خبر ماجد كيالي يكتب: « السيئة مقابل السيئة ».. تفاوض وليس حواراً بين « فتح » و« حماس »

الساعة 11:01 ص|02 أغسطس 2009

بقلم/ ماجد كيالي

لم تعد الساحة الفلسطينية تعمل بطريقة سليمة ومسؤولة وبناءة، ما يفيد شعبها وقضيتها. ومثلا، فإن الحوار بين حركتي فتح وحماس، وهم الحركتان القائدتان والمقررتان، اللتان تتحكمان بموارد هذه الساحة ومقدراتها، تحول إلى نوع من المفاوضات (التي لا تقل أهمية وتعقيدا عن مفاوضات الفلسطينيين مع الطرف الإسرائيلي (يا للأسف)!

ومعلوم أن الحوار يختلف عن التفاوض، فبينما يحدث الأول بين أطراف تعتبر نفسها صاحبة قضية واحدة، أي مصالح واحدة ومستقبل واحد، وبهدف توحيد الجهود والموارد لمواجهة تحديات مشتركة، فإن التفاوض يحدث بين طرفين متصارعين، ومتعاديين، تختلف انتماءاتهما ومصالحهما ورؤاهما للمستقبل.

ويخشى، في ضوء التجربة الحوارية المهيضة، أن بعض القياديين الفلسطينيين (في الحركتين) باتوا ينظّرون إلى مايجري باعتباره أقرب إلى التفاوض منه إلى الحوار، بحكم العداء المستحكم، والافتراق في النظرة، والميل إلى التنازع والتنابذ، بل والاقتتال، بين الجانبين المعنيين!

الأنكى أن كل واحد من الطرفين المعنيين (فتح وحماس) بات يأخذ رهائن من الطرف الآخر، وكل طرف بات لديه معتقلون وينكّل بمنتسبي الطرف الآخر، وكل طرف يدعي بأنه إنما يقوم بذلك بدعوى أن الطرف الأخر يستهدفه. ومؤخرا خرج علينا محمود الزهار (القيادي في حماس) بمقولة "الحسنة مقابل الحسنة" أو السيئة بمثيلها (!)، بتبريره عدم السماح لأعضاء المؤتمر السادس لحركة فتح من قطاع غزة بالذهاب إلى الضفة للمشاركة في المؤتمر (وقبل ذلك منعت حماس أعضاء مؤتمر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية من المشاركة في مؤتمر الاتحاد الذي عقد في رام الله!). وفي ذلك يبدو أن حماس وبدل أن تقدم من نفسها نموذجا بديلا لسلطة فتح، التي تنتقدها، إذا بها تمارس علنا وصراحة نفس الممارسات التي تدعي أنها تستمد شرعيتها من كونها نقيضا لها.

على ذلك فقد باتت الساحة الفلسطينية اليوم أمام واقع من مفاوضات وتجاذبات فلسطينية ـ فلسطينية معقدة ومضنية ومجانية. فكل طرف بات يشترط على الطرف الآخر مجموعة من الشروط، التي يعتبرها الطرف المقابل بمثابة إملاءات، وكل طرف يطالب قبل البدء بالحوار (أو المفاوضات) بافراج الطرف الآخر عن المعتقلين في سجونه.

فوق كل ذلك بات ثمة قضايا تفاوضية عديدة على أجندة المتفاوضين من قياديي فتح وحماس، كمثل قضية التنسيق بين الكيانين أو الدولتين (وكان الفلسطينيون يتعطشون إلى دولة واحدة لهم!). فثمة خلاف حاد بين فتح وحماس على شكل حل هذه المعضلة، هل يكون الحل بمجرد تشكيل حكومة وحدة وطنية، أم بإيجاد لجنة تنسيق عليا بين الحكومتين؟ فوق ذلك، ما هو برنامج حكومة الوحدة (إذا تم التوافق عليها)؟ وهل تكفي كلمة "احترام" أم ينبغي إيراد كلمة "التزام" (بشأن موقف الحكومة من اتفاقات السلطة مع إسرائيل)؟ ثم ما هو مستوى صلاحيات لجنة التنسيق (إن اعتمدت)؟ وطبعا ثمة متوالية أخرى من الأسئلة المعذّبة لهذين المجالين.

بعد ذلك ثمة قضية الترتيبات الأمنية (وهي ترتيبات بين الفصائل الفلسطينية وليست مع إسرائيل)، والمطروح هنا توحيد الأجهزة الأمنية، وإعادة بنائها، ومدى حصرها في غزة أو شمولها الضفة الغربية أيضا، مع ما يتعلق بذلك من إجراءات وترتيبات وضمانات، يحرص كل طرف على ورودها بحسب مصالحه!

وبعد الحكومة والترتيبات الأمنية ثمة قضية التوجه للانتخابات، فهل تجري الانتخابات للمجلس التشريعي وفق القائمة النسبية الكاملة (أي القوائم السياسية /الحزبية على المستوى الوطني) أم تتم وفق النظام المختلط (النسبي والمناطقي)، كما جرى في انتخابات العام 2006)؟ كما ثمة خلاف على حجم التمثيل في القائمة النسبية والمناطقية فهل تكون مناصفة أو 60 أو 70 أو 80 بالمئة لصالح النسبية؟ وهكذا فكل فصيل يطرح النسب التي تتناسب مع فرصه بالنجاح والفوز والتحكم؛ بمعزل عن المصلحة الوطنية في تطوير النظام الفلسطيني على قاعدة الديموقراطية والتعددية والتنوع.

بعد قضية الحكومة والترتيبات الأمنية ومسألة الانتخابات تأتي مشكلة إعادة الثقة بين الطرفين (المختلفين والمتصارعين والمتقاتلين والمنقسمين)، أي فتح وحماس، بما يتضمن إجراءات معالجة التداعيات الدموية والثأرية الناجمة عن الاقتتال والانقسام، منذ أن سيطرت حماس على قطاع غزة (حزيران 2007).

أخيرا، وإضافة إلى قضية الحكومة والترتيبات الأمنية والانتخابات وإجراءات الثقة، فلدينا قضية تفعيل منظمة التحرير وكل طرف من الطرفين يقدم وجهة نظر بهذا الشأن بالشكل الذي يتيح له السيطرة على المنظمة؛ علما أن كل طرف من الطرفين فعل كل شيء، في الفترة الماضية، لإضعاف شرعية المنظمة وتقويض مكانتها. وكما هو معلوم فبات لدينا فوق كل هذه القضايا قضية الإفراج المسبق عن المعتقلين.

ويبدو من كل ذلك أن الفلسطينيين "استفادوا" من تجاربهم التفاوضية الطويلة والمضنية والمعقدة مع إسرائيل، ولكنهم ياللأسف "يستثمرون" هذه التجربة في غير محلها، أي بما يفيد تعقيد المفاوضات بينهم، باختراعهم القضية تلو القضية، والعقدة تلو العقدة، لفرض حال من استمرار الواقع الراهن. ومعلوم أن الواقع الذي سيستمر بناء على هذا الوضع العقيم ليس سلطة حماس في قطاع غزة، ولا سلطة فتح في الضفة الغربية، وإنما سلطة إسرائيل على الفلسطينيين وأرضهم ومستقبلهم.

ومعلوم أن الفلسطينيين كانوا قدموا لحركتهم الوطنية، طوال العقود الأربعة الماضية، التضحيات والمعاناة والبطولات، من دون أي مساءلة، أو محاسبة، ومن دون أي التفات لجدوى كل ذلك، لا على نمط عيشهم ولا على امكان استعادة بعض حقوقهم.

فإلى متى تستمر هذه اللعبة العبثية الخطيرة في الساحة الفلسطينية؟ وإلى متى ستبقى فتح وحماس تتحكمان، بشكل غير مسؤول، بموارد الشعب الفلسطيني ومصيره؟ وإلى متى يبقى الشعب الفلسطيني رهينة هذا الانسداد في أحواله.