خبر مرحبا بالضيف الكبير! ..رشاد أبوشاور

الساعة 05:31 ص|05 أغسطس 2009

مرحبا بالضيف الكبير! ..

رشاد أبوشاور

يوم الأربعاء 29 تموّز (يوليو) وصل إلى مقّر المقاطعة، المقر الرسمي لقيادة السلطة في رام الله، السيّد محمد غنيم المعروف بأبي ماهر، عضو اللجنة المركزيّة لحركة فتح، والذي ظّل يقيم في تونس قبل أوسلو وبعده، ولم يعد إلى (الداخل) بعد اتفاق أوسلو، وبقي على رأس مكتب التعبئة والتنظيم الفتحاوي، وإن عن بعد، ولكّل أقاليم فتح بما فيها إقليم الصين، فحيث يوجد تنظيم لفتح يعتبر البلد إقليما فتحاويّا، وهذا الأمر حقيقي وليس سخريةً لا سمح الله!

اصطحبه معه رئيس السلطة أبومازن، ربّما لتجنيبه حرج المثول أمام ضبّاط الموساد والأمن (الإسرائيليين) الذين يشرفون على المعبر، جسر الملك حسين من الجانب الأردني، وجسر النبي من الجانب، ماذا أسميّه؟.. الذي يهيمن عليه الاحتلال.

قبل وصول أبي ماهر بصحبة رئيس السلطة كانت كاميرا تلفزيون فلسطين تدور حول المستقبلين المحتشدين في باحة مقّر المقاطعة بلقطات بانوراميّة، ثم بلقطات كلوز أب لتقترب منهم ومن وجوههم وتنقل حركاتهم، وكنت أتذكّر تلك الوجوه التي عرفتها في بيروت، ودمشق، وتونس...

كان أغلب الحضور يرتدون حللا رسمية رغم حرارة الطقس، وكأنهم في عيد، وكانوا يتباوسون وينزلقون بين الحشد وكأنهم يؤدون حركات سلو موشن.

هناك مصطلح رائج لدى السجناء الفلسطينيين عن فترة الاستراحة اليوميّة التي يسمح بها السجّانون، هي (الفورة)، حيث يتاح للسجناء أن يُحرّكوا أعضاءهم، وأن يلتقوا، ويتنفسوا، ويتعانقوا ، ويتبادلوا الأحاديث وإن بسرعة، ويتوجهوا للحمّامات لقضاء الحاجة...

كان مشهد الناس المحتشدين يوحي بأنهم في (فورة)، وهي غير الثورة، والفورة ساعة من الزمن يسمح فيها للسجناء والأسرى أن يغادروا الزنزانات، أمّا (الثورة) فهي للحريّة غير المحدودة، المنتزعة، والتي باتت فتح تُعرف بها منذ 1/1/ 65 :

ثورة ثورة حتى النصر

البنت التي تُعلّق في فضائية فلسطين ـ وهي فضائية مسكينة، وهذا أقّل ما أصفها به ـ بانتظار وصول أبي ماهر مع رئيس السلطة لم تجد ما تعبر به عن واقع الحال سوى بالعبارة التي رددتها كثيرا:

مرحبا بالضيف الكبير

والضيف هو أبو ماهر..فمن المُضيف؟ إنه من يتحكّم بالدخول والخروج في المعبر، لذا بدا أبوماهر عندما وصل وأطّل على المحتشدين، مُتعبا، مُرهقا، تائه النظرات، فهو عائد بتصريح تمّ بعد وساطة، ولذا كانت كلمة أبي ماهر قصيرة، مشتتة، غير مترابطة، حزينة، و..مناسبة لهكذا عودة غير مظفّرة!

أبوماهر أراد أن يُقسم على مواصلة طريق التحرير وخيار المقاومة، ولكنه تردد، وتلعثم ..وهو تذكّر كما يبدو شروط هذه العودة: لا تُقسم على مواصلة الكفاح ، فأنت تعرف كيف دخلت!

الداخلون مع أبي ماهر لم نرهم في المشهد، إذ يبدو أن الاحتلال استبقاهم على الجسر لأخذ المعلومات عنهم، والتدقيق في شخوصهم، وهوياتهم، ومن أين جاؤوا، مذكرا إيّاهم بأن بقاءهم في بيت لحم لأسبوع فقط، فهذا أحد شروط الضيافة و..السماح لهم بالدخول!

لا أعرف لماذا لم يخطر ببال القائمين على تلفزيون فلسطين أن يضعوا أغنية سميرة توفيق المرّحبة بالضيف:

يا هلا بالضيف ضيف الله

أحباب الروح إي والله

ما بنرضى تروح من عنّا

ما بنرضى تروح لا والله

ولكن الأغنية مُحرجة لأن المّضيف وهو الاحتلال لا يرحّب بالداخل، ولا أقول بالعائد إذ إن حّق العودة لا يكون بإذن من الاحتلال...

عندنا مثل يقول : اللي عاكمك حاكمك..وكلمة عاكمك معناها : الذي يقبض عليك ويقيّد يديك من خلف ويشدّك إلى صدره وأنت عاجز عن فعل المقاومة _ مع إنها مستطاعة ومطلوبة_ فهو يتحكّم بك ..والمثل لا ينصحك بالسكوت والسكون، ولكنه يذكّرك بواقع الحال الذي أنت فيه...

من دخلوا ضيوفا سيرون حال وطنهم عن كثب بالعين، وما تراه العين غير ما تسمعه الأذن. سيرون بيت لحم، والقدس، وما يحيط بهما. سيرون جبل ( أبوغنيم) والجرافات وهي تكتسح الأشجار مقتلعة لها من جذورها، والإسمنت يرتفع ليفصل الصلة بين بيت لحم والقدس والتي عمرها من بداية خلق الله للأرض وتعرّف البشر عليها وهي هكذا، ليأتي الاحتلال وينهي تواصل المدن الفلسطينيّة، ويمسخ هويتها...

كيف سيفكّر الداخلون لحضور المؤتمر السادس؟ هذا السؤال يشغل بالي.

هل سيطرحون الأسئلة على قيادتهم الأسلويّة التي تتصدر المؤتمر، والداعية له، والتي حصلت على التصاريح لإدخالهم؟

هل سيتساءل القادمون من لبنان، وسوريّة، والأردن، ومصر، ومن الساحات بما فيها ساحات الصين وفيتنام والجزائر، أمام هول ما يرون، عن أي خيار بقي لهم، وللشعب الذي قادوه لعقود: كيف ننقذ وطننا؟ ما الخيار أمامنا، أهو الكفاح بكافة أشكاله وعلى رأسه الكفاح المسلّح، أم مواصلة خيار التفاوض وأوسلو الذي أوصل وطننا إلى هذا الحال الذي لن يسمح بقيام دولة فلسطينيّة؟!

وإن اختلس بعضهم زيارة سريعة إلى الخليل، ونابلس، وجنين، وطولكم ..فماذا ستقول له المستعمرات والحواجز والجدار؟ ماذا ستقول له الحقول المتلفة، والأشجار المقتلعة، أو الجافة لأنها ظمأى بينما الماء يسرق في مضخّات عملاقة واضحة للعيون، تذهب بالماء الفلسطيني إلى أفواه وأبدان اليهود من شتى (الأقاليم) والساحات التي جُلبوا منها، وإلى أشجار الزينة أمام بيوتهم في مستوطناتهم ، بما فيها العشوائيّة؟!

هل سترتفع أصوات من أُذن لهم بالدخول لأسبوع مُحملة أبا مازن، وقريع، ودحلان، وصائب ..مسؤولية هذا الواقع المروّع، وهذا المأزق الكارثي الذي أدخلوا فيه فلسطين، ومسيرة الكفاح، والشعب العنيد طويل النفس الذي ينتظر من يُغيّرون، ويحملون المشعل والراية من جديد ويبعثوا الأمل، ويشقّوا الطريق إلى المستقبل وسط النار والحديد، متخطين الحواجز والجدار والمستوطنات، مُشعلين أرض فلسطين بنار الحقد على مُحتل لا يفهم سوى لغة النار ردّا على جرائمه، ورفضه للسلام، وإدارته للظهر متحديا العالم كلّه بدعم أمريكي من كل الإدارات بما فيها إدارة أوباما كلينتون، والحاكم الأمريكي العام : دايتون.

كل داخل من أعضاء فتح للمشاركة في المؤتمر السادس سيضيف صوتا لهذا المؤتمر الذي نتيجته الحتميّة شّق حركة فتح، وتجزأتها، وتمزيقها، فبماذا سينطق في المؤتمر هذا الداخل الذي لا صلة له بعبد الرحمن الداخل الذي بنى في الأندلس دولة وهو فرد؟!

لا عذر للصامتين، فالصمت عن قول كلمة الحّق هو صفة للشيطان الأخرس!

من يحضر هذا المؤتمر يجب أن لا ينطلق من مصلحته الشخصيّة، فهناك حركته، ووطنه، وقضيته..وهي المرآة، فلينظر ليرى وجهه، وفمه، وصوته..فبماذا سينطق، أم إنه سيرى فما مُطبقا، يبايع المتحكمين بهذا المؤتمر، والذين لن يتراجعوا عن طريق الخراب الذي اختاروه...

فلسطين لا ترحب بكم أيها المؤتمرون، لأنها أسيرة، والأسيرة لا تتبادل عبارات الترحيب مع أهلها، ولكنها تصرخ فيهم لعلّها تحرّك رجولتهم، ونخوتهم، رجالاً ونساء..وفي تاريخ فلسطين قاتلت امرأة وقادت الجيوش وهزمت المغول..تلك المرأة هي الأميرة ذات الهمّة..فهل ستكونون ذوي همم رجالاً ونساءً، وتنقذون حركتكم، وقضيتكم، وشرفكم كأشخاص؟!