خبر القيادي المصري بالإخوان « عصام العريان » يكتب..قنبلة القدّومي ومستقبل السلطة

الساعة 05:52 ص|24 يوليو 2009

فلسطين اليوم-الأخبار اللبنانية/بقلم عصام العريان *

جاءت تصريحات أبو اللطف، أحد القادة التاريخيين المؤسسين لحركة «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية، بمثابة قنبلة مدوّية ما زالت شظاياها تتناثر في المنطقة كلها، وأثارت تساؤلات عديدة، أهمها مصير المؤتمر السادس المقبل لحركة «فتح»، ومستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية، التي بدا أن القابضين على أزمتها اليوم جاؤوا على أشلاء الجسد المسموم للزعيم التاريخي ياسر عرفات، وهم المتهمون بالمشاركة الفعلية في تسميمه لتخلو لهم الساحة لتنفيذ «خطة شارون» لإنهاء القضية الفلسطينية، توهماً أنه ليس في الإمكان الحصول على شيء إلا ما يجود به الصهاينة، وأن المقاومة عبث ولا جدوى منها. الشكوك بشأن مصداقية «الوثيقة» وكيفية وصولها إلى السيد القدومي ستظل محل نقاش طويل، لكن حجة الرجل الأساسية ستظل قائمة هي الأخرى، وهي أن الوقائع على الأرض أقوى دليل على صحة الخطة التي حملتها الوثيقة، والتي تمثلت في الأمور الآتية:

1- قتل عرفات واختفاؤه عن الساحة، وليس مجرد حصاره أو طرده إلى الخارج.

2- تصفية قادة فصائل المقاومة من كل الاتجاهات.

3-إنهاء الوجود القوي لـ«حماس» في قطاع غزة.

فبغضّ النظر عن صحة الوثيقة أو زيفها، فإن الوقائع على الأرض قد أثبتت تنفيذ الخطة إلى حد كبير، رغم أنها فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي وهو إخضاع الشعب الفلسطيني وإنهاء المقاومة. فقد أُزيح عرفات من المشهد الفلسطيني، ويتفق الجميع على أنه قُتل بالسم،

لا يُتوقع انقسامات في «فتح» لأن عباس ودحلان وفريقهما أحكموا السيطرة على مفاصلها وعلى أن إسرائيل هي المتهم الرئيسي، وأن شارون هو الذي أصدر الأوامر بقتله. ويبقى أن يبحث المسؤولون الفلسطينيون عن اليد التي دسّت السم لعرفات، وهي بلا شك من الحلقة الضيقة المحيطة به. وهنا يبرز السؤال الأكبر: لماذا لم تجرِ تحقيقات شاملة واستجوابات مفصلة بشأن الحادث الأليم؟ ولماذا لم تُكشف طبيعة السم مبكراً حتى يمكن الضغط على العدو الصهيوني للحصول على الترياق اللازم، كما فعل الملك حسين عندما حدثت محاولة اغتيال خالد مشعل؟ ولماذا هذا الصمت المطبق على حادثة في هذا الحجم المهول؟

بلا شكّ، يُثير هذا الموقف الشكوك بشأن تواطؤ كل الأطراف المعنية، بدءاً من القيادات الفلسطينية المتهمة بالمشاركة فى الاغتيال أو السكوت عنه، انتهاءً بالقيادات العربية التي عملت بالمثل السائر «علّمني رأس الذئب الطائر»، فسكتت وصمتت صمت القبور، ولعلها انشغلت بالتفتيش في الحلقات المحيطة بها عما إذا كان هناك متآمرون على حياتها؟ مروراً بفرنسا التي تعلم الحقيقة ولم تعلن عنها.

وإذا انتقلنا إلى الهدف الثاني، فقد نُفّذ أو تحقّق معظمه. فقد اغتيل معظم القيادات التي أشار إليها «محضر الاجتماع»، وحصل ذلك بمعونة واضحة على الأرض، وفي مقدمتهم الشهيدان الرنتيسي وأبو شنب، وفشلت محاولات مماثلة لاغتيال الزهّار والشامي، واعتُقلت قيادة الجبهة الشعبية وكتائب الأقصى أو اغتيلوا.

وإذا كان اغتيال الشهداء فى غزة لم يؤثر إلا قليلاً على مواقف حركتي المقاومة الأساسيتين، «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، فإن إزاحة الشهيد ياسر عرفات من سُدّة السلطة الفلسطينية ومن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ومن رئاسة «فتح»، قد أثمر سياسة جديدة، أو قل استراتيجية جديدة تتماهى تماماً مع الاستراتيجية الصهيونية، وبرعاية أميركية على الأرض يشرف عليها الجنرال «دايتون» الذي يوجه الجهاز الأمني الفلسطيني مباشرة، بغرض تصفية المقاومة في الضفة الغربية، ومنع أي مصالحة فلسطينية حقيقية على قاعدة المزج بين المفاوضات والمقاومة كورقة أخيرة في يد الفلسطينيين. كان المحور الأهم هو اغتيال الرئيس عرفات، لأن المتواطئين باتوا يملكون الشرعية الفلسطينية ويصدرون الأوامر وينفّذون السياسات، ويسيطرون على كل المؤسسات الفلسطينية، سواء المتصلة بالسلطة الفلسطينية التي لم يعد للفصائل الفلسطينية جميعاً أي دور فيها، بل جرى تسليم الحكومة لشخصية مستقلة ليس لها أي ماضٍ نضالي أو سياسي مثل سلام فياض، ومعه مجموعة من الشخصيات الذين لا لون لهم ولا طعم، ولا يمثلون الشعب الفلسطيني ولا يملكون أي شرعية تمثيلية. وكذلك هي حال منظمة التحرير وحركة «فتح»، كبرى الحركات الفلسطينية. والخطوة الأخيرة للسيطرة على «فتح» هي المتعلقة بالمؤتمر المقبل الذي تأخر عشرين سنة، وأصر أبو مازن على عقده في الداخل الفلسطيني تحت الرعاية والسيطرة الصهيونية التامة التي تسمح لمن تشاء بالحضور وتمنع من تشاء. والهدف هو إزاحة كل القيادات التاريخية وإحكام السيطرة على مفاصل فتح تماماً، وعزل «فتح الداخل» عن «فتح الخارج»، وبالتالي تكريس الانقسامات ليس فقط بين غزة والضفة، بل داخل «فتح» ومنظمة التحرير، الوعاء الجامع للشعب الفلسطيني... وبذلك يُشطب أكثر من نصف الشعب الفلسطيني من معادلة الصراع مع العدو الصهيوني.

تولى محمد دحلان مهمة إسقاط «حماس» من قلوب الناس في غزة، ومن مقاعد السلطة في الحكومة التي أعقبت الانتخابات النزيهة في كانون الثاني/ يناير 2006، وكان الانقلاب الشهير الذي واجهته حكومة «حماس» بحزم شديد. وفرّ دحلان وعصابته إلى مصر التي لا يزال مقيماً فيها، ويتحرك بحرية شديدة فيها، ومنها وإليها، ويتولى تكريس الانقسام الذي صاحب محاولة الانقلاب الفاشلة ولا يزال إلى يومنا هذا، ويساعده في ذلك محمود عباس، الذي يرفض الجلوس إلى قادة «حماس» بينما يجلس يومياً إلى الصهاينة وغيرهم، ويصرّ على رفض كل المقترحات المصرية التي تريد إنهاء الانقسام، وحتى يرفض مقترحات وفد «فتح» للمصالحة، ويعمل ضد أي تقارب بين قيادات «فتح» وقيادات «حماس». وكان آخر مواقفه هو رفض المقترح المصري بشأن القوات المشتركة على معبر رفح، وهو المسعى المصري لفتح المعابر الذي طالبت قمة الثماني الكبار بفتحها جميعاً، ورفع الحصار الظالم عن قطاع غزة الذي يسبب قتلاً بطيئاً لمليون ونصف مليون إنسان.

ولا يتحرّك جفن لمحمود عباس الذي يقف وحيداً مع الصهاينة المتطرفين ضد رفع الحصار، وهو الذي لم يعد يتمتع بأي شرعية رسمية ولا نضالية بعد هذه القنبلة المدوية لفاروق القدومي الذي يتهمه صراحة بالمشاركة، على الأقل بالصمت والعلم المسبق، في تصفية أهم قيادة فلسطينية عرفها الشعب الفلسطيني خلال نصف القرن المنصرم. رد فعل عباس فاتر وبارد، واكتفى بالقول إنها خزعبلات وأوهام، وأن وراءها محاولة لمنع انعقاد المؤتمر السادس لحركة «فتح». بينما جاء ردّ الفعل المتوتر والسريع من مكتب ياسر عبد ربه الذي لا ينتمي لحركة «فتح» أصلاً، ليثير شكوكاً كثيرة بسبب قربه الشديد من عرفات خلال سنوات الحصار في المقاطعة، وفق القول المأثور «يكاد المريب يقول خذوني». وجاء حديث أحد قيادات المنظمة، عباس زكي، لا ينفي ولا يثبت.

لا يتوقع كثيرون انقسامات في «فتح»، لأن عباس ودحلان وفريقهما أحكموا السيطرة على مفاصلها، ويملكون المال اللازم لإحكام السيطرة.

ولا يتوقع كثيرون هبّة وصحوة في منظمة التحرير الفلسطينية التي استولت السلطة المحمية بقوات الاحتلال على كل اختصاصاتها، وباتت في حالة موت سريري في ظل القيادات المسنّة والمنهكة بدنياً وصحياً ونفسياً. ما ننتظره جميعاً هو حساب الشعب الفلسطيني، وصحوة النخبة الفلسطينية الصامتة على ما يقوم به فريق عباس ــــ دحلان من تصفية القضية الفلسطينية وتحويل السلطة إلى جهاز أمني يحمي الاحتلال في الضفة الغربية، وإلى شوكة في جنب قطاع غزة، ويكرّس انقسام الشعب الفلسطيني ليس بين الضفة وغزة بل بين كل قطاعاته، في أرض 1948، وفي الشتات، وكل مكان.

حالة الصدمة ما زالت قائمة، وما زال الفلسطينيون ينتظرون ردود الفعل الحقيقية.

* قيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر