خبر بطاقة عضوية في النادي..هآرتس

الساعة 08:27 ص|31 يوليو 2009

بقلم: الوف بن

السلاح النووي يعمل في الساحة الدولية كمرشح انتقاء لدخول النادي: فهو يوضح من هي الدول الهامة والمحسوبة ومن هي التي توجد في المستوى الادنى. منذ هيروشيما ونجازاكي، كل الدول التي حققت قدرة نووية تمتعت برفع مستواها بين الامم. كبراها تلقت اعترافا كقوة عظمى وصغراها تتمتع بالانتباه، كي لا تعرقل او تزعج الاستقرار والهدوء.

منية مردور، من كبار جهاز الامن، كتب في مذكراته يقول: "المعنى الاخلاقي والسياسي للسلاح النووي هي أن الدول تتخلى عن السلاح النووي وكأنها تسلم بمكانة الدول المرعية. وهذه على ما تبدو هي المكانة التي ستكون من نصيب الدول ذات السلاح التقليدي فقط".

كتبت اقواله هذه قبل نحو 30 سنة، ولكنها لم تفقد مفعولها. وهي تشرح اليوم اليوم لماذا يتصدر الصراع على حق الدخول الى النادي النووي جدول الاعمال الدولي. من توجد القنبلة في يده منذ اليوم يرغب في أن يضمن تفوقه، ومن يرغب في المكانة والنفوذ يحاول ان ينحشر بين الكبار. معظم بؤر التوتر التي اندلعت في العالم في السنوات الاخيرة كانت تتعلق مباشرة أو بشكل غير مباشر بالانتشار النووي والتخوف من فقدان السيطرة عليه: العراق، افغانستان والباكستان، ايران واسرائيل.

الفضائل السياسية للسلاح النووي كانت واضحة منذ عهده الاول. الولايات المتحدة طورت القنبلة كي تتمتع "بسلاح يحطم التعادل" في الحرب العالمية الثانية ولتضمن تفوقها الساحق في النظام العالمي الذي سيبقى بعد الحرب. وسارع الاتحاد السوفييتي في اعقابها، كي لا يتخلف في السباق وكي يحتل موقعا كقوة عظمى موازية. الاستثمار الهائل اثبت نفسه: حتى بعد سقوط الامبراطورية السوفييتية، لا تزال روسيا تتمتع بمكانة نفوذ دولي بفضل ترسانتها النووية.

بريطانيا وفرنسا، اللتان كانتا امبراطوريتين آفلتين ومتبددتين في الخمسينيات، تزودتا بالسلاح النووي كي تحافظا على بعض من مجدهما السابق وضمان مكانة رفيعة حيال المانيا وايطاليا في اوروبا التي بنيت من جديد. نووي الصين حدد مكانها بين القوى العظمى الخمس ومنحها ورقة تفوق: التهديد الذي شكلته الصين على الاتحاد السوفييتي اغرى امريكا للتقرب منها وتحطيم التعادل في الحرب الباردة.

الهند كانت آخر من انضم الى النادي النووي بسبب تطلعها الى ان تقبل كمتساوٍ بين القوى العظمى، مع انها ليست عضوا دائما في مجلس الامن. ومثل الصينيين، استخدم الهنود ايضا القنبلة كي يميلوا امريكا الى جانبهم. بعد التجربة النووية الهندية في 1998، سارع الامريكيون الى فرض عقوبات، ولكنهم تراجعوا بعد وقت قصير واقاموا تحالفا استراتيجيا مع الهنود بعد سنوات من التوتر. الهند بدون النووي اثارت اهتمامهم اقل من الهند التي يمكنها أن تردع الصينيين.

حل اقتصادي معقول

الدول الصغيرة التي اكتسبت قدرة نووية، لم تتخيل مقعدا في مجلس الامن. فقد رأت بالنووي تعويضا عن دونية استراتيجية تقليدية حيال اعدائها، حماية للنظام من هجوم قوة عظمى وكذا حلا اقتصاديا معقولا لسباق التسلح الذي وجدته مستعصيا عليها. مع كل التعقيد الذي في بناء بنية نووية، فانها ارخص من الاحتفاظ بجيش كبير وتطوير وسائل قتالية آخذة في التطور كل الوقت.

اسرائيل الخمسينيات كانت دولة فقيرة، بالكاد تحررت من الشح، ولكن دافيد بن غوريون قرر اقامة المفاعل في ديمونا. واقتبس شمعون بيرس وزير المالية في حينه، ليفي أشكول، الذي عارض المشروع بدعوى أن "عندنا نوزع بيضة في اليوم، وهم يريدون طاقة ذرية". ولكن حسب آفنر كوهين، المؤرخ الرائد للبرنامج النووي الاسرائيلي، كان بن غوريون يعيش في قلق من هجوم عربي يصفي اسرائيل ويرى في الخيار النووي شهادة ضمان للدولة اليهودية ليوم بارد.

الباكستان، التي وجدت صعوبة في الصمود في وجه التفوق العسكري الهندي، عملت بشكل مشابه، فبعد أن أجرى الهنود "تفجيرا نوويا مدنيا" في العام 1974 (قبل سنوات طويلة من التجربة العسكرية)، أعلن زعيم الباكستان الفقيرة: "سنأكل العشب" ولكننا سنحصل على القنبلة. وانتجت كوريا الشمالية سلاحا نوويا في الوقت الذي يموت فيه مواطنوها جوعا.

في كل هذه الاحوال كان الاستثمار الكبير مجديا. فكلما تقدمت اسرائيل في مشروعها النووي باتت امريكا تميل لها أكثر وتوافق على مساعدتها بالسلاح، بالمال وبالدعم السياسي. وبالمقابل، تعهدت اسرائيل في 1969 "بالغموض": عدم كشف قدراتها وعدم اجراء تجربة نووية. وقد ولدت هذه السياسة من قبل، وهي اليوم تقبع في أساس علاقات اسرائيل مع الولايات المتحدة. المنطق واضح: الاسرائيليون معروفون كقلقين وعصبيين، وكي لا يغريهم استخدام آلة يوم الدين في مواجهة مع جيرانهم العرب، من الافضل أن يشعروا بانفسهم واثقين وهادئين.

الباكستان وكوريا الشمالية لم تتلقيا مساعدة امريكية مثل اسرائيل، ولكنهما تتمتعان باهتمام استثنائي بالقياس الى دول بحجم مشابه. التخوف من ان تقع القنبلة الباكستانية في يد الاسلام المتطرف يثير قلقا عميقا في واشنطن، ويجبر امريكا على تعزيز النظام في اسلام اباد ومنع انهياره. كوريا الشمالية اكتسبت مكانتها المشكوك فيها كولد مشاغب في الاسرة الدولية فقط بفضل تطوير النووي والصواريخ والتجارب التي تجريها كي تذكر بوجودها. دون البلوتونيوم والصواريخ من كان يأبه لدولة مغلقة وجائعة كهذه؟

في السنوات الاخيرة تبين أنه لا حاجة لاستكمال البرنامج النووي من أجل الحصول على اعتراف ومزايا من امريكا. يكفي اظهار التقدم والاصرار على التطوير. معمر القذافي، حاكم ليبيا، نجح في التحرر من سنواته من العزلة فقط بعد أن انكشف التقدم في برنامجه النووي، ووافق هو على التخلي عنه. المثال المعاكس هو جنوب افريقيا لنظام الابرتهايد، والذي طور سبع قنابل نووية، ولكنه ابقى على وجودها قيد السر، ولهذا ما كان يمكنه أن يتمتع بتعزيز مكانته الدولية، وانهار النظام قبل أن ينكشف السر.

موقع نفوذ

البرنامج النووي لايران يضعها في موقع انطلاق نحو النفوذ والعظمة في الشرق الاوسط، اكثر من أي وقت مضى. وكلما أصر الايرانيون على مواصلة تخصيب اليورانيوم، خلافا لقرارات مجلس الامن حظوا بمزيد من الانتباه والمكانة. امريكا اكتفت بمقاطعة ايران على مدى سنوات طويلة. وفقط عندما جمع الايرانيون ما يكفي من اليورانيوم المخصب، حصلوا على عرض "حوار" من الرئيس براك اوباما. وكتجار جيدين اخروا ردهم، وفي هذه الاثناء واصلوا تطوير القدرة النووية. عندما تحدث الشاه عن عظمة الامبراطورية الفارسية تعاطوا معه كمبجح. عندما يطالب محمود احمدي نجاد الجلوس امام اوباما كمتساو له، فان البرنامج النووي يجبر الامريكيين على التعاطي معه بجدية.

التوتر المتزايد حول النووي الايراني يوضح درسا آخر للعصر النووي، الذي ألم اساسا بالشرق الاوسط: مجرد وجود برنامج نووي ومنشآت نووية في دولة مجاورة، يضعضع الاستقرار الاقليمي ويخلق لدى الدول المجاورة اغراءا لمهاجمة المنشآت وازالة التهديد قبل أن يتحقق.

أب هذه العقيدة هو الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي قلق في الستينيات من التقارير عن تقدم اسرائيل في مشروع ديمونا. وكان هو اول من دعا الى وقف البرنامج النووي بالقوة، قبل أن تنضج قنبلة حقيقية. في بداية 1966 حذر ناصر علنا من أنه اذا وصلت اسرائيل الى انتاج سلاح نووي فينبغي على الدول العربية أن تشن حربا وقائية كي "تصفي فورا كل ما يسمح لاسرائيل بانتاج قنبلة ذرية".

بين المؤرخين يوجد خلاف عن الدول الذي شكلته ديمونا في الازمة التي سبقت حرب الايام الستة. واضح أن المصريين، رغم تهديداتهم لم يتجرأوا في نهاية المطاف على شن حرب وقائية وديمونا لم تتعرض للهجوم. واضح أيضا انه كان في اسرائيل قلق كبير من ضرب المفاعل. في كتابه "اشكول، اصدر الامر"، عن السبيل الذي أدى الى الحرب في 1967، كتب عامي جلوسكا: "لاسرائيل لم يكن رد استراتيجي موازٍ وشرعي على تدمير المفاعل. الطائرات التي تتحطم قابلة للاستبدال، واحتلال الاراضي ينطوي على ثمن باهظ...  أما ضياع المفاعل، بالمقابل، فهي خسارة ليس لها مقابل". وهو يقتبس رئيس الاركان في حينه اسحق رابين "اذا كان المصريون سيقصفون ديمونا ونحن نرغب في شن الحرب، فاننا نتلقى انذارا من كل العالم".

في فترة الانتظار التي سبقت حرب الايام الستة، اجرى سلاح الجو المصري طلعتين تصويريتين فوق ديمونا. حرب جلوسكا، فان التخوف من أن تكون هذه مقدمة للهجوم على المفاعل "عمل كحافز هام، وان لم يكن حاسما على اتخاذ هجوم مسبق من جانب اسرائيل".

وفي نظرة الى الوراء يتبين أن المفاعل كان هدفا مركزيا في الخطط الهجومية المصرية التي لم تتحقق. وحسب آفنر كوهين، في كتابه "اسرائيل والقنبلة"، عشية الحرب "حققت اسرائيل قدرة سلاح نووي، ولكن لم يكن في يدها السلاح نفسه؛ في ايام التوتر اياها اصبحت القدرة في جهد حثيث الى تنفيذية". وبزعمه فانه "عشية الحرب أعدت اسرائيل على عجل شيئين نوويين متفجرين يمكن القاؤهما". وهو يقتبس من مذكرات مردور، الذي وصف تركيب "منظومة سلاح مصيري" ووضعها قيد التأهب قبيل حرب الايام الستة.

عقيدة بيغن، عقيدة رابين

النصر الساحق لاسرائيل في 1967 ابعد خطر الهجوم المصري المفاجيء ضد ديمونا. ناصر تردد وتأخر عن الموعد. خلفه، انور السادات، روى لمسؤولين اسرائيليين كبار لدى زيارته الى القدس بان النووي الاسرائيلي دفعه الى السلام. اسرائيل تبنت في السنوات التالية افكار " الطاغية المصري" بشأن الحرب الوقائية، واوضحت بانها لن تسمح لدولة معادية مجاورة أن تحقق السلاح النووي. وهذا كان مبرر مناحيم بيغن لقصف المفاعل العراقي اوسيراك في 1981: "لن نسمح لاعدائنا بان يطوروا ضدنا سلاح الدمار الشامل". اعلانه الذي سمي "عقيدة بيغن" ثبت منذئذ كأساس مركزي في مفهوم الامن الاسرائيلي.

اسرائيل لم تكن الاولى التي قصفت مفاعلا في الشرق الاوسط. سبقتها ايران، التي هاجمت المفاعل العراقي في تشرين الاول 1980، في بداية الحرب العراقية – الايرانية. ولكن الطيارين الايرانيين لم يتمكنوا من تدمير المنشأة، مثلما فعل سلاح الجو الاسرائيلي بعد عدة اشهر من ذلك. تدمير اوسيراك موضع خلاف حتى اليوم. مؤيدوه يثنون على بيغن لازالته خطرا وجوديا عن اسرائيل. منتقدوه يشيرون الى الجهود السرية التي بذلها العراق بعد ذلك لتخصيب اليورانيوم، والذي كان يوشك على أن ينضج عندما اجتاح صدام الكويت واثار عليه امريكا في حرب الخليج. الحرب في 1991 منحت صدام فرصة للثأر: الى جانب الصواريخ التي اطلقها على تل أبيب، رمات غان وحيفا، اطلق ايضا صاروخ مع رأس قتالي من الاسمنت نحو المفاعل في ديمونا. الصاروخ اخطأ، ولكن صدام اوضح بان الحساب لم يصفَ. بعد حرب الخليج انكشف البرنامج النووي السري للعراق وفككه مراقبو الامم المتحدة.

ومكانه في خريطة التهديدات على اسرائيل احتلته ايران. منذ 1993، المعرفة بان الايرانيين يسعون الى السلاح النووي تقف في رأس جدول الاعمال الاستراتيجي لاسرائيل. وهي تؤدي الى بلورة "عقيدة رابين"، التي ايدها لاحقا ايهود باراك، وبموجبها من المهم استكمال دائرة السلام قبل أن تصبح ايران نووية. الفرضية الاساس كانت أن السلام مع جيراننا، سيقلل الدافع الايراني لشن حرب ابادة نووية. فرضية اخرى كانت انه يسهل تحقيق السلام قبل أن تؤدي القنبلة الايرانية الى تطرف عام في المنطقة.

في الـ 15 سنة الاخيرة حاولت اسرائيل ان تدفع الاسرة الدولية الى العمل على وقف النووي الايراني وهي تلمح بانها ستعمل عسكريا اذا لم يفعل العالم شيئا. في هذه الاثناء تبين أن ايران ليست التهديد الوحيد في المنطقة. في ايلول 2007 قصف سلاح الجو منشأة سرية في سوريا، حسب الادارة الامريكية كان مفاعلا لانتاج البلوتونيوم، بني بمساعدة كوريا الشمالية وكان يوشك على الانتهاء. موظف امريكي كبير روى بان اسرائيل اوضحت للولايات المتحدة ان المشروع السري هو "تهديد وجودي" ولهذا فقد قصفته. وحسب منشورات مختلفة، فان رئيس الوزراء في حينه، ايهود اولمرت، استخدم مرة اخرى "عقيدة بيغن". وخلافا لسلفه، امتنع اولمرت عن أخذ المسؤولية عن العملية واختار الابقاء على مستوى اعلامي متدن منعا للتصعيد. وقد نجح رهانه: سوريا نفت أن تكون بنت مفاعلا، لم ترد، وبعد عدة اشهر استأنفت محادثات السلام مع اسرائيل.

 عودة بنيامين نتنياهو الى الحكم ادت الى تصعيد لفظي بين اسرائيل وايران: نتنياهو حذر من أن قنبلة نووية ايرانية ستكون "كارثة ثانية" ووعد بعمل كل شيء لوقفها. الايرانيون هددوا بالمقابل من أنهم اذا هوجموا فسيضربون المنشآت النووية في اسرائيل. ادارة اوباما التي بدأت طريقها بالدعوة الى الحوار مع ايران، تمزقت بين هدفين استراتيجيين: معارضتها للنووي الايراني ومعارضتها للقصف الاسرائيلي. وهي تحاول أن تبلور "محور المعتدلين" الذين يخشون من ايران، حول مسيرة سلام اسرائيلية – عربية ، في ظل التخوف من أن تسير دول عربية مثل مصر والسعودية في اعقاب ايران. وربطت بهذا الامر ايضا علاقات القوى العظمى، امريكا وروسيا، على خلفية المعارضة الروسية لنصب منظومات دفاعية ضد الصواريخ الايرانية في شرقي اوروبا.

الاستنتاج الواجب من هذا التعقيد هو انه بعد 64 سنة من ظهور السلاح النووي فانه القوة المحركة للدبلوماسية الدولية. كابوس حرب الابادة النووية بين القوى العظمى، والتي ستؤدي الى تصفية الجنس البشري تبدو بعيدة. ولكن الرغبة في القوة الكامنة في السلاح النووي يحرك الدول نحو تحدي النظام العالمي ويشجع دول اخرى على الخروج في حروب وقائية ونشاطات دبلوماسية – اتفاقات رقابة السلاح، تهديدات بالعقوبات وحتى السلام بين اسرائيل والفلسطينيين – في محاولة للحفاظ على الوضع الراهن النووي. هذا هو الاساس لفهم السياقات السياسية في الشرق الاوسط اليوم.