خبر مؤتمر فتح السادس.. عاشت « السلطة »، ماتت « الحركة »!

الساعة 09:19 م|06 أغسطس 2009

مؤتمر فتح السادس.. عاشت "السلطة"، ماتت "الحركة"!

محمد جمال عرفة

برغم المكسب المعنوي الكبير المتمثل في عقد مؤتمر حركة فتح السادس لأول مرة على الأراضي الفلسطينية، فقد كانت هناك مخاوف عديدة من أن يؤدي هذا الانعقاد تحت الحراب الإسرائيلية إلى فرض أجندة لا ترضي الكثير من أبناء فتح الثوريين ممن ظلوا على عهد المقاومة والتحرير لحين زوال الاحتلال، وأن ينتهي الأمر باختطاف "المتعاونين" مع الاحتلال للمؤتمر على حساب "الرافضين".

ولذلك ظلت جلسات المؤتمر في يوميه الأولين خصوصا تتأرجح بين احتمالات مفتوحة ترجح حسم جيل "الشيوخ" أو "الحرس القديم" -القيادات الحالية- سيطرتها على الحركة، وتوجيها نحو إعطاء صك الشرعية للقيادة الحالية في أي تحرك نحو حسم الخلافات مع حماس والعودة لطاولة التفاوض وفق أجندة أوباما التي ستعلن غالبا قبل نهاية أغسطس الجاري، والتي تحمل عنوانا رئيسيا هو التطبيع العربي والتجاوب الفلسطيني مع ما يسمى "أمن إسرائيل".

 

أما الاحتمال الآخر، والأضعف، فكان حلم تمكّـن (الحرس الجديد) أو الجيل الجديد من إحداث تغييرات بنيوية ونوعية على طبيعة القيادة الحالية للحركة، وحرمان هذا الحرس القديم من بعض امتيازاته، لأن هذا الحرس القديم الحاكم (لا المعارضة الممنوعة أصلا من دخول المؤتمر أو  دخول رام الله في ظل الاحتلال) هو من أوصل "فتح" لحالة الضعف التي جعلت المواطن الفلسطيني العادي يختار حماس في آخر انتخابات فلسطينية!

 

الحرس القديم اختطف المؤتمر

 

وتبرز خطورة هذا المؤتمر الذي ظهرت فيه قوة هذا الجيل الجديد، أنه برغم هذه المعارضة التي لقيها الحرس القديم بزعامة أبو مازن خصوصا لجهة عدم الشفافية في الأمور المالية والإدارية، أنه ثبت عمليا سيطرة المتنفذين داخل (السلطة الفلسطينية) على حساب الحركة (فتح) نفسها، لدرجة جعلت البعض يطرح فكرة الفصل بين الاثنين!. بعبارة أخرى كان من الواضح أن الحرس القديم المسيطر على السلطة يتحرك لتأكيد وتثبيت هذا الواقع الذي عاشته رام الله منذ توقيع اتفاق أوسلو وتدشين السلطة الفلسطينية، بحيث يستمر هؤلاء (أي السلطة) في السيطرة على الحياة السياسية الفلسطينية، ويجري مزيد من الإضعاف أو التهميش لقوة الحركة.

 

وهذا التوجه لا يرضي فقط طموح هؤلاء المتنفذين من الحرس القديم في السلطة الفلسطينية، وإنما هو مطالب إسرائيلي وأمريكي أيضا.. أي الانتقال لمرحلة (السلطة) وإبعاد (الحركة)، بما يعنيه هذا من إعلاء شأن التزامات (السلطة) تجاه الحفاظ على أمن الدولة الإسرائيلية، مقابل تغيبب أو "تمييع" حق المقاومة الذي هو عماد قوة الحركة (فتح) ومبرر وجودها!.

 

ويساند هذا التوجه بالطبع أن الحركة تعاني بالفعل من حالة استرخاء وترهل وضعف في السنوات الأخيرة، مقابل قوة بنية السلطة السياسية الفلسطينية، التي استوعبت الزخم السياسي والمفاوضات، فيما تبدو حالة فتح داخليا هشة، تنظيمياً، ومتفككة في ولائها بين القيادات السياسية للحركة التي تعاني أصلا من تفتت الولاءات داخلها.

 

وقد ظهرت مؤشرات على هذا الإعلاء للسلطة على حساب الحركة، ومن ثم المقاومة، في عدة مواقف منها "تمييع" أو "تخفيف" (حق المقاومة) الذي أعطاها الرئيس عباس في كلمته الافتتاحية عدة معان أو (وسائل) ولم ينطق كلمة "مسلحة" كأحد تعريفاتها، فضلا عن ربطها بـ "الظروف المناسبة" و" الإجماع الوطني" و"الفهم"!.

 

كما ظهرت مؤشرات على هذا عندما جرى منع زعماء كبار من المقاومة في حركة فتح (الزبيدي) من دخول قاعة المؤتمر أصلا بدعوى أنه لا يحمل دعوة عليها صورته، واعتبار البعض هذا جزء من محاولات إرضاء دولة الاحتلال التي تحمي انعقاد المؤتمر!. فضلا عن محاولة أمن الرئيس عباس إخراج عضوين من الحركة أحدهما هو حسام خضر القيادي المعروف في فتح، لأنه قاطع عباس، مما استفزه بشدة فأمر بإسكاته!

 

لأجل هذا ظهرت مخاوف قبل عقد المؤتمر من أن يسعى الحرس القديم لخطف مؤتمر الحركة، أو أن يفضل مؤتمر فتح النص على المقاومة وعدم التخلي عنها لأسباب دعائية ترضي المقاومين في فتح وجناحها العسكري، ولكن على أن تبقى فعليا "مقاومة ناعمة" تعتمد على فعاليات سياسة ودبلوماسية، وتبتعد عن أي خيارات عسكرية، وتتمسك بالمرجعيات الدولية لعملية السلام!.. أي مقاومة "شعبية" و"فكرية" و"ثقافية" ضد الاحتلال وربما تحرك جماهيري على غرار الانتفاضة الأولى بالاحتجاج وإلغاء المقاومة بمعناها الحقيقي كمقاومة مسلحة.

 

وطالما أن هناك فصلا واقعيا وحقيقيا بين (السلطة) وبين (الحركة)، ودعوات لتقنينه فعليا داخل المؤتمر، فلا حاجة إذن لتغيير البرنامج السياسي لحركة فتح أو إبعاد الخيار المقاوم منه طالما لم يتحقق أي مكسب سياسي بإنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية حقيقية، وإلا لانصرف الفلسطينيون (القاعدة الجماهيرية) عن الحركة (فتح) التي استمدت شرعيتها وقوتها من إصراراها على هذه المقاومة في مؤتمراتها الخمس السابقة.

 

وفي هذه الحالة من الطبيعي أن يجري الإبقاء –في مسودة البرنامج السياسي للحركة– على مفردات "المقاومة والكفاح المسلح ومقاومة الاحتلال"، التي ستكون معطلة فعليا بواسطة السلطة، وبواسطة خطة الجنرال الأمريكي (دايتون) الذي أهل جيشا أمنيا فلسطينيا على أسس "المهنية " لا الولاء لحركة فتح، وبلغ الأمر حد أن هذا الجيش الأمني مستعد لاعتقال أي مقاوم، سواء من فتح أو حماس أو غيرها لو هدد أمن الدولة العبرية!.

 

مؤتمر فتح.. لون سياسي واحد

 

ونشير هنا لاتهام العشرات من قادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) –خصوصا من الخارج- الرئيس محمود عباس –قبل عقد المؤتمر- بـ "محاولة الانقلاب على الحركة مستقوياً بالسلطة الفلسطينية"، مؤكدين أنه يأخذ برأي من سموهم "مستشارو السوء"، من خلال قراراته الفردية بعقد المؤتمر السادس للحركة في الداخل، محذرين من أن الحركة تتعرض لعملية مبرمجة للقضاء عليها، وقولهم في مذكرة موجهة من 82 قيادياً فتحاوياً: "الآن وقد فاض بنا الفيض، نرفع صوتنا عالياً احتجاجاً على عضو اللجنة المركزية محمود عباس، حيث نرفض اتخاذه قرارات منفردة نيابة عن الحركة فيما يتعلق بالشأن الفتحاوي وبانعقاد المؤتمر السادس للحركة بالداخل".

 

واعتبر قادة فتح في مذكرتهم أن ما يحدث "يعتبر تعدياً صارخاً على الحركة، واستهتاراً بإرادتها، بما يهدد طموح وآمال أبنائها وكوادرها الذين لا زالوا مؤمنين بطريق المقاومة ومحاربة الفساد، ويرفضون هذا الانقلاب ومصادرة حركة فتح، ورهنها وفرض شروط مذلة لانعقاد المؤتمر، مما دفعنا إلى الاعتراض على انعقاد المؤتمر تحت حراب الاحتلال وبشروطه المذلة".

 

واستشهدت المذكرة باغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات من قبل الاحتلال وجواسيسه، وقالت متسائلة: "هل يعقل أن يحضر الثوار والمناضلون في حركة فتح مؤتمرهم الوطني بتصاريح إسرائيلية؟ وإخضاعهم لرحمة الاحتلال الإسرائيلي وهنالك العديد منهم ممن يطاردهم الاحتلال وموساده!!".

 

وختمت المذكرة بالقول: "طالما الاحتلال باق على أراضينا، سنبقى على نهج المقاومة ورفض نهج التفاوض القائم على الاستجداء، ولن نتعب من الكفاح والنضال طالما القواعد الشعبية مع المقاومة، فنحن لسنا في عجلة من أمرنا:، حسب المذكرة. بل إن هناك –مثل الكاتب والإعلامي الفلسطيني بلال الحسن– من تخوفوا من أن "فتح" على طريق الانشقاق الكبير، خصوصا أن عقد المؤتمر في الداخل جعل الحاضرون من لون واحد هم من أنصار الرئيس محمود عباس ومحمد دحلان ممن اتهمهم أحد رموز التيار القديم في الخارج (فاروق القدومي) باغتيال عرفات.

 

وهناك تخوفات أخرى تكمن في أنه لو انتهى المؤتمر للفصل بين السلطة والحركة –في المناصب والقرارات السياسية والقيادات- أن يجري تنفيذ مخطط أمريكي إسرائيلي للعودة لمائدة التفاوض لتمرير "مخطط سري" للاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي يقول معارضو الرئيس محمود عباس أنه يريد تمريره، رغم أنه لا يحظى بقبول كافة كوادر وقيادات فتح.

 

المرجح إذا – طالما أن غالبية حضور مؤتمر رام الله هم من لون سياسي واحد – أن تظل ثوابت المنظمة وبرنامجها السياسي كما هو مع تخفيفه بمسألة "المصلحة" و"الضرورة" و"الشرعية الدولية" –التي هي العالم الغربي الرافض للعمليات المقاومة– وأن يجري التركيز على الفصل بين السلطة وحركة فتح لأسباب تنظيمية وأخرى سياسية بغرض إرضاء الغرب، وإدارة السلطة السياسية لعمليات تفاوض وربما تقديم تنازلات قد تحرج جسم الحركة الأم (فتح) التي قامت على الكفاح المسلح لإعادة الأرض لو صدرت باسمها!

 

وربما لهذا برر القدومي غيابه -في بيان أرسله للمؤتمر- بـ"رفض المخالفات والتنازلات السياسية الخطيرة التي يُرتَّب لارتكابها"، وناشد المؤتمرين بـ"عدم السماح بإسقاط حق المقاومة من البرنامج السياسي، وعدم الإبقاء عليه بلغة ملتبسة في النظام الأساسي"!.

 

فهل ينتهي مؤتمر فتح فعليا بتعظيم وجود (السلطة) على حساب تهميش أو موت (الحركة) التي ضعفت بشدة بعد وفاة رئيسها القوي عرفات مسموما بأيدي الإسرائيليين وأعوانهم؟!.

 

 ------------------------

 

  المحلل السياسي بشبكة إسلام أون لاين.نت