خبر الاقتصاد الإسرائيلي في الأزمة العالمية ..شموئيل إيبان

الساعة 09:35 ص|03 أغسطس 2009

الاقتصاد الإسرائيلي في الأزمة العالمية ..

شموئيل إيبان- نيتسان فيلدمان ـ ترجمة: رندة حيدر ـ النهار اللبنانية 3/8/2009

الاقتصاد الإسرائيلي هو اقتصاد تصدير، من هنا ارتباطه بالإقتصاد العالمي. بعد خمسة أعوام من النمو السريع شهد النصف الثاني من عام 2008 تباطؤاً حاداً. صحيح أن معدل النمو للعام 2008 كان أربعة في المئة، لكن في الربع الأخير من عام 2008 عانى الإقتصاد من الجمود مقارنة مع حجم النمو في عام 2007 الذي بلغ 5,4 في المئة ومعدل النمو في عام 2006 الذي بلغ 2,5 في المئة.

في عام 2008 بلغ مجموع الناتج المحلي 714 مليار شيقل. ويتوقع مصرف إسرائيل أن ينقص مجموع النمو لعام 2009 بنسبة 0,2 في المئة... السبب الأول لهذا التباطؤ هو وضع الإقتصاد العالمي الى جانب عوامل أخرى مثل عدم وجود تغييرات بنيوية وحوافز للنمو تدعم استمرار النمو السريع. ومن المعلوم أنه لولا الأزمة الأقتصادية في العالم لبلغ النمو في عام 2009 3,5 في المئة (وفقاً للتوقعات التي طرحت في مسودة الموازنة التي أعدت في أواسط 2008). ولا تتجاوز توقعات بنك إسرائيل لمعدل نمو الإقتصاد عام 2010 الواحد في المئة.

مظاهر الأزمة

تتجلى الأزمة الإقتصادية في إسرائيل في خمسة مظاهر مهمة. المظهر الأول: التدهور في أرقام الماكرو إقتصاد. فقد سجلت التقارير الصادرة عن اللجنة المركزية للإحصاءات خلال الربع الأول للعام 2009 انخفاضاً يقدر بـ3,6 في المئة في الناتج المحلي الخام، ونحو 4,2 في المئة في الإنتاج الصناعي و 4,3 في المئة في الإستهلاك. بالإضافة الى ذلك انخفض تصدير البضائع والخدمات خلال الربع الأول من العام 2009 بنحو 14,4 في المئة بالمقارنة مع الربع الأول من العام السابق. كما انخفض استيراد البضائع والخدمات (باستثناء البضائع و الخدمات العسكرية والطائرات والألماس) بـ21,4 في المئة.

المظهر الثاني: موجة صرف العمال. ففي آذار عام 2009 جرى فصل 20072 عاملاً مقابل 11856 عاملاً فصلوا في آذار 2008. وهذا هو أعلى رقم للمفصولين من الخدمة خلال عام واحد. ويشمل المفصولون من العمل قطاع التكنولوجيا العالية والصناعة التقليدية وقطاعات التجارة والمصارف والمال.

المظهر الثالث: الضرر الكبير الذي لحق بمدخرات الجمهور بسبب الانهيار في الأسواق المالية. ففي عام 2008 خسرت صناديق التعويضات قرابة خُمس المبالغ التي كانت موجودة في حوزتها. وقد أدى التحسن الذي طرأ على الأسواق المالية في النصف الأول للعام 2009 الى تعويض جزء من هذه الخسائر.

رابعاً: الانخفاض الكبير في أرباح العديد من الشركات الإسرائيلية.فالجمود في جمع الأموال في البورصة الإسرائيلية وفي الخارج وزيادة القيود للحصول على القروض من المصارف ضيقت من القدرة على العمل وتسديد الديون. فثمة شركات كثيرة تلاقي صعوبة في تسديد ديونها وطلب من بعضها تسوية هذه الديون.

المظهر الخامس: الانخفاض في مداخيل الدولة والإرتفاع الحاد في العجز الحكومي. ففي آذار 2009 كانت تقديرات وزراة المال أن مداخيل الدولة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة ستبلغ نحو 160 مليار شيقل، أي أقل بأربعين مليار شيقل عن تقديرات الحكومة في آب 2008.

بدأت مواجهة إسرائيل للأزمة متأخرة الى حد ما بالمقارنة مع ما يجري في الخارج. في تشرين الثاني 2008 ولمواجهة الأزمة وضعت حكومة أولمرت خطة إقتصادية شملت اعطاء ضمانات للمصارف من أجل منح القروض لرجال الأعمال المتوسطين والصغار، بالإضافة الى تشكيل صناديق دعم لمساعدة الشركات الإسرائيلية على تسديد ديونها ونشر شبكة أمان مالية على الذين أعمارهم 57 عاماً وما فوق والذين لديهم مواصفات معينة. بالإضافة الى ذلك تقرر زيادة النفقات على البنية التحتية عبر مشاريع من داخل الموازنة (بصورة أساسية على المواصلات) ومشاريع من خارجها ( مثل تحلية المياة وعلى الطاقة).

في 13 أيار الماضي أقرت الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو موازنة للعامين 2009-2010. بلغ حجم موازنة عام 2009 نحو 316,5 مليار شيقل بحيث يصار الى تقليص مقدار العجز الى ستة في المئة من الناتج. أما موازنة عام 2010 فتبلغ 321,5 مليار شيقل ويكون العجز 5,5 من الناتج. وجرى تقليص مخصصات وزارة الدفاع للعام 2009 بنحو 1,5 مليار شيقل (أي 3,1 في المئة). وتتوزع هذه الموازنة على ثلاث حاجات أساسية: الحاجة الى تحقيق الأهداف القومية المختلفة، الحاجة الى المحافظة على الإستقرار الإقتصادي والحاجة الى المحافظة على الإئتلاف السياسي.

يقوم مصرف إسرائيل بإستخدام كل ما يملك من وسائل. ففي نيسان 2009 قام بخفض الفائدة السنوية الى أدنى درجة لها الى نحو 0,5 في المئة بالمقارنة مع 1,75 في المئة في كانون الثاني من العام عينه. كما قام بشراء سندات الدين الحكومية البعيدة الأمد من أجل خفض الفائدة في المدى الطويل.

في هذه الأثناء ومن دون وجود أي صلة بالأزمة الإقتصادية طرأ تطور تاريخي على قطاع الطاقة في إسرائيل في أعقاب الكشف عن مخزون الغاز الطبيعي في بئر" تمار1" الواقع على بعد تسعين كيلومتراً الى غرب شاطىء حيفا في كانون الثاني 2009، بالإضافة الى اكتشاف خزان جديد أصغر في آذار الماضي في بئر"داليت2" الواقع على بعد ستين كيلومتراً غرب شاطىء الخضيرة. هذه الإكتشافات أضيفت الى إكتشافات سابقة للغاز في البحر المتوسط مقابل شواطىء إسرائيل مثل إكتشاف أكبر خزان للغاز الطبيعي عام 1999 الى الغرب من عسقلان. بالإستناد الى الأرقام فإن كميات الغاز المكتشفة في بئر "تمار1" أكثر بثلاثة أضعاف على الأقل من الكميات التي أُكتشفت في الماضي بالقرب من شواطىء عسقلان وأشدود وتبلغ قيمة الغاز المكتشف نحو 15 مليار دولار. في 18 كانون الثاني 2009 وبعد التقارير التي تحدثت عن إكتشاف الغاز في بئر "تمار1" أبلغ وزير البنى التحتية بنيامين بن أليعازر وزراء الحكومة أنه في حال أنتجت هذه البئر الكميات المنتظرة منه فإن اعتماد إسرائيل على المصادر الأخرى سيتقلص ولكنه لن يختفي.

يُظهر الإقتصاد الإسرائيلي حتى الآن قدرة كبيرة على الإستقرار ولم يبد حتى الآن أي خطر يهدد الإستقرار المالي في إسرائيل. لكن الوضع الإقتصادي فيها سيتأثر بوضع الإقتصاد العالمي. وحتى زوال الأزمة في العالم على إسرائيل ان تركز جهودها على تقليص الأضرار ومتابعة إنعكاسات الأزمة عليها. كما عليها المحافظة على استثمار الثروة البشرية التكنولوجية التي تمثل رأس مالها الإقتصادي والإستراتيجي بالاضافة الى تطوير قطاع الطاقة المتجددة لأنه من المنتظر ان ترتفع أسعار الطاقة من جديد. كما أن الإنفاق العسكري و الجمود في النمو لا يسمحان بخفض كبير في العبء الأمني.

خلاصة

في الوقت الراهن يمر العالم في تطورات اقتصادية عميقة من الصعب توقع انعكاساتها الإجتماعية والسياسية. وعلى الرغم من أن الأزمة المالية لم تعد في ذروتها لكننا لسنا متأكدين من أن ذروة الأزمة الإقتصادية الحقيقية قد زالت ومن المحتمل أن يصبح الوضع أصعب في مجالات معينة مثل البطالة.

ان الوضع الإقتصادي في إسرائيل يتأثر الى حد بعيد بالإقتصاد العالمي. وانتهاء الأزمة الأقتصادية في العالم مرتبط بعوامل عدة في طليعتها نجاح إدارة أوباما. فإنقاذ الإقتصاد العالمي مشروط الى حد بعيد بإنقاذ الإقتصاد الأميركي؛ وإنقاذ الإقتصاد الأميركي منوط بصورة أساسية باعادة ثقة الجمهور الأميركي بمؤسساته الإقتصادية؛ واعادة ثقة الجمهور الأميركي بالإقتصاد منوطة بزعامة الرئيس أوباما وبطاقمه من الخبراء. حتى الآن يظهر أوباما اصراراً وقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة بسرعة. وقد أبدى في الأشهر الأخيرة عن تفاؤل حذر. في الخطاب الذي ألقاه في 14 نيسان هذا العام وصف الوضع كالتالي: لا شك في أن الوقت ما زال عصيباً ولم نخرج بعد من الغابة ولكن من المكان الذي نقف فيه بدأنا للمرة الأولى نرى بوادر أمل".

ـــــــــــــــــــ

• هذا النص جزء من دراسة بعنوان "الأزمة الإقتصادية العالمية وانعكاساتها على دول المنطقة وإسرائيل"، كتبها شموئيل أيبان ونيتسان فيلدمان. وهي فصل من كتاب باللغة العبرية صدر على الموقع الإلكتروني لمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب بعنوان: "تقديرات إستراتيجية لإسرائيل 2009".