يتهافت مئات المواطنين والنازحين من مواصي خانيونس إلى الغرب على بقايا التكايا، التي لا تزال تعمل في أجواء غاية في الصعوبة مع اشتداد الحصار والمجاعة، علهم يحصلون على طبق طعام يأكلونه مع أبنائهم دون خبز، في تحدٍّ للبقاء على قيد الحياة، والنجاة من الموت لا من أجل الشبع.
المواصي تكتظ بمئات آلاف النازحين، خاصة من محافظتي خان يونس ورفح، حيث تتعالى الأصوات التي يعتصرها الألم أمام بعض التكايا التي لا تزال تعمل، وتقدم بعض الطعام، وكل يحمل في يده إناءً محترقا، أو بقايا علب، أو بعض الأواني البلاستيكية التي عفا عليها الزمن من أجل طبق عدس، أو برغل، أو شوربة، عله يشد به جوع أطفاله.
المواطن سلمان أبو رمضان يسرد ما يعانيه كل يوم وهو يتوجه نحو التكية رغم مخاطر تعرضه للقصف، "أستيقظ في الصباح، وأنا أحلم بحصولي على وعاء أو طنجرة طبيخ عدس أو عدس أسود (دمسة)، لإطعام أسرتي المكونة من عشرة أفراد، فأضطر إلى الوقوف أمام التكية منذ الساعة الثامنة صباحا، إذ الازدحام الشديد والأفواه الجائعة، لعلنا نجد ما نطعم عائلاتنا، التي ينهش أجسادها الفقر والجوع، ولا تقوى على توفير ما يسد رمقها وجوعها".
ويتابع: "الأمر الذي يجبرني على الوقوف أمام التكايا هو عدم وجود بديل آخر، ولعدم استطاعتي شراء الطعام والخضراوات، لارتفاع أسعارها بشكل جنوني"، متمنيًا تجاوز المجاعة، ومحاولة التغلب على المعاناة التي عاشوها طوال أشهر الحرب الطويلة.
بينما يقول المواطن أنيس الشاعر: "بسبب الأوضاع الصعبة، أُجبرتُ على التوجه إلى مراكز المساعدات الأميركية في رفح، رغم الخطورة الشديدة، ولكن لم أتمكن من الحصول ولو على كيلوغرام طحين من شدة ازدحام الجوعى في المكان، واستهداف الاحتلال لهم في كل لحظة، حيث يتعمدون إصابة المواطنين في مناطق خطيرة من أجسادهم لقتلهم، أو لإصابتهم إصابات خطيرة تسبب لهم إعاقة دائمة".
ويردد قائلا: "رغم الخطورة والصعوبة في الحصول على الطعام يعود أغلبية المواطنين دون الحصول على أي شيء".
أما المواطن إبراهيم عبد الهادي، فيقول: "تُعتبر التكايا شريان الحياة والعمود الفقري الذي يعتمد عليه آلاف المواطنين الجوعى، رغم وقوفهم لساعات طويلة، من أجل الانتظار والحصول على الطعام".
ويضيف: "في كثير من الأوقات لا يستطيع الكثير من المواطنين الحصول على طعام التكايا، بسبب الازدحام الكبير، وكذلك لقلة الطعام المقدم، وعدم وجود داعمين سواء محليين، أو من الخارج، الأمر الذي ينعكس سلبًا على المجوعين".
وأعرب عن تمنياته بأن تنتهي الحرب ويُرفع الحصار، لتتمكن المؤسسات الدولية والأممية والمحلية من إدخال الطعام والطحين إلى القطاع، للحد من المجاعة التي لم يسلم منها أحد.
طلال أبو العراج عدل عن قرار التوجه إلى نقاط التوزيع، بالقول: "غيرت وجهة نظري بالذهاب إلى مراكز المساعدات، بسبب نجاتي من موت محقق، إذ رأيت بأم عيني كيف يُقتل ويصاب المواطنون هناك، وعلى مرأى مني استُشهد الكثير، فآثرت الموت جوعًا على الذهاب إلى مصايد الموت المحتم".
يقول أحد المبادرين المتطوعين في تكية خيرية محمد رباح: "إنهم يواجهون مصاعب وعقبات شتى في توفير المواد الغذائية الأساسية للطبخ، سواء كانت خضراوات أو بقوليات، في ظل النقص الحاد في توفرها في الأسواق، وارتفاع أسعارها، لمنع الاحتلال إدخالها منذ مارس/ آذار الماضي حتى اليوم".
وأشار إلى أنهم في أحيان كثيرة يشترون هذه المواد من المواطنين الذين يجلبونها من مراكز المساعدات، وتكون أكثر من حاجتهم اليومية، فيضطرون إلى بيعها لتوفير أشياء أخرى لعائلاتهم، ولكن لا تكون قليلة، ولا تكفي للأعداد الكبيرة التي تريد الحصول على الطعام.
ويتابع رباح: "نواجه صعوبات كثيرة، خاصة أن التكية تعتمد بشكل كامل على الحوالات المالية، سواء المحلية منها، أو الخارجية، خاصة في ظل ارتفاع سعر السيولة، الذي وصل إلى أكثر من 42% مقابل التطبيق، وهذا بحد ذاته خسارة كبيرة، ويؤثر بشكل سلبي في عدد المواطنين الذين يستفيدون من الطعام، إذ ينخفض عددهم إلى النصف مقابل الأموال المحولة".
وأشار إلى أن الشراء كذلك عبر التطبيق ارتفع بشكل ملحوظ، إذ يحتسب التجار نسبة الـ42% فوق السعر المتداول المرتفع أصلًا.
وأضاف: "نواجه صعوبة في استقبال الأموال وإرساله في حالات انقطاع الإنترنت والاتصالات عن القطاع، وهذا بحد ذاته يشكل معاناة وحصارا لقوت النازحين، الذين يعتمدون على التكايا، آملًا أن تتحسن الظروف، ويزيد عدد المستفيدين من طعام التكايا، خاصة أنهم يقدمون عدة أنواع من الطعام يوميا، ويستفيد منها المئات، إذ يعملون داخل التكية من الساعة العاشرة صباحا حتى الثالثة بعد الظهر.
وتتوالى المطالبات الأممية بضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إذ دعت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إلى "ضرورة رفع الحصار عن غزة، التي تمنع إسرائيل وصول المساعدات إليها".
ولفتت إلى الكارثة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، بقولها: "الوقت ينفد بالنسبة إلى الناس في غزة، فالطعام ينفد بالنسبة إليهم، والأدوية تنفد كذلك، والأماكن الآمنة نفدت".
وأعلنت "الأونروا" أن آلاف الشاحنات المحملة بالمساعدات تنتظر من أجل غزة، وأن هناك ما يكفي من الغذاء لسكان غزة بأكملها.
ومنذ الثاني من آذار/ مارس الماضي، تغلق سلطات الاحتلال، معابر قطاع غزة في وجه جميع الإمدادات والمساعدات الإغاثية، ما أدخل نحو 2.4 مليون فلسطيني في حالة مجاعة.
ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تشن دولة الاحتلال حرب إبادة جماعية في قطاع غزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلّفت الإبادة، أكثر من 194 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.
المصدر: وكالة "وفا".