خبر فلسطين جديدة..هآرتس

الساعة 08:21 ص|30 يوليو 2009

بقلم: آري شافيت

تذكروا الاسم: الروابي. المدينة الجبلية التي ستشيد على مسافة 9 كيلومترات شمالي غرب رام الله. المدينة المخططة الاولى في التاريخ الفلسطيني. المدينة المخططة الاولى في الضفة التي سيقطنها فلسطينيون وليس مستوطنون. مدينة خطط لها ان تكون مدينة رخاء فلسطينية علمانية مفتوحة وقادة. مدينة الشوارع المرصوفة والمقاهي ورياض الاطفال والمدارس. مدينة الشركات القوية الفلسطينية والنخب الفلسطينية المختارة. مدينة تشق طريق الفلسطينيين نحو القرن الحادي والعشرين.

الروابي كانت طوال سنوات أُمنية. المستثمر بشار المصري آمن دائما بالمكانة الفلسطينية الجديدة: شبان مثقفون ذوي وجهة غربية ودخل متوسط حتى مرتفع. المصري اعتبر هذه الطبقة الجديدة طاقة كامنة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بدرجة كبيرة. لذلك اعتقد انه سيكون من الصحيح اقامة مدينة جديدة لهذه الشريحة. ولكن ظروف المجابهة والاحتلال جعلت الروابي حلما هذيانيا وخياليا. الكثيرون شككوا بالقدرة على اقامة مدنية عصرية فلسطينية في ظل القمع الذي  تخضع له الضفة والحواجز التي تمزقها والسياسة المتطرفة الهدامة التي تتفشى فيها.

ولكن في السنة الاخيرة حدث انقلاب. سياسة سلام فياض بدأت تطرح الثمار. قوات الامن الفلسطينية انتشرت في رام الله وجنين ونابلس وبيت لحم والخليل. الفوضى اخلت مكانها لحكم قائم على النظام. في موازاة ذلك ازالت اسرائيل 25 حاجزا كانت تقطع اوصال الضفة وتخنق اقتصادها. كما ان الوعي الفلسطيني قد تغير: لقد سئموا. سئموا الاحتكاك الدائم والصراع الذي لا ينتهي. ولد تطلع متجدد للهدوء والنظام والحياة الطيبة.

نتيجة لهذه المجريات الثلاث عاد مستثمرون عرب وغريبون للاستثمار في فلسطين. بنوك وشركات مالية وشركات تكنولوجيا راقية فتحت في رام الله. وفي بيت لحم وجنين بدأ الازدهار يظهر. حتى في نابلس ظهرت في الاونة الاخيرة علامات اولى للانعطافة. الهدوء والاستقرار والحركة شبه الحرة تسببت في عودة الحياة الى مسارها تدريجيا. بعد فترة التعصب والقمع بدأت فلسطين اخيرا تظهر بداية بداية الامل.

في اسرائيل يقللون من الحديث عن انقلاب – فياض. منذ عملية الاعدام الميدانية في رام الله ضد الاسرائيليين، ازال الكثيرون من الاسرائيليين هذه المدينة عن خارطة وعيهم. ليس لديهم اهتمام بالفلسطينيين ان خيرا او شرا. ولكن اولئك الاسرائيليين ايضا الذين يمسكون بالملف الفلسطيني ليسوا دائما مهتمين بالفلسطينيين كبني بشر. هم يفضلون اعتبارهم ضحايا. ليس لديهم اهتمام كبير بالفلسطينيين الذين لم يعودوا ضحايا وتحولوا الى مستثمرين ومهندسين ومقاولين ومخططين للبرمجيات ومختصين في الدعاية والعلاقات العامة. ولذلك لم ير اليمين ولا اليسار او يستوعبوا الانقلاب الهادىء الذي يلم بالضفة.

ولكن الانقلاب الهادىء يحدث. كل شيء ما زال في بدايته وقابلا للتغيير. في كل لحظة يمكن لازمة سياسية وحدث أمني أن يفترسوا الاوراق. ولكن الزائر لرام الله في هذا الصيف لا يملك نفسه من الدهشة. في السنة الاخيرة فقط فتحت في المدينة 12 مطعما جديدا. وفي منتصف الليل تكتظ الشوارع وتبقى التجارة يقظة والنوادي الليلية تغص بالزائرين. مثل بيروت الحريري. رام الله فياض هي مدينة ما بعد الحرب. مدينة تداوي جراح صدمة شديدة وتحتفل بتعقلها. ان لم يقم الامريكيون والاسرائيليون والفلسطينيون بحرق الطبخة مرة اخرى فان هذا التعقل قد ينتشر الى مدن الضفة الاخرى. خلال فترة غير طويلة سيتبلور واقع جديد هناك.

الروابي هي ايضا رمز ومحك التعقل الجديد. 800 مليون دولار ستصرف من الفلسطينيين والقطريين على هذا المشروع غير المسبوق. حوالي 6 آلاف وحدة سكنية ستبنى في المدينة التي ستستقبل 40 الف نسمة وتوفر اماكن عمل لعشرة آلاف فلسطيني.

الروابي هي ايضا مشروع اقتصادي ضخم وكذلك مشروع اجتماعي ثقافي يعرض على الفلسطينيين افقا جديدة. ولكن خروج هذا المشروع الى حيز التنفيذ يستوجب من الامريكيين والاوروبيين ان يفهموا ان نهج فياض هو النهض الصحيح. على نتنياهو وباراك ان يسلموا الممر الذي يربط بين الروابي ورام الله الى السلطة الفلسطينية حتى تخرج الى حيز التنفيذ. عليهم ان يقللوا من البيروقراطية وان يتيحوا لمدينة المستقبل الحصول على الماء والكهرباء وطرق الوصول. هناك الان فرصة حقيقية في الضفة. من المحظور تضييعها.