خبر « انتــزاع ».. فيـلم يُهـرّب « نطف الأسـرى »

الساعة 08:28 م|23 يوليو 2009

   

فلسطينية تُنجب طفلاً من زوجها الأسير

"انتــزاع".. فيـلم يُهـرّب "نطف الأسـرى"

فلسطين اليوم- علا عطا الله

تطرق هي وشريك حياتها أبواب عالمهم الجديد، تحلم بأيامٍ هادئة تطل من نوافذها ضحكات صغارٍ أبرياء... غير أن حكاية أخرى بتفاصيل حزينة كانت في انتظارها فبعد أسابيع فقط على زواجها استيقظت العروس على رفيق دربٍ غيبته سجون الموت الإسرائيلية ولمدى الحياة!!

 

عامٌ... فثلاثة.. فعشرة.. فربع قرن وأكثر والزوجة ترتدي الوفاء، تحترف الانتظار وترفض الرحيل... يمضي الزمن ويرتفع صوت حنين الأم في داخلها، ولا يسكت فتُقرر حينها وبجرأة: "تهريب نطف زوجها المعتقل" لإجراء عملية تلقيح صناعي "تُمكنها من سماع كلمة: "ماما" واحتضان ثمرة حبٍ صادق.

 

"هل تنجح زوجة الأسير؟؟!، وكيف.. وماذا؟ استفهامات جريئة يُجيب عنها الفيلم الفلسطيني "انتزاع" للمخرج سويلم العبسي والذي كسر حواجز الصمت ورغبات اختزنتها ذاكرة قلوب زوجات مئات الأسرى والمعتقلين.

 

إنه حق

 

"انتزاع" صاحب الأحداث الحقيقية ترجمت مشاهده مؤسسة العنود للإنتاج الفني بغزة -فَتَحَ أبواباً من الدهشة والنقد وحروفٍ لطالما ابتعد عنها الكثير وفي ذات الوقت ارتفعت له قبعات الترحيب والتشجيع.

 

"إسلام أون لاين" في هذه المساحة تقترب من الفيلم ولقطاته المتوارية وتكشف حالة الجدل الدائرة حول فكرة "انتزاع" وتكشف أوراق: "مع، ضد".

 

الفنان الفلسطيني "سويلم العبسي" مخرج الفيلم قال: إن قصة "انتزاع" تدور حول زوجين كانا يعيشان حياة سعيدة تنغصها حاثة اعتقال قوات الاحتلال للزوج والحكم عليه بالسجن المؤبد وبعد أن ترفض الزوجة الطلاق وتواصل الانتظار لـ"15" عاماً تقرر اللجوء إلى تهريب نطف زوجها من أجل إنجاب طفل يهديها الفرح إلا أنها تصطدم بخوف الأهل وأحكام المجتمع فتبدأ رحلة الصراع والتحدي.

 

ويؤكد المخرج أن عنوان الفيلم واسمه بمثابة رسالة بأن: "الحرية لا تُهدى بل تنتزع"، وأن مشاهد هذا العمل الدرامي صرخة حق يجب دعمها والسعي لانتزاعها.

 

ويتمنى المخرج الفلسطيني أن يسهم الفيلم في إثارة حقيقية وجادة لقضية تسلط الضوء على معاناة المكتوين بنار السجون.

 

وفور عرض الفيلم – بتاريخ الخميس الماضي 16/7 - دعت جمعية الأسرى والمحررين "حسام" إلى دراسة فكرة إنجاب الأسير الفلسطيني.

 

وقال موفق حميد مدير العلاقات العامة بالجمعية في تصريح صحفي وصل "إسلام أون لاين" نسخةً عنه: إن الحركة الوطنية الأسيرة مُطالبة بدراسة هذه الفكرة مُشيراً إلى أن عدد كبير من زوجات الأسرى تحدثن بجراءة عن إعجابهن بالفيلم الذي كسر حاجز الصمت وأثار لديهنّ غريزة الأمومة.

 

وأشار حميد إلى أن هناك حوالي 6 حالات في الضفة الغربية وقطاع غزة قد حاولت الزراعة عن طريق تهريب النطف من السجن بشهود من أهل الأزواج.

 

يجب الاستمرار

 

ومن جانبه طالب الأسير المُحرر والباحث المختص بشئون الأسرى "عبد الناصر فروانة" بفتح ملف آلاف الأسرى المتزوجين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي وزوجاتهم ومعاناتهم الصامتة وغير المعلنة، وحقهم الطبيعي في الإنجاب من خلال عمليات "التلقيح الصناعي" مع توفير حماية اجتماعية ودينية وسياسية لهم، وأن هذا الحق لا يمنح بل يستدعي من الجميع المشاركة في انتزاعه.

 

وأبدى فروانة في حديث لـ"إسلام أون لاين" إعجابه بفيلم "انتزاع" لتناوله قضية إنسانية مهمة وحساسة جدًّا، وتستحق الدراسة والتمعن، وتستدعي فتح ملف الأسرى المتزوجين بكل جدية والذين يمثلون قرابة (30 %) من مجموع الأسرى عموماً (11 ألف أسير يقبعون في سجون معتقلات الاحتلال)، ويجب العمل من أجل انتزاع هذا الحق.

 

وأضاف فروانة: "فيلم انتزاع أثار فكرة كامنة وحاكى واقعاً مريراً ومعاناة غير معلنة لدى زوجات الأسرى، وأشعل رغبة صامتة لديهن بالإنجاب، وتمنين لو كان ذلك حقيقة، وحتى من شاهدوا الفيلم من الأسرى المحررين خرجوا يتبادلون الأحاديث ويتخيلون فيما لو كان ذلك متاحاً أثناء اعتقالهم".

 

وأكد الباحث في شئون الأسرى أن "إسرائيل" لم تمنح الأسرى هذا الحق بسهولة وستواصل اعتراضها عليه ورفضها لتنفيذه إلا أنه استدرك: "ومع هذا يجب الاستمرار في مساندة الأسرى من أجل انتزاع هذا الحق..".

 

ولأجل إخراج هذه الفكرة إلى النور شدد فروانة على أنه من الضرورة إيجاد توافق مجتمعي، مؤسساتي، ثقافي، ومن ثم سن قوانين وتشريعات تجيز لزوجات الأسرى الإنجاب بهذه الطريقة، وخلق رأي عام لحماية هذه الحالة وحاضنة مساندة لحق الأسرى ولحماية زوجاتهم من التلسن والإساءة والتجريح والإشاعات.

 

ليست للتداول

 

وفي مقالٍ له حمل عنوان: "نُطفةُ الأسيرِ الفلسطينيِّ ليست للتداول" أعرب الكاتب الفلسطيني الدكتور "فايز أبو شمالة" عن اعتراضه لمشاهد فيلم "انتزاع"، وقال أبو شمالة: إن الأسرى الفلسطينيين بحاجة إلى الحرية أكثر من حاجتهم إلى الذرية.

 

ووصف أبو شمالة الأمر بـ"الخطير جدًّا" وأنه مدعاة لسوء الظن لافتاً إلى أن تهريب النطف قد يتسبب في إثارة شك بالأنساب وتساؤلات تزيد من كاهل ذوي الأسرى إرهاقا.

 

ويرى الكاتب أن الأبوة مضمون وليست إطاراً: "لذا من الخطأ حصر الأبوة في النطفة، لأن العلاقة بين الأب وابنه علاقة وجدانية تبدأ من لحظة الغرس، ثم الإنبات الطبيعي، وبشكل يومي تحت دفء التجربة، وتنفس هواء المكان ذاته، بحيث تترعرع أغصان العلاقة في أجواء أسرية متماسكة، وليست الأبوة نطفة منقطعة الصلة بالحياة الوجدانية، والاجتماعية التي يتربى فيها الطفل".

 

وأكد أبو شمالة أن الأسرى لا يقف همهم على ضرورة الإنجاب وأن "للأسرى مشاعر إنسانية تجاه أنفسهم، وتجاه أمهاتهم، وآبائهم، وأحبتهم، وتجاه مجتمعهم". وتساءل الكاتب: "فلماذا ونحن نرى الذئب بالعين المجردة نتتبع الأثر، ونقُصٌّ عليه؟ لماذا نتهرب من حقيقة الفعل الجدي لتحرير الأسرى مهما كلف الثمن؟ لئلا نتسلل إلى ذرائع الوهن والهوان".

 

يحتاج إلى...

 

ومن جانبه أبدى الدكتور يونس الأسطل أستاذ العلوم الشرعية في الجامعة الإسلامية بغزة، معارضته الشديدة لنقل نطف الأسرى إلى زوجاتهم بهدف إنجاب أطفال.

 

وقال في تصريح صحفي: "إن نقل نطفة رجل إلى زوجته في حياته جائز لكن بضوابط وقيود شرعية، كما يحصل في زراعة الأجنة لمن يتأخر إنجابهم، غير أن الأسرى لا يدخلون في ذلك".

 

وأورد أستاذ العلوم الشرعية أسباباً لهذه المعارضة منها: "عدم وجود ضمانة في أن تكون تلك النطف بعينها لأزواج المعتقلين، وأن إنجاب نساء الأسرى حال غيابهم يورث شكًّا في عفتهن ويفتح بابًا للقيل والقال، كما أن نقل النطف يحتاج إلى إمكانيات طبية غير متوفرة لدى الأسرى، ولا عند نقل تلك النطف، فضلاً عن مباشرة زرعها".

 

أما من نطق الفيلم بمعاناتهم فآثر بعضهن الصمت وعدم التعليق فيما لوحت كثيرات بمعارضتهن الشديدة للفكرة في وقتٍ رحبت به أخريات واصفين الانتزاع بـ"الحق".

 

وتكشف إحدى زوجات الأسرى -والمحكوم زوجها بالسجن مدى الحياة- لـ"إسلام أون لاين" عن تجربتها في الإنجاب عن بعد: "سنوات طويلة مرت على اعتقال زوجي... كنت بحاجة إلى طفلٍ يواسيني في أيام وليالي الغياب القسري.. لكن للأسف المحاولات لم تنجح.. أقنعت أهلي وذوينا.. وأنا واثقة أن المجتمع وبإثارة جادة للموضوع إعلاميًّا ودينيًّا سيتقبل الأمر..".

 

وفيما تبدي أخرى حذرها وخوفها من الفكرة على الرغم من تأييدها تُصر ثالثة على أن السير في هذا الطريق يُشبه المشي على حقولٍ من الألغام المكشوفة.