خبر دبلوماسية واشنطن الشرق أوسطية المحمومة وما وراءها ..ياسر الزعاترة

الساعة 09:37 ص|03 أغسطس 2009

  ـ الدستور الأردنية 3/8/2009

لم يحدث منذ مجيء أوباما إلى السلطة أن تابعنا هذا الكم من التحركات السياسية في المحيط الشرق أوسطي ، لا سيما الدائرة الأقرب للصراع العربي الإسرائيلي ، الأمر الذي لا يمكن تفسيره بغير توفر نوايا إحداث نقلة في المفاوضات بين الطرفين ، وصولا إلى صفقة ما في القريب ، بل ربما القريب العاجل إذا أمكن.

من جورج ميتشيل ودبلوماسي المفاوضات المخضرم دينيس روس ، إلى وزير الدفاع روبرت غيتس ، إلى رئيس مجلس الأمن القومي جيمس جونز ، والذين زاروا جميعا الدولة العبرية ، ومروا ببعض المحطات العربية ، وقبل ذلك زيارة الجنرال الشهير بتريوس (صاحب فكرة الصحوات العراقية والمشرف على المعركة مع حركة طالبان اليوم) إلى المملكة العربية السعودية ، إلى جانب رسائل مكتوبة ، واتصالات مباشرة من أوباما شخصيا ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون مع عدد من زعماء الدول العربية. كل ذلك لا يمكن أن يكون محض نشاط عادي ، بل لا بد أن تكون له أهدافه المأمولة ، بصرف النظر عما إذا كانت تلك الأهداف ستتحقق بالفعل ، أم أنها ستمضي بلا طائل كما وقع مع محاولات الرؤساء الأمريكيين السابقين.

الفارق بين هذه المحاولات التي يقودها أوباما وتلك التي قام بها سابقون مثل بوش وكلينتون هو ذلك الإجماع حولها بين الأوساط العسكرية والأمنية ، وربما السياسية الأمريكية ، والتي تؤمن جميعا بضرورة إحداث اختراق في الوضع الفلسطيني ، وذلك لجملة من الأسباب المهمة أولها القناعة السائدة في الدوائر الداعمة للدولة العبرية في الولايات المتحدة بأن الفرصة مواتية لتحقيق اختراق سياسي يخدم الرؤى الإسرائيلية للتسوية ، الأمر الذي تؤمن به دوائر سياسية مهمة أيضا داخل الدولة العبرية ، وهي ذاتها التي فرضت على نتنياهو تغيير خطابه في غضون أسابيع من توليه السلطة ، وقد تقنعه لاحقا بضم كاديما إلى ائتلافه الحاكم.

مصدر هذه القناعة هو وجود قيادة فلسطينية هي الأكثر قابلية لتقديم التنازلات ، وهي ستكون أكثر قابلية لذلك ما إن تحصل على الشرعية المطلوبة من مؤتمر فتح السادس ، بصرف النظر عن البيان المتمسك بالثوابت الذي سيخرج به المؤتمر لتغطية الموقف سياسيا وإعلاميا وإقناع الناس بأن كل شيء سيكون على ما يرام.

إلى جانب تلك القيادة هناك وضع عربي هو الأكثر تراجعا على الإطلاق منذ عقود ، وهو يملك القابلية لمنح الشرعية لأية تنازلات تقدم عليها القيادة الفلسطينية ، تماما كما تدعم برنامج دايتون وخريطة الطريق التي يتحرك حثيثا على الأرض منذ ما يزيد عن عامين.

هناك بالطبع مصلحة أمريكية واضحة في تمرير صفقة سياسية ، واقله إشاعة وهم تسوية في المنطقة ، وتتمثل تلك المصلحة التي تحظى بإجماع جمهوري ديمقراطي في ضرورة تهدئة الملف الفلسطيني للتفرغ للملفات الشائكة الأخرى (إيران ، أفغانستان ، باكستان ، الصومال ، العراق) ، ولدفع الأنظمة العربية إلى دعم الجهود الأمريكية الرامية إلى الخروج معافاة ، وربما بنجاح من تلك المستنقعات.

أما تشدد نتنياهو الظاهري في وقف الاستيطان على وجه التحديد ، والذي صار شرطا للتطبيع من قبل بعض الدول العربية (هناك آخرون لا مشكلة لديهم في التطبيع بكل الأحوال) ، فهو في حقيقته نتاج شعور بإمكانية ابتزاز العرب والفلسطينيين أكثر فأكثر ، مع الحفاظ على كاريزميته كقائد لا يخضع للضغوط من أي أحد ، حتى لو كانت من الولايات المتحدة ذاتها.

هي إذن معركة سياسية بالغة الأهمية تدور رحاها في الأروقة المختلفة ، بما فيها معركة مؤتمر فتح السادس (من أجل تسويق نفسه على الأعضاء رفض الرئيس الفلسطيني لقاء نتنياهو وتشدد في مواقفه) ، وهي معركة مثيرة للقلق في واقع الحال ، وينبغي أن يدرك تيار المقاومة والممانعة ذلك ، فلا تأخذه بعض المواقف الناعمة من هنا وهناك ، لأن الهدف الحقيقي هو إسكات صوت المقاومة ودعم أصوات التطبيع والتنازل وترويج الصفقات البائسة بوصفها أفضل المتاح.