خبر الكثرة تخاف القلة.. يديعوت

الساعة 09:40 ص|05 أغسطس 2009

بقلم: البروفيسور غابي سلومون

أمر وزير التربية باخراج مصطلح "النكبة" من الكتب الدراسية في الوسط العربي. يبدو انه يوجد شيء ما مهدد جدا في هذا المصطلح، برغم حقيقة ان اليهود هم الكثرة الحاكمة في البلد في كل شيء – من الضرائب الى الماء، ومن التربية الى النقل العام، ومن قوانين "الحلال والحرام" الى الميزانيات. انها كثرة قوية مستقرة، تشعر وكأنها قلة مهددة تدافع عن نفسها من كل صوب لئلا تبتلع. وهي ترى انها محاطة باعداء لا من الخارج فقط بل من الداخل وذلك اشد عليها وهم العرب مواطنو اسرائيل.

وهكذا تحيط الكثرة المذعورة نفسها بأسوار – بعضها مادية وبعضها اسوار قوانين تمييز وتعاليم، ومخصصات غير متساوية وتعريف الواجبات والحقوق. وهكذا تخاف ايضا مجرد مصطلح "النكبة"، ان يتبينه لا سمح الله الاولاد العرب في الكتب الدراسية. لان المصطلح كما قال رئيس لجنة التربية عضو الكنيست زفولون اورليف، اضر "اضرارا شديدا" بالرواية الصهيونية، وقد أحسن وزير التربية الصنع بالغائه تدريس المصطلح، لانه اعاد بذلك سلامة العقل الى الجهاز. بعبارة اخرى كان تدريس المصطلح الراسخ في الواقع المشوه للمجتمع العربي في اسرائيل، أمرا غير سليم.

هذه هي الحال ايضا بالنسبة لـ "قانون النكبة": ان مجرد ذكر اليوم الذي يراه العرب رمزا لمعاناتهم (ولا معترض على كونهم قد عانوا) يهدد الاحساس بالعدل والاخلاق اليهودي تهديدا شديدا. أيوجد محل لضحية اخرى على منصة الضحايا التي يوجد لليهود حق امتلاكها وحدهم؟ أيوجد محل لمعاناة شعب اخر على هذا المذبح؟ أم أننا نخاف أن توجه الينا والعياذ بالله اصبع اتهام تكشف عن  اسهامنا في المعاناة الفلسطينية.

وإن هذا غير كاف: إن استيراد كتب طبعت في عدد من الدول العربية ايضا – حتى لو كان الحديث عن ترجمة كتب من الانكليزية – يهدد القلة اليهودية الى حد حظر الاستيراد. ينضم الى ذلك اقتراح الوزير كاتس الاخير تحويل اسماء البلدات، كي يمنع من أن يغرق المجال العام بأسماء عربية تخيفنا كثيرا.

ينبع الظلم في الميزانيات والتعيينات، والوظائف والمناصب، مقدار النقل العام والبنى التحتية الذي يعانيه المجتمع العربي (ولا معترض على هذا الظلم على الاقل) هو ايضا بقدر كبير من احساس الكثرة بالخوف. لانه يوجد في اساس الظلم الافتراض شبه المكشوف ان العرب ليسوا سوى طابور خامس سيضر بنا في اللحظة المناسبة. لا يشوش على هذا الافتراض حقيقة ان "لحظات مناسبة" كهذه وجدت كثيرا في السنين الـ 61 الاخيرة، ولم يتوجه أي طابور خامس الى الجمهور اليهودي. فمشاعر الاحساس بالتهديد والخوف في جهة والحقائق في جهة اخرى.

لاحظ الباحثون والمفكرون ان احد الاعراض التي خلفتها صدمة الكارثة هو خوفنا الجماعي من اظهار الضعف. لا يحل لنا ان نبدو او ان يعتقد اننا ضعفاء. من هنا تأتي الردود المبالغ فيها على كل تهديد (انظر شكل نشوب حرب لبنان الثانية)، ومن هنا يأتي الاحجام عن تحسس الدول العربية للسلام، ومن هنا يأتي عدم القدرة على تحمل فكرة أن العرب عانوا ايضا في حرب التحرير، ومن هنا – حتى يأتي الخوف الشخصي من ان نرى"مغفلين".

أمة هي كثرة قوية في بلدها تشعر وتسلك سلوك قلة مطاردة. لو كان هذا شخصا وحيدا لحاولنا مساعدته بتوجيهه الى العلاج. لكن دولة لا تستطيع ان تذهب للعلاج، وكل ما تستطيع فعله ان تبدأ الخلاص من الخوف غير العقلاني وأن تقرر سياسة لا تحركها مخاوف وقلق. وفي الختام، ان ظل الجبال ليس بالضرورة الجبال أنفسها.