خبر كيف نفهم اليهود واليهودية ..إبراهيم غرايبة

الساعة 10:25 ص|29 يوليو 2009

ـ العرب القطرية 29/7/2009

الشخصية اليهودية ليست جامدة أو ثابتة على مدار التاريخ، ولذا ينبغي التعامل معها ضمن التبدلات الاجتماعية ومتغيراتها، مع ملاحظة التراث اليهودي وأثره في تركيب الشخصية اليهودية وتوجيهها.

ربما تكون هذه العبارة هي الحكمة الأساسية التي يخرج بها القارئ لكتاب عز الدين عناية «الاستهواد العربي» وهي مسألة في غاية الأهمية في إدارة الصراع والعلاقة القائمة اليوم مع إسرائيل، لأن فهم وإدراك هذه التحولات يساعد كثيرا -بل وعلى نحو حاسم- في تحديد الأهداف المرغوبة والممكن الوصول إليها في تسوية الصراع.

وسأواصل اليوم في المساحة المتاحة اختيار بعض الكتابات والدراسات العربية، والواقع أنها دراسات كثيرة جدا ومتنوعة، والكثير منها في غاية الأهمية، وتؤشر على تقدم معقول في فهم اليهود واليهودية.

يتابع باحثون الجوانب الأسطورية في الفكر الديني اليهودي، مثل سيد القمني في «الأسطورة والتراث»، والذي يعتبر أن التشكلات الدينية نشأت داخل حضن الأسطورة، وعليه فإن قراءة التاريخ القديم دون الأسطورة ستكون ناقصة، باعتبار أن الأسطورة هي السجل الأمثل للفكر وواقعه في مراحله الابتدائية عندما كان يحاول تفسير الوجود من حوله، ويحاول قراءة الواقع الاجتماعي وتفسيره، فيكون البحث عن لحظات الإدراك الأولى محاولة للتعرف على آليات التطور والتحول التي عرفها التراث اليهودي، فالعناصر الأسطورية التي حفلت بها التوراة والتي كانت بمثابة سبل الفهم للكون، عبرت عن انسجام فيما بينها.

ويرى عز الدين عناية هنا أن الاستهواد العربي الحديث في تناوله موضوع الميثولوجيا في التوراة حاول فصل هذه المقطوعات عن سياقها البنيوي العام وفحصها منفصلة، مما يوحي باستقلالية بينها، في حين تخضع المقطوعات الأسطورية التوراتية لمنطق موحد وجامع، اشترك فيه اليهود مع شعوب عدة كانت في درجة السلم الحضاري نفسها، مما أفضى إلى أن تسيطر على ذهنيته مفاهيم إحيائية وطوطمية كانت وسيلته لتفهم العالم.

كان التسرب الأسطوري إلى اليهودية متداخلا وغامضا ومتدرجا، ثم تكرس عبر الزمن، ومن خلال كتّاب متعددين وفي مراحل تاريخية مختلفة، وتتداخل الأساطير الذاتية الخاصة بالشعب العبري مع أساطير الشعوب الأخرى، ثم جرى تنسيق ذلك مع حركة التدوين.

ويناقش كتّاب قضية الأضحية في التوراة، مثل محمد أحمد الطالبي، ومحمد أحمد حسن «مصر والعرب وإسرائيل» وعلي عبدالواحد وافي «الصوم والأضحية بين الإسلام والأديان السابقة» ويظهر فيها عمق تأثير الأديان المجاورة على الديانة اليهودية، فتذكر الأسفار اليهودية تقديم قرابين بشرية، مثل الملك آخاذ (853 ق.م) الذي قدم ابنه قرباناً للآلهة.

تعامل الاستهواد العربي مع هذه القضايا وغيرها من منطلق تيارين، الدعوي يحاكمها إلى القرآن والمصادر الإسلامية، مثل الشيخ محمد سيد طنطاوي (بنو إسرائيل في القرآن والسنة)، وأما كمال الصليبي (خفايا التوراة) فإنه يحاول تفسير الوقائع حسب الإمكانيات العقلية والإدراكية لمنتجيها وأصحابها باعتبارها قصة حقيقية ومعيشية.

ولكن غلب على التيار النقدي رفض هذه الأساطير دون تفهم اللامعقول التوراتي والتعامل معه من داخل شروطه التي نشأ في حضنها، أي إدراك الأبعاد التي سيطرت على التجربة الدينية لدى الإنسان في بداية وعيه الديني.

وكان الاهتمام العربي بالتلمود متأخرا ومحدودا، واعتمدت القراءة الحديثة على نص مترجم لكاتب ألماني اسمه روهلنغ، ترجمه يوسف نصرالله ونشر سنة 1899، ولكن عبدالعزيز الثعالبي «محاضرات في تاريخ المذاهب والأديان» نبه إلى خطأ وخطورة الاعتماد على هذا المصدر المسيحي الوحيد، وأشار إلى أن التلمود ليس مدونة عدائية ضد الإنسانية، بل هو مدونة فقهية دينية، وقال إن قسم المعاملات في التلمود فيه من الأحكام ما لا يختلف كثيرا عمّا هو مدون في الفروع من الأحكام الفقهية الإسلامية، ولكن الفكرة المسيحية التي راجت في فترة العداء المسيحي- اليهودي تسربت إلى العرب في أجواء العداء العربي اليهودي.

ويقول المؤلف إن أدبيات الثقافة العالمية عن اليهود تسربت إلى الأدب العربي «الاستهواد» في مقاربتها لليهودي والقائمة على خيالات الوجدان الشعبي وأوهامه، الذي رأى اليهودي هنا وهناك، في الشمال والجنوب وفي البلاد الحارة تحت الشمس الحارة في أواسط إفريقيا، وعلى الشواطئ الأميركية يؤدي مهمة عالمية لنصب الشراك والحبائل.

ولا يبدو للتيار الدعوي ثمة اختلاف بين اليهودي المناهض للدعوة الإسلامية في عهد النبوة وبين الإسرائيلي في القرن العشرين رغم الفارق الزمني والاختلاف الظرفي بين الحدثين، انظر على سبيل المثال كتاب صلاح الخالدي: «الشخصية اليهودية».

وأما التيار النقدي فهو متأثر بانعكاسات حركة اللاسامية، ولهذا فقد جاء البحث في خفايا الشخصية اليهودية تكراراً لتمثلات الفكر الغربي في هذا المجال والتي ركزت على تحليل سلوكي لليهود قائم على الانطوائية والعنصرية.

وهكذا فإن العربي الحديث في رؤيته لليهودي يرزح تحت ثقل تراث طويل ومتراكم بفعل العداء المسيحي اليهودي بالإضافة إلى العداء الإسلامي اليهودي، ويتجاهل الظروف التاريخية التي تعرض لها اليهود وبخاصة في الغرب ووقوعهم تحت هيمنة سلطوية دينية مغايرة فرضت عليهم تقسيماتها للفئات الاجتماعية.