خبر استراتيجية انسحاب اسرائيل الاحادي*

الساعة 10:25 ص|04 أغسطس 2009

 

استراتيجية انسحاب اسرائيل الاحادي*

دروس ومعان واثار

بقلم: د. شموئيل ايفن**

        اضطرت اسرائيل في السنين الثلاث الاخيرة الى ادارة معركتين عسكريتين في المناطق التي انسحبت منها انسحابا من طرف واحد – جنوب لبنان وقطاع غزة – لتواجه تهديدات زادت بعد انسحابها. ان الساحتين اللتين انسحبت اسرائيل منهما الى حدود دولية لمنع مواجهة اصبحتا اكثر الساحات عنفا. فضلا عن ذلك انسحبت اسرائيل وهي تقصد تحقيق خطة الانطواء في يهودا والسامرة، بعد الانفصال عن غزة. على خلفية هذه الحقائق يفحص في هذه المقالة عن سؤال هل الانسحاب من طرف واحد هو استراتيجية مناسبة لاحراز اهداف اسرائيل القومية، في ظروف لا يمكن التوصل فيها الى اتفاق سياسي ملائم في الامد القريب.

        يتم الفحص على حسب المنطق والتوقعات التي حددها المبادرون الى هذه الاجراءات ازاء النتائج المتدينة اليوم. هكذا مثلا يمكن ان نخمن انه لو علم رئيس الحكومة شارون كيف يبدو الواقع الامني اليوم، فانه لا يظن انه كان ينفذ خطة الانفصال. الغيت خطة الانطواء قبل ان يبدأ تطبيقها لان منطقها لم يثبت لامتحان الوقت حتى في نظر المخططين لها. فيما يتلو من الحديث سنرى انه في كل واحد من الاحداث قل منطق استعمال استراتيجية الانسحاب من طرف واحد: ففي الانسحاب من جنوب لبنان كان منطق كبير، وكان للانسحاب من قطاع غزة منطق محدود، اما خطة الانطواء فكان لها منطق ضئيل بالنسبة لتلبية احتياجات اسرائيل الاستراتيجية.

        احد الدروس التي تعرضها هذه المقالة هو الحاجة الى ان تمتحن مقدما اجراءات تبادر اليها اسرائيل برؤية نظامية بعيدة الامد، وان يحلل عدة خطوات الى الامام السلوك المتوقع لكل العناصر المؤثرة في النظام. مثلا في الانفصال لم تفكر اسرائيل في امكان ان انسحابها سيحدث تغييرات عميقة في الجهاز الفلسطيني المركب وان النتيجة النهائية ستكون مختلفة جدا عما توقعته وانها لم تفكر كذلك في كامل حدود قدرتها على التأثير فيما يحدث في المناطق التي أخلتها. تبين أن جهاز دعم الانسحاب – ضربة عسكرية قوية في حالة نقض التهدئة بعد الانسحاب، يقتضي تركيز قوى عسكرية كبيرة من النيران والمناورة؛ وان انجازاتها ليست مفهومة ضمنا بسبب القدرات التي طورها الطرف المعادي.

        الانسحاب من جنوب لبنان

        في الرابع والعشرين من ايار 2000 انسحبت اسرائيل احاديا من جنوب لبنان الى الحدود الدولية. وبهذا انقضى مكث الجيش الاسرائيلي في الشريط الامني منذ عملية سلامة الجليل في 1982. كانت اعتبارات هذا الانسحاب ما يلي:

1.      عدم رد عسكري كاف لاستراتيجية وتكتيك قتال حزب الله اللذين افضيا الى خسائر كبيرة نسبيا بين جنود الجيش الاسرائيلي والى ضغط عام ثقيل في اسرائيل. تهاوى الشريط الامني واصبح عبئا عسكريا وسياسيا.

2.      كانت اسرائيل تنوي التمسك بالشريط الامني حتى احراز اتفاق سلام مع سورية ولبنان، لكن اخفاق احراز اتفاق معهما وثمن الوجود في لبنان افضيا بها الى محاولة ان تصوغ الساحة من جديد بلا اتفاق. توقعت اسرائيل في المدة الزمنية القريبة وقف المس بجنود الجيش الاسرائيلي وان تخسر سورية ورقة مساومة – للضغط على اسرائيل بوساطة حزب الله. وفي امد ابعد توقعت اسرائيل زيادة الضغط لخروج القوات السورية من لبنان وانخفاض شرعية وجود قوة حزب الله العسكرية (حل منطق "المقاومة").

3.      توقع تحسن مكانة اسرائيل الدولية. فقد توقعت اسرائيل بالانسحاب الى خط الحدود الدولية ان تحظى ردودها على الاعمال العدوانية من لبنان بشرعية دولية.

ان الانسحاب من طرف واحد من لبنان أسهم حقا في تحسين صورة اسرائيل في الساحة الدولة، لكنه اضر اضرارا شديدا بصورتها في الساحة الاقليمية. فقد كان مصحوبا بحملة اعلامية واسعة لحزب الله، زعم فيها نصرالله ان اسرائيل اضعف من خيوط العنكبوت. رأى العالم العربي الانسحاب انجازا لم يسبق له مثيل لحزب الله، الذي جعل اسرائيل بعناده ومثابرته تنسحب – اول مرة في تاريخها – بلا اية شروط سابقة وبلا املاء دولي. يبدو ان الانسحاب اسهم في اضعاف اعتقاد العرب انه لا يمكن هزيمة اسرائيل بالقوة العسكرية، وقوى هذا الامر الاسلام المتطرف الذي يؤيد القضاء على اسرائيل. كان انجاز حزب الله احد العوامل التي حمست الفلسطينيين قبل نشوب انتفاضة الاقصى. بعقب الانسحاب تضاءل جدا الاحتكاك بين اسرائيل وحزب الله. لكن حزب الله بحث بكل طريقة عن نقاط احتكاك جديدة، تسوغ استمرار الكفاح المسلح، ومنها اختطاف اسرائيليين، واطلق سجناء لبنانيين في اسرائيل، وطلب اعادة مزارع شبعا الى لبنان وزعم السيادة اللبنانية على سبع قرى شيعية خربة في الجليل.  كان يفترض ان ترد اسرائيل كجزء من الاستراتيجية من طرف واحد ردا اقوى على كل تحرش ونقض واضح للوضع الراهن الامني. لكن ردودها كانت معتدلة نسبيا، واملى حزب الله قواعد اللعب، الى ان اتى اختطاف الداد ريغف وايهود غولدفاسر في تموز 2006 الذي نشبت اثره حرب لبنان الثانية. كان رد اسرائيل على الاختطاف شديدا جدا من جهة الضررر الذي الحقته بلبنان الى حد ان نصرالله اعترف بانه لو علم بان اسرائيل سترد على هذا النحو لامتنع من الاختطاف. قد يدل هذا التصريح على ان استراتيجية ردعية ملائمة من قبل اسرائيل كانت تستطيع منع الحرب. ان الضربة التي اوقعتها اسرائيل بحزب الله غيرت قواعد اللعب على الحدود، لكنها لم تغير التهديد الاستراتيجي المطل من هذه الجبهة، بل قد تكون عجلت تسلح حزب الله.     التطورات التي حدثت في النظام اللبناني بعد الانسحاب لم تحدث كما توقعت اسرائيل، فقد قويت مكانة حزب الله وكذلك تأثير ايران في لبنان. لقد اضر الانسحاب بشرعية بقاء سوريا في لبنان وحرك مسيرة انتهت الى اضطر جيش سوريا الى الانسحاب من لبنان في نيسان 2005 – كما أملت اسرائيل لكن تبين أن الامر كان خطأ. اليوم بعقب النظام الجديد الذي نشأ في لبنان، يشك في ان تكون سوريا قادرة على ان تأتي مائدة مفاوضة اسرائيل بتلك الخيارات التي كانت تستطيع الاتيان بها في الماضي. فقبل الانسحاب السوري من لبنان كان واضحا ان اجراءا سياسيا مع سوريا سيشتمل ايضا على لبنان، اما اليوم فلا ثقة من ذلك بسبب قوة حزب الله وتدخل ايران في لبنان. ان القيمة الاستراتيجية لاتفاق مع سوريا كبيرة في حد ذاتها. لكنها بغير حل في الساحة اللبنانية ضئيلة بقدر كبير لان التهديد لاسرائيل من هذه الساحة لا يقل عن تهديد سوريا العسكري.

        برغم العيوب الكثيرة لانسحاب اسرائيل من لبنان من طرف واحد، ما يزال الى اليوم يبدو اجراءا حقا، كان لضرورة الواقع العسكري والسياسي في اسرائيل لحينه. مع ذلك يبدو انه كان يمكن فعله على نحو مختلف يسببب لاسرائيل اضرارا اقل بصورتها.

 

الانفصال عن قطاع غزة

        في ايلول 2005 انسحبت اسرائيل من قطاع غزة وأخلت المستوطنات التي كانت فيها. نبع الانسحاب من قطاع غزة كالانسحاب من جنوب لبنان من طموح الى صوغ الواقع السياسي – الامني باجراء من طرف واحد بعد فترة سنين من عدم حل سياسي. بدأت فكرة الانسحاب من طرف واحد تنشأ في اسرائيل في بدء العقد، في اثر خيبة أمل اسرائيل من الفلسطينيين، الذين رفضوا مقترحات حكومات براك السخية لتسوية دائمة وبدأوا انتفاضة الاقصى. من أجل ذلك خلص الجانب الاسرائيلي الى استنتاج انه لا يوجد شريك في الجانب الفلسطيني. تبنى رئيس الحكومة اريئيل شارون فكرة الانسحاب من طرف واحد (التي اصبحت بعد ذلك خطة الانفصال).

        عرض شارون خطة الانفصال أول مرة في مؤتمر هرتسليا في 18 كانون الاول 2003. قال شارون انه يفضل التمسك بخطة خريطة الطريق، لكنه لن ينتظر الى ان يجتهد الفلسطينيون في حل النزاع، وأنه سيبادر في خلال شهور اجراء من طرف واحد يشتمل على اخلاء المستوطنات وهذا ما قاله: "ستشتمل خطة الانفصال على نشر قوات الجيش الاسرائيلي من جديد، وخطوط أمنية جديدة وتغيير لنشر المستوطنات، بحيث يقل قدر المستطاع عدد الاسرائيليين الموجودين داخل السكان الفلسطينيين. سنرسم خطوطا أمنية عرضية وسينتشر الجيش الاسرائيلي على هذه الخطوط. سيلبي انتشار الجيش الاسرائيلي الأمن، وكذلك الجدار الأمني وعوائق مادية اخرى. ستقلل خطة الانفصال الاحتكاك بيننا وبينهم. سيتم نقل المستوطنات قبل كل شيء لرسم حد أمني ناجع قدر المستطاع يحدث ذلك الانفصال بين اسرائيل والفلسطينيين. لن يكون هذا الخط الأمني الحد الدائم لدولة اسرائيل لكن الجيش الاسرائيلي سيكون منتشرا على طول هذا الخط الى ان يتجدد تطبيق خريطة الطريق. بمقابلة ذلك وفي اطار خطة الانفصال، ستعزز اسرائيل سيطرتها على أجزاء أرض اسرائيل التي ستكون جزءا لا ينفصل عن دولة اسرائيل في أي تسوية في المستقبل".

        قدر زئيف شيف لحينه أن الانفصال عند رئيس الحكومة اريئيل شارون بدأ بفكرة اخلاء ثلاث مستوطنات في القطاع – نتساريم، وكفار داروم وموراغ، وتطورت الامور بعد ذلك. واضاف شيف: "ليس معلوما الى اليوم مع العامل الرئيس الذي بعث اريئيل شارون على ان يغير من نقيض الى نقيضه تصوره الاستراتيجي الأمني وان يقترح خطة "الانفصال" عن قطاع غزة وشمال السامرة. من المحقق أنه توجد عدة اسباب لذلك لكن يبدو انه توصل الى استنتاج أنه برغم انجازات اسرائيل في مكافحتها الارهاب فانها لا تستطيع جعله يستسلم. وادرك ايضا ان الاحتلال يضر اضرارا شديدا بمكانة اسرائيل الدولية ويقوض اسس المجتمع والاقتصاد".

        وكان تقدير مهم آخر مؤيد للانسحاب من القطاع من طرف واحد هو الاعتراف بأن هذه المنطقة لها احتمالات ضعيفة أن تشتمل عليها دولة اسرائيل في التسوية الدائمة، وعلى ذلك فأفضل لاسرائيل ان توفر على نفسها العبء الأمني والسكاني في السيطرة على هذه المنطقة. تؤيد هذا التقدير الحقائق التالية:

1.  كان الضعف السكاني اليهودي في قطاع غزة مطلقا. فقد كان السكان اليهود في القطاع نحوا من 0.6 في المائة فقط من السكان الفلسطينيين. ولم يمكن وجود المستوطنات اليهودية بين مركزين عربيين كبيرين للسكان من مرونة كبيرة بالنسبة لامكان ضمها الى اسرائيل في المستقبل.

2.  الصلة التاريخية لدولة اسرائيل بقطاع غزة أقل من صلة الدولة بمناطق يهودا والسامرة، ونشأ في المجتمع الاسرائيلي لحينه اجماع واسع جدا على قضية الانسحاب من هذه المنطقة.

3.  تملك اسرائيل قدرة كبيرة نسبيا على أن تستعمل على المنطقة أدوات ضغط عسكرية من الخارج، بسبب مساحتها الصغيرة ومحدودية المنطقة.

4.     جبى القطاع ثمنا من الارواح. فمنذ 1967 حتى الانسحاب قتل في القطاع 230 اسرائيليا.

كان تقديم الخطة والانسحاب من قطاع غزة مصحوبين بحملة تسويق ناجحة. فقد حل مصطلح "الانفصال" محل المصطلح (الانهزامي) "الانسحاب من طرف واحد". وقد أدى رسالة أن اسرائيل تنوي ان تبادر بنفسها وأن تنفصل عما يتم في القطاع، وعن المشكلات المتعلقة به وعن المسؤولية الاخلاقية عما يحدث فيه. وقد خدم خدمة صادقة صاغة الرأي العام وقادة المعركة في الساحة الاسرائيلية الداخلية، الذين أحرزوا اجماعا واسعا في المجتمع الاسرائيلي على الانفصال.

    أنشأ المستوى السياسي توقعات عالية من اجراء الانفصال. قال رئيس الحكومة شارون في خطبة في المركز الاسرائيلي للادارة في الـ 29 من ايلول 2005: "عنوان مؤتمركم هو "القرارات تستطيع تغيير مسار التاريخ". وأنا، وقد حظيت برؤية اتخاذ القرارات في عدة احداث ذات شأن في تاريخنا القصير، أريد أن اقول لكم ان هذا صحيح... في المجال السياسي بادرت على خطة الانفصال – وهي خطة أتت للدفاع عن مصالح اسرائيل الحيوية. أثمر تطبيق خطة الانفصال مع مكافحتنا الحازمة للارهاب ثمرات في جميع المجالات. تحسن وضع اسرائيل السياسي كثيرا منذ تطبيق الخطة. وقد أفضى بنا الأمر الى انخفاض كبير لمستوى الارهاب وزدنا أمن مواطني اسرائيل الشخصي. وترى الاسواق الدولية خطة الانفصال خطوة تفضي الى استقرار أمني واقتصادي، وهو أمر يحدث حركة مالية الى الاقتصاد الاسرائيلي وزيادة حادة للاستثمارات الاجنبية".

    بين منسق الانفصال في مكتب رئيس الحكومة العميد (احتياط) عيبال جلعادي: "قررنا حسم حقيقة أن القيادة الفلسطينية هي التي تملي علينا المستقبل. بعد عشر سنين من التحادث بهدي من أوسلو واكثر من ثلاث سنين من الصراع الذي استوجب خسائر كثيرة، قررنا تنفيذ الانفصال؛ من الصحيح أن نقول أننا لو تابعنا بلا انسحاب من طرف واحد، لاصبح التفاوض بلا  أمل ولم نكن لنتوصل بعد سنين كثيرة الى نتائج".

    كيف نظر الفلسطينيون الى خطة الانفصال؟ كانت الصورة في الجانب الفلسطيني مختلفة. فعندما نشرت خطة الانفصال بارك الفلسطينيون الانسحاب ورأوه ثمرة نجاح الانتفاضة. مع ذلك نظروا الى الخطة بارتياب وعبروا عن خوف من وقف مسيرة الانسحاب ومن امكان أن يصبح القطاع سجنا كبيرا. في استطلاع أجراه في آذار 2004 المركز الفلسطيني للابحاث السياسية والاحصائية، على 1320 فلسطينيا في 120 محلة سكن في قطاع غزة والضفة، اعتقد 42 في المائة من المستطلعة آراؤهم ان الانسحاب سيقلل احتمالات السلام، واعتقد 23 في المائة ان الخطة ستزيد احتمالات السلام، وقال الباقون انهم لا يعلمون.

    زادت خطة الانفصال شهوة الفلسطينيين. فمثل دعاوى حزب الله بعد الانسحاب من لبنان (قضيتي مزارع شبعا في الجولان وخرب القرى السبع الشيعية في الجليل)، وجد الفلسطينيون نقط خلاف جديدة مع اسرائيل حول قطاع غزة. فقد زعم محمود عباس قبيل تنفيذ الانفصال أن اسرائيل ستتابع بعد اتمام الانسحاب ايضا احتلال مناطق للفلسطينيين في شمال القطاع وشرقه. الحديث عن مناطق اشتمل عليها القطاع في خط وقف اطلاق النار الذي تقرر في 1949 باتفاقات رودوس بين اسرائيل ومصر، لكنها انتقلت الى ملك اسرائيل بعد سنة من ذلك باتفاق تبادل الاراضي.

    لم يلائم الانفصال والاحداث التي تلته توقعات اسرائيل قبل الاجراء:

1.  أحدث فوز حماس في الانتخابات للبرلمان وسيطرتها على قطاع غزة واقعا جديدا زاد تعقيد الجهاز الفلسطيني. بعقب الانفصال سيطر على القطاع كيان معاد تؤيده ايران. أصبح الفلسطينيون بعد الانفصال تحت سيطرة مختلفة في أربع مناطق جغرافية: مواطنو اسرائيل، وسكان القطاع "المستقل" تحت سيطرة حماس، والفلسطينيون تحت سيطرة اسرائيل والسلطة الفلسطينية في يهودا والسامرة، والفلسطينيون في الشتات الذين يدعون "حق العودة" الى اسرائيل.

2.  كبديل من الاحتكاك داخل القطاع زاد الفلسطينيون هنالك الاحتكاك مع اسرائيل باطلاق الصواريخ المائلة المسار. زادت هذه القدرة بفضل زيادة متراكمة لتهريب السلاح الى القطاع بسبب ترك محور فيلادلفيا في الأساس.

3.     أحبط الواقع الجديد التفاوض السياسي القائم على وحدة المناطق بين قطاع غزة ويهودا والسامرة.

 

الفروق بين الانسحاب من قطاع غزة والانسحاب من جنوب لبنان

        برغم ان الانسحاب من جنوب لبنان كان ذا عيوب غير قليلة، كانت فيه منطق أقوى كثيرا من المنطق الذي وجد في الانسحاب من القطاع. تستطيع الموازنة بين الاثنين أن تضيء ضعف الانفصال:

1.  عادت اسرائيل بالانسحاب من جنوب لبنان الى خط الحدود الدولي، وكان يفترض بذلك أن ينتهي الصراع بين الدولتين (في رؤية الجماعة الدولية على الأقل)، أما في الانسحاب من قطاع غزة فانسحبت اسرائيل الى خط الحدود في منطقة واحدة فقط. وكان من نتاج ذلك في الجملة ان الانسحاب من جنوب لبنان ضاءل بقدر كبير شرعية مس حزب الله باسرائيل، أما الانفصال فلم يمس بشرعية أن يحارب الفلسطينيون اسرائيل.

2.  في الانسحاب من لبنان تركت اسرائيل المنطقة في يد دولة ذات سيادة تقيم اتفاقات هدنة مع اسرائيل (برغم الضعف الملحوظ للسلطة المركزية)، أما في الانفصال فأبقت اسرائيل المنطقة لرحمة عناصر القوة العاملة فيها، من غير أن تستطيع الوجود ككيان مستقل مفصول عن اسرائيل (ولا سيما بسبب التعلق الاقتصادي للقطاع باسرائيل)، وبغير اتفاق أمني.

3.  لم تتخل اسرائيل بالانسحاب من جنوب لبنان عن أوراق مساومة في تفاوض في المستقبل، أما بالانفصال فيمكن أن نجد اضعافا لمواقف اسرائيل وسوابق خطرة للتفاوض في المستقبل مع الفلسطينيين. انسحبت اسرائيل بالانفصال انسحابا تاما، بلا شرط وبلا عوض من هذه المنطقة التي كان يفترض أن تشتمل عليها المفاوضة مع الفلسطينيين. في غضون ذلك هدمت اسرائيل وأخلت مستوطنات يهودية (وهذه سابقة في المنطقة الفلسطينية)، وانسحبت من القطاع بلا أي اتفاق مع الفلسطينيين.

4.  لاءم الانسحاب من لبنان مصالح الدول البراغماتية في العالم العربي، أما الانفصال فقد رأوه اجراء معاديا: قطع المسيرة السياسية، وطرح القطاع ومشكلاته على باب مصر، ومنفذا لاجراء مشابه في يهودا والسامرة، يثقل على الاردن.

5.  نفذ الانسحاب من لبنان بضغط داخلي ثقيل في اسرائيل، بسبب فشل الصراع العسكري مع حزب الله في الشريط الأمني، اما الانفصال فنفذ بمبادرة من المستوى السياسي، وخاصة بعد نجاح مدهش لاسرائيل في تحطيم الهجوم الارهابي من قبل الفلسطينيين بعملية "السور الواقي" في يهودا والسامرة وبعمليات الاحباط التي أتت بعدها. كادت الانجازات المحفورة في الوعي لهذا النجاح تمحى بعقب الانفصال.

خطة الانطواء

        اثار التحقيق السريع السهل لخطة الانفصال توقعات في اسرائيل وعند جهات أجنبية باستمرار مسارات مشابهة من قبل اسرائيل. في يوم بحث في معهد البحث "ريئوت" تم في المركز المتعدد المجالات في هرتسليا، في الـ 27 من ايلول 2005، تطرق ايال اراد، مستشار رئيس الحكومة الاستراتيجي الى السؤال الذي انشغل المؤتمر به وهو: أكان الانفصال اجراء لمرة واحدة أم استراتيجية. قال اراد: "اذا رأينا ان الجمود سيستمر وقتا طويلا، برغم أن الوضع السياسي مريح لاسرائيل، فقد نزن جعل الانفصال استراتيجية اسرائيلية. ستحدد اسرائيل حدودها تحديدا مستقلا".

        في رد على ذلك بين ديوان رئيس الحكومة شارون: "كان موقف رئيس الحكومة وما يزال أنه بعد اتمام الانفصال، ستعمل اسرائيل في تقديم مسيرة سياسية بحسب خطة الطريق فقط. كل تغيير مناطقي آخر سيبحث ويقرر فيه فقط في اطار مفاوضة في التسوية الدائمة. حتى نبلغ هذه المرحلة، اذا بلغنا، لا توجد ولن توجد اجراءات مناطقية اخرى من طرف واحد".

        بينوا في ديوان شارون أنه لا يوجد أي منطق سياسي (داخلي او خارجي) للخروج الان بمبادرة سياسية جديدة تشتمل على انسحاب من المناطق، ويرمي الانفصال الى تثبيت الوضع القائم بالضفة الغربية الى ان يتغير الفلسطينيون.

        لم يكن الاجماع الواسع في اسرائيل الذي أحرز في شأن الانفصال عن قطاع غزة موجودا بالنسبة ليهودا والسامرة. فقد تبين باستطلاع "مقياس السلام" الذي تم في 1 ايلول 2005 في مركز تامي شتاينتس لبحوث السلام في جامعة تل أبيب أن 71.5 في المائة من الجمهور اليهودي عامة في اسرائيل يعتقدون أن الانفصال عن قطاع غزة خطوة أولى في الطريق الى اخلاء واسع لمستوطنات يهودية في يهودا والسامرة، على أن ذلك جزء من اتفاق دائم مع السلطة الفلسطينية. ولن يؤمن 15.8 في المائة بأنه ستوجد اخلاءات اخرى، وزعم 12.7 في المائة أنهم لا يعلمون. وأجاب 34.3 في المائة سؤالا "ما هو موقفك من اخلاء واسع لمستوطنات في الضفة" أنهم سيؤيدون الاخلاء شرط ان يكون جزءا من اتفاق سلام، واجاب 13.5 في المائة انهم سيؤيدون ذلك حتى لو كان جزءا من انفصال من طرف واحد، واجاب 41.8 في المائة انهم لن يؤيدوا اخلاء واسعا في الضفة بأي شرط، وقال الباقون إنهم لا يعلمون.

بعد ان انتقلت سلطات رئيس الحكومة شارون – في ظروف مأساوية – الى القائم باعماله ايهود اولمرت، عرض هذا الاخير خطة الانطواء التي ابتدعها. كان يفترض بحسب الخطة ان  تخلي اسرائيل من طرف واحد ستين مستوطنة تقريبا. ومع انقضاء تحقيق الخطة كان يفترض ان تنطوي اسرائيل الى حدود 1967 تقريبا، وان يظل في سيطرتها 7 في المائة تقريبا من اراضي يهودا والسامرة فقط. قامت خطة الانطواء في مركز برنامج انتخابات حزب كديما الذي فاز في انتخابات 2006. في الجزء الاول من حرب لبنان الثانية في 2006 أعلن اولمرت ان الحرب ستعطي خطة الانطواء زخما، لكنه  اعلن بعد ذلك تعليق الخطة.

        أثرت فكرة الانفصال عن الفلسطينيين من طرف واحد بلا اتفاق تأثيرا قويا جدا في السكان بلغ الى احداث حقل جديد في المجال السياسي الاسرائيلي. لم يبقَ من هذه الفكرة ذكر في  انتخابات 2009 لكنها غير الخريطة السياسية في اسرائيل.

        كان منطق خطة الانطواء يشبه منطق الانسحابات السابقة:

1.                 محاولة صوغ واقع امني سياسي جديد من طرف واحد بعد فشل احراز اتفاقات سياسية.

2.                 محاولة تحديد لحدود دولة اسرائيل من طرف واحد.

3.                 محاولة مضاءلة الاحتكاك بين اسرائيل والفلسطينيين، ومضاءلة الخسائر من الارواح والتكاليف الامنية بذلك.

4.                 تحسين مكانة اسرائيل الدولية.

 

الفرق بين خطة الانفصال وخطة الانطواء

        تبين موازنة بين الخطتين ان النقط المنطقية المحدودة لخطة الانفصال لم توجد في خطة الانطواء في يهودا والسامرة:

1.  اهمية يهودا والسامرة الاستراتيجية اكبر كثيرا من اهمية القطاع بسبب وقوعها في مركز البلاد، وكبر المنطقة والمناطق الرئيسة (مثل الصعود من الغور الى سفح الجبل، وغور الاردن). التهديد العسكري الذي قد ينشأ من يهودا والسامرة وصعوبة استعمال الجيش الاسرائيلي (بعد الانسحاب) اكبر بالقياس الى الوضع في قطاع غزة.

2.  الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة اكبر منه في القطاع، وتوجد صلة تاريخية وثيقة بين مناطق في يهودا والسامرة (مثل الخليل) واسرائيل. قد يكون اخلاء هذه المناطق مصحوبا بمواجهة داخلية اشد مما كان في القطاع.

3.  مناطق يهودا والسامرة مهمة جدا لاسرائيل، كأوراق مساومة في التفاوض في التسوية الدائمة. وزادت اهميتها من وجهة النظر هذه بعد الانفصال عن القطاع.

4.  لم تشتمل خطة الانطواء على انسحاب الى الحدود الدولية ولا حتى انسحاب تام لقوات الامن، بل على اخلاء مستوطنات في الاساس، مثل اخلاء المستوطنات الاربع في شمالي السامرة في خطة الانفصال (مكانة هذه المنطقة تخالف مكانة القطاع الذي اخلته اسرائيل تماما). على ذلك لم تكن خطة الانطواء لتحل النزاع مع الفلسطينيين ولم تكن لتكسب اسرائيل مكاسب سياسية كبيرة في الساحة الدولية بالقياس الى كلفة الاجراء الداخلية الباهظة.

 

استنتاجات

يوجد فرق ملحوظ بين التوقعات التي علقها المستوى السياسي ومواطنو اسرائيل باستراتيجية الانسحاب من طرف واحد وبين النتائج بالفعل، كما نفصل فيما يلي:

التوقع

النتائج في الواقع

تحسن مكانة اسرائيل في الساحة الدولية بعقب الانسحاب من جنوب لبنان ومن قطاع غزة

اسهمت الانسحابات في مكانة اسرائيل الدولية. فقد تمتعت اسرائيل بشرعية دولية واسعة في بدء المعركتين العسكريتين في لبنان وقطاع غزة، لكن بعد ذلك طرأ ضعف على الشرعية بزعم "عدم التناسب"

ستمكن الانسحابات من واقع سياسي جديد يدفع قدما بالمسيرة السلمية

احدثت الانسحابات واقعا جديدا زاد من قوة معارضي السلام في المنطقة.

ستلغي الانسحابات الاحتكاك بين اسرائيل والاعداء داخل المنطقة

كبديل من انخفاض الاحتكاك داخل المنطقة طرأت زيادة على قدرة واستعمال الاعداء لسلاح مائل المسار. والى ذلك اضطرت اسرائيل الى العودة الى المنطقة والعمل بقوة كبيرة

ستلغي الانسحابات شرعية العمل لمواجهة اسرائيل من المناطق التي اخلتها

ضاءل الانسحاب من جنوب لبنان شرعية العمل في مواجهة اسرائيل، لكن حزب الله وجد نقاط اختلاف جديدة. لم يضائل الانسحاب من القطاع شرعية عمل الفلسطينيين في مواجهة اسرائئيل

ستضائل الانسحابات الحاجة والشرعية لوجود قوات مسلحة في المناطق التي اخليت لانه لن يوجد فيها اهداف اسرائيلية وسيكون حزب الله وحماس اكثر انشغالا بتحديات سياسية وحكومية

بعد الانسحاب ازدادت قوتا حزب الله وحماس العسكريتان، وازدادت خاصة قدرات اطلاق النار المائلة المسار – في كمية السلاح ومدى الاصابة. برغم التحديات السياسية لحزب الله والتحديات الحكومية لحماس فضلا زيادة القوة العسكرية

قدرات الجيش الاسرائيلي وتحذيرات اسرائيل وشرعية عمل اسرائيل من الحدود الدولية ستردع العدو عن العمل في مواجهة اسرائيل

لم يرتدع الاعداء في الجبهتين

سترد اسرائيل سريعا وبقوة عسكرية كبيرة، اذا فشل الردع (ستنشأ في المناطق التي انسحبت منها تهديدات استراتيجية او تنفذ في مواجهتها اجراءات قوة)

لم تحقق اسرائيل التهديد حتى حرب لبنان الثانية وعملية "الرصاص المصهور"

حتى لو نشأت تهديدات لاسرائيل في المناطق المخلاة فان الجيش الاسرائيلي يملك قدرات "نيران من بعيد" لعلاج المشكلات الامنية بغير حاجة الى مناورة برية

لم تفضِ قدرات الجيش الاسرائيلي على اطلاق النار من بعيد الى انجازات كافية. تبين أن المناورة البرية ضرورية، لكن استعمالها كان مصحوبا بمعضلات شديدة وكانت نتائجها محدودة

سيتم استيعاب سكان المستوطنات من قطاع غزة في مستوطنات جديدة تقام جنوبي البلاد وفي مستوطنات قديمة

كان اجراء استيعاب المجلين مصحوبا باخفاقات عميقة ولم يوجد لكثير منها رد مناسب صحيح حتى ايار 2009

ستوفر الانسحابات خسائر من المواطنين في جانب العدو

في المعركتين اصابت اسرائيل مرغمة مواطنين كثيرين بسبب طابع قتال العدو

       

 

 

في الختام سببت استراتيجية الانسحاب من طرف واحد لاسرائيل اضرار باهظة في المجالات الاتية:

 

1.  في المنطقتين اللتين انسحبت منهما اسرائيل زادت التهديدات الامنية الاستراتيجية. فقد اصبح قطاع غزة الذي كان قبل الانفصال جبهة مواجهة ثانوية مع الفلسطينيين، جبهة رئيسة ومشكلة استراتيجية ثقيلة تترك اثارها في علاقات اسرائيل بمحيطها كما تبين في عملية "الرصاص المصهور".

2.  اضرت الانسحابات بصورة اسرائيل وهي انها غير قابلة للاذعان بالقوة العسكرية. قوت الانسحابات من طرف واحد المحور المتطرف في العالم العربي الذي يؤيد ابادة اسرائيل. يبدو أن الانفصال اضر بصورة اسرائيل اكثر من الانسحاب من لبنان لان اسرائيل احدثت في اثنائه سابقة هدم مستوطنات انشأتها، بغير مقابل من الجانب العربي، في حين ان اخلاء المستوطنات لم يكن حتى مطلوبا في اتفاقات اوسلو.

3.  قوت استراتيجية الانسحاب من طرف واحد وتحقيقها صورة النضال الشيعي والفلسطيني وقيمه: الصبر والتضحية، والقدرة على الصمود، والمقاومة والتمسك بالارض. اثبت الانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة للمعسكر المتطرف انه يستطيع التوصل الى انجازات كبيرة بلا تفاوض ايضا، وهو امر كان قذى في عين المعسكر البراغماتي في العالم العربي.

4.  لم تحدث الانسحابات من طرف واحد شروطا سياسية افضل او خيارات سياسية محسنة، بل اضرت بالقدرة على تقديم تسويات سياسية.

5.  اسهم الانفصال في تدويل النزاع، اي زاد من تدخل دول اجنبية وجهات دولية في النزاع. يمكن في الحقيقة أن نجد في عملها مزايا (ولا سيما في المجال الانساني)، لكن يمكن ان نجد عيوبا ايضا، مثل الحاجة الزائدة الى اعتبار مواقفها وحساسيتها بما يحدث في المناطق.

6.  تركت الانسحابات من طرف واحد مصالح امنية لاسرائيل في ايدي آخرين، كالرقابة على تهريب السلاح والترتيبات الامنية في القطاع التي كانت اسرائيل تصر عليها في كل تفاوض.

7.  في الساحة الاسرائيلية – جبى الانسحاب من طرف واحد من القطاع من اسرائيل ثمنا اجتماعيا باهظا وكلفة اقتصادية عالية.

 

لماذا لم تفِ استراتيجية الانسحاب من طرف واحد بالتوقعات؟ يمكن ان نشير الى عدد من الفروض الاساسية، والتقديرات والمفاهيم المخطوءة التي كانت في اساس التصور:

1.  لم يفهم في اسرائيل ان الخطوة الاسرائيلية ستفضي الى تغيير نظامي عميق للواقع السياسي والامني في المنطقة التي اخليت وفي المحيط الاستراتيجي كله. مثل فوز حماس في غزة وتعزيز معسكر ايران وحزب الله في لبنان، وتعزيز المحور المتطرف آخر الامر.

2.     فرض مخطوء ان الانسحاب سيزيح البساط من تحت اقدام العدو. في الواقع وجد العدو نقاط احتكاك جديدة بعد الانسحاب.

3.  استعمال الخطاب الاسرائيلي لمصطلحات مثل "الانفصال" و "الانطواء" (بديلا من الانسحاب من طرف واحد) احدث وهما، وهو ان اسرائيل قادرة على امساك مصيرها بيدها من طرف واحد وتجاهل ما يحدث في الطرف الاخر.

4.  ان فرض انه يحسن اخلاء مناطق – اخلاءا من طرف واحد – لا تتوقع اسرائيل ان تشتمل عليها مساحتها في التسوية الدائمة يناقض قواعد التفاوض، وفحواها انه يجب على اسرائيل التمسك باملاك يحتاج اليها الجانب الثاني. لم تترك خطة الانطواء مثلا في يد اسرائيل املاكا كافية لادارة تفاوض في التسوية الدائمة.

5.  فرض مبالغ فيه ان الانفصال قادر على ان يغير جوهريا التهديد السكاني الفلسطيني لكون اسرائيل دولة يهودية ديمقراطية. عرض التهديد السكاني لحينه على مواطني اسرائيل على انه احد الاعتبارات الرئيسة العاجلة لتسويغ الانفصال.

6.  لم يعمل الردع الاسرائيلي. فبعد الانسحابات لم يوجد غطاء حقيقي لتصريحات اسرائيل عن انها سترد ردا شديدا فوريا على اعمال عدوانية وعلى نشوء تهديدات لها من المناطق التي انسحبت منها، واستمر العدو على زيادة قوته وعلى التحرش. واضطرت اسرائيل آخر الامر الى تحقيق تهديد الردع بحرب لبنان الثانية وبعملية "الرصاص المصهور"، مع دفع ثمن باهظ.

 

الخاتمة

يبدو أنه قد قل من انسحاب من انسحاب  المنطق الاسرائيلي في استراتيجية الانسحاب من طرف واحد: فقد كان يمكن ان نجد في الانسحاب من جنوب لبنان منطقا كبيرا، وكان للانسحاب من قطاع غزة منطق محدود، اما خطة الانطواء فكانت ذات منطق ضئيل. في هذا السياق قال رئيس الدولة شمعون بيرس: "لو كان الانفصال نجاحا لكررناه في الضفة الغربية".

        كجزء من الاستراتيجية الاحادية كان يفترض أن ترد اسرائيل من الفور وبقوة كبيرة على كل تحرش ونقض بيّن للوضع الراهن الامني لكن ذلك لم يحدث. كانت ردودها معتدلة نسبيا حتى حرب لبنان في تموز 2006 وعملية "الرصاص المصهور" في قطاع غزة في كانون الاول 2008. في الحالتين احرزت الضربة التي وجهتها اسرائيل تأثيرا ملحوظا في العدو لكنها لم تغير اتجاهات زيادة القوة والتهديد الاستراتيجي من هذه الجبهات.

        فيما يتصل بالمس