خبر المؤتمر الحقيقي خارج القاعة

الساعة 05:29 ص|05 أغسطس 2009

المؤتمر الحقيقي خارج القاعة

الانتخابات تهيمن على النقاشات وتيّاران يتصارعان على «المركزية» و«الثوري»

فلسطين اليوم / وكالات

انطلق المؤتمر السادس لحركة «فتح» في مدينة بيت لحم أمس، في ظل تشديدات أمنية غير مسبوقة، لتزول الأسئلة والشكوك الكثيرة التي لاحقت موعد انعقاده. لكنَّ الانطلاقة التي تأخّرت 20 عاماً، فتحت باباً جديداً من أسئلة لم تُحسَم بعد حول مستقبل الحركة وما سيتمخض عن مؤتمرها السادس؛ فهل سيكون الحدث الذي يشغل الساحة الفلسطينية والدولية على حدٍّ سواء، «ولادة جديدة لحركة التحرر الوطني»، أم أنه «سيكرّس الوضع الراهن ويحبط آفاق التجديد»؟ حتى الآن، تطوف هذه الأسئلة في أفق بيت لحم وتغرق في صلب السجال الداخلي.

وكما هي حال معظم المؤتمرات الكبيرة، فإنّ الحديث من على المنصات والبيانات الموزّعة على الصحافيين في الافتتاح وما يليه، لا تعكس بالضرورة وضع المؤتمر وسير أعماله، لأنّ الحقيقة تكمن دائماً في الغرف المغلقة ووراء الكواليس البعيدة عن عدسات الكاميرات.

وتتخذ هذه الصورة التقليدية بعداً خاصاً في مؤتمر حركة «فتح»، إذ إنه ينعقد بعد فترة كانت كفيلة بأن تخلق الكثير من مواضيع النقاش والخلاف، بحيث إن المؤتمر هو الجسم الأعلى والوحيد المخوّل لانتخاب اللجنة المركزية للحركة (21 عضواً) ومجلسها الثوري (128 عضواً).

ومن بحث عن «كثير من التجديد» لم يجده في كلمة الرئيس أبو مازن؛ فقد عاد الأخير في معظم خطابه إلى الماضي البعيد، بدايةً في تأسيس الحركة ومنظمة التحرير الفلسطينية، وصولاً إلى محطات مفصلية في التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني والحركة، وحضور ياسر عرفات ورحيله.

وقد تكون العودة إلى التاريخ ضرورية لوضع الحيثيات السياسية في سياقها التاريخي، لكنّ عدداً ممن حضروا المؤتمر أرادوا «الإسهاب في المستقبل، لا العكس». عبّر أحد هؤلاء عن خيبته من خطاب عباس في دردشة مع «الأخبار» قائلاً «كنّا نتوقع أمراً مغايراً، العالم أجمع كان بالانتظار. من يريد انطلاقة جديدة، عليه الحديث عن المستقبل أكثر من الحديث عن الماضي».

وفي أعقاب السياق السياسي، كان المئات من أعضاء المؤتمر موجودين خارج قاعة المؤتمر أثناء الخطابات. وفي ردّ على سؤال «لماذا يغيب هذا العدد الكبير من الأعضاء عن القاعة أثناء إلقاء الكلمات؟»، أجاب أحد الأعضاء الفاعلين بأن «المؤتمر الحقيقي ينعقد خارج القاعة، وهذا طبيعي، لأن الانتخابات التي ستجرى بعد يومين هي التي ستقرر مستقبل الحركة».

ومن المفترض أن يكون البرنامج السياسي للحركة، الذي سيولد بعد يوم الخميس المقبل، هو أهم ما سينبثق عن المؤتمر السادس، لكن انتخاب الهيئات العليا للحركة يبقى موضوعاً مهيمناً على كل التفاصيل، حتى لو حاول بعض القياديين التقليل من شأنه. وعن الانتخابات المرتقبة، قال مصدر مطّلع على مجريات الأحداث، في حديث إلى «الأخبار»، إنّ هناك «صراعاً عنيفاً» تدور رحاه بين تيارين داخل فتح: الأول بقيادة الرئيس محمود عباس، والثاني بقيادة أشخاص أسماؤهم غير بارزة إعلامياً، لكنهم قياديون ميدانيون. ويوضح المصدر نفسه أنّ غرف المؤتمر المغلقة ستكون «مثقلة بالملفات، منها سقوط غزة بأيدي حماس (في 14 حزيران 2007) والعلاقة مع الحركة الإسلامية، وهناك من يريد أن يطرح قضية الفساد».

أما على مستوى التصريحات الرسمية، فيبدو المؤتمر أفضل حالاً. وقال القيادي الفتحاوي جبريل الرجوب، لـ«الأخبار»، عن الانتخابات المنتظرة إنّ «مسألة من سيُنتخَب لم تكن ولن تكون مشكلةً في فتح، وتحديداً في هذا المؤتمر الذي يشكل انطلاقة ثانية للحركة»، مشدّداً على أن الأهم هو «كيف سنخرج موحدين بآليات استراتيجية لها علاقة بتاريخ حركة فتح». وردّاً على سؤال عن موقع الانقسام الفلسطيني في نقاشات المؤتمر، لفت الرجوب إلى أن «ترتيب البيت الفتحاوي هو الخطوة الأولى لترتيب البيت الفلسطيني العام، وهي الخطوة الأولى لإنجاز المصالحة، من منطلق أنّ فتح هي العمود فقري لحركة التحرر الفلسطيني».

لكن القيادي الآخر حاتم عبد القادر، كان أقل تفاؤلاً في ما يتعلق بوضع حركته، وقد أوضح، في حديث مع «الأخبار»، أنه ليس متأكداً من أن يُحدث المؤتمر «التغيير الذي نريده، لكن على الأقل لنبدأ بالتغيير»، مبرّراً قوله بالإعراب عن ثقته بأنّ التغيير في حركة «فتح يحتاج إلى أكثر من مؤتمر».

واكتفى عبد القادر بالتمنّي أن يتمكّن المؤتمر من تبنّي «برنامج سياسي قادر على أن يضع الحركة على المسار الصحيح كحركة تحرّر وطني، لا كحزب سياسي»، لأنّ مهمة تحرير الوطن لم تُنجَز بعد «وعلى فتح أن تبقى قائدة للنضال الوطني الفلسطيني».

في المقابل، بدا القيادي نبيل شعث جازماً في الإعراب عن اعتقاده بأنّ هذا المؤتمر «سيوّحد فتح، ويساعدها على تصحيح مسارها. وإذا تمّ ذلك، فإن هذا سيقودنا إلى مزيد من الجهود لتحقيق الوحدة الوطنية. ومن ثم سنكون أكثر قدرة للتعامل مع الاحتلال وإنهائه وتحقيق حلمنا».

وفي تعقيبه على قضية استئناف الكفاح المسلّح، ذكّر شعث بأن حركته، «وهي تخوض مفاوضات سلام، لم تتخلّ عن حقها في المقاومة المسلحة ولا عن إحقاق المشروع للشعب الفلسطيني، ولم تتوقف عن ممارسة أشكال أخرى للكفاح، وتحديداً في نلعين وبلعين». واختصر المعادلة الحالية بأنّ «فتح انطلقت بالكفاح المسلح وهذا حقنا، ولكن اخترنا الآن التفاوض. أما حماس فقد اختارت الآن التهدئة وأوقفت كل كفاحها المسلح ضد إسرائيل». وخلص إلى أنه «ليس مطلوباً من قيادات الشعوب أن تنهك شعوبها إلى الأبد، فالشعب يريد أحياناً فرصة للعمل السياسي، ولا أحد يتخلّى عن حقه بالكفاح».