خبر الإفريقي المخادع .. أحمد الحيلة

الساعة 05:51 ص|29 يوليو 2009

بقلم: أحمد الحيلة

استبشر العرب بوصول باراك حسين أوباما، رافع لواء "التغيير" إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة بعد ثماني سنوات عجاف، غلاظ مع إدارة الرئيس بوش. هذا الاستبشار بالرئيس الأمريكي القادم من أصول إفريقية مسلمة، ازداد عقب خطابه في القاهرة، المليء بمفردات الاحترام والتقدير لتاريخ الحضارة الإسلامية، والتمجيد بها، بأسلوب تعبوي يعجز عنه العديد من الزعماء العرب والمسلمين.

وما رفع أسهم أوباما في الشرق الأوسط تحديداً، دعوته لمسألتين هامتين متعلقتين بالقضية الفلسطينية، على النحو التالي:

أولاً: دعوته لخيار حل الدولتين (دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل)

ثانياً: مطالبتة الحكومة الإسرائيلية بلغة واضحة، وقف الاستيطان في الضفة الغربية بلا استثناءات حتى الذي يسمى بالنمو الطبيعي.

تلك المواقف للرئيس أوباما، والتي راقت للعرب والفلسطينيين، قابلها الاحتلال الإسرائيلي برفض متشدد على لسان نتانياهو وعموم حكومته اليمينية؛ فنتانياهو منَّ على الرئيس أوباما بقبول مبدأ "الدولة" الفلسطينية، في خطابه في جامعة بار إيلان، بشروط ومواصفات إسرائيلية فرّغت "الدولة" المنتظرة من مضمونها.

أما الاستيطان ـ وهو عقدة اختبار مصداقية الرئيس أوباما ـ فقد لاقى تصلباً إسرائيلياً منقطع النظير وخاصة من نتانياهو ووزير خارجيته ليبرمان الذي قال بوضوح في مؤتمر صحفي جمعه مع وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون في العاصمة الأمريكية واشنطن (17/6) بأنه "لا يمكن القبول بالرؤية الأمريكية التي تنص على تجميد تام وكامل للاستيطان" مؤكداً أنه "بتوجب على الحكومة الإسرائيلية الحفاظ على النمو الطبيعي للمستوطنات".

المراقبون توقعوا صداماً قادماً بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل، قد يفضي إلى دفع واشنطن إلى التلويح باتخاذ إجراءات مضادة توصف على أنها عقبات أو "عقوبات" ضد حكومة نتانياهو من أجل تعزيز مصداقية الرئيس الأمريكي أوباما، ولتذليل عقبة الاستيطان التي تحول دون تواصل مسيرة التسوية السياسية.

واقع الحال كان معاكساً لتلك التوقعات؛ فأمام تمسك إسرائيل برفضها للرغبة الأمريكية في وقف الاستيطان الذي أصبح "سرطانياً"، شهدنا تراجعاً في الموقف الأمريكي، ولهجة متسامحة بشأن الاستيطان، فقد نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت (8/7/ 2009) عن وزير الدفاع ايهود باراك قوله في اجتماع له مع وزراء في الحكومة الإسرائيلية أن الولايات المتحدة "تميل" للموافقة على الاستمرار في بناء 700بناية تضم 2500 وحدة استيطانية باتت في مراحل بناء متقدمة.

وفي خبر نشرته صحيفة الشرق القطرية (9/7) نقلاً عن مسؤولين غربيين قالوا: "إن الولايات المتحدة تسير في اتجاه تقديم مخصصات مالية حتى تتمكن إسرائيل من إنهاء بناء بعض المشروعات السكنية في المستوطنات التي أوشكت على الإنتهاء، والمرتبطة بعقود خاصة لا يمكن فسخها".

هذا في الوقت الذي أصبح فيه تطبيع العلاقات العربية ـ الإسرائيلية مطلباً أمريكياً يسبق موافقة إسرائيل على تجميد الاستيطان، وقبل التوصل إلى "سلام" عندما حثّ المبعوث الأمريكي ميتشل، العرب من القاهرة (27/7) على "اتخاذ خطوات حقيقية من أجل التطبيع". ونتساءل: ماذا ستطلب أمريكا من العرب إذا وافقت إسرائيل على الانسحاب من جزء من الأرض العربية المحتلة عام 67؟ فهل سيكون المطلوب أن يصبحوا محميات إسرائيلية!!

وليت الأمر اقتصر على مجرد الحث أوالطلب، فقد أصبح العرب متهمون في نظر الرئيس أوباما لامتناعهم عن التطبيع المسبق مع إسرائيل، فقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت نقلاً عن ممثلي المنظمات اليهودية التي التقت أوباما في 13/7/2009، قوله لهم: "توجهت برسائل لقادة الدول العربية ودعوتهم إلى دعم السلام والتعبير عن ذلك عن طريق تقديم بوادر حسنة لإسرائيل، ولكن للأسف، وجدت لديهم نقصا في الشجاعة".

ولتفسير حقيقة الموقف الأمريكي، يمكن القول إن الرئيس أوباما كان مخادعاً للعالم العربي، وما زال، فهو لم يتخذ أي خطة فاعلة أو مؤثرة عملياً لدفع إسرائيل للإلتزام بتجميد الاستيطان ـ ناهيك عن وقفه أو إزالته ـ حتى نقول أنه حاول وفشل.

ومن هنا فخطاباته كانت مجرد وسيلة إعلامية للاستهلاك، ولتوظيف الرضا العربي باتجاه ملفات إقليمية أخرى كالعراق وإيران..

بلغة أخرى، الرئيس أوباما يتقاطع استراتيجياً مع الرئيس بوش في حماية إسرائيل والدفاع عن مصالحها، ولو كان ذلك على حساب الفلسطينيين في قلب القدس والضفة الغربية، وهذا في تقديري ثابت صهيوني دأب عليه كل الرؤساء الأمريكان.

والاختلاف بين أوباما وبوش أو الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري تجاه الصراع العربي ـ الإسرائيلي، كالاختلاف بين حزب العمل وحزب الليكود، أي أن الجميع يلتقي على الثوابت الصهيونية، ولكن يختلفون تكتيكياً في كيفية إنفاذ ذلك إلى الواقع.