يديعوت

الساعة 08:24 ص|07 أغسطس 2009

بقلم: روني شكيد

2240 نواب مؤتمر فتح السادس اجتاحوا بيت لحم في هذا الاسبوع. المدينة المسيحية التي يترأس بلديتها عضو في الجبهة الشعبية وتقيم ائتلافا مع حماس، ازدانت بأعلام فتح الصفراء وصور ابو مازن وياسر عرفات.

النواب ارتدوا ملابس احتفالية ووضع الكوفيات المنمرة بالاسود والابيض على اكتافهم حيث طبعت الاقصى في طرف تلك الكوفية وصورة عرفات في الطرف الاخر. هم ملؤا الفنادق والمطاعم الراقية. بالنسبة للكثيرين منهم كان هذا مؤتمر للتكراريات: القبلات والعناق وتذكر الماضي والكثير من دخان السجائر والكثير من الضجيج. كرنفال فتح.

هم جاؤوا من كل اقطاب العالم: 150 من لبنان، بضع عشرات من سوريا، والاردن ومصر. بعض النواب جاؤوا من العراق واليمن وليبيا وحتى من اندونيسيا وكازاخستان ومن اوروبا والولايات المتحدة ودول امريكا اللاتينية. المئات منهم يدوسون ارض فلسطين لاول مرة في حياتهم.

"عقد المؤتمر السادس على ارض الوطن هو يوم تاريخي" قال ابو مازن. ولكن الاحتفال جرى في ذروة ازمة تنظيمية وايديولوجية وفكرية وسياسية تمر بها حركة التحرير الوطني الفلسطيني. فتح فقدت في السنوات الاخيرة قوتها ومصداقيتها. صورتها في المناطق في الحضيض. قيادتها فاسدة ملوثة والحركة كلها ليست حركة جماهيرية وانما مجموعة من النشطاء هم في اغلبيتهم من "عجائز تونس" الحرس القديم الذي عاد الى المناطق بعد اوسلو. فتح تواصل بقائها بفضل الحنين الى الكفاح المسلح وبفضل اسطورة القائد الجبار ياسر عرفات – ولكن بالاساس بمساعدة من اسرائيل والولايات المتحدة.

في ظل هذا الواقع المتردي يجتمع مؤتمر فتح للملمة الحطام وتنفيذ عملية انعاش للجسم المريض بصورة بليغة. تحديات المستقبل التي يواجهها الشعب الفلسطيني مركبة ومعقدة وعلى رأسها اعادة توحيد الفلسطينيين في الضفة مع الامارة الاسلامية لحماس في غزة حيث أصبح للشعب الفلسطيني دولتين. السؤال هو ان كانت فتح قوية بما يكفي.

ابو مازن حاول في خطاب يوم الثلاثاء تكنيس الازمات الداخلية تحت البساط. حرص على ابراز الانجازات وبث الروح التفاؤلية. "اقامة الدولة الفلسطينية هي مسألة وقت ليس الا" قال.

نواب مؤتمر فتح الذين قدموا من الخارج تأثروا بهذا التفاؤل. اما سكان المناطق الذين يتوجب عليهم العودة الى نابلس وجنين عبر الحواجز مع النهضة الاستيطانية والجيش الاسرائيلي والجدار الشاهق فيعرفون ان السلام بعيد. زكريا زبيدي المطلوب سابقا من مخيم جنين للاجئين والذي كان في هذا الاسبوع نائبا محترما في المؤتمر قال: "اسرائيل لا تريد السلام وانما الحرب".

اليوم الثاني بدأ ببطء. "لم نعرف أن قراءة اكثر من ألفي اسم تستغرق كل هذا الوقت"، اعتذر نمر حماد عضو القيادة. وبالفعل كان مؤتمر بيت لحم هذا هو المؤتمر الاكبر في تاريخ حركة فتح. في المؤتمر السابق في عام 1989 في تونس شارك 1300 عضو. حينئذ قرروا تمديد المؤتمر ليومين. لم يكن لدى احدا شيئا ليستعجل من أجله.

ولكن عندما انتهت قراءة الاسماء اندلعت عاصفة "وين الملايين" صرخ نواب كثيرون. "لماذا لا يمكن تقديم تقرير بعد عشرين عاما". الجدل انزلق سريعا جدا نحو قضية تسميم عرفات وثارت عاصفة مع العواطف المهتاجة.

على جدول الاعمال الرسمي مسائل ثقيلة: ماذا سيحدث مع غزة؟  بكلمات اخرى كيف يمكن اعادة الوحدة الفلسطينية: هل يتوجب تنظيم انتخابات عامة في كانون الثاني كما يقترح ابو مازن مع خطورة تلقي هزيمة جديدة او محاولة تحطيم حماس. حاتم عبدالقادر من قادة الجيل الاوسط اقترح بناء تحالف استراتيجي مع ايران.

ما هي "المقاومة"؟ مظاهرات شعبية مع حجارة وزجاجات حارقة بتركيز "مائة مرة بلعين" كما يقترح ابو مازن ام العودة الى الكفاح المسلح كما طلب جبريل رجوب.

المؤتمر التحضيري صاغ برنامجا جديدا لفتح وجاء في البند الاول منه: "من حق الشعب الفلسطيني ان يقاوم الاحتلال بكل وسيلة يتيحها القانون الدولي بما في ذلك الكفاح المسلح. الكفاح سيتركز ضد المستوطنات ومن اجل تفكيكها. فتح ترى في السلام العادل والشامل خيارا استراتيجيا يمكن الوصول اليه بطرق متنوعة. والكفاح المسلح هو احدى هذه الطرق وهو نابع من حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال والمستوطنات وازالة العنصرية".

ابو مازن قضى اغلبية وقته خارج المناطق حتى يعزز معسكره وبلور مجموعة موالين ستدعمه في المؤتمر. عندما تبلورت القائمة لم يتردد في الاتصال بنتنياهو طالبا مساعدته في ادخال اتباعه الى بيت لحم. ونتنياهو صادق على كل القائمة بما في ذلك محمد غنيم ابو ماهر الذي يتردد اسمه كأحد خلفائه المحتملين. غنيم لم يرجع للمناطق بسبب معارضته لاتفاقيات اوسلو. قبل ثلاثة اسابيع اتصل ابو مازن شخصيا بنتنياهو وحصل على مصادقته على دخول غنيم.

ابو عصبة احد المخربين الذين نفذوا عملية الباص في الساحل في عام 1978 واليوم من انصار ابو مازن الذي حصل هو الاخر على تصريح دخول خاص بفضل نتنياهو لم يخجل من الاعتراف: "العدو الصهيوني صادق على دخول كل نواب فتح – اما حماس فلا".

ولكن قدورة فارس من قادة معسكر مروان البرغوثي وجه انتقادا حادا: "هم دعوا من الخارج نوابا غير جديرين" قال. "هم ضموا 500 ضابط من اجهزة الامن من دون ان يتم انتخابهم".

الـ 300 نائب من القطاع ظلوا في منازلهم. بعضهم القي به في السجن والاخرون تم استدعاءهم للشرطة من اجل ايداع هوياتهم وجوازات سفرهم. سوريا واثر طلب من ابو مازن ضغطت من اجل السماح للنواب بالمشاركة في المؤتمر. خالد مشعل كذلك اسماعيل هنية الا ان احمد الجعبري قائد كتائب عز الدين القسام صرح بان شرط توجه النواب هو اطلاق سراح مئات سجناء حماس من السجن الفلسطيني في الضفة. "ان صادقت على خروجهم من دون هذا الشرط" هدد الجعبري هنية، "سنطلق النار عليهم".

غياب الغزاويين الحق ضرر كبيرا بمحمد دحلان. هو خطط لان يتم انتخابه في اللجنة المركزية الجديدة وتسريع عودته. بعد ذلك وحتى لا يخسر حاول تغيير طريقة التصويت وطالب بأن يقوم المؤتمر بتخصيص ثلث مقاعد المجلس الثوري وثلث اللجنة المركزية لنواب غزة الغائبين. مطلبه لم يقبل فصرح دحلان عن انه هو والنواب الغزاويين الموجودين في بيت لحم رغم ذلك – خصوصا اولئك الذين فروا مع سيطرة حماس على غزة – لن يرشحوا انفسهم ولن يشاركوا في الانتخابات.

ورغم الاختلافات في الاراء والكولسات، الا ان الشعور كان شعورا بالرضى. "المؤتمر هو بداية جيدة لاعادة بناء فتح" قال الجنرال نصر يوسف الوحيد في القاعة الذي ارتدى على رأسه كوفية بيضاء وعقالا اسود. "هذه ليست كوفية عرفات" قال المعارض الاخير المتبقي لعرفات. ولكن صورة الميت الحاضر في كل مكان حامت في القاعة وحظي المؤتمر باسم "مؤتمر الشهيد ياسر عرفات". كل ذكر لاسم عرفات حظي بالتصفيق.

وفقا للتقديرات ستبدأ الليلة انتخابات اللجنة المركزية البالغ تعدادها 21 عضوا. 18 منهم خاضعون للترشيح. مائة شخص رشحوا انفسهم. وفي المقابل سينتخب المجلس الثوري الذي يبلغ تعداده 75 عضوا. هنا كان عدد المرشحين 500 . النتائج النهائية كما يتوقعون في بيت لحم ستصدر يوم الاحد فقط. اذا في يوم الاحد سينتهي المهرجان. ستكون لفتح قيادة جديدة وليس واضحا بعد مدى شبهها بالقيادة القديمة في اخر المطاف. في كل الاحوال الواقع في المناطق سيبقى على حاله والمستوطنون سيواصلون اشعال اشجار الزيتون واقامة البؤر الاستيطانية والبناء. المفاوضات السياسية ليست موجودة في الاجندة الفلسطينية وليس على اجندة نتنياهو على ما يبدو ايضا.

ابو مازن قال لنواب فتح ان اتفاقه مع اولمرت في قضية الحدود مفاده: "دولة فلسطينية في غزة والضفة مع ممر بينهما. الضفة تشمل القدس والمناطق المنزوعة السلاح التي كانت على الحدود قبل 1967 والبحر الميت ونهر الاردن. انا لا افهم ذلك". قال واردف "في كل العالم تحترم الحكومات الجديدة قرارات الحكومة السابقة. نتنياهو وحده يقوم عن الاتفاقيات مع اولمرت :كلام فاضي".

نواب فتح واعضاء كتائب شهداء الاقصى صرحوا بأنهم لن يتخلوا عن الكفاح المسلح ولكن التهدئة التي يقودها كهول القبيلة ستتواصل في الوقت الحالي. ليست لدى الفلسطينيين طاقة لانتفاضة جديدة. ومع ذلك يحذرون في بيت لحم من انهم سيعودون الى جولة جديدة من العنف ان لم يكن هناك تقدم سياسي.