خبر أيلون: حجم الصراعات ومستوى العنف والعجز عن خوض الحوار قد تدفع نحو الحرب

الساعة 06:05 ص|23 يوليو 2009

فلسطين اليوم - القدس المحتلة

حذر الجنرال في الاحتياط والقائد السياسي الإسرائيلي المعتزل، عامي أيلون، من التدهور إلى حرب في منطقة الشرق الأوسط، بسبب عدم الاستقرار الناجم عن تفاقم الصراعات والعنف والعجز عن استخدام لغة الحوار كما يجب. وهاجم أيلون حكومة بنيامين نتنياهو كونها لا تفهم الرسائل التي يبثها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الشرق الأوسط، وهي في مجملها تخدم مصالح شعوب المنطقة، بما فيها إسرائيل. وقال إن هناك حاجة ماسة إلى هبّة جماهيرية في إسرائيل يعبر المواطنون فيها عن رغبتهم ليقنعوا الحكومة بضرورة عدم إضاعة الفرصة.

 

وقال أيلون، في حوار أجرته معه صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية ، أنه ومجموعة من رفاقه العسكريين السابقين والسياسيين يسعون إلى مبادرة لتحريك الشارع الإسرائيلي. وأضاف أن إحدى أهم رسائل أوباما هي أنه يقول لليهود: أنتم لستم وحدكم في مواجهة الخطر الإيراني النووي ومواجهة الإرهاب، فالعالم العربي أيضا يعاني وكذلك أوروبا والعالم الإسلامي. بيد أن هناك شرطا لا بد منه لنجاح التحالف ضد إيران والإرهاب، هو تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس مبدأ الدولتين، والاستناد إلى مبادرة السلام العربية.

 

وأيلون هو جنرال كبير في الجيش الإسرائيلي، شغل منصب قائد سلاح البحرية. ثم عين رئيسا لجهاز المخابرات العامة. ثم انتقل إلى عالم السياسة محاولا الفوز برئاسة حزب العمل، ومن هناك القفز إلى رئاسة الحكومة. ولكن أصوات أعضاء حزب العمل العرب حسمت المعركة ضده ولصالح إيهود باراك. ولأنه يرى أن حزب العمل بقيادة باراك قد ضل طريقه، فقد انسحب من الحزب واعتزل السياسة ولجأ إلى العمل الجماهيري للتأثير على السياسة من القاعدة.

 

وتوصل أيلون في عام 2002 إلى مبادرة سلام مع البروفسور الفلسطيني المقدسي سري نسيبه أصبحت تعرف بمبادرة «أيلون ـ نسيبة». وهو يبادر إلى قيادة العديد من النشاطات التي تدفع بالعملية السلمية إلى الأمام وتشجع الرئيس أوباما على طروحاته المبدئية لمصلحة إسرائيل وسائر شعوب المنطقة، كما يقول. وهكذا دار الحوار معه، في بيته الكائن على إحدى هضاب جبال الكرمل:

 

* ألتقيك كونك أولا قائدا عسكريا كبيرا سابقا، لتعطي رأيك في الأجواء التي تنبعث منها رائحة حرب هذه الأيام. تدريبات عسكرية على صواريخ حركة حماس وحزب الله وتدريبات ضد سورية وإيران. فهل هي الحرب التي اعتادتها منطقتنا مرة كل ثلاث أو أربع سنوات، أم أنها مجرد تهديدات. وعندما تهدد إسرائيل إيران، هل تملك قدرات تناسب هذا التهديد؟

ـ أيلون: أولا.. لا تتوقع مني أن أتحدث عن قدرات إسرائيل العسكرية في هذا السياق. ولكن دعني أؤكد أنه لا توجد لإسرائيل مصلحة في حرب في أي جبهة مما ذكرت. لا مقابل التهديد الإيراني ولا ضد حزب الله ولا ضد حماس.

 

* أنت تقول هذا بثقة بالغة، ولكنك لم تعد وزيرا ولست جزءا من هذه الحكومة، بل تنتمي عمليا إلى معسكر المعارضة. فلماذا تقول رأيا قاطعا كهذا؟

ـ أنا لست معارضة ولا رجلا سياسيا اليوم. بالعكس، إنني أتكلم الآن من موقع المتفرج الذي يرى أشياء لا يراها من يقف في قلب صناعة الحدث. وأنا لا أقول ذلك حتى كرجل سياسي سابق أو كرجل معارضة سابق أو كقائد أسبق لسلاح البحرية في الجيش الإسرائيلي أو كقائد أسبق للمخابرات العامة. إنما أقول ما أقوله كمواطن إسرائيلي يحاول أن يقرأ المصالح الوطنية الإسرائيلية. ولا أقول رأيي الشخصي وحسب. أقوله كتعبير عن أوسع إجماع قومي في إسرائيل. غالبية الإسرائيليين يدركون اليوم أن انتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة يحتم علينا نحن الإسرائيليين أن نعيد تقويم الأمور من جديد. التغيرات في العالم تسير في مسيرة جارفة، الاقتصاد والسياسة وقضايا الثقافة والمجتمع. وهناك أمور في العالم تجبرك على التفكير من جديد. لقد وردت مجموعة رسائل مهمة في الخطاب الأميركي الجديد تجاه الشرق الأوسط، بالغة الأهمية، خصوصا الخطابين في أنقرة وفي القاهرة، واسمح لي أن أميز خطاب أوباما في القاهرة بشكل خاص.

 

* ما هي الرسائل التي التقطتها أنت في هذين الخطابين؟

ـ أنه يقول لنا إن صورة الواقع باتت مختلفة عما كانت عليه. الرئيس الأميركي لا يغير الواقع، إنما يعطي لنا توضيحا لصورة الواقع المحيط بنا. وعلينا أن ندرك في نهاية المطاف أن النقاش بيننا هو ليس حول الواقع بل حول التفسير الذي يعطيه كل منا لهذا الواقع.

 

* وكيف ترى هذا في رسائل أوباما؟

ـ أوباما يقول لنا، وهنا أضيف إنني أوافقه الرأي، أن الصورة التي يراها مختلفة تماما عما رأتها إدارة الرئيس السابق، جورج بوش.

 

* مختلفة تماما، أم صوريا كما يعتقد البعض؟

ـ مختلفة جوهريا إلى حد ما، ولكن أيضا إدارة بوش أحدثت تغييرات درامية. إن مسيرة أنابوليس، كانت تعبيرا عن تغيير جوهري عما كانت عليه سياسة بوش في السنوات الست الأولى من حكمه.

 

* هل التغيير الجوهري الذي تتحدث عنه هو في أن أنابوليس أرادت الانتقال مباشرة إلى التسوية الدائمة، والقفز عن المرحلة الثالثة من خريطة الطريق؟

ـ إدارة بوش أدركت أن الواقع الذي حصل نتيجة دخول العراق واحتلال أفغانستان والواقع عموما في الشرق الأوسط بات أكثر تعقيدا منه في 2001 قبيل اجتياح العراق. لذلك، فإن التغييرات بدأت في مسيرة تدريجية. وهذا ما يجعلني أقول إن الواقع تغير. وما يقوله أوباما اليوم هو أولا أن الحديث الذي كنا سمعناه سابقا بأن هناك صراعا بين ثقافتين وحضارتين، الإسلام من جهة والحداثة والعولمة الغربية من جهة ثانية، ليس صحيحا. ما يجري هو صراع في داخل الحضارات والثقافات. فليس الإسلام ضد الغرب، إنما هناك صراع داخل العالم الإسلامي على مختلف الصعد، شيعة وسنة، متطرفين وأصوليين وتيارات براغماتية. وهو لا يكتفي بإيجاد فوارق ما بين الأصوليين والبراغماتيين، بل يجد فوارق ما بين الأصوليين والراديكاليين الآخرين. عمليا يقول لنا أوباما: يا جماعة، توجد هنا فسيفساء معقدة جدا. الأمر الثاني الذي يقوله لنا أوباما: سادتي، إن الديمقراطية ليست شرطا.

 

* تقصد الديمقراطية الغربية...

ـ نعم، الديمقراطية الغربية ليست شرطا. أنا لا أنوي أن أفرض عليكم وجهة نظري القيمية. أوباما ألغى المقولة الشائعة، التي رددها هنتنغتون ثم شرانسكي: إذا كنتم تريدون الحديث معنا، عليكم أولا أن تصبحوا نظاما ديمقراطيا مثلنا. اليمين في إسرائيل تبنى عمليا هذا الطرح ويستغله بكثرة عندما يقول: لا يوجد (في الطرف الآخر) من يمكن أن تتكلم إليه. قسم من هذا الطرح مبني على الأسطورة القائلة بأننا الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وفي الواقع أن الصراع بيننا يعيد إلى عصرنا السياسة الواقعية «ريال بوليتيك» البراغماتية، القادرة على كشف المصالح المشتركة. وينتقل عمليا من عالم القيم إلى عالم المصالح. من عالم الصراع إلى عالم الحوار. إن هذا يذكرني بحادثة، عندما كنت وصديقي البروفسور سري نسيبة في لقاء مع بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع الأميركي الأسبق. التقيناه قبيل اجتياح العراق. لقد حاول شرح موقفهم من مسألة الدخول إلى العراق ونظرتهم إلى الشرق الأوسط، فقال «نحن نصفي صدام حسين والديمقراطية تزدهر في العراق». نسيبة ضحك. فسأله وولفويتز: لماذا تضحك؟ فأجابه نسيبة: «اسمع، يا سيدي نائب وزير الدفاع. عائلتي تعيش في الشرق الأوسط على الأقل من القرن السابع. أنا أعرف ما الذي يدور في الشرق الأوسط. تنوون اجتياح العراق، فلا تتوقعوا أن تنتظم الأمور لوحدها بمجرد دخولكم». وانظر إلى العراق اليوم، وانظر إلى أفغانستان اليوم، وباكستان، تجد أن الديمقراطية هي نهاية المسيرة وليس بدايتها. الديمقراطية لا يمكن أن تكون شرطا. نحن نعيش عالما مليئا بالخلافات والصراعات. والحوار هو الوسيلة الأولى. العنف والحرب هو فقط الوسيلة الأخيرة.

 

* هذه الرسائل..

ـ عفوا، الرسالة الثالثة التي يبثها أوباما هي تغيير النظرة القائلة «نحن لا نعرف ماذا نفعل، فنمارس القوة. القوة تحل كل شيء». هذه كانت، إلى حد كبير، نفسية اجتياح العراق. وقد جاء أوباما ليقول: لا يا سادتي، أنا أريد أولا أن أحاور. نحن في عصر الحوار. صحيح هناك صراعات وهناك تناقض مصالح. وهناك اختلاف في الثقافات. ولكننا نعيش في عالم نحتاج فيه أولا إلى الحوار لكي نبني الجسور. فقط في النهاية، وعندما لا يكون لنا مفر نلجأ إلى القوة. إنه يميز بين الحرب التي لا بد منها، والحرب التي يمكن تفاديها. الحرب التي يمكن تفاديها، ليست حربا شرعية.

 

ويقول أوباما لنا أمرا إضافيا. يقول إنني أنوي خلق أدوات دبلوماسية مختلفة. أنا لا أومن بالخطوات أحادية الجانب. أنا أومن بالحوار. أنت تنظر إلى الحربين في العراق. الفارق بين بوش الأب وبوش الابن. القدرة على تشكيل تحالف واسع. القدرة على التوصل إلى تفاهم دولي. أنا ضد الأحادية.

 

* أنت تلمح إلى وضع مشابه في السياسة الإسرائيلية؟

ـ إذا تعلمنا شيئا في السنوات العشر الأخيرة، نحن في إسرائيل، هو أن السياسة الأحادية التي اتبعناها قد فشلت. فشلت في الانسحاب أحادي الجانب من لبنان، وفشلت في الانسحاب الأحادي من قطاع غزة. أنا أعتقد أن هذا هو أحد الدروس التي ترافق المجتمع الإسرائيلي إلى كل مكان، إسرائيل لم تعد مستعدة لاتخاذ خطوات أحادية الجانب. ليس مبررا القول: لا يوجد لنا شريك. حتى عندما نشعر أنه لا يوجد شريك، علينا أن نجد نصا آخر للسؤال: لا يوجد شريك. حسنا. فماذا سنفعل حتى يصبح هناك شريك.

 

* أنت تصدق فعلا هذه المقولة أنه لا يوجد في الطرف الفلسطيني شريك لعملية السلام؟

ـ لا لست أنا. إنني أقول إن غالبية الإسرائيليين يؤمنون أنه لا يوجد شريك. ولكن هذه قضية أخرى، تتعلق أيضا بالأداء الفلسطيني. ولكن الأهم الآن أن أوباما يأتينا اليوم قائلا: سياستي مبنية على قاعدة تقول: نحن نريد إيجاد تحالفات إقليمية على أساس المصالح وليس القيم. وعدونا هو ذلك الذي لا يقبل بهذه القاعدة. وأوباما يفرّق ما بين تنظيم «القاعدة» والجهاد الإسلامي، كعدو يجب محاربته، وبين حركات أصولية أخرى مثل حركة الإخوان المسلمين وحماس وغيرها التي لا يعتبرها عدوا. وهو يقول لقادة حماس: إذا اعترفتم بقرارات القيادة الشرعية الفلسطينية التي اتخذت في الماضي، تفضلوا نتحاور. عمليا في الشرق الأوسط، أجل هناك محور شر. هو لا يطلق عليه هذا الاسم، ولكنه يقول إنه يجب مجابهة ثلاثة تحديات في الشرق الأوسط. أولا وقف إيران ومشروعها للتسلح النووي. الثاني: وقف الإسلام المتطرف، «القاعدة» والجهاد العالمي. أما حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني فإنها تصبح عدوا إذا قررت الانضمام إلى معسكر «القاعدة» والجهاد العالمي. فالقضية ليست أيديولوجيا. إنه مستعد للتعاطي مع قوى حتى لو كانت أصولية، إذا انتخبها الشعب في انتخابات ديمقراطية. إنه يفرق بين هذه القوى، التي تعمل من خلال الشعب وتحتاج إلى الشعب كي ينتخبها، وبين القوى التي تنمو وتترعرع على الفوضى والخراب. فـ«القاعدة» ليست بحاجة إلى الشارع الإسلامي. إنها لا تتوقع أن تنتخب في انتخابات ديمقراطية. إنها مؤلفة من مجموعة صغيرة من المتطرفين التي تمارس العنف والإرهاب وتحدث الفوضى. والعنصر الثالث الذي يشكل قاسما مشتركا للقوى البراغماتية هو موضوع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إنه يقول إن مواجهة التسلح النووي الإيراني ومكافحة إرهاب «القاعدة» والصراع الإسرائيلي الفلسطيني هي القاعدة للتحالف الجديد في الشرق الأوسط.

 

* تقصد تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني...

ـ نعم تسوية الصراع. هذا هو القاسم المشترك الذي يمكن أن تلتف حوله عشرات الدول، من المغرب العربي وتونس ومصر والسعودية والأردن وتركيا وصولا حتى الإمارات. وربما يمكن توسيعه إلى عشرات الدول الإسلامية. هناك مصلحة في وقف التسلح الإيراني، وربما تكون مصلحة لوقف المد الشيعي. ثانيا وقف الإرهاب. وثالثا: التقدم في التسوية، على أساس مبادرة السلام العربية. وهو يقول لنا، نحن الإسرائيليين: أنتم لستم وحدكم. أنتم جزء من تحالف براغماتي واسع يقوم على معسكر من الشراكة. نحن في إسرائيل نريد السلام لكي تكون دولة إسرائيل دولة ديمقراطية للشعب اليهودي، لأنه من دون سلام لا يمكن لنا أن نعيش كدولة ديمقراطية للشعب اليهودي. وأنا شخصيا أعتقد أن هذه قضية وجودية بالنسبة لنا، السلام والديمقراطية. وهي قضية هويتنا القومية وقضية استراتيجية أمنية أيضا. وأوباما يقول لنا عمليا: لكي تكون لدي الأدوات المناسبة لمجابهة الخطر الإيراني، أريد هذا السلام. يقول: أريد أن أجلب روسيا والصين وباكستان والهند والعالم العربي. يقول لنا: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو ليس أهم عنصر. ولكنه شرط حتمي من أجل بناء التحالف الذي يوقف الإرهاب ويضع حدا لتهديد إيران. في المرحلة الأولى حوار. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الانتخابات الإيرانية الأخيرة أنشأت له مشكلة جدية.

 

* وكيف ترى الإدراك الإسرائيلي لهذه الرسالة؟

ـ لا شك في أن رسائل أوباما تخلق توترات في السياسة الإسرائيلية. إنه يقول لنا أنتم جزء من تحالف. ولكننا نحن اليهود نعيش مشكلة. فعندما نواجه خطرا وجوديا، نصبح لوحدنا. ولكن أوباما يقول لنا أنتم لستم وحدكم. وعبثا. كل شعب وكل إنسان يحمل تاريخه فوق كتفه. ونحن ربما أكثر من غيرنا. إذا أردت أو لم أرد، فإنني أتعلم في المدرسة مبادئ التوراة. وأجدادي قتلوا في المحرقة. ونشعر أن أحدا لم يكن معنا هناك. الإنجليز لم يفتحوا الأبواب لهجرة اليهود. حماتي ضبطت بأيدي الإنجليز سنة 1939، عندما وصلت تهريبا ووضعوها في معسكر لاجئين في عتليت. نحن جيل من دون أجداد. هذه نفسية تعيش معنا طويلا. نشعر أننا وحيدون. لسنا معتادين على أن نكون جزءا من تحالف. هذا يلزمنا. فالتهديد الإيراني في المقدمة.

 

* أنت تصور واقعا معروفا، فإذا كنا صريحين أكثر نقول إن اليهود لا يثقون عمليا بأحد، لا بأوباما ولا بالحلف ضد إيران ولا بأي شيء. ـ نعم. ولكن نحن في حيرة. متلبكون. نثق ولا نثق. نحن نعيش في واقع مركب من ثلاثة أقطاب.

 

* وما العمل الذي يجب أن تقوم به إسرائيل حسب رأيك؟

ـ علينا أولا أن نعمل كل شيء في سبيل وقف التهديد الإيراني. وثانيا يجب أن نذكر أن التهديد الإيراني ليس ضدنا وحدنا، بل أيضا ضد العالم العربي وضد باكستان والهند وأوروبا، وتهديد للمصالح الدولية والنفط والطاقة. لذلك، فإننا عندما نكافح هذا التهديد، لسنا وحدنا. وفي الوقت نفسه، علينا أن ندرك أننا لسنا الطليعيين في قيادة هذا التحالف، بل جزء منه فقط. فلتكن القيادة للولايات المتحدة.

 

* حسن، الآن قل لي كم قائدا إسرائيليا تعرف، يدرك رسائل أوباما هذه؟. الحكومة الإسرائيلية، تدخل في صدام متواصل مع أوباما منذ انتخابها وتسلمها الحكم.

ـ يجب أن ندرك أن مقابل أوباما في الولايات المتحدة، لم تنتخب تسيبي ليفني لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، بل نتنياهو. ونتنياهو صعد إلى الحكم وفق برنامج لا يقبل فكرة التسوية على أساس مبدأ دولتين للشعبين. الجمهور في إسرائيل انتخب نتنياهو. وهذا جزء لا يتجزأ من التناقضات التي تخلقها الديمقراطية. فمعروف أن الغالبية الساحقة من الإسرائيليين، وفقا لجميع استطلاعات الرأي، تؤيد حل الدولتين. ولكن هذه الأكثرية لا تؤمن بأن هذا الحل ممكن. فما تسبب به إيهود باراك في سنة 2000 وإيهود أولمرت في السنة الماضية، هو أن يتوصل الجمهور الإسرائيلي إلى القناعة بأنه لا يوجد مع من تتكلم.

 

* لكن أولمرت تكلم مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) وعندما اعترض رفاقه قال لهم: «لقد أقنعنا العالم طيلة سبع سنوات بأن ياسر عرفات ليس شريكا، ولكن، هل نستطيع أن نقنع أحدا حتى في إسرائيل بأن أبو مازن ليس رجل سلام».

ـ هذا في البداية. ولكن أولمرت أنهى دورته بالتصريح الذي قال فيه إنه عرض على أبو مازن أسخى عرض ممكن، ولكنه لم يرد عليه. فما الذي يقصده أولمرت بذلك؟.. وما الذي فهمه الجمهور الإسرائيلي من تصريح أولمرت. لقد فهم الجمهور أن أولمرت قدم عرضا سخيا وأبو مازن رفض. ماذا نفعل؟ الواقع في منطقتنا مشوه. إن الشعبين، الإسرائيلي والفلسطيني، يريدان الأمر نفسه تقريبا. دولتان للشعبين، من دون عودة اللاجئين إلى مناطق إسرائيل ومع عودة المستوطنين إلى تخوم إسرائيل وإجراء تبادل أراض على أساس حدود 1967، ولكنهما مختلفان على الماضي. تناقض رهيب. مختلفان على الماضي ومتفقان على المستقبل. تسأل اليهودي، فيقول لك حول الماضي: أعطيناهم كل شيء فردوا علينا بالإرهاب والانتفاضة. تسأل الفلسطينيين فيردون: كل شيء كان مؤامرة. إسرائيل أرادت فقط أن تربح الوقت لبناء المزيد من المستوطنات حتى لا تبقى إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية. تسألني أنا؟ أقول لك: المأساة أن كلا الطرفين محق.

 

* كيف؟

ـ هناك أقلية في الطرفين لا تريد تسوية. وهي التي خلقت الواقع الذي يراه كل طرف. تلك الأقلية في الطرف الفلسطيني، ولدت الواقع الذي نراه بأنه منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو في التسعينات زادت أعمال الإرهاب والقتل في صفوف الإسرائيليين، والأقلية الإسرائيلية التي تريد تسوية ولدت عمليات استيطان تكسر ثقة الفلسطينيين في قيام الدولة الفلسطينية. والسؤال هو: كيف تخلق واقعا آخر. منذ اغتيال إسحق رابين ونحن نعيش جميعا عصر إضاعة الفرص. الخوف والتشكيك يسيطران. الكراهية تزدهر. ونحن، الطرفين، نعمي أبصارنا عن رؤية الأمل. تسألني هل أتوقع حربا؟ الجواب: لا. تسألني: هل أستبعد خطر تدهور الشرق الأوسط إلى حرب؟ أقول: هذا خطر قائم. فكمية الصراع وتناقض المصالح ومستوى العنف وعدم القدرة على الحوار تولد واقعا غير ثابت.

 

* أنت شخصية قيادية سابقة، تؤمن برسائل أوباما كما تقول. فهل لو كنت رئيس حكومة في إسرائيل كنت ستتصرف بشكل مختلف؟

 

ـ أنا شخصيا أومن بصورة الواقع التي رسمها أوباما. أومن أولا بأن الطريق الوحيد للخروج من الواقع الحالي هو بصنع الأمل.

 

* ألا تخشى من أن تفشل حكومة نتنياهو في إدراك الواقع الجديد وتضيع الفرصة مرة أخرى؟

ـ أنا أعرف أن هذه الحكومة لا تدرك الواقع الجديد. وأنا خارج السياسة اليوم ليس صدفة. فقد توصلت إلى قناعة بأن حزب العمل، الذي كان يشكل العنصر المعتدل في السياسة الإسرائيلية فقد طريقه. ولذلك تركته واعتزلت السياسة. ولكن في الديمقراطية، القرار هو للجمهور. وأنا أعتقد أن ما أقوله يعبر عن رغبة الجمهور.

 

* أنت صاحب تاريخ عسكري غني. ويوجد مثلك العديد من الجنرالات الذين توصلوا للنتائج نفسها التي توصلت إليها أنت. ومكانكم ليس على مدرج المتفرجين. فلماذا لا توحدوا جهودكم وتخاطبوا الجمهور بآرائكم وتجندوا الجمهور لحملة ضغط شعبي على الحكومة؟ أو في حوار مع الحكومة بغرض التأثير عليها؟

ـ أولا أنا وغيري كثيرون يفعلون ذلك، وليس من خلال وسائل الإعلام. هناك عدة مؤسسات تعمل، مثل مجلس السلام والأمن (مجموعة من 1300 شخصية عسكرية وسياسية سابقة) الذي يدير حملة للتسوية السلمية على أساس مبادرة السلام العربية.

 

* هذه الحملة بدأت قبل أوباما.

ـ نعم. أنا أعترف بأن الكثيرين يعتمدون اليوم على إمكانية نجاح الرئيس أوباما، بإقناع الحكومة. أنا لا أومن بالطبع أن أحدا يستطيع إنقاذنا من أنفسنا. ولا أومن بأن أوباما يستطيع أو يريد فرض تسوية علينا. أعتقد أن الجمهور الإسرائيلي يجب أن يخرج بمواقف أكثر وضوحا. وهذا هو الوقت المناسب لأن يخرج الجمهور الإسرائيلي بموقف يوضح فيه ما الذي يريده. فقد وصلنا إلى وضع لا تبدو فيه الحكومة الإسرائيلية معبرة عن إرادة الجماهير الإسرائيلية.

 

* لن يفعل الجمهور شيئا من دون قيادة. وأفضل من يقود هذه الحملة هم الجنرالات، حيث إن الجمهور يقيم وزنا كبيرا لكم، بسبب مخاوفه وبسبب تقديسه للأمن.

 

ـ هذا ليس الواقع الدقيق. الجمهور لم يعد ينظر إلى جنرالاته بنفس التقدير السابق، ويتهمهم بالعديد من الأمور، مثل الانسحاب من لبنان ومن غزة. لذلك، أعتقد أن النشاط الجماهيري مهم، ويجب ألا يقتصر على الجنرالات، ويجب أن يضم أناسا من جميع أطياف الخريطة السياسية. وأعتقد أن هذا ممكن، خصوصا اليوم بعد أن «قبل» أو «رضخ» نتنياهو لفكرة الدولتين للشعبين. ومن دون شك، مهم جدا أن تنطلق حملة جماهيرية تساند هذه الفكرة. حملة تقول ثلاثة أشياء: أولا: نريد تسوية على أساس مبدأ دولتين للشعبين، وثانيا: التسوية يجب أن نعمل من أجلها. فلا أحد سيقدمها لنا هدية أو يفرضها علينا، مع أن هناك من يريد منا أن تفرض هذه التسوية علينا. وثالثا: علينا أن نقدم فورا على خطوتين: الأولى تمرير القانون الذي يفسح المجال أمام المستوطنين الراغبين في الرحيل عن المستوطنات وهناك آلاف من المستوطنين الذين ينتظرون فقط الشرعية والتمويل حتى يستطيعوا شراء بيت في إسرائيل. فإذا ترك الآلاف المستوطنات سيرى الفلسطينيون أنه مقابل كل مستوطن ينتقل إلى الشرق (إلى الضفة الغربية) سيتوجه المئات إلى الغرب (يعودون إلى إسرائيل). والأمر الثاني الاستعداد الجماهيري لطرح التسوية على استفتاء شعبي عام. فالقرار يجب أن يمر عبر الشعب في الطرفين. وأنا أتوقع من أوباما أن يطرح فكرته حول التسوية التي أعتقد أنها ستكون قريبة من مبادرتي المشتركة مع البروفسور سري نسيبة، المؤلفة من ست نقاط. وأنه يقول للطرفين: هذه التسوية التي أراها مناسبة وأريد أن أساعدكم على تحقيقها.