خبر إسرائيل والأزمة الاقتصادية العالمية .. نهاية خرافة « المعجزة »

الساعة 06:20 ص|20 يوليو 2009

فلسطين اليوم : نقلاً عن صحيفة "تشرين" السورية

يزعم الإسرائيليون أن اقتصادهم حقق على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، معدّل نمو مدهشاً للناتج المحلي الإجمالي بلغت نسبته نحو عشرة بالمئة سنوياً، وذلك في آن واحد مع استيعاب الموجات الكبيرة من المستوطنين الجدد ووضع البنية التحتية والاقتصاد الحديثين من الأساس تقريباً وخوض إسرائيل أربع حروب والحفاظ على أمنها ما كان يعدّ «أعجوبة اقتصادية».

ومع ذلك تراجع معدّل النمو في إسرائيل بين العامين 1973 و1979 شأنه شان معظم دول العالم الصناعية، ومن أسباب ذلك أزمات النفط بين العامين 1973 و1974 وعامي 1979 و1980. فقد بلغت نسبة النمو السنوية 3.8 بالمئة خلال الثمانينيات طرأ على النمو المزيد من التراجع ليبلغ 3.1 بالمئة، ومن ثم –أي خلال التسعينيات- عاد وسجّل زيادة سنوية بمعدّل يفوق 5بالمئة على الناتج المحلي الإجمالي، بل بلغت نسبة نموّه 6.4 بالمئة عام 2000 ثم عاد وتراجع إلى نسبة 5.2 بالمئة عام 2005. ‏

وسجّل الناتج المحلي الإجمالي للفرد زيادة تفوق 60 بالمئة خلال العقد المنصرم من القرن العشرين (رغم زيادة عدد السكان بنسبة 35 بالمئة) ليبلغ مستواه السنوي في عام 2005 حوالي 18.700دولاراً تقريباً. ‏

وكانت المشكلة المستعصية في العجز التجاري تتمثل حتى الفترة الأخيرة بالثمن الباهظ الذي اضطرت إسرائيل إلى تقديمه عن «أعجوبة» النمو السريع ومواجهة التحديات الأربعة في آن واحد. فالمعنى من الفجوة السنوية بين حجم أكبر من الواردات مقابل الصادرات هو الاعتماد الاقتصادي على الموارد الخارجية. وعليه فقد وضعت الحكومات المتتالية نصب عيونها تحقيق الاستقلالية الاقتصادية هدفاً سياسياً أو بكلمات أخرى الوصول إلى نقطة تمويل الصادرات لجميع الواردات وإنهاء العجز. ‏

وخلال السنوات الثماني والأربعين الأولى من قيام إسرائيل ازداد هذا العجز باستمرار 45 ضعفاً (وفقاً للاسعار الحالية) من 222 مليون دولار عام 1949 إلى 10.1 مليارات عام 1996. مع ذلك أبقى العجز على تراجع مستمر بمعايير نسبية خلال الفترة المذكورة ما يؤشر على حلّ المشكلة تدريجياً. في عام 1950 سدّت الصادرات 14 بالمئة من الواردات، ولكن هذه النسبة بلغت 51 بالمئة عام 1960 و79 بالمئة عام 1996، منذ ذلك الحين أخذ العجز الحقيقي ينخفض حيث بلغ 4.7 مليارات دولار عام 2001 ونحو 0.7 مليار في عام 2005 مع تمويل الصادرات من السلع والخدمات نحو 99 بالمئة من وارداتها. ‏

خسائر الأثرياء ‏

مؤخراً، وتحت وطأة الأزمة الاقتصادية العالمية أصاب الضرر أغنياء إسرائيل. وبحسب المجلة الاقتصادية الصادرة عن «معاريف» فإن أموال 500 مليونير إسرائيلي هبطت بنسبة 40 بالمئة، وقد انخفضت القيمة الإجمالية لأموال هؤلاء من 84 مليار دولار العام الفائت إلى 52 مليار دولار هذا العام 2009. ‏

وهذه هي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل التي يتأثر الأغنياء فيها بهذا القدر الكبير. فانفجار الفقاعة التكنولوجية في العام 2000 وكساد العام 1994 لا يقارنان بأزمة العام 2008 خاصة بشان الثراء الشخصي لأكبر أصحاب الأموال في إسرائيل.

وبين أكبر الخاسرين عائلة عوفر التي هبطت قيمة أملاكها بحوالي 4 مليارات دولار. غير أن ليف ليفاييف خسر كذلك حوالي ثلاثة مليارات دولار فيما خسر إليعزر فيشمان وأركادي غايدماك ما لا يقل عن 80 بالمئة من قيمة أملاكهما.

وتعدّ عائلة فيرتهايمر أغنى العائلات في إسرائيل وهي اليوم أوفرها سيولة. فقد باعت للرأسمالي الأمريكي الأسطوري وارن بافت في تموز 2006 نحو 80 بالمئة من أسهم شركة «يشكار» ونالت نقداً أربعة مليارات دولار دفعت منها ضريبة للحكومة الإسرائيلية تقدّر بـ850 مليون دولار وبقي لديها أكثر من ثلاثة مليارات دولار.

وقد أعلن ايتان فيرتهايمر أن عائلته لم تخسر في أية صناديق ائتمانية وأن «من ينام على الأرض لا يخشى السقوط عن السرير». وهكذا فإن لدى عائلة فيرتهايمر أسهمها في شركة «لهبيم» التكنولوجية فضلاً عن 20 بالمئة من أسهم «يشكار».

وهكذا فإن تقديرات أملاك عائلة فيرتهايمر كانت حوالي 6 مليارات دولار العام الماضي وغدت حوالي 5.5 مليارات دولار هذا العام. مع ذلك تقدّر خسائرها بـ750 مليون دولار. ‏

أما الخاسر الثاني من ناحية الحجم في إسرائيل فهو ليف ليفاييف الذي كان يملك حوالي 4.5 مليارات دولار العام الماضي وبات يملك 1.1 مليار دولار هذا العام.

وبذلك فإن خسارته تبلغ 3.25 مليارات دولار. وأشارت المجلة الاقتصادية إلى أن ليف ليفاييف يمثل الخسارة الأكبر في الأزمة الاقتصادية الأخيرة.

وكان أول من باع طائرته الخاصة بعد أن كان أول من شهد ارتفاعاً حاداً في قيمة أملاكه في الأعوام الأخيرة.

ويملك ليفاييف منذ حوالي عشر سنوات شركة «افريقيا إسرائيل» التي تملك عقارات هائلة في روسيا.

وقد تراجعت قيمة أملاك ليفاييف في هذه الشركة وحدها في العام الأخير بأكثر من 1.6 مليار دولار. كما أن ليفاييف الذي قرر في مطلع العام الماضي نقل أعماله إلى لندن خسر هناك أموالاً طائلة. ‏

 

وكان الخاسر الأول في إسرائيل لجهة الحجم عائلة عوفر التي خسرت 4.25 مليارات دولار. وقد راكمت هذه العائلة أموالها من تطور أعمالها في الولايات المتحدة حيث كانت مميزة في النقل البحري والترفيه البحري والتجارة في العديد من الميادين، ولكن الصعود السريع لهذه العائلة في أمريكا وإسرائيل شهد نزولاً مشابهاً وسريعاً، فقد خسرت أسهم الشركة في إسرائيل وحدها 2.6 مليار دولار من قيمة شركة السفن الخاصة بالعائلة والمسماة «زودياك» وشركة رويال كاريبيان. وكانت عائلة عوفر شريكة أيضاً في شركة البنى التحتية الفرنسية فاوليا. ‏

أما الخاسر الثالث الأهم فهو بني شتاينتس الذي خسر 2.5 مليار دولار، وبعده تأتي ساري أريسون وخسرت 2350 مليار دولار، ثم يأتي في القائمة اسحق تشوبا الذي خسر 1.650 مليار دولار، وأركادي غايدماك وخسر 1.4 مليار دولار. ثم يأتي حاييم زبولوفيتش وخسر 950 مليون دولار وعائلة فرتهايمر التي خسرت 750 مليون دولار.

ويحلّ بعدهم في القائمة نوعم غوتمان الذي خسر 650 مليون دولار وعائلة فيشمان التي خسرت 575 مليون دولار. وخسر نوحي دنكنر ما لا يقل عن 180 مليون دولار ولم يبق لديه إلا ما يعادل 70- 100 مليون دولار. ‏

وبعد هؤلاء يأتي مئير غوربيتس الذي يستثمر أمواله في بريطانيا وألمانيا وقد خسر حوالي 55 مليون دولار من مجموع أمواله البالغة قيمتها 60 مليون دولار، كما أن تسفي كوفريلي وزكي شالوم خسرا 55 مليون دولار وبقي لديهما 200- 150 مليون دولار. ‏

ومن المعروف أن 18 عائلة في إسرائيل تسيطر عملياً على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث إن مداخيل شركاتها في العام 2005 البالغة 43 مليار دولار، تشكل32 بالمئة من مداخيل أكبر 500 شركة في إسرائيل، و77 بالمئة من ميزانية إسرائيل للعام 2006 البالغة حوالي 55 مليار دولار (256 مليار شيكل). ‏

أما العائلات الثرية فهي: عائلة نوحي دانكنر، التي كانت مداخيلها في العام 2005 حوالي 6.5 مليارات دولار، تليها عائلة الأخوين عوفر، وبلغت مداخيلها 5.9 مليارات دولار، ثم حاييم صبان وبلغت مداخيله حوالي 3.93 مليارات، وشيري أريسون بمداخيل 3.76 مليارات دولار, ويتسحاق تشوفا مع 2.93 مليار دولار, ثم دادي بوروفيتش وبلغت مداخيله 2.67 مليار دولار, وتسديق بينو مع أكثر بقليل من ملياري دولار, ثم يعقوب شاحر الذي بلغت مداخيله 1.72 مليار دولار, وميخائيل فيدرمان, 1.37 مليار دولار, وموزي فارتهايم, 1,28 مليار دولار, و ليف ليفاييف 1,24 مليار دولار, واليعيزر فيشمان 1.17 مليار دولار، وعوفره شتراوس 934 مليون دولار، وزوهر زيسافيل 717 مليون دولار، وشلومو شمتسلر 565 مليون دولار.

ومن هذه العائلات من يسيطر على أكبر البنوك التجارية وشبكة الاتصالات الأرضية ووسائل إعلام وصحافة، وكبرى شركات الأغذية في إسرائيل. ‏

وبلغ مجمل مداخيل أكبر 500 شركة في إسرائيل في 2005 حوالي 135 مليار دولار، في داخل إسرائيل وحدها، ولا تحتسب هنا المداخيل من مشاريع خارج إسرائيل. كما تشغل هذه الشركات أكثر من 150 ألف عامل، من أصل 2.7 مليون هي القوى العاملة في إسرائيل، و275 شركة هي بملكية خاصة، و220 شركة يتم تداول أسهمها في البورصة، و15 شركة فقط هي شركات حكومية، بعد أكثر من 14 عاماً تكثفت فيها سياسة الخصخصة. ‏

ودلّ جدول ميرل لينتش العالمي على أن عدد المليونيريين في إسرائيل بلغ في العام 2004 حوالي 6600 مليونير، أي أن لدى كل واحد منهم سيولة نقدية دائمة من مليون دولار فأكثر، وتبلغ قيمة ثروتهم حوالي 24 مليار دولار، وهذا أكثر بـ10 بالمئة من عدد الأغنياء الذين كانوا في إسرائيل في العام 2003، والذين كان عددهم 6 آلاف مليونير، تبلغ ثروتهم 20 مليار دولار. ‏

لكن التقرير ذاته يؤكد على الفجوة الكبيرة الحاصلة بين الأغنياء، فحسب الجدول هناك 70 شخصاً فقط يملك كل واحد منهم أكثر من 30 مليون دولار، وعدد هؤلاء الأثرياء ازداد بـ15 بالمئة مقارنة مع العام 2003. ويشير هذا الجدول السنوي إلى أن عدداً قليلاً جداً من المليونيريين قد خرج من القائمة، ودخل بدلاً منهم 600 مليونير جديد. ‏

ومن بين أكثر من 500 شخص ثري في العام هناك ستة إسرائيليين، وأكثر الإسرائيليين ثراء هي شيري اريسون التي تبلغ ثرواتها حوالي أربعة مليارات دولار، ثم ستاف فرتهايمر. ومقارنة مع العالم، ففي حين ازداد عدد الأثرياء في العالم، ككل، في العام 2004 بنسبة 7%، مقارنة مع العام 2003، فإن عدد الأثرياء في إسرائيل ارتفع بنسبة 10%، وهي من أعلى نسب الارتفاع في العالم. ‏

وإذا كانت خسائر الأثرياء الإسرائيليين أحد مؤشرات تأثر الاقتصاد الإسرائيلي بالأزمة الاقتصادية العالمية، فقد عبر إعلان وزير المالية الإسرائيلية الجديد يوفال شتاينتس عن عمق الأزمة الاقتصادية في إسرائيل بإعلانه أن حالة طوارئ استثنائية تستلزم خطوات طوارئ استثنائية وتلزم المنظومة الديمقراطية الحكومية بإبداء مرونة في وقت الضرورة. وحالة الطوارئ الاقتصادية هي حالة طوارئ قومية وتستلزم الرسمية في التعامل معها. ‏

وعرض شتاينتس مشروع قانون يسمح للحكومة بتأجيل المصادقة على الميزانية العامة إلى 15 تموز بدلاً من 15 أيار 2009، وكذلك قبول أن تقدم الحكومة ميزانية لعامين دفعة واحدة وليس لعام واحد كما كان متبعاً، مبرراً ذلك بالقول: إن الأزمة الاقتصادية الحالية هي إحدى أخطر الأزمات في الاقتصاد العالمي وهي ذات عواقب وخيمة على الاقتصاد الإسرائيلي، لذلك يحظر دفن الرأس في الرمال، وعلينا الخروج في حرب دفاعية لصدّ التباطؤ والركود والبطالة والذهاب سريعاً إلى عهود جديدة تسمح بتحقيق نمو مستقبلي حين تسمح الظروف. ‏

ولم يحدث في تاريخ إسرائيل أن يتولى وزير مالية جديد مهام منصبه فيتسلم تقريراً عن عجز بقيمة 40 مليار شيكل (10 مليارات دولار). وأبداً لم تكن الأرقام المجردة أكبر من هذا العجز الذي في أغلبه هو محصلة جانبية للأزمة.

ولا يبدو أن قول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه الأخير: «مقابل الأزمة الاقتصادية العالمية عملنا فوراً من أجل تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الإسرائيلي. وقد أقررنا في الحكومة ميزانية لعامين» هو القول الفصل أو كلمة السر للخروج من الأزمة الاقتصادية، أو للحد من تأثيراتها السلبية على الاقتصاد