قائمة الموقع

نتنياهو بين الحفاظ على ائتلافه الحكومي والضغوط الدولية بشأن غزة

2025-05-30T09:08:00+03:00
بن-غفير-ونتنياهو
فلسطين اليوم

يتكرر مشهد تزامن الأزمات الإسرائيلية الداخلية مع تلك الخارجية، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي الإسرائيلي، في ظل استمرار حرب الإبادة على غزة.

 وعلى الرغم مما تدّعيه "إسرائيل" ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو من تحقيق "إنجازات عسكرية كبيرة"، التي لا تعدو كونها استمرارا للقتل والدمار والتهجير، إلا أنها لم تسهم حتى الآن في تحقيق استقرار سياسي داخلي، بل على العكس، تعمّقت التصدعات السياسية الداخلية، وباتت تُهدد تماسك التحالف الحكومي القائم. يتزامن هذا التآكل الداخلي مع تصاعد الضغوط الخارجية، وتزايد مظاهر العزلة الدولية، وبدء فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، حتى وإن كان ذلك من خلال قرارات فردية اتخذتها بعض الدول الأوروبية.

ويُضاف إلى هذا المشهد، تزايد الأنباء حول رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إنهاء حرب الإبادة على غزة، وممارسة ضغوط فعلية على حكومة الاحتلال، إلى جانب مواصلة التواصل والتفاوض المباشر مع حركة حماس.

تصريحات نتنياهو

في السياق، أثارت تصريحات نتنياهو في فيلم مصور قصير عن أمله في "الإعلان قريباً عن شيء ما بخصوص الأسرى، إن لم يكن اليوم، فغداً"، الاثنين الماضي، ضجّة واسعة واستياء، خصوصاً في أوساط عائلات الأسرى والمخطوفين.

 وسارع مكتب نتنياهو إلى إصدار بيان توضيحي يتراجع فيه عن أقواله، مدّعياً أن نتنياهو لم يقصد حرفياً وجود تقدم فعلي في المفاوضات، بل عبّر عن "التزامه" بقضية الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين.

 غير أن هذا التراجع السريع لا يُلغي الاحتمال بأن نتنياهو أراد فعلاً التلميح إلى وجود تطور ما في المفاوضات مع حركة حماس، في محاولة منه لكسب نقاط أمام الرأي العام الإسرائيلي. لكنه، على ما يبدو، تسرّع واستبق الأحداث قبل أن تنضج الظروف بشكل كافٍ.

وجاء تصريح نتنياهو في ظل تصاعد التسريبات وتزايد الأخبار الضبابية بشأن المفاوضات الجارية بين "إسرائيل" وحركة حماس، إلى جانب ضغوط جديدة وجدية يمارسها الرئيس الأميركي بهدف التوصّل إلى اتفاق لتبادل الأسرى والمحتجزين، وربما أيضاً لوقف الحرب. لا نبالغ إذا قلنا إن المفاوضات الحالية تختلف بعض الشيء عن سابقاتها. ونشهد اليوم تدخلاً أميركياً مباشراً ومتواصلاً مع كل من "إسرائيل" وحركة حماس، وهو ما يُمثّل تجديداً مهماً وكسراً للقواعد السابقة، حيث لم تعد المفاوضات تجري بشكل رئيسي من خلال الوساطة القطرية أو المصرية.

كما لم يعد بإمكان "إسرائيل" منع طرح مبادرة أميركية جديدة لفترة طويلة، خصوصاً في ظل رغبة ترامب في إنهاء هذا الملف، الذي بات يشكّل عائقاً أمام التقدم في ملفات إقليمية أخرى تعتبرها الإدارة الأميركية أولوية في الشرق الأوسط. يبدو أن الإدارة الأميركية، حتى الآن، تمنح "إسرائيل" هامشاً لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب في المفاوضات، وفي أي صفقة محتملة مستقبلاً، كما تتغاضى عن المماطلة الإسرائيلية قبل أن تزيد من وتيرة الضغط وتفرض اتفاقاً.

لكن هذا التوجّه لن يستمر طويلاً، وفقاً لعدد من التحليلات الإسرائيلية التي تحذّر من أن استمرار رفض "إسرائيل" التوصل إلى اتفاق مع حركة حماس قد يُلحق ضرراً بالغاً بعلاقاتها مع الإدارة الأميركية.

إعلان حركة حماس عن التوصل إلى تفاهمات مباشرة مع مبعوث الرئيس الأميركي ستيف ويتكوف، بشأن إطار اتفاق لتبادل الأسرى ووقف الحرب، وبعدها بوقت قصير إعلان ويتكوف عن احتمال عرض مقترح معدّل يتضمن طرح "حل شامل" للحرب على قطاع غزة، يشي بوجود توجّه جاد داخل الإدارة الأميركية للدفع نحو اتفاق شامل لوقف الحرب، وممارسة ضغط فعلي على "إسرائيل" لقبول هذا المسار.

من المتوقع أن يحاول نتنياهو تأجيل موعد التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى ووقف الحرب، قدر الإمكان، إدراكاً منه صعوبة منع هذه الصفقة في حال أصرّ الرئيس الأميركي على تنفيذها.

 ويسعى نتنياهو من خلال هذا التأجيل إلى الحفاظ على تماسك التحالف الحكومي، على الأقل حتى نهاية الدورة الصيفية للكنيست في 24 يوليو/تموز المقبل، ما يضمن تأجيل الانتخابات المقبلة حتى مطلع عام 2026 في حال تفكك التحالف الحكومي.

باتت الحرب على غزة تشكل معضلة سياسية واستراتيجية للحكومة الإسرائيلية، إذ أن استمرارها يهدد بتعميق العزلة الدولية، وتزايد الضغوط الخارجية، بما في ذلك احتمال فرض عقوبات من بعض الدول، فضلاً عن تعميق الأزمة مع الإدارة الأميركية.

داخلياً، تساهم الحرب في تعزيز الانقسامات السياسية والمجتمعية حول مشروعيتها وأهدافها. في المقابل، فإن وقف الحرب قد يُفضي إلى تفكيك التحالف الحكومي القائم. هكذا تجد الحكومة الإسرائيلية نفسها محاصرة بين خيارين، كلّ منهما ينطوي على كلفة سياسية عالية.

مصير التحالف الحكومي

يتزايد قلق نتنياهو بشأن مصير التحالف الحكومي، في ظل تزامن الضغوط الأميركية والأوروبية المطالبة بوقف الحرب على غزة، مع تصاعد الأزمات السياسية داخل الائتلاف الحاكم. وهدّدت الأحزاب الحريدية بتفكيك التحالف ما لم يتم سنّ قانون يُنظّم إعفاء الشباب الحريدي من الخدمة العسكرية، بينما يتعمّق الشرخ بين نتنياهو والمنظومة القضائية، خصوصاً بعد تجدد الخلاف حول تعيين رئيس جديد لجهاز "الشاباك". هذه التوترات مجتمعة تزيد من هشاشة الوضع السياسي الداخلي، وتفاقم من التحديات التي يواجهها نتنياهو في محاولاته الحفاظ على استقرار الحكومة.

وشهدت الأيام الأخيرة تصاعداً في نبرة وجدية تهديدات الأحزاب الحريدية بالانسحاب من الائتلاف الحكومي، في حال لم يتم التوصل إلى صيغة قانون لتنظيم إعفاء الشبان الحريديم من الخدمة العسكرية، إلى جانب ترتيب الميزانيات المخصصة للمعاهد الدينية.

ويبدو أن هذا التهديد يختلف عن سابقيه، ومن المرجح أن يجد نتنياهو صعوبة هذه المرة في الالتفاف على الأزمة أو التحايل على مطالب الأحزاب الحريدية، كما فعل سابقاً من خلال تخصيص ميزانيات إضافية وتأجيل الحسم.

وحددت الأحزاب الحريدية هذه المرة موعداً واضحاً لإنهاء الأزمة، ينتهي مع انتهاء الأعياد اليهودية الأسبوع المقبل.

وجاء التهديد بشكل صريح من الوزير يتسحاق غولدكنوبف، رئيس حزب "يهدوت هتوراة"، الذي قال أول من أمس الأربعاء: "في حال عدم إحراز تقدم في سنّ قانون ينظّم وضع طلاب المدارس الدينية، ستُعقد جلسة مع ممثلي الحزب، يتم خلالها اتخاذ قرارات بشأن الخطوات التالية: الانسحاب من الائتلاف أو الدفع نحو سنّ قانون لحلّ الكنيست".

في مقابل ضغوط الأحزاب الحريدية، تُصرّ المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا على ضرورة التزام الحكومة بقرارات المحكمة العليا، والبدء الفعلي في تجنيد الشبان الحريديم.

وأوضحت المستشارة القضائية أنها تعارض سنّ أي قانون يتعارض مع مبدأ المساواة في تحمّل العبء، ولا ينسجم مع قرارات المحكمة العليا، مؤكدة أن مثل هذا القانون لن يصمد أمام اختبار المحكمة.

 بهذا الموقف، تُصعّب بهاراف ميارا على حكومة نتنياهو تمرير تسوية ترضي الأحزاب الحريدية، وتبعث برسالة واضحة بأن تجاوز المحكمة أو الالتفاف على قراراتها لن يكون ممكناً.

إلى جانب ذلك، تُسجّل داخل حزب الليكود نفسه معارضة لقبول شروط الأحزاب الحريدية، إذ يطالب بعض أعضائه بفرض التجنيد على الشبان الحريديم مع منح إعفاءات محدودة فقط لطلاب المعاهد الدينية، وعلى رأس هؤلاء رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي إدلشتاين.

إذاً، أزمة تجنيد طلاب المعاهد الدينية هي أزمة متعددة المحاور والجهات الفاعلة. من جهة، يشكّل مطلب سنّ قانون يمنح إعفاءً شاملاً لطلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية خطاً أحمر بالنسبة للأحزاب الحريدية، التي تعتبر هذه المسألة جوهرية لهويتها وشرعيتها السياسية أمام جمهور ناخبيها.

في المقابل، يمثّل سنّ مثل هذا القانون تجاوزاً مرفوضاً للمستشارة القضائية للحكومة، التي ترى فيه انتهاكاً لمبدأ المساواة وتقويضًا لقرارات المحكمة العليا، مما قد يعمّق الأزمة الدستورية بين السلطتين التنفيذية والقضائية، ويثير أيضاً اعتراضات داخل جزء من حزب الليكود نفسه.

 في ظل هذا التعقيد، أي حل قد تطرحه الحكومة لتجاوز الأزمة سيكون محمّلاً بتبعات سياسية وقانونية، وقد يخلق أزمات جديدة تهدد استقرار التحالف الحكومي. وهكذا، تحوّل موضوع إعفاء الشبان الحريديم من الخدمة العسكرية إلى معضلة حقيقية تُهدد بتفكيك الائتلاف.

تصعيد الأحزاب الحريدية

يبدو أن تصعيد الأحزاب الحريدية وتوقيته لم يكن صدفة، بل يأتي في سياق شعور عام متزايد داخل المنظومة السياسية بأن إسرائيل دخلت عملياً عاماً انتخابياً جديداً.

فالمعطيات التاريخية تشير إلى أن أي حكومة إسرائيلية لم تنجح منذ عام 2003 في استكمال مدتها القانونية الكاملة لدورة الكنيست.

ثانياً، من المرجّح أن الأحزاب الحريدية باتت تشعر بأن التحالف الحكومي يقترب من الانهيار نتيجة تزايد الضغوط الخارجية والدولية لدفع إسرائيل نحو اتفاق يؤدي إلى وقف الحرب.

 هذا الشعور قد يدفعها إلى تصعيد المطالبة بسنّ قانون الإعفاء أو حتى إلى تفكيك التحالف بمبادرة منها، بهدف الحفاظ على دعم قاعدتها الانتخابية. أي أن هذه الأحزاب تفضّل الانسحاب من الحكومة على خلفية مبدئية، إذا ما تيقّنت أن سقوط الحكومة بات مسألة وقت لا أكثر.

بعد أكثر من عام ونصف العام على حرب الإبادة في غزة، يجد نتنياهو نفسه محاصراً بجملة من المعضلات المتشابكة، بدون حلول مريحة أو مخارج سهلة. عليه أن يختار بين مسارين، كلاهما يحمِل أثماناً سياسية باهظة: فإما أن يواصل الحرب، ما يعني الدخول في مواجهة علنية مع الإدارة الأميركية، وتعميق الشرخ مع الاتحاد الأوروبي، ويستجيب لمطالب الأحزاب الحريدية من خلال محاولة سنّ قانون يعفي الشباب الحريدي من الخدمة العسكرية، مما يعني توسيع الأزمة مع السلطة القضائية، واستفزاز قطاعات واسعة داخل المجتمع الإسرائيلي؛ أو أن يتجه نحو اتفاق لوقف الحرب، وهو ما قد يهدد بتفكك الائتلاف الحكومي، ويُفشل تمرير قانون الإعفاء، مما يعني خسارة الحليف الحريدي الاستراتيجي الذي شكّل منذ عام 2009 أحد أعمدة تحالفاته الحكومية.

المصدر: "العربي الجديد".

اخبار ذات صلة