خبر موجة الهجرة العربية -هآرتس

الساعة 08:33 ص|22 يوليو 2009

بقلم: الوف بن

 (المضمون: يملك المواطنون العرب قوة بشرية قادرة على دفع الاقتصاد الاسرائيلي قدما في العقود المقبلة. يجب على السلطات الاسرائيلية ان تستغل هذه الطاقة - المصدر).

اسرائيل فقيرة من جهة الموارد الطبيعية، ويعتمد نموها الاقتصادي على أذهان سكانها. منذ اقامتها استوعبت الدولة ملايين المهاجرين اليهود، الذين جلبوا اليها ثروة بشرية عظيمة القيمة، وأحدثوا طلبات دفعت بالاقتصاد قدما. لكن خزانات المرشحين الجاهزين للهجرة نفدت فلا يمكن اغراء مهندس يهودي من شيكاغو او تورينتو او باريس أن يأتي الى اسرائيل ويتلقى شقة سكن عام في كريات غات او كريات يام، مثل المهندسين والاطباء الذين أتوا من الاتحاد السوفييتي السابق. بلغت الهجرة حضيضا تاريخيا، ولا علامات على ان الاتجاه سينقلب.

من أين سيأتي اذن النمو الاقتصادي في العقد المقبل؟ الجواب موجود في الجليل والمثلث. فهنالك يكمن كنز اقتصادي، ومنجم ذهب لم تكد تستغل طاقته الكامنة ألا وهو المواطنون العرب. ان خمس مواطني الدولة، وهم سكان شبان فقراء نسبيا، يريدون ويستطيعون ان يشقوا طريقهم قدما. مئات آلاف من الاذهان اذا اكتسبت الثقافة المناسبة واندمجت في أعمال نوعية، سيجعلون الاقتصاد الاسرائيلي يعلو منزلة.

ان معطيات امتحانات الشهادة الثانوية العامة الأخيرة التي نشرتها وزارة التربية اشارت الى فرق أخذ يكبر بين انجازات الطلاب اليهود والعرب. انحصر النقاش العام في دعاوى الظلم وتمييز الاولاد العرب، لكن يمكن ان نرى المعطيات فرصة كبيرة ايضا. ان انفاق الشيكل الهامشي على مدرسة ثانوية في شمال تل ابيب ربما يستطيع ان يرفع معدل الشهادة الثانوية العامة هنالك ببضعة كسور الدرجة المئوية. لكن انفاق الشيكل نفسه في أم الفحم او راهط سيحدث طبقة جديدة من عشرات آلاف خريجي الثانوية وطلاب الجامعات. أربما يكمن بينهم حائز على جائزة نوبل في الغد؟ ان الدراسات العليا أهم عامل في تحسين الدخل ومستوى الحياة. ان آلاف الاكاديميين العرب اذا اندمجوا في شركات الهايتك وصناعة المعلومات سيحدثون قوة شراء تطور البلدات العربية وتدفع الاقتصاد كله قدما.

لا حاجة الى لجنة تحقيق رسمية اخرى، أو تعيين أفرقة من الموظفين. حسبنا عدد من المبادرين ذوي التصميم لاحداث تغيير في التربية. ومن لا يصدق، فليصغ الى اليشع يناي، المدير العام لـ "ماتورلا اسرائيل"، الذي يحكي كيف أقنع هو ورفاقه أرباب الصناعة الحكومة أن تقيم شبكة معاهد تكنولوجية، وأن ترفع عدد خريجي الهندسة والحواسيب من ألف في العام الى ثمانية آلاف. هذا ما أحدث ومكن من انفجار صناعة الهايتك. التحدي القادم هو أن يضاف اليهم ألف او ألفان اخران من المهندسين والمبرمجين العرب. تخيلوا زيادة قيمة كل مهندس كهذا على الانتاج الوطني وجمهوره.

تلحظ تباشير التغيير في السنين الاخيرة بدخول أخذ يزداد للعرب في أماكن عمل "يهودية": الصيدلاني في الصيدلية، والموظفة في فرع البنك، والصوت الذي يجيب في مركز الخدمة "سلام، يتكلم محمد، كيف يمكن أن أساعدك". هذا غير كاف، ويحتاج الى تغيير في التفكير والسلوك لكي تكون أماكن العمل مختلطة مفتوحة حقا. يقتضي هذا اليهود أن يتجاوزوا شبكتهم الاجتماعية، وأن يمتنعوا عن العنصريات الصغيرة مثل تقليد طريقة النطق العربية. سيكون ذلك صعبا على الطرفين في أيام العمليات التفجيرية وعمليات الجيش الاسرائيلي. لكنهم برهنوا في السابق على انهم يستطيعون التغلب على ذلك.

مستقبل اسرائيل الاقتصادي كامن في ادماج مواطنيها العرب، ولهذا يصعب ان نفهم لماذا ينحصر الخطاب بين الدولة والمجموعة العربية في الماضي فقط. في قوانين النكبة السخيفة من جهة، ومزاعم الظلم وانتقاد رموز الدولة من جهة اخرى. الارغام والتباكي، والانشغال الذي لا بقاء له بما كان، سيخلدان الفروق ويجران الاقتصاد الاسرائيلي الى الوراء. لن ينسي النمو الاقتصادي المشاعر القومية عند الجماعتين، ولن يخفي النزاع. لكنه سيمكنه من حياة اكثر طبيعية ومن مستوى عيش أعلى للجميع اليهود والعرب.

ان قانون النكبة، حتى في صيغته الملينة هو قانون غبي. ففي حساب تاريخي، انتصر وعي النكبة: فقبل عقد او عقدين فقط لم يكن المصطلح معروفا حتى لليهود في اسرائيل، وأصبح الان جزءا لا ينفصل من المعجم. لن يعيده أي قانون الى القمقم. بدل الانشغال في ترويض الاحتجاج العربي، يحسن ان تفكر الحكومة كيف تطور الطاقة الكامنة الضخمة للمواطنين العرب. لانه من هناك فقط، لا من قمع حرية التعبير سيأتي النجاح القادم للاقتصاد الاسرائيلي.